• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : قاعدة الالزام(1432-1433هـ) .
              • الموضوع : 27- بعض أدلة حجية مراسيل الثقات -تقييد الحجية بعدم المعارض وعدم قرينة على الخلاف -الإشكال بإحتمال استناد المرسِل إلى قرينةٍ وحدس والجواب الأول .

27- بعض أدلة حجية مراسيل الثقات -تقييد الحجية بعدم المعارض وعدم قرينة على الخلاف -الإشكال بإحتمال استناد المرسِل إلى قرينةٍ وحدس والجواب الأول

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 
كان البحث حول بعض روايات قاعدة الإلزام من الطائفة الاولى ,وهي الروايات العامة، وذكرنا روايتين منها، وبينا انهما تعانيان من مشكلة الارسال،بدأنا بالبحث عن الطريق لتصحيح ذلك الارسال واعتبار هذه الروايات، 
وقلنا ان هناك طريقين: 
الطريق الاول: وهو بحث كلي حول حجية مراسيل الثقاة، 
والطريق الثاني: وهو بخوص مراسيل الصدوق في الفقيه، والطوسي في التهذيبين، وكذا مراسيل الشيخ الكليني في الكافي . 
وفي مبحث (الطريق الاول) ذكرنا كلام الشهيد الاول وما يتعلق به من اشكال ورده، هذا ما مضى. 
الأدلة على حجية مراسيل الثقاة 
ولنذكر ما يمكن أن يستدل به على كلام الشهيد الثاني ويُنتصر به له 
فانه يمكن ان يستدل على حجية مراسيل الثقاة بعدة امور: 
1)بناء العقلاء: بان نقول: 
ان بناءهم في كل ملة ونحلة هو في الاعتماد على مراسيل الثقاة، ولكن بشرطين وهما: اذا لم تبتل بالمعارض و وهو قيد اول، واذا لم تكن هناك قرينة على الخلاف وهو القيد الثاني، 
وعليه: فان حجية هذه المراسيل ليست مطلقة وانما مقيدة بالقيدين المذكورين. ولا يضر احتمال الخلاف؛ لبناء العقلاء على الحجية والاعتبار رغم احتماله، كما نجد ذلك في بناء العقلاء على حجية الظواهر أيضاً حيث انهم يبنون عليها رغم احتمال الخلاف فيها، وكذا بناؤهم على حجية خبر الثقة رغم احتمال الخطأ والكذب فيه، وما يجري عليه العقلاء في بنائهم هناك يجري هنا ايضا، أي: في مراسيل الثقاة، فانه رغم احتمال ان الثقة في ارساله قد اعتمد على راو ليس بثقة ثبوتا أو عندنا، إلا ان هذا الاحتمال ملغى في نظرهم، كما ان سيرة العقلاء هي كذلك، أي: على الاعتماد على مراسيل الثقاة وهذه السيرة كاشفة عن بنائهم على ذلك. 
بل: – وهذا ثانيا – انه قد يستدل على بناء العقلاء وعلى صحة الاعتماد على مراسيل الثقاة بالوجدان ,
ويدلك على ذلك، تتبع حال العقلاء في كل المحافل والحقول حيث يبنون على خبر الثقة ويلغون احتمال الخلاف، كما في علم الفلك والفيزياء والكيمياء والاجتماع وغيرها، فلو ان ثقة اخبر بوجود كشف علمي جديد في مسألة معينة طبية كانت او فلكية او غيرها، فان بناء العقلاء وسيرتهم جارية على الاعتماد عليه في نقله وذلك كما لو نقل طبيب – ثقة – ان العلم الحديث كشف ان المرض الكذائي سببه فايروس معين مثلاً,فإننا نقبل ذلك منه, دون مطالبته بسلسلة السند. 
بل اننافي كل شؤون حياتنا ومعلوماتنا نعتمد على مراسيل الثقاة, 
ونضيف: انه لولا ذلك لاختلت نظم الحياة ,فإننا في المدارس والجامعات عند دراسةكتب التاريخ والعلوم وغيرها، نجد ان كل ما فيها هي مراسيل لثقاة ومعلومات مرسلة من دون ذكر سلسلة السند اليها، والمدار في المقام هو ان الناقل ثقة مما يولد الاطمئنان في النفس، وغاية ما يطالب الناقل به هو المصدر في نقله، ولو ارجعنا هذا الثقة الى مجلة علمية معروفة اكتفينا بذلك ولم نتتبع سلسلة السند في تلك المجلد أيضاً! 
والخلاصة: انه في مختلف القضايا العلمية والعملية نعتمد على مراسيل الثقاة ، 
بل ان الذي يشكك في ذلك يعد وسواسيا وخارجاً عن دائرة العقلاء، وما نحن فيه – من حجية مراسيل الثقاة في الروايات - صغرى من تلك الكبرى الكلية في بناء العقلاء، 
ومثال اخر لزيادة تأكيد المطلب: انه في علاقة الناس – بل وحتى الافاضل – بالوكلاء، فان الناس يرجعون الى الوكيل الخبير بالمسائل الشرعية لمرجع معين، ويأخذ الفرد جواب المسألة من ذلك الوكيل وبلا تحقيق وتدقيق وبدون طلب سلسلة سند منه– في نقله الفتوى - الى ذلك المرجع، ونجد الحال نفسه عند الافاضل في اعتمادهم على مراسيل الوكلاء نقله الفتاوى إذا كانوا ثقاة متثبتين 
بل الامر نفسه جارٍ في المرجع والمجتهد عندما يريدان ان يعرفا رأي مجتهد اخر، فانهما يقومان بسؤال الثقة لديهما عن رأيه ويكتفيان بقوله في ذلك دون أن يطالباه بسند كلامه ومصدره وانه هل رأى في كتابه أو سمع منه أو وصله بواسطة ومن هي تلك الواسطة؟إلا مع وجود قرينة على الخلاف.
