بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مبادئ الاستنباط
هل يتوقف الاجتهاد على الاجتهاد ؟ او المعرفة ؟ او صرف القبول ؟
وقال السيد الوالد ( الاصول[1] )
الاجتهاد بحاجة الى العلوم العربية اذ لولا فهم اللغة لم يفهم معنى الكلمة وكذلك الصرف حيث انه اذا اشتبه في المادة[2] اشتبه في المعنى، والنحو فلولا فهم الاعراب لم يفهم الفاعل عن المفعول والبلاغة فان نكاتها داخلية في فهم المعنى ، كل ذلك بقدر الحاجة لا الاستيعاب.
والتفسير بقدر آيات الاحكام والحديث المرتبط بها .
والمنطق اذا لو لم تصح الصورة او المادة لم يمكن فهم الادلة الموصلة الى النتائج الصحيحة .
والرجال فيما يريد الاستنباط عن رواية لم يقطع الفقهاء بحجيتها او عدم حجيتها والا كفى الاستناد اليهم .
والأصول حيث ان غالب مسائل الفقه مرتبط بها يضاف عليها الاحتياج الى شيء من الهيئة في مثل القبلة والحساب في مثل الارث ونحوهما ، والا لم يكن مطلقاً (اي فقيهاً مطلقاً).
ولو فرض عدم المعرفة بشيء من ذلك صح اجتهاده وأمكن تقليده لأنها طريقي لا موضوعي كما لو اتم تلك العلوم بشهادة اهل الخبرة كان كذلك .
اقول : قوله ( بحاجة ) يحتمل فيه وجوه :
1- توقف الاجتهاد في الفروع على الاجتهاد في تلك العلوم فهو بحاجة الى الاجتهاد فيها في تحققه
2- توقف الاجتهاد فيها على معرفة تلك العلوم وان لم تكن عن اجتهاد ، والمراد بالمعرفة المعرفة عن برهان وان لم تكن بمستوى الاجتهاد ومحاكمة الادلة والبراهين والاجابة عن الاشكالات ، وذلك هو الحاصل للفاضل من الطلبة غير البالغ درجة الاجتهاد ، ممن له القوة القريبة
3- توقفه على صِرف قبول مسائل تلك العلوم وان لم يكن عن دليل ولو اوّلي ، كما هو المشاهد في العامي المحض غالباً ولايتوهم اتحاد الثاني والثالث ، نظراً لان جامعهما المقلِّد اذ :
اولاً : لاريب في ان المعرفة درجات لكونها حقيقة تشكيكية ، ومن الوجداني اختلاف الفاضل من الطلبة عن العامي المحض وان عرف حكم المسألة تعبداً
ثانياً : ان احكام كل منهما مختلفة مما يكشف بالبرهان الأِني عن اختلافهما ، فان من احكام الطالب الفاضل مثلاً صحة خروجه عن طريق الاجتهاد والتقليد الى الاحتياط في غالب المسائل بل جميعها[3]، عكس العامي الذي لا يتيسّر له ذلك غالباً لجهله بوجه الاحتياط في المسألة
ومنها : صحة تولي الفاضل للقضاء بناءاً على عدم اشتراط الاجتهاد فيه ، عكس العامي المحض الى غير ذلك
هل يصح تقليد المجتهد الجاهل ببعض مبادئ الاستنباط ؟
واما قوله S ولو فرض عدم المعرفة بشيء من ذلك صح اجتهاده وامكن تقليده لأنها طريقي لا موضوعي ، كما لو اتم تلك العلوم بشهادة اهل الخبرة كان كذلك .R
اقول : ظاهره ان المجتهد في الفروع لو كان جاهلاً ببعض مبادئ الاستنباط جهلاً مطلقاً فانه يصح اجتهاده لو اجتهد في المسألة الفرعية وفرض كونه قادراً عليه ، ويجوز تقليده ، ولو ابتنى الفرع الفقهي على ذلك المبدأ ، لكن في صورة معرفة المقلِّد له بالمبدأ وان تفريعه الفرع الفقهي عليه صحيح[4] وان لم يعرف سائر مايرتبط باستنباط ذلك الفرع الفقهي ، او لا بهذا الشرط
وقد يُعلَّل ذلك بصدق (فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ ) (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) وما اشبه عليه ، فتأمل[5] وسيأتي وجهه
وقد علله H بــ ( لانها – أي المبادئ – طريقي لاموضوعي )
ولنمثل لذلك بما يوضحه اكثر: فانه لو لم يعرف الفقيه شروط انتاج الشكل الرابع ، لكن المقلد وجد ان استدلاله مبني عليه و احرز جامعيته للشرائط فأي اشكال في تقليده له ؟ وكذا لو لم يعرف الفرق بين الانشاء والاخبار ولاحتى انقسام القول اليهما ثم استنبط حرمة الربا من ( وحرم الربا ) جاهلاً بان (حرم) انشاء او اخبار فما المانع منه ؟ او جهل وجه ترجيح قول النجاشي على الطوسي في الجرح والتعديل ثم عمل على طبق قول النجاشي ... وهكذا
والحاصل : ان الغاية من ( المبدأ ) هو الايصال للواقع ، ولاينحصر ذلك بالعلم به، بل لو وصل اليه لاعن معرفةٍ بالمبدأ مع معرفته بسائر الادلة[6] لكفى
هل الاجتهاد طريقي ــ موضوعي ؟
ان قلت : الاجتهاد ليس طريقياً صرفاً بل هو طريقي ــ موضوعي ، اما الطريقية فلاشتراط ( التفقه ) و ( التفريع ) كما عن الإمام الرضا (عليه السلام ) قوله: (( علينا إلقاء الأُصول إليكم- عليكم- وعليكم التفريع )) واما الموضوعية فلاشتراط الحياة والعدالة[7] والحرية والذكور ، وشبهها مما لامدخلية لها في جنبة الاصابة والايصال للواقع ، بل انما اشترطت للمصلحه السلوكية وشبهها
قلت: موضوعيته من تلك الجهات لاتنفي طريقيته من هذه الجهة[8]
بعبارة اخرى : موضوعيته بالقياس الى فاقدها لابالقياس الى الجاهل بمبدأ الاستنباط
ولك ان تقول : ان الكلام في الجامع لكل تلك الجهات الموضوعية ، لكن الفاقد لخصوص العلم بالمبدأ فتدبر وللحديث
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
([1]) الاصول الجزء2 ص320
([2]) أي في هيئة المادة ، ولعل هنا سقطاً
(([3] أي جميع ما يمكن فيه الاحتياط
([4]) لكن من دون معرفته بغير ذلك مما له دخل في الاستنباط ، والا لكان مجتهداً خُلف
([5]) وتظهر الثمرة لو علم بعد ذلك باصابته ، فلو لم يشترط فيه العلم بالمبادئ ، لصح تقليده كأي مجتهد جامع للشرائط ، اما لو شك فانه يصح بناء على عدم الاشتراط وإلا (( بان علم بالخطأ ، او شك وقلنا بالاشتراط )) كان عليه ان يرجع للجامع للشرائط الان او لمن جمع الشرائط حين عمله على الخلاف. فتأمل
([6]) هذا القيد لتصوير صحة اطلاق الفقيه عليه .
([7]) اذ الوثاقة ذات طريقيه ، دون العدالة ، اذا اي ربط لفسقه ــ في غير الكذب وشبهه ــ بالاصابة ، ككونه ممن يغتاب الغير ...
([8]) أي من جهة علمه او جهله ببعض مبادئ الاستنباط |