بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
ملخص ما تقدم
كان البحث حول الضوابط التي ذكروها كمرجعيات للاحلام لتمييز المطابق منها للواقع عن المخالف والصحيح عن السقيم والمصيب عن المخطئ وذكرنا مجموعة ضوابط.
(تفسير الاحلام) على طبق حال الرائي ومذهبه وفكره
الضابط الاخر: ملاحظة مطابقة دين ومذهب ومعتقد وافكار من رأى في المنام شيئا، فان حال الرائي من حيث المعتقد والمذهب والفكر يفسر احلامه, ونقرأ بعض عباراتهم ثم نناقشها: يقول (على المعبر ان يراعي ديانة الرائي بل مذهبه العقائدي والفقهي, فشرب الخمر مثلاً مال حرام للمسلم, لكنها لمن يستحلها رزق) فالكافر لو رأى انه يشرب الخمر فينغي ان يعبر انه سيحصل على رزق حلال, (وكذلك اكل الميتة, ورؤيا الله تعالى دليل على بدعة الرائي وضلاله عند من لا يعتقد بالرؤيا في الدنيا والاخرة لقوله تعالى (لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ) لكن المؤمن بالمذاهب الكلامية المؤمنة بإمكان رؤية الله في الاخرة يكون تأويل رؤياه على خلاف ذلك)[1]، إلى اخر كلامهم.
نقول:يرد على هذا الضابط ما ورد سابقا من الوجوه فلا نكرر,لكن نضيف وجهين:
من وجوه الردّ:
1ـ مخالفته لنص الرواية
الاول: ان هذا الضابط مخالف لصريح بعض الروايات في خصوص المثال الذي ذكروه، ففي مجالس الصدوق (قال: قلت للصادق جعفر بن محمد عليهم السلام: ان رجلا رأى ربه عز وجل في المنام فما يكون ذلك؟، قال: ذلك رجل لا دين له ان الله تبارك وتعالى لا يرى في اليقضة ولا في المنام ولا في الدنيا ولا في الاخرة) فمقتضى ترك الامام الاستفصال عدم مدخلية نوع دين الراوي حيث ان هذا الضابط لو كان صحيحا وان حال الرائي يفسر الرؤيا تفسيرا حسنا او سيئا لكان على الامام ان يسأل ان هذا الرائي هل هو مؤمن مسلم ام لا؟ فان كان مسلما فهو ضال لأنه رأى ما يخالف معتقده وان كان ممن لا يعتقد بوجود الله سبحانه وتعالى أو بتجرده مثلاً فرؤيته له حسنة, لكن الامام عليه السلام اطلق القول بواضح العبارة، وسيتضح وجه هذا الجواب اكثر من الجواب الثاني,اذن ليس حال الرائي ملاكا في تفسير الرؤيا بل الامام اعتبر هذه الرؤيا باطلة مطلقا.
2- الخلط بين عوالم العين واللاوعي وعالم الادراك والشعور
الجواب الثاني: وهو جواب لطيف وبه يظهر وجه الخطأ لديهم، وهو ان هنالك عوالم ثلاثة قد جرى لهؤلاء الخلط بينها:
الاول:عالم العين والواقع الخارجي.
الثاني:عالم الوعي الظاهر الذي يسمى بمنطقة الوعي والادراك والشعور والاحساس.
الثالث:عالم اللاوعي ويسمى بالوعي الباطن أيضاً.
