بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيَّما خليفة الله في الأرضيين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مبادئ الاستنباط
الدليل السابع: الاجماع المدعى
فقد نقل عن صاحب العروة انه ادعى الاجماع في كتابه في التعادل والتراجيح ( كتاب التعارض )، على عدم جواز التقليد في مسائل اصول الفقه. فهذا دليل اخص.
الدليل الثامن: عدم حجية الظن مطلقاً
ان رأي الفقيه أمر ظني بطبعه، والظن ليس بحجة فإنه ( لايغني من الحق شيئاً ) ، فرأي الفقيه ليس بحجة ولا يجوز التقليد في مبادئ الاستنباط ، واما ( الاحكام الفقهية ) فقد ثبت جواز التقليد فيها بالدليل الخاص
لا يقال : رأي الفقيه وفتواه قد تفيد القطع؟
اذ يقال: فالقطع هو الحجة ، على المشهور من حجيتة بذاته، لا الفتوى بما هي هي ، فيكون كما لو أورث الرمل والاسطرلاب او النجوم او الفنجان او خبر غير الثقة، القطع فإنه الحجة لا تلك بذواتها.
الدليل التاسع: قيام الدليل الخاص على عدم حجية رأي الفقيه في الموضوعات
قال في ( النور الساطع ) : ولو سلمنا عمومها[1] فهي مخصصة برواية مسعدة بن صدقة (( والاشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة )) ويؤيدها الرواية عن الصادق( عليه السلام ) المحكية في الكافي والتهذيب في الجبن _(( كل شيء لك حلال حتى يجيأك شاهدان يشهدان أن فيه ميتة)) ولا ريب أن بالتقليد لم يستبن الشيء ولم تقم عليه البينة فتكون مخصصة لأدلة التقليد كما تخصِّص أدلة حجية الخبر)[2]
اقول: الرواية بتمامها هي ((علي بن ابراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن الصادق( عليه السلام ) قوله : كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك ، وذلك مثل الثواب يكون عليك ولعله سرقة ، أو العبد يكون عندك ولعله حرّ قد باع نفسه أو قُهِر فبيع أو خُدِع فبيع ، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك ، والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير هذا أو تقوم به البينة [3]((
وهنا نقاط:
الاولى: ان هذا الدليل خاص بالموضوعات دون سائر المبادئ.
لايقال: ان القواعد النحوية والصرفية والبلاغية والمسائل اللغوية والرجالية ( كتوثيق فلان او جرحه ) كلها موضوعات .
إذ يقال: ذلك وان صح الا ان موضوع رواية مسعدة هو الشيء من حيث حليته وحرمته.
الثانية: ان نتيجة قبول الموثقة بظاهرها هو:
1ـ عدم حجية خبر الثقة الواحد في الموضوعات
2ـ وعدم حجية فتوى الفقيه فيها، لكونها اخص مطلقاً منهما أي من أدلة حجية خبر الثقة[4] وادلة حجية فتوى الفقيه[5] وعليه فاللازم اخبار ثقتين لاحراز أيِّ موضوع من الموضوعات ، واللازم اجتماع نقل وكيلين لفتوى المرجع ليصح التقليد بل لابد من شهادتهما بأن هذه هي فتواه![6]
ثم ان من نافلة القول ان نطرح بحثين تمرينيين ههنا وهما:
هل تشمل موثقة مسعدة الشبهة الحكمية؟
الاول: ان الآخوند ارتأى ان هذه الموثقة تدل على حلّية ما لم يعلم حرمته ولو كان من جهة عدم الدليل على حرمته.
والحاصل: انه إرتآى شمولها للشبهه الحكمية اضافة للموضوعية.
فهل ذلك تام؟ وهل توجد في نفس الرواية قرائن على اختصاصها بالشبهه الموضوعية؟
كيف يُستدل برواية مسعده على أصل البراءة مع ان موردها الامارات؟
الثاني: ان هذه الرواية استدل بها على اصالة ( البراءة ) ، لكن الامثلة المذكورة فيها كلها مصاديق ما كانت عليه امارة : فالثوب والمملوك عليهما ( اليد ) وهي امارة، والمرأة اما ان يقال بإستصحاب العدم الازلي[7] ( في عدم كونها رضيعة او اختاً ) او للغلبة التي عليها – في مثل هذا المقام بناء العقلاء وسيرتهم ، فكيف التوفيق؟
الدليل العاشر: ادلة التقليد من كتاب وسنه، لاتشمل مبادئ الاستنباط
قال السيد العم في بيان الفقه (( الثالث: ثبوت التقليد انّما هو بالسيرة والكتاب والسنّة، ولا يشمل شيء منها مبادئ الاستنباط.
اما الكتاب: فمثل قوله تعالى : ( لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ [8]) ونحوه ، وليس معرفة القاعدة الأدبية أو معرفة حال راوٍ أنّه ثقة أم لا، من الدين.
واما السنّة: فالمستفاد منها جريان التقليد فيما يرجع الى الحلال والحرام ومعالم الدين ونحوهما وليست القواعد الأدبية منها...)[9].
لا يقال: انها وإن لم تكن من الدين، لكن معرفة ( الدين ) تتوقف على معرفة مبادئ الاستنباط؟
اذ يقال: انه وان صح الا انه لا ينتج المدعى ، اذ المقدمية تفيد انه سوف يجب – عقلاً او نقلاً – ايضاً من باب المقدمية : ان يعلم بها او يجتهد اما التقليد فهو الفرد الأردأ والأدنى بل ليس بمصداق (المعرفة) كما قيل ، ووجوب ذي المقدمة وكفاية التقليد فيها لايدل على كفاية التقليد في المقدمة ايضاً ما دام باب العلم و الاجتهاد مفتوحاً فيها ولم يدل عليها دليل بخصوصه، ولا اولوية[10] ليقال بتنقيح المناط وللحديث صلة .
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
[1] - أي ادلة التقليد
[2] - النور الساطع في الفقه النافع ج2 ص73
[3] - وسائل الشيعة 12 ـ 60 باب : 4 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث : 4.
[4] - كـ(إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ ) اية: 6 سورة الحجرات - فإنه اعم من الاخبار عن الموضوع او عن الحكم ، ان لم نقل انه خاص بالاخبار عن الموضوعات.
[5] - كـ( لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) اية : 122 سورة التوبة - فإنه اعم من التفقه في الحكم او في تنقيح الموضوع وقد يناقش بإختصاصها بالحكم وسيأتي في المتن.
[6] - لان كونها فتوى صادرة منه هو موضوع من الموضوعات
[7] - او النعتي
[8] - سورة التوبة : اية 122
[9] - بيان الفقه ج4 ص431
[10] - أي لا اولوية لتجويز التقليد في مبادئ الاستنباط، على تجويزه في نفس الفقه والاحكام الفرعية |