بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيَّما خليفة الله في الأرضيين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مبادئ الاستنباط
من ثمرات هذا المبحث:
ان الثمار التي تترتب على القول بجريان التقليد في مبادئ الاستنباط، عديدة :
ومنها : انه اذا جرى فيها صح ان يبحث في مرتبة لاحقة عن جواز وصحة تقليد من اجتهد في الفقه وقلّد في بعض المبادئ التي تتوقف عليها المسألة الفقهية
القسيمان الرابع والخامس للمجتهد والمقلد والمحتاط:
ومنها: وجود القسيم الرابع والخامس ، للمجتهد والمقلد والمحتاط ، توضيحه:
ان المشهور ذكروا ان المكلف اما مجتهد او مقلد او محتاط ، وظاهرهم ان الحصر حقيقي بنحو المنفصلة الحقيقية في كل مسألة مسألة ، لكن الحق وجود قسمين آخرين وهما: المجتهد – المقلِّد، والمقلِّد – المجتهد؛ فانه تكويناً كذلك كما يشهد به الوجدان ويدل عليه الوقوع ويسوق اليه البرهان
وموجز القول في ذلك : انه توجد مرتبتان متوسطتان بين الاجتهاد والتقليد:
هما الاجتهاد التقليدي والتقليد الاجتهادي :
1- الاجتهاد – التقليدي وصنفان له
ثم ان الاجتهاد التقليدي على صنفين؛ ذلك ان المجتهد – المقلِّد له نوعان : الاول : طولي والثاني عرضي
اما الاول: فكالمجتهد في الفقه المقلد في احدى المسائل البلاغية او الرجالية التي ابتنت عليها المسألة، فهو متجزء طولي
واما الثاني: فكالمجتهد في احدى المقدمتين العرضيتين اللتين ابتنت عليهما المسألة الفقهية ، كما لو اجتهد في توثيق احد الراويين وقلّد النجاشي او غيره في توثيق الرواي الآخر[1]
وكما لو اجتهد في حجية خبر الثقة او الظواهر وقلّد في مسألة انقلاب النسبة ، فيما لو توقف الاستنباط على المجموع
واما في الموضوعات، فكما لو شهد شاهدان بهلال شهر رمضان فاجتهد في معرفة عدالة اولهما وبنى على قول غيره من الثقاة في توثيق وتعديل الآخر.
ومن البديهي ان هذه مرتبة وسطى بين الاجتهاد المطلق ( طولياً وعرضياً ) وبين الجهل والتقليد المطلق.
شهادة النظائر والاشباه:
ومما يقرب وجود المرتبة الوسطى، الى الذهن، ملاحظة النظائر:
أ- العلم الاجمالي
فمنها: العلم الاجمالي ، فانه ليس بعلم تفصيلي ولابجهل تفصيلي ، بل هو امر بينهما اذ هو علم بالجامع وجهل بالتفاصيل
وكذلك الاجتهاد - التقليدي فانه اجتهاد في جهة – كالمسألة الفرعية - وتقليد في جهة اخرى – كاحدى المبادئ – وقد يكون اجتهاداً في الجامع وتقليداً في التفصيل او الفصل.
ب- القطع الطريقي – الموضوعي
ومنها : القطع الموضوعي – الطريقي ، فانه امر متوسط بين القطع الطريقي ( بما هو كاشف صرفاً ) والقطع الموضوعي ( بما هو موضوع للحكم مع قطع النظر عن مرآتيه وكاشفيته )
والموضوعي – الطريقي: ما كان موضوعاً للحكم لكن بما هو مرآة فتدبر
ج-المصلحة السلوكية
ومنها: المصلحة السلوكية[2]، فانها أمر متوسط بين المصلحة في الواقع والمصلحة في الأمر نفسه[3].
د-الحكم العقلي – النقلي
ومنها الحكم العقلي - النقلي، فهو أمر متوسط بين الممحَّض في أحدها، ولعل العبادات من هذا القبيل فالصلاة مثلا فطرية عقليةفي اصلها (وهو اصل وجوب الخضوع للخالق المنعم وتعظيمه وشكره ) لكنها تعبديةفي الكثير من كيفياتها وشروطها وموانعها.
هـ - الادلة العقلية – النقلية
ومنها: الادلة العقلية – النقلية،وذلك كما في الدليل المبني عل نص قرآني أوروائي ، أو الادلة المركبة من مقدمات بعضها عقلية وبعضها نقلية .
و- الادلة الطريقية – الموضوعية
ومنها الادلة الطريقية – الموضوعية، وذلك مثل :سوق المسلمين في الجملة كما سبق بيانه ، ومثل: غيبة المسلم ، فان اماريتها على تطهيره بدنه أو ثيابه أو فراشه، طريقية موضوعية ، أما الطريقية فلأشتراط شروط تفصح عنها ككون غيبته بقدر يحتمل فيه وجود مجال للتطهير،وكعلمه بالموضوع وأنه تنجس وبالحكم : بان الدم نجس مثلا وان الطهارة منه مشترطة في الصلاة ، ورؤيته يتعامل معه تعامل الطاهر كما لو رؤي مصليا فيه .
