• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 361- 7ــ المفاهيم على مسلك العقلاء من كون دلالتها ليست لفظية بل لأصل عقلائي واما على مسلك المتأخرين فهناك تفصيل ــ استعراض سريع لروايات المعاريض : 1ــ حديث تدريه خير من الف ترويه ولايكون الرجل فقيهاً يعرض معاريض كلامنا ... .

361- 7ــ المفاهيم على مسلك العقلاء من كون دلالتها ليست لفظية بل لأصل عقلائي واما على مسلك المتأخرين فهناك تفصيل ــ استعراض سريع لروايات المعاريض : 1ــ حديث تدريه خير من الف ترويه ولايكون الرجل فقيهاً يعرض معاريض كلامنا ...

 بسم الله الرحمن الرحيم 

 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
 
مبادئ الاستنباط 
 
7- من المعاريض: مفهوم الوصف وشبهه 
 
وقد يعد من المعاريض مفهوم الوصف وشبهه وذلك على بعض المباني. توضيح ذلك 
 
منشأ دلالة الشرط والوصف على المفهوم 
 
ان المتأخرين خالفوا القدماء في منشأ دلالة المفاهيم (كمفهوم الشرط والوصف وغيرهما) كما ذكره السيد البروجردي([1]) 
 
فقد ذهب القدماء إلى ان دلالتها على الانتفاء عند الانتفاء ليست دلالة لفظية، بل هي مبنية على أصل عقلائي وهو: ان الأصل في كل قول وفعل للإنسان، ومنه الإتيان بالقيد في كلامه لموضوع حكمه، ان لا يكون لاغياً فلا بد ان يكون وجه إتيانه بالقيد هو العلية المنحصرة والانتفاء عند الانتفاء. 
 
وذهب المتأخرون إلى ان الدلالة – على فرضها – هي بالوضع على رأي، وبمقدمات الحكمة على رأي آخر. 
 
أقول: لا بد من التفريق بين دلالة الشرط وغيره، فان دلالة الشرط على الانتفاء عند الانتفاء ظاهرة وهي عرفية لا ريب فيها، فليست من (المعاريض)([2]). 
 
واما دلالة الوصف، فانها التي يمكن ان تندرج في مبحث (المعاريض) بوجهٍ، وذلك لأنه لا شك في ان تقييد الحكم بوصفٍ يدل على الثبوت عند الثبوت، لكن هل يدل على الانتفاء عند الانتفاء؟ 
 
لا يصح الاستدلال باللغوية وبذلك الأصل العقلائي الذي أُستند إليه على ذلك، وذلك لأن اللغوية تندفع بالثبوت عند الثبوت وكفى به فائدة، فيكفي كون الشيء علة أو شرطاً على سبيل البدل لأخذه في موضوع الحكم ولا يشترط كونه علة منحصرة فهذا الوجه غير مجدٍ. 
 
هل مفهوم الوصف لازم بيِّن أو غير بيِّن؟ 
 
وعليه: فان عدم دلالة الوصف على الانتفاء عند الانتفاء، أو دلالته عليه حسب رأي القدماء، يعد من اللازم غير البيّن إذ توقف على ضم مقدمة خارجية للنفي أو الإثبات، وعلى رأي القدماء فان دلالته عليه من (المعاريض) إذ هي بالانتقال لا بالاستعمال كما سبق، ومفهوم الوصف على رأيهم مما يحاذي المعنى الأول ويقع بإزائه وهو في شقة وناحيةٍ منه، على ما مضى من تعريفات المعاريض. 
 
