بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مبادئ الاستنباط – الادلة
اطلاقان لـ(مبادئ الاستنباط):
سبق أن مبادئ الاستنباط لها اطلاقان اخص واعم:
اما الاخص فيراد به : علم الرجال والنحو والصرف والبلاغة واللغة وما اشبه[1]
وأما الأعم فهو ما سبق اضافة الى: علم الكلام ،ومقاصد الشريعة ، وفقة المعاريض ،وعلم الدراية ، وعلم الأصول ايضا وغير ذلك مما فصلناه سابقا .
وحيث أن أغلب الادلة – من الطرفين – عامة لذلك أخذنا الاطلاق الأعم معضدا للمسألة
المســائل:
وهنا مسائل:
الاولى: هل يجري ،بل هل يجوز[2]، التقليد في مبادئ الاستنباط؟
وهنا قد يكون البحث عن تقليد العامي وقد يكون عن تقليد المجتهد لغيره في المبادئ
الثانية : هل الاجتهاد في مبادئ الاستنباط مقوم للاجتهاد في (الفقه) أم لا؟
فلو قلد في مسألة رجالية ثم اجتهد في المسألة الاصولية والفقهية، مما تفرع على المسألة الرجالية، فهل هو مجتهد فيها؟
الثالثة: أنه هل يجوز تقليد المجتهد المتجزي طوليا أي المجتهد في الفروع والفقه المقلد في مبادئ الاستنباط ؟
ولابد من استعراض أدلة القولين، بل الاقوال[3]، ثم مناقشتها
الأدلة على عدم جريان التقليد في مبادئ الاستنباط:
فقد استدل على عدم جريان التقليد في مبادئ الاستنباط بالمعنى الأخص[4] بأدلة عديدة قد تبلغ عشرة ذكر بعض (الفقه) و (النور الساطع) و(مصباح الفقاهة) و ( بيان الفقه )
فقد أشار السيد الوالد إلى خمسة أدلة في (الفقه: الاجتهاد والتقليد ):
السيرة على الاجتهاد في مبادئ الاستنباط:
الدليل الأول:
قال: ( والتعليل للعدم، بالسيرة المستمرة بين الفقهاء من التعرض لبعض المسائل الأدبية المختلف فيها عند الاستنباط – ككون الواو للجمع المطلق، أو الترتيب، كما يقول القراء في مسألة الوضوء[5] وغيره -).
أقول: ووجه الاستدلال أن سيرتهم حيث جرت على الاجتهاد في مبادئ الاستنباط ، كشفت عن عدم كفاية التقليد وعدم صحته فيها وإلا لما كان داع لإضاعة الوقت بالانشغال بالمقدمة عن ذيها ، وكشفت عن عدم صحة تقليد من قلَّد في المبادئ ، بنظرهم ، وإلا لاستغنوا عن الاجتهاد فيها بالتقليد إذا كان (اجتهادهم عن تقليد في المبادئ) مصححا وكافيا لجواز تقليد الناس لهم .
وأقول: هذا الدليل لو تم لعم العديد من مبادئ الاستنباط الاخرى : كمسائل علم الرجال والدراية والتفسير وفقه الحديث ونحوها ،لجريان سيرتهم على التطرق لها وبحثها .
الدليل الثاني: مرجع المبادئ الى الظهور ونحوه ولا مجال للفتوى فيها
وقال السيد الوالد: (وبان هذه المسائل ليست مما يرجع فيه الى أهل الخبرة ، فانها ترجع الى اثبات الظهور في الكلام في معنى خاص ، والظهور العرفي لا يثبت بفتوى احد)
أقول : وذلك لأن (الظهور العرفي ) المرجع فيه العرف ، لا الفقيه ولا أهل الخبرة بالمعنى الأخص أي العرف الخاص بل العرف العام لان فقط ألفاظ الشارع ملقاة إلى العرف العام .
ثم انه يمكن تعميم الدليل ليشمل بعض مبادئ الاستنباط الأخرى بأن نقول : وكذلك علم الكلام والمنطق ونظائرهما فان المرجع فيهما هو(العقل) ولامجال للفتوى فيها
والحاصل : ان ماكان مرجعه ( الظهور العرفي ) او ( العقل ) فانه لا يجري التقليد فيه بل لابد فيه من الرجوع الى العرف أو العقل .
