بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
الجواب الحادي عشر:
وقد يقال: ان (رأي المؤمن ورؤياه...) هي قضية مهملة وليست مطلقة، إذ المفرد المضاف لا يفيد العموم، بل الذي يفيد العموم هو:
أ- الجمع المضاف، كقولك (أبناء زيد حكماء) عكس قولك (ابن زيد حكيم) فلو كان له أبناء لما دلّ على كون الأكثر من الواحد حكيماً.
ب – أو النكرة في سياق النفي أو النهي كما لو قال (لا رجل في الدار) أو (لا تضرب أحداً).
ج – أو الجمع المحلى بأل فانه يفيد العموم بالوضع.
د – أو المفرد المحلى بأل فانه يفيد العموم بمقدمات الحكمة
ولا شيء منها بمتحقق في (رأي المؤمن ورؤياه)
لكن قد يقال: ان إضافة الرأي والرؤيا للمؤمن مشعرة بالتعليل، إذ به بيان الوجه والعلة فحيثما كان كان[1].
لكن فيه: ان الاشعار بالعلية لا يكون دليلاً عليها، إضافة إلى ما سبق من ان الملاك لو كان هو (المؤمن) لكان المراد به الكامل، أو كان مجملاً.. الخ
وقد يقال: ان الظاهر ثبوت الحكم للجنس (أي جنس الرؤيا والرأي أي الرؤيا بما هي هي) فهو كـ(تمرة خير من جرادة) أو أكرم خادم العالم إذ يستفاد منه أكرم كل خادم له لا خصوص أحدهم.
وفيه: انه على فرضه يدل على العموم بمقدمات الحكمة، أو بحكم العقل على الخلاف، لا بالوضع، فيتقدم عليه كل ما دل على العموم بالوضع ككافة أدلة الأحكام والموضوعات – كخبر الثقة والبينة – فتأمل
الجواب الثاني عشر:
ان ثبوت كون رؤيا المؤمن، من أجزاء النبوة لا يقتضي حجيته على الغير؛ إذ هناك فرق بين النبوة والرسالة ولم يرد في الحديث ان رؤيا المؤمن على سبعين جزءاً من أجزاء الرسالة، والمجدي في مقام الاحتجاج هو الرسالة لا النبوة أي ما أرسل به لا ما أنبئ به فقط دون أن يؤمر بإبلاغه.
بعبارة أخرى: النبوة بما هي هي أمر لازم وليس متعدياً إلا لو أمر الله بإبلاغها، ويوضحه (القطع) فان كونه حجة ذاتاً – أو كون العلم فقط هو الحجة الذاتية – لا يستلزم كونه حجة على الغير بل هو حجة للقاطع فقط، فلو فرض ان الرؤيا نبوة فهي حجة للرائي، لكن ما الدليل على حجيتها على غيره؟
ويوضحه: ان النبي بما هو نبي لم يكن مكلفاً بإبلاغ الغير بما أنبأ به بل إنما وجب عليه الإنباء لو أمر بالرسالة.
كما يوضحه قوله تعالى: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) و(يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوْا الرَّسُولَ...) (مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى...) (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ) (مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ...) (يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ) (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ...)
وما ذكر فيه (النبي) فهو لأنه المبنى والمقتضي لا لأنه الجزء الأخير من العلة في الاحتجاج، ولذا نجد إلحاق الرسالة بالنبوة كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ...) فتأمل
الجواب الثالث عشر:
ما أجاب به العلامة المجلسي[2] بقوله:
(لكن هذه الأخبار ليست بصريحة في وجوب العمل به – أي بالنوم أي ما يرى في النوم – إذ لعله مع العلم بكونه منهم عليه الصلاة والسلام، لم يجب العمل به؛ إذ مناط الأحكام الشرعية: العلوم الظاهرة، كما ان النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام كانوا يعرفون كفر المنافقين وفسق الفاسقين ونجاسة أكثر الأشياء، لكن الظاهر انهم لم يكونوا مأمورين بالعمل بهذا العلم، بل كانوا يستندون في تلك الأحكام إلى الأمور الظاهرة من المشاهدة وسماع البينة).
أقول: وفرق هذا عن الجواب السابق أنه يزيد عليه بانه لا حجية – بمعنى وجوب العمل والإتباع – للمنامات حتى في حق الرائي، أما الجواب السابق فقد بنى على فرض قبول حجيته في حق الرائي إلا انه ليس حجة في حق غيره.
وأقول: ويؤكد كلام العلامة المجلسي أدلة حصر الأدلة والامارات مثل (انما اقضي بينكم بالإيمان والبينات..) و(الأشياء كلها على هذا حتى تستبين أو تقوم به البينة)
ومثل (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) و(أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) و(اجلس في المسجد وأفت الناس)
مما تفيد بالدلالة الالتزامية، عرفاً، نفي ما عداها. فتأمل
وقد يؤيد كلامه: بان الحجج الشرعية ليس بالتأسيسية، بل هي امضائية تأكيدية، والشارع جرى في طرق إطاعته وحججه على مراداته، على ما جرى عليه العقلاء، هذا هو الأصل والخروج عنه بحاجة إلى دليل، وصِرف ورود ان الرؤيا نبوة لا يصلح دليلاً على وجوب الجري على طبقها، ويرمم الجواب بما ذكر في الجواب السابق. فتأمل
الجواب الرابع عشر
وقد يورد على الاستدلال بهذه الرواية انها مضطربة المتن إذ قوله (رأي المؤمن...) إن أريد به اجتهاده المطابق للقواعد والأصول، فهو حجة مطلقاً، لا في آخر الزمن فقط. وإن أريد به غير المطابق لها – كالرأي القياسي وكرأي غير أهل الخبرة – فانه ليس بحجة مطلقاً حتى في آخر الزمن.
وبعبارة أخرى: موضوع حجية الرأي هو (الفقيه) أو (أهل الخبرة) لا (المؤمن) فان حيثية الإيمان ترتبط بالثواب والدرجات ولا ترتبط بحجية الأنباء إلا من حيث وثوق اللهجة غير الكافية فيما يحتاج إلى الخبرة أو الاجتهاد.
وقد يجاب: بان (المؤمن) أريد به جهة الطريقية لا الموضوعية، أي أريد به: من حيث انه، بما أنه مؤمن، لو أبدى رأياً فانه لا يقوله إلا لو كان مستجمعاً لشرائط الحجية، كأن يكون مجتهداً فيما احتاج للاجتهاد أو أهل خبرة فيما احتاج للخبروية، وككونه عن الأدلة لا عن القياس والاستحسان والمصالح المرسلة وشبهها، فإيمانه طريق إحراز ذلك كله.
لكن يرد عليه: ان ظاهر الرواية مرحلة الثبوت لا الإثبات، لظهور كون (على جزء...) مترتبة على كونه (رأي المؤمن) والأسماء موضوعة لمسمياتها الثبوتية. فتأمل
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
[1] - أي حيث كان الوجه وهو كونها رؤيا مؤمن كان الحكم وهو (انها نبوة).
[2] - البحار ج58 ص237 – 238. |