• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 349- المعاريض بالإطلاق الأخص : ما لم يستعمل فيه اللفظ لا حقيقةً ولا مجازاً بل ما كان في عرض المعنى وانتقل اليه بالتقارن واللفظ داعٍ ومحفز فقط ـ الجواب على شبهةٍ ترد على الكثير من الروايات المعتبرة في تفسير الآيات بما يبدو غريباً ، بوجوه خمسة ـ جولة في موارد استعمال ( المعاريض ) في كتب اللغة .

349- المعاريض بالإطلاق الأخص : ما لم يستعمل فيه اللفظ لا حقيقةً ولا مجازاً بل ما كان في عرض المعنى وانتقل اليه بالتقارن واللفظ داعٍ ومحفز فقط ـ الجواب على شبهةٍ ترد على الكثير من الروايات المعتبرة في تفسير الآيات بما يبدو غريباً ، بوجوه خمسة ـ جولة في موارد استعمال ( المعاريض ) في كتب اللغة

 بسم الله الرحمن الرحيم 

 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
 
مبادئ الاستنباط 
 
تعريف المعاريض 
 
المستظهر ان المعاريض لها إطلاقان: 1- المعاريض بالمعنى الأخص وهي ما وقع في عرض المعنى، ولم يكن موضوعاً له ولا مستعملاً فيه، بل قُصِد من اللفظ بالتقارن وكان اللفظ داعياً للانتقال إلى المعنى الآخر الموازي أو محفِّزاً ومثيراً، وعليه فهناك قصد لكن لا وضع ولا استعمال. 
 
وتوضيحه بالمثال ما لو قال: 
 
ان الغصون إذا قومتها اعتدلت *** وليس ينفعك التقويم للحطب 
 
 
في الجواب على من سأله حول تزويجه ابنته لخاطبٍ كان يسيء التصرف مع زوجته السابقة لمدة طويلة – كعشرين عام مثلاً – ثم طلقها وخطب أخرى مدعياً انه سيكون حسن الخلق معها، فإن قول المستشار (ان الغصون...) لا يراد به استعمال الحطب في هذا الرجل مجازاً، بل يراد به ذكر أمر حسي مسلّم مشاهَد لينتقل منه الذهن إلى أمر معقول مقارن له مشابه وهو أخلاق هذا الرجل في المستقبل. 
 
وقد يعدّ منه الجواب اعتماداً على الاستقراء المعلل، كما لو سُئِل عن شخص من عشيرة، فأجاب بانني عاشرت عشرة أشخاص من تلك العشيرة مثلاً فوجدتهم صلحاء ذوي حميِّة وغيرة، فانه لم يستعمل (عاشرت عشرة...) في هذا الرجل مورد السؤال كما هو واضح، بل أراد الانتقال من المصاديق التي عاشرها إلى الجامع ثم من الجامع إلى انطباقه على الفرد المسؤول عنه، والجامع المستكشَف هو ان أجواء العشيرة هي بحيث تربي شبابها على الغيرة والحمية والصلاح وحالة هذا الشخص هي في عرض حالة أولئك إلا ان توسط الجامع كشف عنها. 
 
وإذا اتضح ذلك يتضح وجه جديد مبني على فقه المعاريض، في الجواب على العشرات بل المئات من الروايات التي قد يتوهم معارضتها لمسلمات العقائد أو الفقه. 
 
رواية (لا تتخذوا إلهين اثنين) ومعالجتها أصولياً بطريقين 
 
ومن ذلك ما رواه العياشي في تفسيره عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول: (وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ)([1]) يعني بذلك ولا تتخذوا إمامين إنما هو إمام واحد([2]) 
 
فان معالجة مثل هذه الرواية يمكن أن تتم بطريقتين أصوليتين وأخريين بلاغيتين وخامسة تستفاد من فقه المعاريض. 
 
الطريقة الأولى: دراسة سند الرواية فقد لا تكون حجة، لكن أمثال هذه الرواية بعضها معتبر سندها، إضافة إلى تواترها الإجمالي. 
 
الطريقة الثانية: ان أمثال هذه الرواية لو صحت سنداً أو بالتواتر فان المرجعية الثانية هي روايات العرض على الكتاب. 
 
ومنها: ((كُلُّ شَيْ‏ءٍ مَرْدُودٌ إِلَى الْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ وَ كُلُّ حَدِيثٍ لَا يُوَافِقُ كِتَابَ اللَّهِ فَهُوَ زُخْرُفٌ))([3]) 
 
((مَا لَمْ يُوَافِقْ مِنَ الْحَدِيثِ الْقُرْآنَ فَهُوَ زُخْرُفٌ))([4]) 
 
معالجة الرواية بطريق فقه المعاريض 
 
الطريقة الثالثة([5]): ان يقال بناء على فقه المعاريض ان الإمام لم يقصد تفسير الآية ولا تأويلها بل قصد معاريضها أي المعاني الموازية المشابهة للمعنى الأصلي. 
 