الدليل الثالث: عدم تمامية مقدمات الحكمة
وقال الوالد: (وبانصراف أدلة التقليد والاجتهاد عن الفقيه الذي تبع غيره ولو في مسألة أدبية )
أقول هذا الدليل يمكن تفكيكه والاضافة له وارجاعه الى ثلاثة أدلة ثالثها الانصراف المذكور، وهي :
أ- أن ادله الاجتهاد –كـ(وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)[6] و(فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[7] وأدلة التقليد كـ(فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدينه، مخالفا على هواه، مطيعا لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه[8]) ليست في مقام البيان ، أو على الاقل لا يعلم أنها في مقام البيان ، من هذه الجهة أي من جهة الشمول للمقلد في المبادئ المجتهد في الفروع أي المجتزي طوليا ، بل هذه الجهة مغفول عنها عادة ، فكيف يحرز أنه في مقام البيان من جهتها ؟
ب- أنه حتى لو فرض أن المولى في مقام البيان من هذه الجهة ، فإن القدر المتيقن من صحة وجواز التقليد هو تقليد المجتهد المطلق الكامل أي المجتهد في المسألة بكافة مبادئها
ان قلت : القدر المتيقن لا يخل بالإطلاق؟
قلت : فانه – اذن - القدر المتيقن في مقام التخاطب ، اذ ما يدور عادة في أذهان المتخاطبين هو تقليد المجتهد المطلق، وأما تقليد المجتزي الطولي فمغفول عنه، فحالة التخاطب والمتخاطبين شاهد على الأخص ، نعم التجزي الأفقي حاضر في الأذهان لذا يشمله الإطلاق حسب المنصور.
ج- الانصراف ، فانه حتى لو أحرزت المقدمتان الأوليان فقد يقال بالانصراف الى خصوص الاجتهاد الكامل
وحيث أن الانصراف أمر نفساني فانه ينقطع الاحتجاج عند الوصول اليه ، لكن هناك مخرج وهو السؤال عن منشأ الانصراف ، هل هو كثرة الوجود؟ أو كثرة الاستعمال ؟ أو مناسبات الحكم والموضوع؟ أو غيرذلك ، وهنا ينفتح مجال النقاش والأخذ والرد .وقد فصلناه سابقا فلاحظ.
الدليل الرابع: مقتضى الأصل لدى الدوران بين التعيين والتخيير
وقال (قدس سره): (وبأن مقتضى الأصل التعيين لو دار الأمر بينه وبين غيره ممن اجتهد في المبادئ لو وصلت النوبة إلى الأصل، وبغيرها يذكر في هذا المقام).
أقول : لأن تقليد المجتهد المطلق الكامل أي المجتهد في المسألة مع كونه مجتهداً في كافة مبادئ استنباطها، مبرئ للذمة قطعا ومعذر ، كما أن رأي هذا المجتهد كاشف عن الواقع ولازم الاتباع منجز أو معذر – وهي المعاني الثلاثة للحجية- دون رأي المجتهد الناقص أذ لا تعلم حجيته باحدى هذه المعاني الثلاثة. واذا دار الامر بين التعيين والتخيير ، تعيّن الاول عقلا وعقلائيا ، أما عقلا فلأن ترجيح المرجوح قبيح ، وأما عقلائيا فلأنهم يبحثون عن الاطمئنان والعذر المقبول لدى المولى وليس الا تقليد المجتهد الكامل ، أما قسيماه فمشكوك فيهما. وللحديث صلة
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
[1] - كالهيئة والحساب
[2] - الجريان حكم وضعي بمعنى يصح أو يمكن والجواز حكم تكليفي .
[3] - المفصِّلة كما سيأتي
[4] - اذ القوم بنوا على المعنى الاخص ، فنقفوا اثرهم في البداية ثم نوضح وجه تعميم بعض الادلة .
[5] - قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) قالوا فالواو تفيد الترتيب، والجواب : ان الكلام في الاصل فيها ، لا فيما لو وجدت قرينة عليه
[6] - سورة التوبة : 122
[7] - النحل: 43
[8] - بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 2 - الصفحة 88 |