والخلاصة: انه لا ريب في الاعتماد على مراسيل الثقاة وهي حجة في المقام، ولكن بشرطين، ودليله بناء العقلاء وسيرتهم في ظل كل العلوم، وكذا بناء المتشرعة وسيرتهم على ذلك 
شبهة قوية: لعل التوثيق حدسي 
وهنا شبهة قوية وهي: ان الشيخ الطوسي او الصدوق عندما ارسل عن المعصوم (عليه السلام)، فانه تارة يُعلم بان وجه اعتماده على هذه الرواية هو توثيقه لسلسلة الرواة فيكون الامر كما ذكرناه سابقا من ان الثقة لو اعتمد على ثقاة في نظره فان بناء العقلاء عليه، وكلامه حجة، وذلك لعدم قصور توثيقه الاجمالي او الالتزامي عن توثيقه المطابقي - وهذه اضافة لطيفة – فلو ان الشيخ الطوسي في رجاله او فهرسته، او الشيخ النجاشي او الكليني في كتبهم قالوا ان فلاناً ثقة، فإننا نعتمد على ذلك إلا لو ظهر خلافه، وهذا توثيق مطابقي,ونفس هذا الرجالي لو وثق توثيقا التزاميا او اجماليا - من خلال اعتماده على رواية فيما إذا اكتشفنا من ذلك الاعتماد انه قد وثق رواتها فركن اليها -، فانه لا فرق بين المقامين، أي: بين ان يقول النجاشي أو الطوسي ان فلاناً ثقة وبين ان يقول ما ملزومه كونه ثقة، مع التفاتة وبنائه عليه. 
وخلاصة الاشكال: 
ان الصدوق او الطوسي إذ ارسل الرواية واعتمد عليها بناءً على سلسلة الرواة ثقاة لديه، فان توثيق اجمالي ولا فرق بينه وبين التوثيق التفصيلي في الحجية. 
ولكن الاشكال هو: من اين نعلم ذلك؟، إذ لعل الشيخ الطوسي او الصدوق اعتمدا على هذه الرواية لا لوثاقة المخبرين، ولكن لوثاقة (الخبر)، بقرينةقامت لديهم فيكون الاخبار حدسيا، وخبر الثقة الحدسي ليس بحجة وانما هو حجة لو كان الخبر حسياً فقط . 
والمتحصل: قد عاد الامر الى الاخبار الحدسي أواحتماله وهو ليس بحجة. 
جواب الاشكال والشبهة: 
وفي مقام الجواب نقول: ان هناك ثلاثة اجوبة لرد هذهالشبهة (وان الشيخ الطوسي قد اعتمد على الرواية بقرينة حدسية لا حسية) وهي: 
الجواب الاول: (نقاش في المبنى) 
وجوابنا الاول حول هذه الشبهة اننا نناقش المبنى ونقول: 
ان ادلة حجية خبر الواحد – بعضها على الاقل – ليست بقاصرة عن الشمول لأخبار الثقاة الحدسية,فالتخصيص بالحسي لا وجه له 
ونشير هنا اشارة الى ذلك فنقول: 
في قوله تعالى: (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)، 
فقد ذهب الشيخ الانصاري الى تخصيصه بالخبر الحسي دون الحدسي 
ويرد عليه: 
أولاً: ان قرينة حذف المتعلق تدل على العموم فيشمل النبأ الحسي والحدسي. 
وثانيا ان عموم التعليل (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ)دليل على تعميم الخبر والنبأ لكلا قسميه، وذلك لان بناء العقلاء وسيرتهم جارية على الاعتماد على مراسيل الثقاة فيما لو اعتمدوا – أي هؤلاء الثقاة – على ذلك الخبر بقرينة افادتهم القطع او الاطمئنان، مما يكشف عن ان ذلك لا يعد عندهم، عرفاً، (اصابة للقوم بجهالة)ولذا نجد ان اعتماد الشخص على رأي مجتهد جامع للشرائط من دون معرفة دليله، ليس اصابة للقوم بجهالة وليس مثل (أن يقلدوه) دليلاً على الاستثناء من (الجهالة). 
وثالثاً: قوله تعالى:(فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ) 
والمستفاد من إطلاقها ان المنذر لو اطمأن بالحكم عن حدس فهو مأمور بان ينذر (المنذَرين) بالفتح، وعليهم ان يحذروا بانين على قوله وان يرتبوا الاثر على ذلك الانذار مطلقا، وبعبارة اخرى: لا فرق في انذار المنذرين بين ان يكون المخبر مخبراً عن حس او حدس واجتهاد، فيجب قبول ذلك الانذار مطلق عن حس كان او حدس خرج منه ما لو عورض باجتهاد أو حدس آخر؛ لأننا منذ البداية قد قيدنا بذلك، فهو كالخبر الحسي لو عورض بخبر حسي اخر, 
وبتعبير اخر: ان الخبر الحدسي كالخبر الحسي لو لم يكن له معارض، حجة، ولو وجد المعارض فان المورد يدخل في مباحث باب التعارض والترجيح, 
وفي مقام بحثنا: فان الشيخ الطوسي قد أرسل روايات قاعدة الالزام معتمداً عليها، فلو كنا نحن وارسال الشيخ للرواية فقط، مع عدم وجود المعارض، فان هذا الارسال حجة في المقام، نعم للمجتهد أن يجتهد فلو توصل إلى ما يخالفه فلا ضير كالمسانيد تماماً. 
وللكلام تتمة 
وصلى الله على محمد واله الطاهرين

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=777
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 4 ذي الحجة 1432هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23