• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : قاعدة الالزام(1432-1433هـ) .
              • الموضوع : 30 - الاستناد الى تقليد الفقهاء عادة في بعض مبادئ الاستنباط وجوه الفرق بين قول المفتي و قول اهل الخبرة .

30 - الاستناد الى تقليد الفقهاء عادة في بعض مبادئ الاستنباط وجوه الفرق بين قول المفتي و قول اهل الخبرة

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 
كان الحديث حول مرسلة الصدوق التي تدل على قاعدة الالزام بقول مطلق، ومرفوعة الشيخ الطوسي في التهذيبين، والوجه الذي يمكن ان يستند اليهفي تصحيح هاتين الروايتين وغيرها من المئات بل الالوف من المراسيل في الكتب الاربعة، وذكرنا عدة اشكالات في مساق هذا الحديث مع الرد عليها. 
ووصلنا الى الجواب الثالث على الاشكال الاخير وهو ان العمل بمرسلات الثقة كالشيخ الصدوق ليس من باب خبر الواحد والنبأ، وانما من باب العمل بقول اهل الخبرة، وأوضحنا ان بناء العقلاء عليه، اولا. وثانيا ان اطلاقات أدلة الرجوع للعام تشمله وان رجوع المجتهد الى مجتهد آخر في توثيقاته هي مصداق رجوع الجاهل للعالم في كل مسألة لم يتصد الفقيه لتحقيقها أو تصدى ولم يصل إلى نتيجة. 
3- المجتهد مقلد في بعض مبادئ الاستنباطوثالثا – وهي مورد البحث -: ان التقليد في بعض مبادئ الاستنباط قد جرت عليه سيرة المجتهدين – ولو في بعض العلوم –، حتى ان المتشددين منهم نجدهم مقلدين في بعض مبادئ الاستنباط، فليكن منها (التقليد) في صحة الرواية وعدمها. 
ولكن وكما هو معروف فان النتيجة تتبع اخس المقدمات فبناء على اشتراط الاجتهاد في مبادئ الاستنباط، فلو كان لدينا مجتهد اجتهد في المسألة الفقهية، في اصولها وقواعدها، لكنه في مسألة رجالية اودرائيةواحدة رجع لغيره فيها – والنتيجة الفقهية تعتمد على كل هذه المسائل طولياً – فان هذا المجتهد سيكونمقلدا وليس بمجتهد . فتوقف علم الفقه على علم المنطق مثلاً يظهر في مرحلة الاستدلال فان كل استدلال فهو اما من القياس الاقتراني والإشكال الاربعة، او الاستثنائي، او عكس النقيض او العكس المستوي او غيرها، وإنتاج أي منهما مما يحتاج الى استدلال واجتهاد، أو تقليد، ويندر من نجده مجتهداً في شروط الاشكال الاربعة – وان درسها وحفظها .ومن النادر ان نجد الفقيه المجتهد، مجتهداً ايضافي علم المنطق، كالعلامة الحلي والمحقق الطوسي، وكذلك الحال في علوم متعددة اخرى كالنحو والبلاغة والصرف – إلا بعض الفروع – فهم مقلدون عادة في هكذا علوم، ووجود الفقيه النحوي الذي يكون مجتهداً في النحو كالسيوطي مثلاً قليل جدا. 
ولكن: هل ان رجوع الفقهاء في هذه العلوم المختلفة إلى علمائها، يستلزم كونهم مقلدين في المسألة الفرعية التي استنبطوها (والمتوقفة على ذلك المبدأ) أم لا؟ بل هو رجوعلأهل الخبرة ولا يعد تقليداً؟ 
الجواب: الفرق بين التقليد والرجوع لأهل الخبرةالوجه الأول: انه ليس تقليداً بل هو رجوع لأهل الخبرة في هذه العلوم، - ومنه صغرى البحث، اي الرجوع للشيخ الطوسي والصدوق في توثيقه لسند الرواية – وكما يصح للفقيه ان يرجع في مبادئ الاستنباط الى اهل الخبرة وليس ذلك بتقليد، فكذلك يصح ان يرجع في سند الرواية وتصحيحها وكذا في علم الرجال والدراية الى اهل الخبرة، فله الاعتماد إذن على مراسيلهم التي اعتمدوا عليها،هذا هو الجواب الثالث في المقام وبذلك تظهر الإجابة على شبهة طرحها بعض المحققين في مثل المقام، فقد اشاروا اننا اذا اعتمدنا على مراسيل مثل الشيخ الصدوق والطوسي من دون ان نحقق في سندها، ولو لعدم القدرة فقد تحولنا الى مقلدين، وتقليد مجتهد لمجتهد اخر غير جائز قطعا. 