ونقطة الخلط في هذا الضابط؛ انه يصح ان يقال في الجملة ان المعتقد المرتكز في الذهن حيث انه كامن في عالم اللاوعي واللاشعور فانه يؤثر في تولد رؤى وصور مجانسة في المنام اي في عالم ثان هو عالم الأحلام فحيث انه كان يعتقد بجسمانية الله فان هذا الاعتقاد يتجلى ويتشكل بشكل رؤيا معينة فلأنه يعتقد ان الله يرى فانه في المنام يرى الله، ولعله لذا اجاب الامام بانه لا دين له, اما لو لم يكن يعتقد ان الله جسماني فقد لا يتجلى له بهذه الصورة، وقد يتجلى ولكن بسبب القاءات الشيطان لا المعتقد، والحاصل: ان هناك نوعاً من الترابط بين عالم اللاوعي وعالم الوعي، لكنه لا ربط للمعتقد بعالم العين وهنا نقطة الخلط، فان الضابط يريد ان يؤسس لقاعدة تفسر ما سيقع في الخارج او ما وقع في الخارج، او يفسر اوامر المولى الثبوتية، بمعتقده، ولكن لا ربط بين هذين العالمين إذ ما يقع في الخارج امر ومعتقدي امر اخر، إنما الترابط هو بين المعتقد والرؤيا في الجملة، فاذا اردنا ان نطبق ادوات علم النفس فان هذه الرؤيا قد تكشف عن معتقد كامن فيه او غريزة او شهوة او حقد تجاه شخص تجلى بشكل (عاصفة) مثلاً، لكن ذلك لا يكشف عن الواقع الخارجي الثبوتي، فلا ربط لهذا بذاك.
وبتعبير ادق: اللاوعي المذهبي يؤثر في تجسد ما هو كامن في ذاته لكنه لا يؤثر في تشكل الواقع الخارجي او في كشفه عنه، فلا ربط للرؤيا بالكاشفية عن الخارج وان كان لها ربط في الجملة بالكاشفية عن المعتقد.
من الضوابط (الامثال والاشعار) وما اشبه
الضابط الاخر الذي ذكروه، وبه نختم: هو الامثال والاشعار وما اشبه, يقول في هذا الكتاب: (وكذلك معرفة الامثال العربية والشعبية والاشعار المتداولة لأن كل ذلك يقبع في باطن المخيلة ويشكل ادوات تستفيد منها الرؤى عندما تتجسد في الذهن)[2]
مناقشات في هذا المقياس والضابط
نقول انه يرد عليه اضافة إلى ما سبق:
اولا: ان الامثال والاشعار والقصص الشعبية ونظائرها، لا حجية لها في حد ذاتها فكيف تكون مرجعا يحتج به لتفسير الاحلام ويتمسك به؟ فان الاصل هو غير ثابت فكيف يثبت به الفرع؟ إذ انه يريد ان يقول ان الرؤيا حجة[3] لأنها تستند إلى امثال واشعار موجودة في مخيلته, فنقول له:
اولا: ثبت العرش، فان هذه الاشعار ليست بحجة في حد ذاتها فكيف تكون حجة في تعبيرها؟، اللهم الا لو صدرت من المعصوم, هذه كبرى.
ثانيا: وصغرى نقول من اين لنا ان هذا الرائي محيط بهذه الاشعار؟ فان هذا المعبر يبدو انه يفترض ان هذا الرائي علامة الدهر وقد أحاط خبراً بالاشعار والامثال كلها، فكل ما رآه في المنام مما يطابق شعراً من الأشعار فانه يعبّر ويفسر بذاك الشعر المنشأ قبل الف سنة مثلاً؟ ولكن: هل وجدتم معبراً يسأل الرائي اولاً عن انه يحفظ الاشعار أو لا؟ وهل انه قد سمع خصوص هذا الشعر لكي يفسر رؤياه به؟ اذن هذا اشكال صغروي فان كثيراً من الناس وخاصة العوام هم ممن لم يطلع على تلك الاشعار او اكثرها فكيف يفسر هذا بذاك بدعوى انها مما تقبع في المخيلة ومنطقة اللاوعي او الوعي الباطن,هذا ثانيا.
ثالثا: ان الاشعار قد تكون متخالفة خاصة في اشعار الفرق المتنازعة فأية حجية تبقى لها بعد ذلك, هذا كله بالاضافة إلى الاجوبة المشتركة.
