بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مبادئ الاستنباط
وجه من وجوه عدم جواز التقليد في المبادئ ووجه للجواز
وقال السيد تقي القمي (لا وجه لعدم جواز التقليد في جملة من الموارد المذكورة، وعليه لا بدّ من التفصيل، ويتفرّع عليه جواز التقليد في الأصول والاجتهاد في الفروع في أعمال نفسه، وأمّا غيره فلا يجوز أن يقلّده؛ إذ المفروض أنّ النتيجة تابعة لأخسّ المقدمات)
أقول: قد يعترض على قوله (لا وجه....) بان وجهه انه تقوّل على الله بغير علم فقد قال تعالى: (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) بل (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ) فان التقليد يعني أخذ([1]) الحكم الشرعي من المجتهد ونسبته إلى الشارع فكيف ينسب الحكم للشارع ويأخذه من المجتهد باعتباره حاكيا عنه إذا لم يقم دليل على اعتبار الشارع له حجة وتجويز الشارع له ذلك؟ والأصل عدمه([2])؟
والجواب: ان المقصود أنه (لا وجه تامّ) وذلك لما سبق من ان (التقليد) طريق عقلائي لمعرفة أوامر ونواهي المولى ولمعرفة موضوعات أحكامه([3]) وقد استقرت عليه طريقة العقلاء، والشارع منهم بل سيدهم([4])، سلمنا لكن سكوته كاشف عن إمضائه إذ لو لم يره طريقاً لكان عليه أن يردع وإلا لكان إغراءاً بالجهل ويكفي كشفه عنه عرفاً.
1- لا إطلاق لـ(تابعية النتيجة لأخس المقدمتين)
ولكن يرد على استدلاله على عدم الجواز بـ(النتيجة تابعة لاخس المقدمات)
أولاً، كبرى، بان هذه القاعدة لا إطلاق لها إذ هي جارية في العلل الحقيقية لا الاعتبارية؛ فان أمرها بيد المعتبر([5])، ويشهد له ان (الولد) يتبع الأب في السيادة حتى وإن كانت أمه غير علوية، فتحرم عليه الصدقة وله أن يأخذ الخمس إلى غير ذلك ولا يقال: النتيجة تتبع اخس المقدمات([6]) وذلك لأن (السيادة) اعتبار فلمن بيده الاعتبار ان لا يعتبرها متفرعة على اخس المقدمتين بل على اشرفها، وقد فَعَل
وكذلك المقام فان جواز التقليد وصحته – تكليفاً ووضعاً – اعتبار، وهو بيد المعتبر فله ان يعتبره متفرعاً على الاشرف من المقدمتين دون الاخس منهما أو منها.
2- قد يكون اتباع المجتهد المتجزء طولياً، اتباعاً للاشرف
ثانياً: صغرى، بان دليله أخص من مدعاه بل هو مباين له، إذ إحدى المقدمتين هي قول المأخوذ عنه ولكنه قد يكون أعلم من المجتهد المتجزي طولياً – أي المجتهد في الفروع المقلد في مبادئ الاستنباط -، نعم كلامه قد يصح في ما لو فقد من اعتمد عليه هذا المجتهد المتجزئ، بعض شرائط التقليد([7])، واما من جمع الشرائط وكان مساوياً أو أفضل، فلا ينطبق عليه هذا الدليل([8]).
بل ان هذا الدليل لا يرتبط بالمدعى إذ انه ينبغي ان يعلل به (انه لا يصدق تقليده بالاستقلال بل بالانضمام والتشريك فان المقلد له مقلد في واقعه لهما معاً لكن طولياً). فتأمل([9])
التقليد في الموضوع المستنبط راجع إلى التقليد في نفس الحكم
وقال السيد البروجردي (الأقوى جواز التقليد في الموضوع المستنبط مطلقاً؛ لأنه راجع إلى التقليد في نفس الحكم)
أقول: ويمكن تعليل ذلك بان الأمور بغاياتها وعليك بالغايات واترك المبادئ ولأنه لا موضوعية له([10]) بل لوحظت فيه صِرف جهة المرآتية، وبالصدق العرفي.
فكذلك التقليد في كافة مبادئ الاستنباط
لكن ذلك لو تم لجرى في كافة مبادئ الاستنباط من غير وجه لتخصيصه بالموضوع المستنبط، إذ من يقلد في المسألة الرجالية مثلاً([11]) بلحاظ عزمه على الأخذ بالحكم الشرعي المتفرع عليها يرجع تقليده فيها بالمآل إلى التقليد في نفس الحكم، إن صح المبنى([12]).