نعم: قد تدعى عرفية دلالة الوصف على الانتفاء عند الانتفاء – وضعاً أو عقلاً – وان قوله (اكرم الرجال العدول) ظاهر في نفي حتى كلي الحكم عن الرجال غير العدول، وان ما عداه خارج بالدليل ولذا نجد عرفية القول بان (اللاتي في حجوركم) في آية (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) تفيد عرفاً (لولا الروايات الدالة على عدم الانتفاء عند الانتفاء والتي عليها المعول والإجماع أيضاً)، عدم حرمة الربائب اللاتي لسن في الحجور، ويؤكده (فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) فانه تصريح بمفهوم (مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) ولولاه لقيل ان الوصف (اللاتي دخلتم بهن) لا مفهوم له فلا يدل على الانتفاء عند الانتفاء فتأمل([3]) واما القول بان (اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ) جارٍ مجرى الغالب فانه وإن صح لكنه للروايات، لا لظهور اللفظ ويكفي شاهداً على ذلك عرض الآية على إنسان خال الذهن عن حكم هذه المسألة فانه سيجد إفادتها الانتفاء عند الانتفاء فتأمل. 
 
وعلى أي فانه على هذا المبنى فان دلالته عليه من قبيل اللازم البين بالمعنى الأعم، أو هو ملحق به، على ما عمَّمنا اللازم البيِّن بالمعنى الأعم إلى ما كانت الضميمة ارتكازية أو شديدة الوضوح، لا خصوص ما لزم من تصور الملزوم واللازم والملازمة الجزم بالنسبة 
 
وتفصيل هذا البحث يطلب من مبحث المفاهيم، فلنكتف بهذا القدر. 
 
استعراض سريع لروايات المعاريض وشبهها 
 
فقد جاء في معاني الأخبار: (حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور - رضي الله عنه – قال: حدثنا الحسين بن محمد ابن عامر، عن عمه عبد الله بن عامر، عن محمد بن أبي عمير، عن إبراهيم الكرخي، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: حديث تدريه خير من ألف حديث ترويه، ولا يكون الرجل منكم فقيها حتى يعرف معاريض كلامنا، وإن الكلمة من كلامنا لتنصرف على سبعين وجها لنا من جميعها المخرج)([4]). 
 
أقول: الظاهر ان الرواية معتبرة على بعض المباني الرجالية حتى لدى من لا يرى حجية مراسيل الثقات، واما فقه الحديث فانه بحاجة إلى بحث مطول مستوعب وحيث اننا سنعقد في العام القادم أو الذي بعده مسألة خاصة بفقه المعاريض لذا سنوكل تفصيل البحث السندي والدلالي إليها. فلنكتف ههنا بالإيجاز الشديد: 
 
الحكمة في أفضلية دراية حديث واحد على رواية ألف حديث 
 
1- (حديثٌ تدريه خير من ألف حديث ترويه). 
 
ولعل من وجوه الحكمة في ذلك: ان دراية الحديث تقود إلى فهم المراد الصحيح منه اما مجرد الرواية دون الدراية فقد توقع الشخص في نقيض المقصود، أو يبقى جاهلاً بسيطاً بالمراد. 
 
كما انه لعل من وجوه الحكمة: ان ذلك يحرِّض على امتلاك ملكة دراية الحديث ومن امتلكها ولو عبر حديث واحد فانه سيكون قادراً على تحصيل دراية سائر الأحاديث([5]) فيكون دارياً رواياً عكس الراوي الصِرف ويكون بذلك (متفقهاً في الدين) وممن يرجع إليه فيه لا صرف مقلّد، وقد قال تعالى: (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).
 
ولذا نجد ان الشيخ الانصاري استخدم أسلوب دراية الأحاديث وبنحو معمق ومستوعب في المكاسب والرسائل، وذلك لأن هذا الأسلوب والمنهج هو الذي يوجد الملكة أو ان كانت موجودة فانه ينمِّيها عكس دراسة الكتب المبسطة حيث انها وإن افادت زيادة كم المعلومات إلا انها لا تنفع – إلا بنحو الأعداد الضعيف – لتنمية ملكة الاجتهاد. 
 
