• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 337- بعض الأدلة على ان الأعلم في الأصول هو الأعلم في الفقه ـ ومن شواهد بحث (الترتب) .

337- بعض الأدلة على ان الأعلم في الأصول هو الأعلم في الفقه ـ ومن شواهد بحث (الترتب)

 بسم الله الرحمن الرحيم 

 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
 
مبادئ الاستنباط 
 
من الأدلة على ان الأعلم في الأصول هو الأعلم في الفقه 
 
وقد يستدل على ذلك بان علم الأصول علم آلي، كالمنطق، وعلم الفقه علم استقلالي فالأصول ما يقصد به غيره والفقه ما يقصد بنفسه. 
 
وعليه: فان معرفة الحكم الشرعي والأدلة عليه هو المقصود الأصلي فان وجد([1]) ما يدل عليه كان هو الموصل إلى معرفة القاعدة الأصولية، في كثير من المسائل إن لم يكن في معظمها، ولأنه استناد إلى البرهان الأني والبرهان الأني قطعي الإنتاج فإن ثبوت المعلول، بدليل من الشارع، يكشف بالقطع عن ثبوت العلة لديه، وبه يندفع استبعاد المبنى أو عدم عرفيته لو كان كذلك فعلاً. 
 
واما احتمال الاستحالة في المبنى بل صورةُ أيِّ برهان أقيم عليها، فانها مندفعة بعد ثبوت الحكم في المعلول، بما تندفع به كافة شبهات الامتناع في مقابل البديهة. 
 
لا يقال: حجية القطع ذاتية؟ 
 
إذ يقال: ينقض أولاً بكل ما أجيب به الاستناد لردّ دعاوى الاستحالة، إلى انه شبهه مقابل البديهة([2]).
 
ويجاب ثانياً حلاً بان الإطلاع على كلام الإمام (عليه السلام ) أولاً دافع للقطع مانع عن تحققه، كما هو المشاهد كثيراً عكس ما لو بدأ بالبحوث العقلية الدقية في الأصول – وهو مورد الكلام – أو في الفلسفة كذلك فانه سيقطع عادة باحد الطرفين ثم إذا وصل إلى الأدلة الشرعية وجدها ظواهر فاضطر لصرفها عن ظاهرها أو تأويلها أو طرحها، حتى لو كانت نصوصاً، لقطعه بالاستحالة. 
 
من جهات تميز الأدلة الشرعية على الأدلة العقلية 
 
ومنه يظهر لزوم مراجعة الأدلة والبراهين الشرعية أولاً في الكلام والفلسفة والأصول والمنطق وغيرها، إن وجدت، ثم الخوض في الأدلة العقلية. 
 
لا يقال: قسم منها مراسيل والمسانيد منها ظواهر على الأغلب. 
 
إذ يقال: نقضاً بان ما ينسب إلى أرسطو وأفلاطون وابن سينا والفارابي وغيرهم هي مراسيل عادة، فِلم يُبتدَأ بمراجعتها ثم يُثنَّى – لو ثُنِّي والأغلب لا يُثنِّى! – بمراجعة أمثال الاحتجاج وتحف العقول ونهج البلاغة! 
 
ويجاب حلاً: بان كلماتهم، الكثير منها ظواهر أيضاً، بل حتى النصوص منها تعاني من أكبر الإشكال وهو احتمال – وهو احتمال قوي تدل عليه الدراسات التاريخية – قصور الترجمة أو خطأها أو تعمد خطأها، وهذا ما لا تعاني منه رواياتنا فانها وردت باللغة العربية ولم تنلها يد الترجمة ليشك في سلامتها وعدمه 
 
هذا كله إضافة إلى ان كلمات مدققي الأصوليين، كالفلاسفة، لا تعدو كونها حدساً اجتهادياً، عكس كلام المعصوم فانه وإن احتمل إرساله إلا انه على تقدير صحة صدوره – وكثير منها صادر قطعاً ثبوتاً، واما إثباتاً فلأدلة أخرى غير وثاقة المخبر أو جبره مستندة إلى وثاقة الخبر والقرائن عليه ومنها قوة مضمونه كما في نهج البلاغة وغيره – فانه لا يعاني من سائر الإشكالات التي ترد على استظهار الفيلسوف أو الأصولي أو قطعه. 
 
