• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 350- تتمة الأجوبة وان المعاريض ( الانتقال ) لا ( الاستعمال) ـ من مصاديق المعاريض 1ـ مفهوم الموافقه 2ـ الكنايات ــ وأمثلة ــ تتمة الجولة في كتب اللغة .

350- تتمة الأجوبة وان المعاريض ( الانتقال ) لا ( الاستعمال) ـ من مصاديق المعاريض 1ـ مفهوم الموافقه 2ـ الكنايات ــ وأمثلة ــ تتمة الجولة في كتب اللغة

بسم الله الرحمن الرحيم 
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
 
مبادئ الاستنباط 
 
قِوام المعاريض بالانتقال لا الاستعمال 
 
سبق ان المعاريض بالمعنى الأخص يراد بها المعاني التي تقع في عرض المعنى الأول (الموضوع له) من غير ان يكون اللفظ موضوعاً لها ولا مستعملاً فيها، بل هي مرادة بالتقارن بنحو الانتقال لا بنحو الاستعمال. 
 
والانتقال يراد به الانتقال من المعنى الموضوع له إلى معنى مناظِر ومشابه بان يكون اللفظ أو الجملة داعياً للانتقال أو محفزاً ومثيراً دون وجود عُلقة وضعية أو استعمالية بينها. 
 
ولا بد من الإشارة إلى بعض مصاديق ذلك ليتضح المدّعَى أكثر وليكون بها مبرهنا أيضاً، إذ أدل دليل على إمكان الشيء وقوعه، وليفتح نافذة جديدة على أبعاد ومَدَيات فقه المعاريض: 
 
1- من المعاريض: مفهوم الموافقة 
 
الظاهر هو ان (مفهوم الموافقة) يعد من المعاريض فانه ليس موضوعاً له للفظ ولا مستعملاً فيه، بل هو معنى موازي مناظِر ويُنتقل من اللفظ إليه دون استعمال له فيه. 
 
وذلك كقوله تعالى: (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ) فان مفهومه: ولا تبك عليهم بالأولوية لكن (لا تذهب.. حسرات) لم تستعمل في (لا تبك عليهم) بل انتقل منها إليها، للأولوية العقلية([1]) 
 
وكذلك (لا تضربهما) المستفاد بالأولوية من (فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍ) فان (أفٍ) لم تستعمل في الضرب مجازاً ليقال انه استفيد منه بالاستعمال المجازي، بل بالانتقال نظراً للأولوية فقط. 
 
2- من المعاريض: الكناية 
 
(الكناية) فان الكنايات كذلك لم تستعمل في المعنى الكنائي، بل يُنتقل من المعنى الحقيقي إلى الكنائي عبرها، فان قولك فلان مهزول الفصيل أو جبان الكلب أو كثير الرماد، لا يراد به استعمال الفصيل أو المهزول في الشخص أو في جوده وكرمه، بل يراد الانتقال منه إليه وقد استعملت تلك الثلاثة في مداليلها الحقيقية وإن لم تكن بنفسها مرادة بالإرادة الجدية. 
 
ومما يوضح ذلك ويدفع الإشكال عن الرواية السابقة([2]) ملاحظة قضية فضة خادمة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها إذ كانت تتكلم بالقرآن، وعندما ألتقى بها أحد الزهاد في طريق الحج كانت تجيبه على كل سؤال بآية أو جزء آية فكان مما قاله لها (قلت لها: أسرعي لكي تبلغي القافلة فقالت (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا)... فقلت: أركبي خلفي فقالت: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا)) فان من الواضح ان مقصودها ان في ركوبها خلفه المفسدة، وقد أرادت الانتقال من الآية لهذا المعنى المناظِر وليس انها استعملت الآلهة مريدة بها نفسها وذلك الرجل. 
 
 
 
تتمة موارد استعمال المعاريض أو مبدئها في اللغة 
 
وقال في لسان العرب([3]): (العارِضُ: ما سَدَّ الأفُق من الجراد والنحل) 
 
فهل يراد بالمعاريض هذا المعنى؟ فان قوله عليه السلام (( حديث تدريه خير من ألف حديث ترويه و لا يكون الرجل منكم فقيها حتى يعرف معاريض كلامنا و إن الكلمة من كلامنا لتنصرف على سبعين وجها لنا من جميعها المخرج))([4]) قد يراد به ما سد الأفق من كلامنا، فيكون المراد لا يكون الرجل منكم فقيهاً حتى يعرف ويحيط بكلماتنا كلها إذ ان بعضها قرينة على المراد من البعض الاخر أو حاكم عليه أو وارد أو مخصص أو موجب للانصراف أو غير ذلك. فتأمل([5]) وهذا المعنى وإن صح في حد ذاته لكنه بعيد عن ظاهر المراد من المعاريض خاصة في هذه الرواية. 
 