لكن يبقى ان هل له ان يقلد في الموضوع المستنبط وغيره لا بذاك اللحاظ؟ سيأتي ذلك إضافة إلى مزيد تحقيق لما سبق.
وقال السيد عبد الله الشيرازي (الظاهر جريانه فيها، بل في مسائل أصول الفقه أيضاً يجري لو لم يتمكّن من الاجتهاد فيها لصعوبتها، وكان متمكّناً منه في المسائل الفرعية لسهولتها، بناءً على كون التقليد هو الالتزام؛ بل يمكن القول بالجريان بناءً على اعتبار العمل فيه أيضاً، بأن يأخذ من المجتهد المسألةَ الأصولية ويستنبط بها المسألة الفقهية؛ لأنّ الأخذ في مقام الاجتهاد عمل)
الأقوال في حقيقة التقليد
أقول: الأقوال في حقيقة التقليد متعددة، ولا بد من تحقيق ذلك لتوقف مسألتنا عليه إذ المسألة هي (هل يجوز – أو يصح – تقليد المجتهد المتجزي طولياً؟) فلا بد من تحقيق معنى التقليد الذي يبحث عن جوازه وصحته وعدمهما.
وقد ذكر الشيخ الانصاري في جامع الشتات([13]) أقوالاً أربعة في معنى التقليد وحقيقتة هي (قبول قوله الغير، أو الأخذ بقوله، أو متابعة قول الغير، أو العمل بقول الغير)
وقد تتبع السيد العم الأقوال وأرجعها إلى خمسة هي: العمل بنفسه صِرفاً، العمل استناداً إلى رأي الغير، الالتزام، أخذ رأي الغير للعمل به، العلم به للعمل فلاحظ([14]).
والمشهور هو: الاستناد في العمل
معنى التقليد في مبادئ الاستنباط
واما كلام السيد الشيرازي – وقد اقتصر على رأيين، كلاهما غير مشهور([15]) – فهو ان التقليد ان فسر بالإلتزام فالأمر فيه هين، لأن مبادئ الاستنباط يمكن الالتزام بها ككل أمرٍ نظري آخر
واما ان فسر التقليد بالأخذ، فقد يشكل بان الأخذ للعمل أو الأخذ في مقام العمل، غير متصور في المبادئ لأنها نظرية (فلاحظ المنطق والبلاغة والفلسفة والرجال فكلها نظرية) فأجاب بان الأخذ والعمل في كل شيء بحسبه (فالأخذ في مقام الاجتهاد عمل) يصح إطلاق التقليد عليه وجريانه فيه وللحديث صلة.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
([1]) حسب إحدى تعريفاته. وستأتي الإشارة إليها.
([2]) إذ الأصل عدم الحجية وعدم جواز نسبة حكم إلى مولى بدون حجة منه عليه.
([3]) بل لمعرفة أي موضوع أو مبدأ.
([4]) فلا حاجة للامضاء على هذا الوجه.
([5]) والمقدمات دواعي وليست عللاً للجعل والاعتبار.
([6]) وهي الأم باعتبارها غير علوية.
([7]) وستأتي مناقشة ذلك أيضاً بإذن الله.
([8]) واما الإشكال بعدم صدق الرجوع له وتقليده فسيأتي الجواب عنه.
([9]) سيأتي وجهه بل وجوه له ومنها: انه مع فقد بعض الشروط في مرجِع المجتهد يصح القول بعدم جواز تقليد المجتهد لأن النتيجة – وهي الجواز – تابعة لاخس المقدمتين، فليس أجنبياً عن المدعى. ومنها – في المقابل - ان ذلك أيضاً أعم من المدعى إذ يصدق عرفاً في كثير من الأحيان انه مقلد له، كما نشاهده في الكثير من فقهائنا رغم انه مقلد في النحو والصرف أو البلاغة أو المنطق والفلسفة.
([10]) أي للتقليد في المستنبط.
([11]) من وثاقة راوٍ وعدمه.
([12]) ستأتي مناقشة ذلك والجواب عنها.
([13]) على ما نقله عنه السيد العم في بيان الفقه/ الاجتهاد والتقليد ج1 ص167.
([14]) المصدر ص168 – 184.
([15]) المشهور بين المعاصرين هو ان التقليد هو العمل عن استناد لرأي الغير. |