• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 333- الجواب عن استثناء ما لو أحرز المقلِّد المبدأ مع جهل المجتهد به ، بوجوه ثلاثة ـ الاستدلال بوجهين على صحة تقليد المجتهد إذا رجع في مبدأ إلى الأعلم منه فيه .

333- الجواب عن استثناء ما لو أحرز المقلِّد المبدأ مع جهل المجتهد به ، بوجوه ثلاثة ـ الاستدلال بوجهين على صحة تقليد المجتهد إذا رجع في مبدأ إلى الأعلم منه فيه

 بسم الله الرحمن الرحيم 

 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
 
مبادئ الاستنباط 
 
عجز الجاهل بمعظم المبادئ، عن إدراك المباني والأدلة والردود والمحاكمة بينها 
 
ولكن يرد على دعوى صحة تقليد المجتهد في الفروع الجاهل بجملة مسائل مبادئ الاستنباط المتوقف عليها([1]) وان كان المقلد أهل خبرة بخصوصها فرآها صحيحة، ان ذلك فرض نادر إضافة إلى عدم امكان الالتزام بحجية نظر فقيه جاهل بكل أو بأكثر أو بجملة معتد بها بل أو ببعض ما له مدخلية من مبادئ الاستنباط، في الاستنباط، وذلك: أ- لعجزه العادي عن إدراك مباني المسألة الفرعية المختلفة التي يمكن ان تكون متوقفة عليها ب- ولعجزه العادي أيضاً عن إدراك المسألة([2]) ج- وأدلتها ومناقشاتها ولعجزه وقصوره وعدم قدرته على المحاكمة بين تلك الأقوال. 
 
وذلك لوضوح ان الجاهل بعلمٍ - والكلام فيه وليس بالعارف به لكن لا عن اجتهاد – يعجز عادة عن إدراك مسائله وأدلتها ومناقشاتها إلا لو تحول إلى خبير بها وهذا خلف، كما يعجز عادة عن معرفة ان المسألة الفرعية هذه مرتهنة بهذه المسألة البلاغية أو تلك، إذ لا تصور له للمسائل بل لا تخطر بباله عادة فكيف بالتصديق بتفرع هذه المسألة على إحدى مسائله المنتشرة وهي بالمئات؟ 
 
المثال الأول: هل الكذب مصدر أو اسم مصدر؟ وهل هو من قبيل العنوان والمحصل؟ 
 
ولنمثل لذلك بمثالين واقعيين تظهر بهما وجدانية ما ذكر: 
 
المثال الأول: هل المراد بـ(الكذب) في قوله عليه السلام (اتقوا الكذب)، كذب الحكاية أو كذب الحاكي؟ وهل النهي عنه من مصاديق العنوان والمحصل فيجب الاحتياط في محتمله أو لا فلا يجب؟ 
 
فإن كلتا المسألتين تبتنيان فيما تبتنيان على مسألةٍ صرفية هي المصدر واسم المصدر والفر بينهما، فهل (الكذب) مصدر أو اسم مصدر؟ وذلك ان المصدر واسمه قد يتحدان في الهيئة كما في الكذب وقد يختلفان([3]) فان كان (الكذب) الواقع متعلَّقاً للنهي اسم مصدر كان من مصاديق العنوان والمحصِّل للنهي عن الهيئة الحاصلة سواء أكان من قبيل كذب الحاكي أم من قبيل كذب الحكاية فيعمهما، وإن كان مصدراً لم يجب الاجتناب إلا عن ما احرز انه كذب([4]) وكان المقام مورد بحث ان الظاهر من الكذب كذب الحكاية فالحرمة مطلقة أم كذب الحاكي فالحرمة خاصة بصورة الجد دون الهزل، على ما فصلناه في بحث الكذب من المكاسب المحرمة فلاحظ. 
 
ومنه يظهر الحال فيما لو قيل بان (الكذب) مجمل من هذه الجهة. 
 
وموطن الشاهد ان الجاهل بهذه المسألة الصرفية (المصدر واسم المصدر) لا يخطر بباله حتى تصورها فكيف بتصور تفرع مسألة الكذب هزلاً أو مزاحاً عليها، فكيف يُتعقَّل القول بانه متفقه في المسألة الفرعية مع جهله بمبادئ الاستنباط؟ وكيف يتعقل القول بمعذِّرية اجتهاده ولمـّا يستفرغ الوسع؟
 
بل نقول: ان احتمال تفرع المسألة الفرعية على جملة واسعة من مسائل مبادئ الاستنباط، على سبيل البدل، كافٍ في إيجاب الفحص عنها لإبراء الذمة وكي يكون الاجتهاد حجة، سواء أخذنا الحجية بمعنى الكاشفية أم بمعنى المنجزية والمعذرية أم بمعنى لزوم الاتباع. 
 
المثال الثاني: هل زيارة الحسين ( عليه السلام ) لناذرها مقدَّمةٌ أم الحج؟ 
 
المثال الثاني: (نذر الزيارة يوم عرفة) 
 
فلو نذر ان يزور الإمام الحسين ( عليه السلام ) كل عرفة أو نذر أي نذر راجح آخر ثم حصلت له الاستطاعة المالية والبدنية والسِربية للحج، فهل يجب عليه الحج أم يجب عليه العمل بالنذر؟ اختلف الفقهاء في ذلك بشدة([5]). 
 
