• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 321- الجواب عن الاستدلال بـ(لاحمى إلا لله وللرسول) أ ـ لا سند للرواية 2ـ على فرض صدورها فالقضية خارجية (والأدلة على ذلك) لا حقيقية 3ـ على فرض حقيقيتها فإنها مخصصة قطعاً بالروايات المعتبرة و بالإجماع .

321- الجواب عن الاستدلال بـ(لاحمى إلا لله وللرسول) أ ـ لا سند للرواية 2ـ على فرض صدورها فالقضية خارجية (والأدلة على ذلك) لا حقيقية 3ـ على فرض حقيقيتها فإنها مخصصة قطعاً بالروايات المعتبرة و بالإجماع

 بسم الله الرحمن الرحيم 

 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
 
مبادئ الاستنباط 
 
23- علم الأديان والمذاهب الأصولي والفقهي، المقارن 
 
مناقشة دعوى ان الإسلام ألغى الحمى مطلقاً 
 
سبق ان بعض الأعلام ذهب إلى إلغاء الإسلام للحمى والحيازة مطلقاً وان الإحياء فقط هو سبب نشوء الحق، مستنداً إلى قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) (لا حمى إلا لله وللرسول). 
 
لكن يرد عليه: 
 
1- لا سند للرواية 
 
أولاً: ان الرواية لا سند لها، ولم نجدها إلا في مصادر العامة 
 
2- القضية فيها خارجية لا حقيقية 
 
ثانياً: انها على فرض صدورها، فان القضية خارجية وليست حقيقية، فليس المنفي جنس الحمى، بل المنفي هو حصة خاصة منه وهو الحمى الناشئ عن التجبر غير المستند إلى الأسباب العقلائية أي الحمى الذي كان معهوداً لدى الجاهلية من تحققه بعواء كلب، أو بقرار من الطاغوت([1]) 
 
أدلة ومؤيدات على ان القضية خارجية 
 
والدليل على ان القضية خارجية: فهم الفقهاء – شيعة وسنة – لها على انها كذلك وقد نقلنا بعض كلماتهم وإليك الآن ما ذكره الجواهر([2]): (وفي النبوي([3]) "لا حمى إلا لله ولرسوله" وزاد في آخر "ولأئمة المسلمين". والأصل فيه أن الأعزّاء من العرب إذا انتجع أحد منهم بلداً مُخصِباً أتى بكلب على جبل إن كان به أو على نشز إن لم يكن به جبل ثم استعوى الكلب وأوقف من كل ناحية من يسمع صوته بالعويّ فحيث انتهى صوته حماه من كل ناحية لنفسه، ويرعى مع العامة في ما سواه، فنهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ذلك لما فيه من التضييق على الناس)([4]) ولاحظ قوله (فنهى رسول الله عن ذلك) 
 
بل نقول: الإجماع على ان الحمى الجاهلي باطل، وان الحمى – بالشروط المقررة في الفقه، صحيح موجب إما للملك أو لحق الاختصاص. 
 
إضافة إلى ان الحمى بالشكل الجاهلي، كان محض تجبّر واستعلاء واستبداد، واما الحمى للضيعة وشبهها لمرابض خيلهم ومرعى ماشيتهم وملعب صبيانهم ومسيل مياهم ومطرح قمامتهم وترابهم، فانه أمر عقلائي تعتمده الأقوام والملل والنحل بشتى ألوانها ويرونه حقاً طبيعياً لهم وامتداداً لحقهم، عكس ما يقوم به الاقطاعي والمتجبّر من حمى مناطق واسعة جداً بصيحة كلب أو بقرار فانهم يرونه ظلماً واستئثاراً. 
 
هذا كله إضافة إلى السيرة المستمرة على الحمى بالمعنى الشرعي المعهود للضيعة أو للبستان أو للبئر أو العين أو الدار، مما يسمى بالحريم أيضاً([5]). 
 
بل قد يقال: بانصراف لفظ الحمى عندهم إلى الحمى الجاهلي، لا لكثرة الوجود، بل لكثرة الاستعمال الموجب للأنس الذهني المستحكم بين اللفظ والمعنى، ويظهر ذلك بأدنى ممارسة وإطلاع على وضع وكلمات العرب حينئذاك.([6]) 
 
3- على فرض كونها حقيقية فهي مخصصة بروايات الحمى 
 
ثالثاً: سلمنا ان القضية حقيقية، لكنها مخصصة قطعاً بالروايات المعتبرة الدالة على صحة الحمى، والتي عليها الفتوى أيضاً والتي نقلها الجواهر والفقه([7])([8]) أيضاً معتمدين عليها. 
 