وقد اجبنا على هذا الاشكال بوجوه مضت ومنها: ان رجوع المجتهد بالقوة في هذه المسألة – ما لم يقطع او يطمئن بالخلاف – الى مجتهد اخر هو مصداق رجوع العالم للعالم بل مصداق رجوع الجاهل للعام وليس من رجوع العام للجاهل كما ادعي. 
ومنها:ما طرحناه قبل قليل من ان ذلك ليس تقليداً بل هو رجوع لأهل الخبرة وتوضيحه يتوقف على ان نفكك بين ثلاثة من العناوين: 
1)عنوان النبأ او خبر الثقة: وهو حسي سماعي 2)عنوان قول اهل الخبرة: وهذا حدسي اجتهادي 3) عنوان الفتوى: ومن هذا العنوان نشأ الخلط في المقام، فانه تارة ارجع للآخر مستفتيا فهو مفت وانا مقلد، وتارة اخرى ارجع اليه مستخبرا وسائلا اياه ؛ لأنه من اهل الخبرة، لا لأنه مفتٍ . 
وخلاصة الشبهة هي: لا يصح للمجتهد ان يستفتي مجتهدا اخر في صحة الرواية وعدمها، فيكون مقلداً له فيها، وإلا كان مقلداً في الفرع الفقهي الذي اجتهد فيه لكونه معتمداً طولياً على القول بصحة الرواية.
الفرق بين (أهل الخبرة) و(المفتي)وفي الاجابة نقول: اضافة لما سبق,ان عنوان التقليد يختلف عن عنوان اهل الخبرة، حيث ان الرواية ذكرت (اجلس في المسجد وافتِ الناس)، هذا عنوان، وعنوان اهل الخبرة هو عنوان اخر,فانه وعلى ضوء التفريق بينهما يصح للفقيه الرجوع الى اهل الخبرة في مسألة معينة ولا يصح في نفس المسألة الرجوع الى المفتي. 
توضيح الفرق بين العنوانين: هناك فروق متعددة بين المفتي وبين اهل الخبرة الفرق الأول:ففي المفتي تشترط العدالة والحياة، والرجولة والحرية وغيرها من الشرائط – على المشهور أو الاحوط في بعضها -، إلا ان كل ذلك ليس بشرط في اهل الخبرة فإنه يمكن الرجوع الى من هو ليس بعادل,بل وليس بثقة، وكما نستطيع ان نرجع الى المرأة كخبيرة في الامور الطبية وغيرها – لبناء العقلاء وسيرتهم -، فكذا نستطيع ان نرجع اليها ان كانت من اهل الخبرة في سلسلة السند مثلا حيث لا فرق بين الموردين. 
والمتحصل: ان الشروط المشترطة في المفتي ( المجتهد ) ليست معتبرة في اهل الخبرة، ولذا نرى ان الرجاليين كلهم تقريبا لا يرون في توثيقات الموثقين الرجاليين اشتراط هذه الشروط و فنجدهميعتمدون على توثيقات النجاشي وهو ميت، وكذلك يعتمدون على توثيقات بني فضال وهم ليسوا عدولا، هذا هو الفرق الاول. 
الفرق الثاني: ان المفتي حجية رأيه هي من باب التعبد الصِرف، واما حجية قول اهل الخبرة فهي من باب التعقل وبناء العقلاء على ذلك. الفرق الثالث: ان قول اهل الخبرة بالنسبة لأهل خبرة آخر ليس بحجة لو حصل له ظن شخصي على الخلاف على رأي المشهور , ولكن الامر في باب المفتي ليس كذلك، لان رأي المفتي وفتواه حجة على المقلِد وان حدث للمقلد ظن بالخلاف. 