وموطن الشاهد هو ان من لا معرفة له بمبادئ الاستنباط ليس بمقدوره عادة ان يعرف مدى ارتباط هذه المسألة بالمباني والمبادئ المتنوعة المنتشرة والمبثوثة في الأصول وغيره، فهل المقام مثلاً من مصاديق التعارض أم التزاحم؟ وأي المتزاحمين هو المقدم؟ أم انه من مصاديق باب الترتب؟ أو الورود والحكومة؟([6]) أو الظهور البدوي والانصراف؟([7]) 
 
ويعود الأمر فيما يعود إلى دعوى ورود أدلة النذر على أدلة الحج نظراً لأن وجوب الحج متوقف على الاستطاعة والاستطاعة أعم من الشرعية والعقلية والعادية، ومع انعقاد النذر من قبل فلا استطاعة شرعية له إذ وجب عليه أن يكون في كربلاء يوم عرفة، شرعاً بالنذر فكيف يكون قادراً – شرعاً – على الكون في عرفات؟ فهو عاجز فليس بمستطيع فلا يجب عليه الحج، وعليه فلو حج هذه السنة لم تكفِهِ عن حجة الإسلام لو استجمع الشروط في سنة قادمة، وفي المقابل قد يقال بان الحج ليس مشروطاً بالاستطاعة الشرعية أو يقال بان أدلة النذر منصرفة عن شموله لمثل المقام وانعقاده أو للزوم كون متعلَّق النذر راجحاً حين العمل لا حين النذر أو لاقوائية ملاك الحج من ملاك النذر والزيارة، ويناقش هذا بما نوقش ثم يجاب فيناقش وهكذا مما ليس هذا موضع تفصيله. 
 
أولوية صحة تقليد مَن رَجَع في المبادئ للأعلم منه 
 
الاستثناء الثاني:([8]) 
 
ما لو اعتمد المجتهد في الفقه على رأي الأعلم أو المساوي، في الأصول أو المنطق أو سائر مبادئ الاستنباط، فقد يقال بصحة تقليده استناداً إلى أدلة مضى بعضها ونضيف: 
 
ان اشتراط الأعلمية في المقلَّد ليس لموضوعيتها قطعاً بل لطريقيتها إذ الأعلم (ولنفرضه من مختلف الوجوه بان كان الأدق والأكثر تحقيقاً والأكثر إطلاعاً على القواعد والمباني والأشباه والنظائر والأعرف بالعرف.. الخ) إنما وجب تقليده أو رَجُح – على الرأيين – لكونه أقرب إلى الإصابة للواقع، وإذا كان ذلك كذلك فانه لا شك في ان المجتهد في الفروع لو قلد في الأصول أو سائر المبادئ مَن هو أعلم بها منه، كان رأيه أقرب للإصابة. 
 
وعلى ذلك بناء العقلاء وسيرتهم، فان الدليل في الصحراء – مثلاً – لو كان الأعلم بطرقها لكن غيره كان الأعلم بواحاتها وبقنواتها الجوفية فاعتمد في هذين الأمرين على الأعلم، فانه لا شك في إتباع العقلاء له، عكس ما لو اتبع رأيه هو فيهما، مع فرض كونه غير أعلم فيهما وإن كان أعلم بالطرق نفسها، فانهم لا شك يرجِّحون من ضمَّ – طولياً - إلى رأيه في الفروع رأي الأعلم منه في الأصول، على رأي من استند برأيه بالبناء والمبنى. 
 
وكذلك حال الطبيب الذي يستند في مبادئ طبه إلى الأعلم منه بها... وهكذا... 
 
بل نقول: أن (لِيَتَفَقَّهُوا) أقرب إلى الصدق عليه، من ذلك الذي استبدّ برأيه. فتدبر وللحديث صلة 
 
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين 
 
 
([1]) أي المتوقف ذلك الفرع الفقهي على أحدى مسائل مبادئ الاستنباط من بلاغة ومنطق وصرف ونحو. 
 
([2]) أي المسألة المنطقية أو البلاغية التي توقف عليها الاستدلال. 
 
([3]) المصدرما جرى على منوال فعله، عكس اسم المصدر تقول اغتسل يغتسل اغتسالاً وهذا مصدر، واما الغسل فهو اسم المصدر، واسم المصدر ما دل على الهيئة الحاصلة من المصدر. 
 
([4]) وإلا كان من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. فتأمل 
 
([5]) فذهب صاحب الجواهر إلى تقدم النذر لأن وجوب الوفاء به رافع للاستطاعة الشرعية التي هي موضوع وجوب الحج، على ما نقل عنه (راجع ج35 ص377 فصاعداً) 
 
([6]) كالقول بان أدلة وجوب الحج واردة على أدلة النذر أو العكس. 
 
([7]) كالقول بان أدلة النذر منصرفة عن الشمول لمثل نذر ما زاحم مثل الحج؟ وما وجه الإنصراف؟
 
([8]) وهو استثناء منفصل عن عنوان المسألة كما لا يخفى.

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=593
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء 30 محرم الحرام 1435هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23