ومنها: صحيح محمد بن أحمد بن عبد الله عليه السلام، سألت الرضا عليه السلام عن الرجل تكون له الضيعة ويكون لها حدود تبلغ حدودها عشرين ميلاً وأقل وأكثر يأتيه الرجل، فيقول له: اعطني من مراعي ضيعتك كذا وكذا درهماً؟ فقال: إذا كانت الضيعة له فلا بأس([9])) 
 
ومن الواضح انه لم تكن تلك الحدود مسوّرة حتى يتوهم تحجيرها لاستحالة ذلك عادة في ذلك الزمن لتلك المسافة الكبيرة جداً([10]) ولو فرض الامكان العادي فانه لا ريب في عسره الشديد وتكلفته البالغة جداً وللغويته أيضاً، بل كان ذلك مجرد (حمى) فتدبر. 
 
وصحيح إدريس بن زيد، عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته وقلت: جعلت فداك ان لنا ضياعاً ولها حدود ولنا دواب وفيها مرعى وللرجل منا غنم وإبل ويحتاج إلى تلك المراعي لإبله وغنمه أيحل له أن يحمي المراعي لحاجته إليها؟ فقال: إذا كانت الأرض أرضه فله أن يحمى، ويُصيِّر ذلك إلى ما يحتاج إليه، قال: وقلت له: الرجل يبيع المراعي؟ فقال: إذا كانت الأرض أرضه فلا بأس.([11]) 
 
وصريح هذه الرواية التعبير بـ(الحمى)، وظاهرها اشتراط شرط شرعي في تحققه وهو أن تكون الأرض له، فعليه يكون له أن يحمي، لا كما يفعله المتجبرون من فرض الحمى دون امتلاكهم أرضاً أو دون امتلاكهم أرضاً تتناسب مع حجم الحمى عرفاً. 
 
كما ان ظاهر الرواية الأولى وصريح الثانية صحة بيع الحمى، وحيث انه لا بيع إلا في ملك فتدل على مملوكية الحمى، وعلى فرض التنزل فلا ريب في ان له حق الاختصاص ولذا صح له بيعه أو الصلح عليه أو ما أشبه مما يقابل بالمال. 
 
ولذلك قال في الجواهر (بل ربما كان ظاهرهما – أي خبري أدريس بن زيد وصحيح محمد بن أحمد بن عبد الله – الملكية – أي لحمى الضيعة وإن بلغت 20 ميلاً – بناء على إرادة البيع ونحوه من الاعطاء فيهما كما عن الشيخ وبني البراج وحمزة وإدريس وسعيد والفاضل وولده وغيرهم بل في المسالك انه الأشهر... خلافاً لظاهر جماعة أو صريحهم من عدم الملك بل هي من الحقوق لعدم الاحياء الذي يملك به مثلها) ثم أجاب عن هذا القول الثاني فراجع. 
 
دليل آخر على مملوكية الحمى أو ثبوت حق الاختصاص فيه 
 
كما يدل على مملوكية الحمى أو ثبوت حق الاختصاص فيه، عدم صحة وعدم جواز أن يحيى شخص آخر حريم أو حمى القرية وغيرها، بلا خلاف بل إجماعاً 
 
قال في الجواهر([12]): (الشرط "الثاني([13]): أن لا يكون" الموات "حريماً لعامر" بستان أو دار أو قرية أو بلد أو مزرع أو غير ذلك ممّا يتوقّف الانتفاع بالعامر عليه "كالطريق والشِّرب وحريم البئر والعين والحائط" بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد.([14]) بل في التذكرة: "لا نعلم خلافاً بين علماء الأمصار أنّ كلّ ما يتعلّق بمصالح العامر كالطريق والشرب ومسيل ماء العامر ومطرح قمامته وملقى ترابه وآلاته، أو لمصالح القرية كقناتها ومرعى ماشيتها ومحتطبها ومسيل مياهها، لا يصحّ لأحد إحياؤه، ولا يُملك بالإحياء، وكذا حريم الآبار والأنهار والحائط وكلّ مملوك لا يجوز إحياء ما يتعلّق بمصالحه؛ لمفهوم المرسل المزبور، ولأنه لو جاز إحياؤه أبطل الملك في العامر على أهله، وهذا ممّا لا خلاف فيه"([15]) 
 
بل عن جامع المقاصد: الإجماع عليه.([16]) 
 
وهو الحجّة بعد قاعدة الضرر والمرسل المزبور وصحيح أحمد([17]) ابن عبد الله على الظاهر: (سألت الرضا (عليه السلام): عن الرجل تكون له الضيعة، ويكون لها حدود تبلغ حدودها عشرين ميلاً وأقلّ وأكثر، يأتيه الرجل فيقول له: أعطني من مراعي ضيعتك واُعطيك كذا وكذا درهماً؟ 
 
فقال: إذا كانت الضيعة له فلا بأس)([18])، ونحوه صحيح إدريس بن زيد([19])([20]) أو خبره. 
 
بل ربّما كان ظاهرهما الملكيّة – بناءً على إرادة البيع ونحوه من الإعطاء فيهما – كما عن الشيخ([21]) وبني البرّاج([22]) وحمزة([23]) وإدريس([24]) وسعيد([25]) والفاضل([26]) وولده([27]) وغيرهم([28])، بل في المسالك: أنّه الأشهر([29]).) انتهى ما أردنا نقله من كلام الجواهر 
 
ملحق: لا يخفى ان الكلام الآنف الذكر([30]) في الدرس السابق، ترد عليه إشكالات عديدة أعرضنا عنها لأنها لا ترتبط بصميم بحثنا الآن([31]) فتدبر جيداً. 
 