اذن. . هذه فروق ثلاثة اساسية بين عنوان المفتي وعنوان هل الخبرة. فتأمل اضافة مهمة وبحث صناعي: التفريق بين المجتهد والعامي في صحة الرجوع لأهل الخبرةوهنا نضيف اضافة مهمة تحتاج إلى تدبر وهي: هل هناك فرق من هذه الجهة- أي جهة جواز الرجوع والاستناد إلى قول أهل الخبرة في المسائل الشرعية -بين المجتهد فيجوز له والعامي فلا يجوز له؟ 
توضيح ذلك: أي هل يستطيع العامي ان يرجع الى قول اهل خبرة فاسق في المسائل الفقهية؟ والجواب: لا، لانه يشترط في مرجع التقليد ان يكون عادلا، 
وفي المقابل نتساءل ونقول:هل يجوز للمجتهد ان يرجع الى اهل خبرة فاسق او غير امامي اولا ؟ 
والجواب: نعم، وسيرة الفقهاء على ذلك طرا، فانهم يرجعون الى قول الرجالي والبلاغي واللغوي وغيرهما في عملية الاستنباط، وان كان فاسقاً أو ميتاً أو عامياً. 
تفريق محتمل: و بناء على ما قدمناه، فانه قد يقال بوجود فرق بين المجتهد والمقلد، فالمجتهد له ان يرجع الى من لم يستجمع الشرائط فيما لم يحقق او يتوصل الى رأي فيه، واما المقلد فليس له ذلك، ولو سلّمنا هذا الفرق بينهما، فانه قد يكون الوجه فيه(أي في ان الشارع قد الزم المقلد بان لا يرجع في تقليده إلا الى من تحققت فيه الشرائط المختلفة – التسعة – والمجتهد خلو من هذا الالزام) هو أولاً: ان المجتهد بيده الملاكات، واما العامي فليس كذلك، وذلك ان الفقيه بيده الملاكات ولو كان كلام الفقيه الآخر بخلاف القواعد فانه يستطيع ان يتبصر ذلك ويكتشفه,بخلافه فيالعامي. 
توضيح بمثال: ولتوضيح ذلك نضرب مثالا في مبحث اصولي مهم، وهو مبحث انقلاب النسبة فانه لو كانت لدينا ثلاث روايات، وكان بين الروايتين الاوليين نسبة العموم والخصوص من وجه,واما الرواية الثالثة فإنها لو لوحظت بالنسبة للرواية الثانية فقط فان النسبة ستكون منوجه ايضا، وعلى ذلك فانها إذا لوحظت كلها في عرض واحد فالنسبة هي التباين الموردي، ولا يتقدم احدها على الاخر، والمبنى الأول هو ملاحظتها كلها في عرض واحد. 
واما المبنىالاخر، فهو ان الرواية الثالثة تلاحظ بالنسبة للثانية أولاً فانه بعد ذلك قد تنقلب النسبة بين الثالثة والاولى فتكون هي العموم والخصوص المطلق فتقدم الثالثةعلى الاولى، والفقيه بيده الملاكات في هذا المسألة وغيرها ولذا فانه عندما يسأل الفقيه الاخر في مسألة معينة،لا وقت له لتحريرها وتحقيقها كالكر مثلا، فان ملاكات المسألة وقواعدها العامة عنده فلا يمكن عادة أن يخدع، والامر بخلافه بالعامي. 
وثانيا: ان الشارع لو امضى للعامي الرجوع لغير الجامع للشرائط فانه قد يبني على ذلك حياته كما انه يعني انه إعطاء الشرعية وهذه مفسدة سلوكية في كون مرجع التقليد فاسقا 
والحال بخلافه في المجتهد، فانه ينظر إلى هذه القضية نظرة فنية صرفة، ولا يحتمل عادة ان يعتبره بالفعل مرجعاً له في شتى الأمور. فتأمل وللكلام تتمة وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=806
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 24 ذي الحجة 1432هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23