بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مبادئ الاستنباط
الاستدلال باجتهاد القدماء على عدم توقف اجتهادنا على المبادئ
وقد يقال: بعدم توقف الاجتهاد على أكثر مسائل مبادئ الاستنباط المطروحة في علوم الدراية والرجال والأصول والمنطق والبلاغة وغيرها استناداً إلى عدم توقف اجتهاد قدماء الأصحاب عليها مع ضرورة كونهم مجتهدين، فان من الواضح لمن يراجع علم الدراية والأصول وغيرهما، استحداث مسائل كثيرة فيها أو استحداث فروع وتفريعات جديدة أو استحداث تدقيقات جديدة، وإذا لم يتوقف اجتهاد مثل الشيخ الطوسي عليها فكيف يدعى توقف اجتهادنا عليها؟
الجواب: لا تلازم، والفرق من جهات، والفحص لازم
والجواب: لا تلازم بين عدم توقف اجتهادهم وعدم توقف اجتهادنا، إذ مع استحداث مباني جديدة (كالورود والحكومة) أو تحقيقات وتدقيقات جديدة (كما في الترتب) أو استحداث أدلة جديدة أو إشكالات جديدة (كالاستدلال على الاستصحاب بالإخبار إذ بدأ كما قيل من الشيخ البهائي بعد ان كان المستند هو بناء العقلاء، والثمرة على المستندين كبيرة ومنها أن بناء العقلاء دليل لبي فلا مجال للتمسك بإطلاقه لدى الشك عكس أخبار الاستصحاب).
أقول: مع استحداث ذلك كله لا بد من الفحص والاجتهاد في المباني والأدلة والإشكالات والفروع والتدقيقات لتوقف الحكم الشرعي عليها سلباً أو إيجاباً فانه في حيطة القدرة الآن ببركة التراكم المعرفي والتكامل العلمي، اما في تلك الأزمنة فلم يكن ذلك – غالباً – بمقدور لضرورة التطور التدريجي للعلوم ولاستحالة([1]) إحاطة المتقدمين بغالب ما سيحدث من تلك المستجدات الآنفة الذكر عبر العصور، ولتعسر قسم كبير منها، فكان الفحص المقدور لهم هو الواجب عليهم دون الأكثر
والحاصل: ان دائرة القدرة على الفحص اتسعت لدينا فوجب الفحص على حسبها، هذا كله من جهة ومن جهة أخرى فان الابتعاد عن زمن النص وفقدان الكثير من القرائن الحافة بالنص الموجبة للقطع أو الاطمئنان بالمضمون كفقدان الكثير من الروايات التي كانت متواترة([2]) - ولذا ادعى بعض الاخباريين كبعض الاصوليين تواتر أكثر رواياتنا([3]) - وكذلك فقدان الكثير من الكتب الرجالية([4]) التي لو كانت بأيدينا لا خرجت كثيراً من الرواة عن الإهمال أو عن الضعف إلى الوثاقة، كل ذلك أوجب تعقيد عملية الاجتهاد وحاجته إلى الفحص الأكثر في جملة من مسائل المبادئ كعلم الرجال مثلاً للوصول إلى وثاقة الراوي أو جرحه، كحاجته إلى التنقيح الأعمق للمباني بعد ان تحولت أكثر الأدلة القطعية ببركة ما يحتف بها من قرائن إلى مجرد ظواهر لا تورث إلا الظن بسبب فقدان تلك القرائن. فتدبر
التفصيل بين ملكة الاجتهاد وفعليته، وعلم المقلد بالمبدأ وعدمه
والحق هو التفصيل:
1- فانه لا تتوقف الملكة على الاجتهاد أو حتى على معرفة واستحضار كافة مسائل مبادئ الاستنباط على نحو الاستغراق، بل تكفي معرفة معظمها أو قسط كبير منها، لضرورة تدرجية حصول الاجتهاد وتشكيكية الملكة.
2- كما لا تتوقف فعلية الاجتهاد في مسائله، على كافة تلك المبادئ كذلك؛ لأجنبية أكثرها عن خصوص هذه المسألة أو تلك.
3- ولكن تتوقف فعلية الاجتهاد في الفرع الفقهي – لا الملكة إلا في الجملة – على معرفة مسائل المبادئ التي تتفرع عليها فلا ملكة بدونها في الجملة، إذ تتوقف على الاجتهاد في أمهات مسائل المبادئ، ولا فعلية مطلقاً اللهم إلا في صورتين:
الأولى: ما لو أحرز المقلد، لكونه أهل خبرة في ذلك المبدأ، ذلك المبدأ وصحة تفريع ذلك المجتهد ما فرعه عليه من جهته([5])
ويمكن التمثيل لذلك بالترتب([6]) فان الفقيه لو كان ممن لم يحقق في هذه المسألة الأصولية وكان جاهلاً بأدلة الطرفين، فاستظهر فرعاً يتوقف على الترتب، مع جهله بتوقفه عليه أو مع غفلته عنه أو مع علمه بتوقفه وبنائه على إمكانه لدعواه استقلال عقله به من غير رجوع إلى أدلة القائلين بالاستحالة ليكون اجتهاده منجزاً معذراً، ولكن كان مقلده خبيراً بالفلسفة وقد تناول خصوص استحالة الترتب وعدمها بالبحث الوافي فوصل إلى امكانه، فلم لا يصح له تقليد ذلك المجتهد في ذلك الفرع المتوقف عليه؟ فتأمل
نعم لو لم يعلم المقلد انطباق الضوابط على ذلك المبدأ، وكان الفقيه به جاهلاً، فانه لا حجية لرأيه ونظره لانسلاب الوثوق النوعي به، والظاهر ان الاطلاقات منصرفة عنه وبناء العقلاء دليل لبي لا إطلاق له. وللحديث صلة
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
([1]) المراد الاستحالة العرفية لغير المعصوم.
([2]) لفقد كثير من الكتب كمدينة العلم للشيخ الصدوق.
([3]) أو قطعية صدور خصوص روايات الكتب الأربعة.
([4]) فقد كان في زمن السيد ابن طاووس أكثر من مائة كتاب رجالي وقد فقد أكثرها.
([5]) كما لو فرع المجتهد استنباطه للحكم الشرعي على ملاحظة الروايات والقواعد وغيرها، مما هو خبير بها، لكن كان استدلاله بها من الشكل الرابع مثلاً مع جهله بشروط إنتاجه وكان المقلد خبيراً بالمنطق فرأى انطباق الشروط عليه.
([6]) الترتب هو تعلق التكليف بالمهم على تقدير عصيان الأمر بالأهم أو العزم عليه، كالأمر بانقاذ المؤمن العادي على تقدير عصيانه الأمر بانقاذ النبي في صورة التزاحم بينهما، أو الأمر بالصلاة في وقتها الموسع على تقدير عصيانه الأمر بالإزالة. |