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين 
 
 
 
([1]) كما نجده الآن لدى بعض الاقطاعيين وبعض الحكام المستبدين. 
 
([2]) الجواهر ج38 ص 61 – ج39 ص90 من الجديدة. 
 
([3]) سنن البيهقي ج ج6 ص146. 
 
([4]) ذكره ابن قدامه في المغني ج6 ص166 وفي الشرح الكبير المطبوع في ذيل المغني ج6 ص182. 
 
([5]) لعل الحمى بالمعنى الشرعي أخص مطلقاً من الحريم. فتأمل 
 
([6]) ومنها ان لا يكون في ملك الغير أو حقه ومنها ان يكون تبعاً لملك كضيعة يملكها. 
 
([7]) الجواهر ج38 ص34= ج39 ص47. 
 
([8]) الفقه ج 80 ص75 – 76. 
 
([9]) الوسائل: ج17 ص336 الباب 9 من أبواب إحياء الموات ح1. 
 
([10]) لاحظ عشرين ميلاً من كل جانب ثم تحجير المحيط بها! إذ يبلغ المحيط 1400 ميلاً أي أكثر من ألفي كيلو متر إذ الميل يعادل 1609 أمتار. 
 
([11]) الوسائل: ج12 ص276 الباب 22 من أبواب عقد البيع ح1 
 
([12]) الجواهر ج39 ص46 ط جديدة. 
 
([13]) من شرائط التملك بالإحياء. 
 
([14]) كالشهيد الثاني في المسالك والسبزواري في الكفاية: إحياء الموات/ شرائط التملّك ج2 ص551، والكاشاني في المفاتيح: مفتاح 870 ج 3 ص28، والطباطبائي في الرياض: كتاب إحياء الموات ج14 ص110. 
 
([15]) تذكرة الفقهاء: إحياء الموات / شرائط الإحياء ج2 ص410 (الطبعة الحجرية). 
 
([16]) جامع المقاصد: إحياء الموات / في الأراضي ج7 ص20 – 21. 
 
([17]) في الكافي والوسائل: (محمد بن عبد الله) وفي التهذيب: (محمد بن أحمد بن عبد الله). 
 
([18]) الكافي: المعيشة/ باب بيع المراعي ح3 ج5 ص276، تهذيب الأحكام: التجارات/ باب 10 بيع الماء ح9 ج7 ص141، وسائل الشيعة: باب 9 من كتاب إحياء الموات ح1 ج25 ص422. 
 
([19]) تحتمل المعتمدة: "إدريس بن يزيد". 
 
([20]) انظر "الكافي" في الهامش قبل السابق: ح2، و"التهذيب": ح8، ووسائل الشيعة: باب 22 من أبواب عقد البيع ح1 ج17 ص371. 
 
([21]) المبسوط: كتاب إحياء الموات ج3 ص272. 
 
([22]) المهذّب: باب إحياء الموات ج2 ص30. 
 
([23]) الوسيلة: الزكاة/ إحياء الموات ص135. 
 
([24]) السرائر: المتاجر / بيع المياه والمراعي ج2 ص382. 
 
([25]) الجامع للشرائع: البيع / بيع الماء ص275. 
 
([26]) تحرير الأحكام: إحياء الموات/ أقسام الأراضي ج4 ص489. 
 
([27]) إيضاح الفوائد: إحياء الموات/ في الأراضي ج2 ص233. 
 
([28]) كالسبزواري في الكفاية: إحياء الموات / شرائط التملّك ج2 ص551. 
 
([29]) مسالك الأفهام: إحياء الموات / في الأراضين ج12 ص407. 
 
([30]) أي المنقول عن كتاب (الإسلام يقود الحياة) 
 
([31]) مثل قوله (ويدخل القسم الأول والقسم الثاني في نطاق القطاع العام الذي تملكه الدولة) إذ فيه: بعد مخالفته للإجماع، انه مخالف للروايات فان الأرض – وهي القسم الأول – هي كما في الرواية (لله ولمن عمرها) فراجع الوسائل وغيره وعلى أي تقدير فان الأرض والمعادن ومصادر المياه ليست ملكاً للدولة بالإجماع بل هي ملك لمن حازها*، غاية الأمر اشتراط إذن الإمام في مثل المعادن على رأي بعض الفقهاء ولم يشترط الاذن البعض الآخر استناداً إلى العمومات ومثل (انها مني لكم أيها المسلمون)، فليست ملكاً للدولة ولا للفقيه بل غاية الأمر اشتراط إذنه. ولتفصيل ذلك مجال آخر. 
 
* بشرط عدم الإضرار بالغير، أو كون الحيازة بالحدود المتعارفة أولا بهذا الشرط كما أشرنا لذلك سابقاً.

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=581
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 22 ذي الحجة 1434هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23