والحاصل: ان كلام الأصولي يحتمل اللامطابقة للواقع، سنداً ومتناً من جهات عديدة([3]) 
 
اما كلام المعصوم – المنسوب إليه – فلا يحتمل اللامطابقة إلا سنداً فكان الأولى الرجوع إليه أولاً، استرشاداً ثم تحكيم العقل في دوائر الاستحالة وعدمها([4])، لا الرجوع إلى تدقيقات الفلاسفة والأصوليين – اي العقلية منها – ثم الرجوع للآيات أو الروايات فتدبر جيداً 
 
ثم ان من الواضح ان المعلِّم الأول هو الذي يصوغ فكر الإنسان ويبنيه عليه – فان كان هو الروايات كانت هي معلِّمه ومربّيه وإن كانت هو أقوال الفلاسفة وتدقيقات الأصوليين كان هي المعلم والصائغ، فأيهما أولى بالرجوع إليه أولاً مادام كل منهما يحتمل الخطأ، لكن احتمال الخطأ في الرواية إنما هو من جهة واحدة - أي السند فقط – اما احتماله في كلمات الأصوليين فهو من جهات عديدة. 
 
والحاصل: انها إن كانت لا حجة قبل الرجوع إليها، فكلها تشترك في اللاحجية لكن تمتاز الروايات المحتملة باقربية إيصالها للواقع وحاجتها إلى سد باب عدم مطابقتها من جهة واحدة عكس غيرها إذ تحتاج إلى سد باب عدم المطابقة من جهات عديدة 
 
وإن كانت حجة إذ قطع بها، فكلها تشترك في ذلك أيضاً فتدبر 
 
الجواب عن إشكال عدم قصور البرهان اللمي عن الأني 
 
لا يقال: الاستناد في الأصول استناد إلى البرهان اللمي فلا يقصر عن البرهان الأني؟. 
 
إذ يقال: الفرق بينهما في المقام هو ان البرهان اللمي – أي الوارد في المسألة الأصولية التي يتفرع عليها الحكم الفرعي الفقهي – يحتمل في إنتاجه الخطأ من جهتين: 
 
الأولى: خفاء بعض المقدمات لدقّتها على المستدل، فيكون إنتاج ما مهده من المقدمات خاطئاً لذلك. 
 
الثانية: انه وإن كان تاماً لاحاطته بكافة المقدمات وكل ما له المدخلية إلا ان الخطأ قد يكون في تطبيق تلك الكبرى الكلية على المصداق الفقهي الجزئي. 
 
وذلك عكس البرهان الأني فانه لو دل على وقوع المعلول أمرٌ، لدل على تحقق علتها قطعاً، ولا يعقل أحد الخطئين وإلا لما تحقق ذلك المعلول. فتأمل([5]) 
 
ولنستشهد على ما ذكرناه بشواهد حقيقية من الأصول والفقه إذ بها يتضح ما ذكرناه أكثر وكي لا يبقى البحث دائراً في فلك الكليات فنقول: 
 
الشاهد الأول: الترتب 
 
والترتب هو تعلق الحكم بالمهم على تقدير عصيان الأمر بالأهم أو على تقدير العزم عليه 
 
وقد تناوله الأصوليون بالبحث الدقيق المعمق فذهب قوم كالشيخ الانصاري والاخوند والسيد الوالد إلى استحالته وذهب آخرون كالميرزا الشيرازي الكبير والميرزا النائيني إلى إمكانه 
 
وقد استدل القائلون بالامتناع بأدلة منها ما ذكره الآخوند من ان الأمر بالمهم وإن لم يزاحم الأمر بالأهم إذ لا يرقى إلى رتبته فلا مجال لتوهم التضاد بين الأمرين هنالك. 
 
إلا ان الأمر بالمهم، إذا عصى أو عزم، على القول بالترتب يلزم منه أمر المولى بالمستحيل وهو الجمع بين الضدين فان الأمر بالأهم مطلق فهو موجود في رتبة الأمر بالمهم وعند فعليته، إذ لا يسقط الأمر بالأهم على تقدير العزم على عصيانه أو على تقدير عصيانه بل لا يسقط الأمر، سقوطاً مزيحاً للعقاب، إلا بامتثاله، وعلى كل فقد اجتمع الأمران بمرتبة فعليتهما على تقدير العصيان أو العزم عليه، وحيث انهما ضدان استحال الأمر بهما معاً في رتبة الأمر بالمهم فالترتب محال 
 
وقد أطال القوم في سرد أدلة الاستحالة والجواب عنها أو تأكيدها، ثم إذ وصلوا إلى بعض الروايات، كروايات الثواب على المشي لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام ) اضطروا إلى توجيهها كما سيأتي. 
 
لكن الحق الأولى هو: 
 
أ- الرجوع للروايات في المسألة الفقهية قد يكشف حال الأصولية 
 
أ- الرجوع إلى الروايات أولاً في المسألة الفقهية الجزئية، فانها قد تكشف عن وجه الصواب في المسألة الأصولية أيضاً. 
 