فائدة: ضرورة استجابة علم الاصول (للتحديات المستجدة) ومنها (الاحلام) و(الهرمنيوطيقا) و (الكشف والشهود) و(القياس)
وهنا لا بد أن نشير إلى قضية نقطة مهمة ترتبط بعلم الاصول بشكل عام وبهذا البحث بشكل خاص, وهي:
ان علم الاصول ينبغي ان يستجيب للتحديات المستجدة، وانه إن لم يستجب لها بالمستوى المطلوب حدث الارباك والخلل والانحراف لدى الكثيرين، ونضرب لذلك أربعة امثلة لم يستجب لها علم الاصول بالشكل الكافي، لذا رأينا الانحراف قد تسرب إلى الكثير من المثقفين وحتى لبعض رجال الدين:
المثال الاول: (القياس) فان من المسلمات عندنا بطلانه، ولأنه من المسلمات فقد اهمل علم الاصول بحثه بشكل مستوعب، ولذلك اضحى بعض رجال العلم غير محصن تجاه الشبهات المستجدة التي تروم اثبات حجية القياس، ولذلك نجد في الجامعات بل الحوزات، إثر موج الحداثة الجديد, ان عدداً من العلماء اعتقدوا بحجية القياس، وقد تصفحت أخيراً كتابا من حوالي 700 صفحة يحاول كاتبه فيه اثبات حجية القياس؟ لماذا؟ السبب هو انه لم يبحث ذلك بشكل مستوعب في الكفاية او الرسائل وما اشبه فلم يتعرف هذا الطالب على وجوه الرد، فتأثر بالفكر السني والفكر العالمي الجديد، ولذا نجد ان بعض رجال الدين ليست له الان حصانة علمية تجاه القياس، فمثلاً: ما هو فرق القياس عن التمثيل الذي هو حجة في المنطق فان القياس الفقهي يعادل التمثيل المنطقي فما الفرق بينهما؟ ولِمَ يكون في المنطق حجة وفي الفقه ليس بحجة[4] ان الكثير عندما يطرح عليه ذلك يتحير، وأيضاً: ما فرق القياس عن تنقيح المناط؟، وما فرق القياس عن الغاء الخصوصية؟ ان ذلك بحاجة إلى بحوث مستوعبة كبروية وصغروية.
الغريب أن المؤلف المذكور يقول ان الفقهاء كلهم يقيسون لكنهم لا يسمونه قياساً بل يسمونه تنقيح مناط او الغاء خصوصية ونحوهما؟، فلأن هذا البحث لم يستفرغ فيه الوسع مع وجود تحدِّ مستجد وعملي فكري جاد للآخرين، ومع لحاظ ان رجل الدين علومه ليست ذاتية وليست حصانته ذاتية، فان التموجات الفكرية الأخرى قد تؤثر عليه.
ب – الكشف والشهود
المثال الثاني: (الكشف والشهود)، فانه منهج ولغة عالمية تبناها العرفاء وبعض الفلاسفة وبعض جامعات الغرب، فكان ينبغي لعلم الاصول ولعلم الكلام التصدي العلمي المستوعب، وهذه المسألة – كسابقتها ولواحقها - كلامية لو اريد بها اثبات امر من أمور العقيدة، والكلام، وهي اصولية لو اريد بها اثبات امر اصولي، فلو اريد بالكشف أو بالقياس اثبات صفة لله تعالى فانه يندرج في مسائل علم الكلام، وانه كما ان البشر كذا فالله كذا وكما نُرى فالله يُرى مثلا، وان اريد بالقياس اثبات مسألة فقهية فهو مسألة اصولية.