فكأنه قال: كما انه (لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد) كذلك (لا تتخذوا إمامين إنما هو إمام واحد) والدليل على ذلك، إضافة للاعتبار، الواو في الرواية فان موقعها ومعناها دقيق إذ قال (يعني بذلك ولا تتخذوا...) ولم يقل (يعني بذلك لا تتخذوا) فالواو تفيد ان هذا معنى إضافي مقارن يستفاد من ملاحظة الآية لا من الآية. والحاصل: الانتقال من هذا إلى ذاك لا استعمال هذا في ذاك 
 
ويوضحه ما لو سألك سائل عن مدى حُسن ان تنصب رئيسين للشركة فقلت: لا تسلم السفينة بربانيين أو قلت (لا تتخذوا إلهين اثنين) فانه ليس المقصود إلا الانتقال من هذه المثال أو الآية إلى عدم حسن نصب الرئيسين لا ان الإله أريد به الرئيس أو الربان أريد به الرئيس مجازاً، فانه وإن أمكن لكنه وجه آخر، على انه أقل من ذلك الوجه روعةٌ وجمالاً. 
 
من موارد استعمال المعاريض أو مبدئها في اللغة 
 
ثم ان مراجعة كتب اللغة تفيدنا وجود الإطلاقين للمعاريض([6])، احدهما الأخص السابق الذكر وتنطبق عليه جملة من تعاريفهم وثانيها الأعم وتنطبق عليه جملة أخرى. 
 
فقد جاء في لسان العرب([7]) (قال الجوهري([8]): أي في شقَّه وناحيته)([9]) 
 
أقول: وناحية الشيء غير الشيء كما انها ليست مدلولاً عليه للشيء لا حقيقة ولا مجازاً. 
 
(وعارض الشيء بالشيء مُعارضةً: قابله، وعارضتُ كتابي بكتابه أي قابلته)([10]) 
 
أقول: ومقابل الشيء غير الشيء كما لم يوضع له ولم يستعمل فيه. فتأمل([11]) 
 
و(قاله يخاطب امرأة خطبها إلى نفسها ورَغَّبها في أن تنكحه فقال: هل لك رغبة في مائة من الإبل أو أكثر من ذلك)([12]) 
 
أقول: وقوله (هل لك رغبة...) لا هو موضوع له لمعنى الزواج ولا هو مستعمل فيه، بل يريد الانتقال منه إليه. 
 
و(عرَضَ الفرس في عدوِه: مَرَّ مُعْتَرِضاً)([13]) 
 
أقول: وما هو في عرض الكلام ليس بموضوع له ولا مستعمل فيه. 
 
و(العَرَضُ: ما يَعْرضُ للإنسان من الهموم والأشغال)([14]) 
 
أقول: وهذا التفسير الظاهر انه بالمصداق، وعلى منواله يقال: عَرَض الكلام ومعاريضه: ما يعرض للكلام من الطوارئ والحاكم والوارد والمخصص والمجاز الخفي والتورية و... 
 
وهذا هو الإطلاق الأعم للمعاريض. 
 
و(عُرْضُ الشيء، بالضم، ناحِيتُه من أيّ وجه جِئْتَه. يقال: نظر إليه بعُرْضِ وجهه)([15]) 
 
أقول: وهو كما سبق، وقوله من أي وجه جئته أي اليمين أو الشمال أو الخلف أو الأَمام أو ما بينها، ومن الواضح ان هذه النواحي ليست مدلولاً عليها للشيء أو اللفظ فهو مراد لكنه غير موضوع له. وللحديث صلة 
 
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين 
 
 
([1]) سورة النحل آية 52. 
 
([2]) تفسير العياشي ج2 ص283 ح36. 
 
([3]) الكافي ج1 ص69. 
 
([4]) وسائل الشيعة ج 27 ص110. 
 
([5]) سنذكر في الدرس القادم بإذن الله الطريقتين البلاغيتين. 
 
([6]) بل قد يستفاد الأكثر من الاطلاقين. 
 
([7]) وقد انتخبنا من بين المئات من تعريفاته أو موارد استعماله، ما ذكر في المتن مما يمكن انطباقه على المعاريض. 
 
([8]) في شرحه لـ(عِراض) في هذا البيت: (كأنه في عِراض الشام مصباح) حيث يصِف البرق.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=609
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 18 ربيع الأول 1435هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23