فمثلاً قوله صلوات الله عليه (إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ دِينٌ وَكُنْتُمْ لَا تَخَافُونَ الْمَعَادَ فَكُونُوا أَحْرَاراً فِي دُنْيَاكُمْ...) 
 
فانه مصداق واضح بيّن للترتب إذ هو عبارة أخرى عن: ان لم تنبعثوا عن الدين – وواجب عليكم ان تنبعثوا عنه لنصرتي والدفاع عني – فانبعثوا عن (الحرية) ومقتضى الفتوة والرجولة. 
 
ولو كان الترتب مستحيلاً لاستحال مثل هذا القول أو للزم توجيهه بالتعسف مع انه لدى ملاحظته نجده مطابقاً للفطرة السليمة بل ان جرْي كافة الموالي في أوامرهم على ذلك. 
 
وبعبارة أخرى: ان مسائل الفقه ورواياته، أقرب للفهم والإصابة، نظراً لبساطتها ووضوحها وعدم تعقيدها عادة – والمعقّد منها عادة ناشئ من تعارض الروايات كما في الكر – فكان الوصول منها إلى الأصول هو الأقرب للإصابة والأقرب للفطرة وللحكمة 
 
عكس مباحث الأصول العقلية فانها لتعقدّها وعمقها – اللازم أو المتبرع به! – وتشابكها لهي مما يتيه فيها العقل عادة أو يشط ويكثر خطؤه، ولذا نجد شدة اختلاف الأصوليين في بحوث الأصول العقلية بين مدع للاستحالة ومدع للوجوب على نقيضه! فكان اتخاذها سُلّما، بمعزل عن الروايات في المقام، للوصول إلى الأحكام الفقهية مما يزيد الطين بلة ويبعد الفقيه عن الإصابة. 
 
ولعل لذلك قيل كانهم نسوا في الفقه ما أسسوه في الأصول! وذلك لأنهم حيث وصلوا للفقه وجدوا عدم انسجام ما توصلوا إليه في الأصول مع مقتضى الذوق الفقهي السليم أو الإجماع – الذي اعتبروه غير حجة وغير كاسر ولا جابر – أو شبه ذلك. 
 
ب- الرجوع للمسائل الفقهية كذلك قد يكشف حال الأصولية 
 
ب- كما انه من الممكن الاستدلال على المسألة الأصولية – وهي في مثالنا إمكان الترتب – بما افتى به الفقهاء – على تناقض مبانيهم في الترتب – من فتاوى لا تبتني إلا على جوازه! 
 
فمن ذلك ما ذكره صاحب العروة وتبعه جمع من الأعاظم([6])، من وجوب رد السلام في الصلاة فانه أهم لكنه لو لم يردّ وأكمل قراءته صحت صلاته مع انه على استحالة الترتب ينبغي القول ببطلانها إذ لا أمر بها – أي بقراءة هذا المقطع المزاحِم للسلام – وحيث لا أمر به لم يجزئ فتبطل صلاته لعمده بترك الجزء. 
 
ومن ذلك ما ذكره الميرزا النائيني: من انه لو وجب عليه الحج، وجب عليه السفر فلو عصى ولم يسافر وجب عليه الصوم – في شهر رمضان – والصلاة تماماً بلا كلام، مع انه بناء على استحالة الترتب لا أمر بالصوم فليس واجباً عليه ولو صام لكان باطلاً، كما لا أمر بالصلاة تماماً إذ وجب عليه السفر والصلاة قصراً! قال الميرزا النائيني (فكأن المولى يقول له سافر وقصر وأفطر ولو عصيت فصم وافطر). وللحديث صلة 
 
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين 
 
 
([1]) أي من الأدلة الخاصة بل والعامة أيضاً. 
 
([2]) إذ القاطع بها، لا يراها في مقابل البديهة بل يؤول البديهة أو ينكرها رأساً. 
 
([3]) ومنها قدرته على التعبير السليم عما جال بخاطره. ومنها: التفاته لدلالات كلامه الالتزامية والتضمنية وما تفيده دلالة الاقتضاء وغيرها، إضافة إلى ما سبق من انه حدس من غيرِ معصومٍ واحتمال خطأ الترجمة في المترجَم منها. 
 
([4]) كي لا يقال بعدم نهوض الظواهر أمام دوائر الاستحالة والوجوب. 
 
([5]) لإمكان الخطأ الثاني لكن بعكس وجهه. 
 
([6]) ومنهم السيد الوالد والسيد الكلبايكاني والسيد الخوئي والسيد حسن القمي والسيد المرعشي.

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=597
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 6 صفر الخير 1435هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23