ج - الهرمنيوطيقا
المثال الثالث: بحث (الهرمنيوطيقا) فانه بحث عالمي مستجد مهم تغلل إلى الاوساط العلمية وقد لاحظت شخصيا بعض اساتذة بحث الخارج قد تأثر بها واستعمل بعض مصطلحاتها في بحثه من حيث لا يدري ولو أُلفِت لرجع لأنه سليم المعتقد كما اعرفه، لكن المشكلة هي أن المسألة مسالة مستجدة مهمة ذات أبعاد متعددة لم تبحث بشكل جيد.
د - الأحلام
المثال الرابع: (الاحلام) – وهي مورد بحثنا - وهي كثيرة الابتلاء جدا والناس عادة يبنون عليها قليلاً أو كثيراً، فلا يكفي ان نقول ان الاحلام ليست حجة وانتهى الامر، ذلك ان هناك تموجاً كبيراً للاحلام حتى في صفوف رجال الدين والخطباء والعلماء، فان الكثير منهم يبني عليها في قوله او فعله ولو في الجملة، فينبغي ان يبحث هذا في الاصول بحثا جيدا، وان خرجنا بنتيجة وضوح بطلانه او بطلان القياس، لكن اين يبحث ذلك؟
والحاصل: ان علم الاصول ينبغي ان يستجيب للتحديات خاصة في هذه المسائل الاربع, هذا اولا.
وثانيا[5]: لأن علما من الاعلام كصاحب القوانين توقف في المسألة وما ذلك الا لأن المسالة لم تبحث جيدا، فقال (فالاعتماد مشكل سيما إذا خالف الأحكام الشرعية الواصلة إلينا مع ان ترك الاعتماد مطلقاً حتى فيما لو لم يخالفه شيء أيضاً مشكل..)[6] كما ان بعض الاعلام كصاحب الفصول فصّل، بل مشهور المتأخرين على مبناهم[7] ينبغي ان يفصلوا بين نوعي الاحلام: ما اورث القطع وغيره، مما تقدم نفيه سابقا.
ثالثا: هناك ايات عديدة حول الاحلام، وهناك العشرات من الروايات حول الرؤى، فمن الجدير ان تبحث الروايات سندا، وان تبحث الروايات والايات دلالة وما الذي تريد ان تقوله؟ وان الرسالة التي تحملها لنا ماهي؟
الاستدلال بالايات ورؤيا يوسف النبي (عليه السلام) وجوابان عام وخاص
اما الايات في الاحلام فقد وردت في عشر موارد بعضها صريحة في المدعى إذ تتحدث عن الاحلام بالصراحة، وبعضها بمعونة بعض الروايات فسرت بالاحلام، وسنذكر الآن فهرس الايات لكي تتدبروا فيها وتراجعوا التفاسير وسنتوقف قليلا عند بعضها، والتوسع يترك لأبحاثكم:
الايات غير الصريحة
الايات غير الصريحة وهي خمسة، منها: في سورة يونس الاية 63و64 (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ) فلهم البشرى ما معناها؟ احتمالات منها ان المراد هو الرؤيا المبشرة الصالحة يراها المؤمن لنفسه أو ترى له كما ورد في بعض الروايات ومنها انه يبشر عند الموت بالجنة إذ تبشره الملائكة بـ(أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ) ومنها: البشارة التي وردت في القرآن الكريم على أعمالهم الصالحة وسنتكلم على احتمال ان المراد منها الرؤيا.
ومنها سورة الروم الاية 23 (وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ) فمنامكم تعني النوم ولا يخفى تضمنه للمنامات والأحلام.
الاية الاخرى في سورة المجادلة الاية 10 (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنْ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا) أي ما يلقيه الشيطان في قلب المؤمن في المنام ليحزنه، على تفسير.
الاية الاخرى في سورة النبأ وهي الآية التاسعة (وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً).
الآيات الصريحة
واما الايات الصريحة فقد وردت في ستة موارد:
في سورة يوسف الاية 4و5 والاية21 والاية 36 إلى 49 وهذه كلها تتحدث عن نبي الله يوسف.