واما الموضوعي فلتعميم امارية ( الغيبة ) على الطهارة حتى للكثير من المسلمين اللامبالين ، ككثير من أهل القرى والارياف والبدو بل وحتى الحضر ، مما لو عرض حالهم على العرف لم يروا الكاشفية النوعية لغيبته كونه قد طهره من النجاسة .فتأمل[4] .
ز-الاجتهاد-التقليدي في اصول الدين
ومنها: الاجتهاد في اصول الدين ،فان الظاهر ان اكثر المجتهدين في اصول الدين ، مجتهدون- مقلدون ، اذ هم مجتهدون في اصل المسألة وفي بعض ادلتها وفي الجواب على العديد من الشبهات حولها ، لكنهم مقلدون في الاجابة على الشبهات الفلسفية الدقيقة ، فان اكثرهم عاجز عن الجواب عنها، والظاهر انه حتى المشهور الذين قالوا بوجوب الاجتهاد في اصول الدين ، يكتفون بهذه المرتبة من الاجتهاد والتي هي في واقعها اجتهاد- تقليدي[5]؛ لكون النتيجة تتبع اخس واخص المقدمتين، على ما قالوا.
الاشكال: بان النتيحة تتبع اخس المقدمتين
ثم ان اهم ما يستشكل به على الاجتهاد – التقليدي وعلى جواز تقليد المجتهد في الفقه - المقلد في بعض مبادئ الاستنباط ، هو ان النتيجة تتبع اخس المقدمتين فكما لا يجوز تقليد المقلِّد لا يجوز تقليد المجتهد- المقلد؟
الجواب اولاً: هذه القاعدة غير جارية في الاعتباريات
والجواب : 1- ان هذه القاعدة غير جارية في الاعتباريات ، اذ الاعتبار امره بيد المعتبر ، وتدل عليه الكثير من القواعد والمسائل الفقهية مثل :ان الولد يتبع اشرف الابوين في الاسلام و الكفر، وفي كونه ولد شبهة لا زنا[6]، وما سبق من تبعية الولد للأب في السيادة دون الأم وان كانت علوية واشرف.
ثانيا : وغير مطّردة في التكوينيات
2- انه لا اطلاق لها حتى في التكوينيات ، اذ قد تنتج المقدمتان الاقوى امراً اضعف ، بينها تنتج مقدمة قوية واخرى ضعيفة ، أمرا قويا كما فصلنا ذلك في كتاب (نسبية النصوص والمعرفة.. الممكن والممتنع)[7] فراجع، وقد يمثل له ايضا بأن اجتماع رأسين يوجب الفوضى والفساد عكس ما لو كان احدهما رأسا والاخر تابعا، وذلك هو من حِكَم جعل السلطة والولاية[8] بيد الزوج وحده اذ أن قوام الحياة السعيدة بوجود طرفين : حاكم اقوى ومحكوم اضعف فينتج الافضل والاشرف، ولو كان كلاهما قوياً حاكما لانتج الاردأ الاسوأ الاخس والفساد.
ثالثاً: وهي خاصة بالأشكال الأربعة
3- ان هذه القاعدة خاصة بالاشكال الاربعة، وهي مورد كلام المنطقيين، ولا اطلاق لها في غيرها، والمقام من غيرها، وسيأتي بيانه باذن الله تعالى.
وللحديث صلة
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
[1] - اما لضيق الوقت ، او لكون الراوي الذي اجتهد فيه مما كان يستدعي ذلك نظراً لملاحظته تضارب الاقوال حوله ، اما الثاني فاكتفى بقول النجاشي فيه لسهولة امره وحصول الاطمئنان به او حتى دون ذلك – ان قلنا بحجية قوله - ، وقد يعكس بان يجتهد في الاسهل ويقلد في الاصعب
[2] - كالمصلحة في سلوك طريق الامارات والحجج وان كانت على خلاف الواقع
[3] - كالاوامر الامتحانية
[4] - اذ المسألة خلافية ولو في بعض صورها . قال في العروة (بل لو علم من حاله انه لا يبالي بالنجاسة وان الطاهر والنجس عنده سواء، يشكل الحكم بطهارته) وسكت عنه جمع من الاعاظم . لكن علق السيد الوالد ( بل الظاهر الحكم بالطهارة فيه ايضاً ) وكذلك قال السيد الحكيم والسيد عبد الهادي الشيرازي وقال السيد احمد الخونساري ( لا اشكال فيها مع احتمال التطهير ) وكذلك الجواهري وكاشف الغطاء في حاشية سابقة ( راجع العروة ذات الـ44 حاشية )
[5] - وقد فصلنا البحث عن ذلك في مباحث الاجتهاد والتقليد في العام الماضي فلاحظ
[6] - اذا كان الاب مثلا مسلما والام كافرة فان الولد يتبع الاشرف وكذا لو كان وطؤه شبهة وكانت عالمة بأنه زنا فان الولد ولد شبهة.
[7] - ص96 – ص105 وكتاب ( نقد الهرمنيوطيقيا ) ص162 - فصاعداً
[8] - كولاية الطلاق ، والحاكمية في الدخول والخروج والاستفراش. |