• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 348- تتمة الجمع بين الرويات المتعارضة في غسل الجمعة ، على ضوء فقه المعاريض ، وتحليل معنى ( الفاسق ) على المباني الثلاثة ــ الفرق بين التورية والمعاريض : التورية من أقسام الحقيقة الا قسم منها والمعاريض لا هي حقيقة ولا هي مجاز بل هي قسيم لها .

348- تتمة الجمع بين الرويات المتعارضة في غسل الجمعة ، على ضوء فقه المعاريض ، وتحليل معنى ( الفاسق ) على المباني الثلاثة ــ الفرق بين التورية والمعاريض : التورية من أقسام الحقيقة الا قسم منها والمعاريض لا هي حقيقة ولا هي مجاز بل هي قسيم لها

 بسم الله الرحمن الرحيم 

 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
 
مبادئ الاستنباط 
 
سبق أن (الجواهر) ذكر عبارة الصدوقين (وغسل الجمعة سنة واجبة فلا تدعه) ثم حاول دفع توهم التضاد بين (سنة وواجبة) بأحد وجوه ثلاثة سبقت. 
 
ونضيف ههنا ان هذه العبارة هي نص أكثر من رواية، فانه إضافة إلى أن (المقنع) للصدوق هو نصوص الروايات كما صرح به في مقدمته حيث انه جعل فتاواه نصوص الروايات وصرح بانها مسندة عن أهل البيت عليهم السلام إذ قال في المقنع (وسمَّيتُه كتاب ((المقنع)) لقنوع من يقرأه بما فيه، وحذفت([1]) الاسانيد منه لئلا يثقل حمله ولا يصعب حفظه ولا يمله قاريه اذ كان ما ابينه فيه في الكتب الاصوليه موجودا مبينا على المشائخ العلماء الفقهاء الثقات، رحمهم الله). 
 
إضافة إلى ذلك فقد وردت هذه العبارة في فقه الرضا ((وأعلم ان غسل الجمعة سنة واجبة لا تدعها في السفر ولا في الحضر))([2]) 
 
وفي (الهداية) قال الصادق ( عليه السلام ): ((غسل يوم الجمعة سنة واجبة على الرجال والنساء في السفر والحضر))([3]) 
 
تحليل معنى الفاسق على المباني الثلاثة: 
 
كما روي عن أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) ((لا يترك غسل الجمعة إلا فاسق ومن فاته غسل يوم الجمعة فليقضه يوم السبت))([4]) 
 
ويمكن رفع التعارض الظاهري بين هذه الرواية، على تقدير حجيتها سنداً([5]) وبين ما تفيد ان غسل الجمعة تطوع([6]) و(سنة وليست بفريضة)([7])، وذلك على ضوء فقه المعاريض، على بعض المباني في تحليل معنى (الفاسق) وتفصيله: 
 
ان المحتملات في (الفاسق) هي ثلاثة: 
 
الأول: انه مشترك لفظي بين المعنى اللغوي وبين المعنى المعهود في أذهان المتشرعة الذي يقابله العادل والذي اعتبر شرطاً في مرجع التقليد والقاضي والشاهد وإمام الجماعة وما أشبه ذلك. 
 
والمعنى اللغوي هو (فسق: خرج عن الطاعة) و(خروج الشيء عن الشيء على وجه الفساد) كما في مجمع البحرين، أو الأعم من ذلك إذ (فسقت الرطبة عن قشرها إذا خرجت) كما في معجم مقاييس اللغة، إن لم نقل بانه منه تعريف بالأعم 
 
وأما المعنى المعهود فهو (خروج المكلف عن طاعة المولى الحقيقي إذا كانت واجبة) فلو خرج عن طاعة المولى العرفي الذي لا يرى الشارع له ولايةً فليس بفاسق شرعاً وكذا لو خرج عن الطاعة المندوبة كما لو ترك صلاة الليل فليس بفاسق، ولذا تقبل شهادته، مثلاً، في الصورتين. 
 
وعلى أي، فقد يقال بان الفاسق وضع بوضع تعيُّني في لسان الشارع في المعنى الأخص المصطلح من غير هجران المعنى اللغوي، فهو مشترك لفظي بينهما. 
 
وعليه: فلا إحراز للتعارض بين هذه الرواية ومقابلاتها إذ إحراز التعارض فرع إحراز إرادة المعنى الأخص ولا قرينة معينّة في الرواية. 
 
الثاني: انه منقول للمعنى المصطلح 
 
وعليه فاستعماله في المعنى اللغوي العام مجاز، وحيث لا قرينة في الرواية يقع التعارض بينها وبين مقابلاتها، ويكون وجه التورية في الرواية: إرادة المجاز([8]) من (فاسق) مع عدم نصب قرينة عليه. 
 