وفي سورة الاسراء الاية 60 (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ) والخطاب للرسول صلى الله عليه واله، وفي هذه (الرؤيا) تفسيرات ثلاثة كما سيأتي.
سورة الصافات الاية 102 (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ).
سورة الفتح الاية 27 (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ).
ونبدأ بسورة يوسف الاية4والاية5 [8] وقد روي عن ابن عباس ان الرؤيا كانت ليلة الجمعة في ليلة القدر، فهناك خصوصيات مكتنفة بالرؤى الصادقة وهنا مجال طويل للتوقف لكن نقتصر على بيت القصيد والزبدة فقط: يقول تعالى (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) نقول:
1- رؤيا الأنبياء وتعبيرهم، حجة لا غير
اما الجواب العام عن مجمل الآيات، فهو: ان الايات القرآنية الصريحة لا يمكن الاحتجاج بها على حجية الاحلام بالمرة لأن هذه الايات انما وردت في رؤى للانبياء او في رؤى عبّرها انبياء، ولا نقاش لنا في ان رؤيا النبي هي من انواع الوحي وانه لا يخطئ ولا نقاش لنا في ان النبي تعبيره مطابق للواقع، وانما الكلام في رؤى الناس التي يعبرها المعبرون, والحاصل: انه لا يصح ولا يمكن الاحتجاج بالاخص وهو رؤى الانبياء او ما عبّره الانبياء، على الأعم وهو رؤانا التي يعبرها المعبر العادي، وهذا جواب مشترك.
ب – الآية تدل على ان (تأويل الرؤى) عطية إلهية
اما الجواب الخاص بهذه الآية: انه يوجد في الاية دلالة على اختصاص هذه العطية بيوسف النبي - وبسائر الانبياء عليهم السلام بالادلة الاخرى - (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ) فيجتبيك فعل الله وهو اصطفاء الهي كما قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ) وليس ذلك باختيارنا، (وَيُعَلِّمُكَ) وهذا تدخل الهي آخر مباشر، فهو علم غيب اعطاه الله ليوسف عليه السلام ولا نقاش فيه كما هو واضح.
بل في هذه الاية دلالة على عكس مدعاهم إذ ظاهر الآية ان الله اعطى بعض انبياءه علوما غيبية منها علم تعبير الاحلام مما قد يفيد ان الطريق ليس طريقا ماديا عاديا يطرقه الناس بل ينبغي ان يتدخل الله (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ) فهو بتعليم الهي مباشر وليس مما يحصل عليه الانسان بالذات، ولا اقل ان ذلك مما لا دليل عليه، فظاهر الاية انه منحة الهية مباشرة وانه لا يخضع للضوابط الطبيعية فهذه الاية كقوله تعالى (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ)، اذن لو تدخل الله تدخلا غيبيا وعلم نبيه علوم الغيب فان ذلك لا يصلح دليلا على قدرة غير النبي على التعبير وصحة تعبيره. وللحديث صلة.
صلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
[1] - الموسوعة الشاملة في تفسير الأحلام – الطبعة الرابعة 2006 ص15.
[2] - المصدر ص14.
[3] - أي حجة في كاشفيتها عن الحقائق الخارجية.
[4]- قد يقال ان الفارق النص (ان دين الله لا يصاب بالعقول) و(يا ابان انك أخذتني بالقياس والسنة اذا قيست محق الدين) و(ان ما يفسده اكثر مما يصلحه) فيكفي هذا كالكثير من الموارد التي يكون النص فيها هو الفيصل تعبدا – المقرر.
الجواب: هذا صحيح، وهناك أجوبة أخرى، إلا ان الكلام في عدم إطلاع الكثيرين عليها مما أفقدهم المناعة تجاه الشبهات.
[5] - في تعليل ضرورة التوقف عند مبحث حجية الأحلام وبحثه مفصلاً.
[6] - القوانين ج4 ص496.
[7] - من ذاتية الحجية للقطع.
[8]- والاية السادسة ايضا |