و(عَرُوضُ الكلام: فَحواهُ ومعناه)([6]) والفحوى هو لحن الكلام ومغزاه ومحتواه ومضمونه. 
 
و(هذه المسألة عَرُوضُ هذه أي نظيرُها)([7]) وهذا المعنى يطابق الإطلاق الأخص للمعاريض الذي ذكرناه سابقاً فان المعنى المقارِن الواقع في عرض المعنى الحقيقي هو نظير للمعنى الموضوع له أو المستعمل فيه، غاية الأمر انه انتقل منه إليه. 
 
و(عُرْضُ الشيء: وسَطُه وناحِيتُه. وقيل: نفسه)([8]) 
 
وعلى الأخير فالمراد بفقه المعاريض ان يفهم نفس كلام الإمام وحقيقته لا ما يتوهمه منه أو بعض أبعاده وتجلياته فقط، وهذا وإن صح في نفسه لكنه بعيد عن المراد ظاهراً. 
 
و(العُرْضِيَّةُ: الذَّلولُ الوسطِ الصعْبُ التصرفِ. وناقة عُرْضِيَّة: لم تَذِلّ كل الذُّلِّ)([9]) 
 
و(العَرُوضُ العُرْضِيَّةُ من الإبل الصَّعْبة الرأْسِ الذلولُ وسَطُها التي يُحْمَلُ عليها ثم تُساقُ وسط الإبل المحمَّلة، وإن ركبها رجل مضت به قُدُماً ولا تَصَرُّفَ لراكبها)([10]) 
 
وعلى هذا([11]) فان المراد من معاريض كلامهم الكلمات السهلة – الممتنعة أي التي يسهل فهمها في بادئ النظر لكنها تصعب عند التدبر في مطاويها وأعماقها ودلالاتها. 
 
فمثلاً قوله ( عليه السلام ) (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام)([12]) فانه واضح بظاهره، لكنه عند التدبر فيه تظهر أبعاد وجوانب تصعب على الباحث إلا بعد التدبر والتأمل والتعمق الشديد مثل: هل (لا) نهي أو نفي؟ وهل هي نفي الحكم بلسان نفي موضوعه أو نفي الضرر غير المتدارك أو نفي الحكم الناشئ من قبله الضرر غير ذلك على الأقوال الخمسة في (لا ضرر) إلى غير ذلك من مباحثها الكثيرة. وللحديث صلة وصلى الله على محمد وآله الطاهرين 
 
 
([1]) ولذا لا يستفاد (ولا تفكر فيهم) إذ لا أولوية، كما لا يستفاد من الآية اللاحقة (ولا تعتب عليهما نفسياً) 
 
([2]) وهي: ما رواه العياشي في تفسيره عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول: (وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ) يعني بذلك ولا تتخذوا إمامين إنما هو إمام واحد. 
 
([3]) لسان العرب مادة عرض ج7 ص195. 
 
([4]) معاني الأخبار ص2 وبحار الأنوار ج2 ص184. 
 
([5]) إذ قد يضعّفه قوله ( عليه السلام ) بعد ذلك (وان الكلمة...) فتأمل إذ ذلك لو كان العطف تفسيرياً دون ما لو كان تأسيسياً – كما هو الأصل فيه أي عطف المباين على المباين. فتأمل ويؤكد التأمل مطلع الحديث (حديث تدريه...) فتدبر 
 
([6]) لسان العرب مادة عرض ج7 ص197. 
 
([7]) لسان العرب مادة عرض ج7 ص197. 
 
([8]) لسان العرب مادة عرض ج7 ص198. 
 
([9]) لسان العرب مادة عرض ج7 ص201. 
 
([10]) لسان العرب مادة عرض ج7 ص202. 
 
([11]) أي لو كان هذا هو مبدأ الاشتقاق للمعاريض. 
 
([12]) وسائل الشيعة ج26 ص14 وعوالي اللآلي ج1 ص220.

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=610
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 19 ربيع الأول 1435هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23