الثالث: انه باقِ على معناه اللغوي واستعماله في الفاسق بالمعنى الأخص المعهود إنما هو من باب استعمال الكلي في إحدى حصصه بنحو اللابشرط لا البشرط لائيه، ولا تعارض على هذا بين الرواية ومقابلاتها المصرِّحة بان غسل الجمعة تطوع أو سنة([9]) أو ما أشبه، ويكون وجه التورية إنما هو توهمنا - أو البعض - إرادة المعنى الأخص، إذ كلام الشارع على هذا جارٍ على طبق الأصل والوضع اللغوي لكنه مع علمه بتوهمنا - أو البعض منا - غيره لم يلفتنا لحكمةٍ وهنا وجه التورية([10]). 
 
الفرق بين التورية والمعاريض: التورية من أقسام الحقيقة إلا احدها، والمعاريض قسيم للحقيقة والمجاز 
 
ثم إن (التورية) بأقسامها الثلاثة الأخيرة السابقة([11])، هي من أقسام الحقيقة لاستعمال اللفظ في الموضوع له([12]) وان توهم السامع غيره، كقوله (انا من علي، ومن عثمان بريء) قاصداً انه من أتباع علي وانه من عثمان بريء فالواو للاستئناف، مع توهم الظالم انه أراد واو العطف وانه برأ منهما معاً، وكقوله (ليس أبي هنا) مشيراً إلى بقعة خاصة فيتوهم السامع نفيه لوجوده في البيت، نعم القسم الأول وهو ان لا يراد الظاهر بل ما وراءه فقط، هو من أقسام المجاز كما سبق من (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ)وغيره. 
 
اما المعاريض: فليست من أقسام الحقيقة ولا المجاز على ما اخترناه من المعنى الأخص لها وهو: انها المعاني الموازية للمعنى الموضوع له التي ينتقل إليها الذهن بالتقارن، أي ما كان نظير تداعي المعاني، وكان اللفظ مجرد محفّز ومثير للانتقال إليها، ومن الواضح ان المعاريض على هذا التفسير لا هي حقيقة ولا هي مجاز إذ لا استعمال للفظ في تلك المعاني، فيها أبداً (لا على انها موضوع له اللفظ ولا على انها غير موضوع له اللفظ) فتدبر 
 
نعم هنالك معنى أعم للمعاريض وهو المستفاد من كلمات بعض اللغويين، على اضطراب كلماتهم في تعريف المعاريض، وستأتي تتمة الحديث بإذن الله تعالى. 
 
وسيتضح بإذنه تعالى – بما سنفصله من معنى المعاريض الأخص، وجه دفاع قوي جديد عن بعض الروايات الواردة في تفسير أو تأويل العديد من الروايات مما يتوهم مخالفتها للقواعد العربية أو لبعض الأصول الاعتقادية. وللحديث صلة 
 
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين 
 
 
 
 
([1]) قال البعض: يستفاد من هذا الكلام انه انما أودع في هذا الكتاب متون الأحاديث ويؤيده ان غالب ما فيه موجود في الاخبار لفظا أو معنى ومن اجل ذلك عده صاحب المستدرك من الكتب الحديثية، وأورد عباراته في أبواب كتابه، وقد استدل على ذلك في الخاتمة بوجوه، فراجع المستدرك ج 3 ص 327. 
 
([2]) مستدرك الوسائل ج1 ص447. 
 
([3]) بحار الأنوار ج78 ص127. 
 
([4]) بحار الأنوار ج78 ص129. 
 
([5]) بناءاً على حجية مراسيل الثقاة التي اعتمدوا عليها، أو غير ذلك. 
 
([6]) كخبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن جده ( عليه السلام ) عن النبي ( صل الله عليه وآله وسلم ) أنه قال لعلي في وصيته له ((يا علي على الناس في كل يوم من سبعة أيام الغسل فاغتسل في كل جمعة و لو أنك تشتري الماء بقوت يومك و تطويه فإنه ليس شي‏ء من التطوع أعظم منه)) مستدرك الوسائل ج2 ص502 وجمال الأسبوع ص366. 
 
([7]) تهذيب الأحكام ج1 ص112 الاستبصار ج1 ص102. 
 
([8]) وهو المعنى الأعم أي اللغوي المهجور، على فرضه. 
 
([9]) على ما سبق تفصيله حول معنى سنة، فلاحظ الوجوه الأربعة السابقة في الدرس السابق. 
 
([10]) واما الاحتمال الرابع وهو ان يكون (الفاسق) موضوعاً للأخص اي المعنى المعهود لدى المتشرعة، فغير وارد كما لا يخفى. 
 
([11]) ان يراد الظاهر وما وراءه وان يراد الظاهر لكن السامع يتصور إرادة ما وراءه، وان يُجمل الظاهر. 
 
([12]) نعم قد يقال ان استعمال اللفظ في الظاهر وما وراءه معاً مجاز فتأمل

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=608
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 12 ربيع الأول 1434هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23