ولذلك كله نرى ان من المفضل في دروس الخارج انتهاج منهج التدقيق والتحقيق الأكثر استيعاباً وشمولاً، وطرح التشقيقات الاحتمالات المختلفة ومناقشتها بعمق ودقة فان ذلك وان سبّب بعض الصعوبة في الفهم والاستيعاب على كثير من الطلاب، إلا ان هذه الصعوبة وهذا التحدي بالذات هو مفتاح تنمية الملكة، فانه كلما كان التحدي أكبر والمعاناة أشد كان تنمية ذلك للملكة أقوى([6]). 
 
معاريض الكلام هي القسيم الآخر لعلم الأصول 
 
2- (ولا يكون الرجل منكم فقيهاً حتى يعرف معاريض كلامنا) 
 
وهذا المقطع نص في توقف الفقاهة على معرفة معاريض الكلام، وبضم هذه الرواية إلى رواية (عَلَيْنَا إِلْقَاءُ الْأُصُولِ وَ عَلَيْكُمُ التَّفْرِيعُ)([7]) يعلم ان الفقاهة تتوقف على ركنين: 1- ركن (الأصول) المضمَّن في أمثال الرسائل والكفاية وهي التي تتناول الحجج الجلية. 2- وركن (المعاريض) التي خلت منها كتب الأصول المعهودة المتداولة إلا مجرد إشارات، رغم توقف الاجتهاد عليها بصريح الرواية. 
 
وغير خفي ان الفقهاء العظام في كتبهم الفقهية لم يغفلوا عن (معاريض كلامهم صلوات الله عليهم) في الكثير من المسائل، إلا ان الكلام هو ان (الأصول) كان ينبغي ان يبحث كليات (المعاريض) وأنواعها والحجج منها وحدودها وضوابطها كما بحث عن المسائل الأصولية المعهودة لتكون منقَّحة لدى الفقيه عندما يشرع في البحث الفقهي التطبيقي. 
 
محتملات (سبعين وجهاً) 
 
3- (وإن الكلمة من كلامنا لتنصرف على سبعين وجها لنا من جميعها المخرج) 
 
ويحتمل في هذه الكلمة وجوه، عمدتُها الوجوه الآتية: 
 
الأول: ان يكون المراد معنى واحد يمكن التعبير عنه سبعين وجه، فكل وجه من وجوه التعبير يعد مخرجاً لبيان المعنى، وهو ما ينطبق على التورية([8]) أو على التقية. 
 
الثاني: ان يكون المراد سبعين معنى لكلمة واحدة، فهي رغم انها كلمة واحدة إلا انه يمكن ذكر سبعين وجهاً ومعنى لها، وهذا ما ينطبق على البطون وعلى المعاريض أيضاً. 
 
الثالث: ان يكون المراد سبعين معنى وسبعين وجهاً، أي يمكن ان يؤتى بسبعين معنى متقارب أو متداخل بسبعين لفظاً متقارب أو متشابه. 
 
والحاصل: ان محتملات (الوجه): ان يراد به المعنى أو اللفظ أو كليهما معاً، ثم ما هو المراد بـ(المخرج)؟. 
 
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين 
 
 
([1]) نهاية الأصول ص265. 
 
([2]) إلا على المعنى الأعم جداً وهو بعيد 
 
([3]) إذ الاتيان به لدفع هذا الوهم فيؤكد عدم دلالة الوصف على الانتفاء عند الانتفاء لذا احتاج إلى بيان وتصريح. فتدبر 
 
([4]) معاني الأخبار ص131. 
 
([5]) أو سيكون أقرب لذلك أو سيشجعه ذلك على ذلك. 
 
([6]) وهو أسلوب تعليمي أكثر تطوراً من غيره وهو الذي يوجد الإبداع ويزيد الخلاّقية الفكرية. 
 
([7]) وسائل الشيعة ج27 ص62 وبحار الأنوار ج2 ص245. 
 
([8]) أي بعض أنواعها.

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=621
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء 5 ربيع الآخر 1435هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23