• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : قاعدة الالزام(1432-1433هـ) .
              • الموضوع : 38- دفاع عن الحّر في احدى ادلته - نقل عبارة الشيخ في التهذيب و وجه دلالتها .

38- دفاع عن الحّر في احدى ادلته - نقل عبارة الشيخ في التهذيب و وجه دلالتها

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 
كان الحديث حول حجية مراسيل الشيخ الطوسي في التهذيبين، وكذلك حول حجية الروايات التي ذكرها وفيها ضعاف او مجاهيل في سلسلة السند، وتطرقنا الى دليل حجيتها والذي ذكره الحر العاملي حيث استند الى عبارة الشيخ الطوسي لإثبات ذلك، وقد ناقشنا هذه العبارة فيما سبق . 
استدراك: (تأمل ودفاع) وذكرنا الإشكال على العبارة التي نقلها الشيخ الحر، وبينا ان هذه العبارة لا تدل على توثيق تمام سلسلة السند وصولا إلى الإمام المعصوم ع، وإنما تدل على توثيق السند الى صاحب الأصل المعتمد فقط دون ما بينه والإمام المعصوم ع، 
ولكنه بعد التأمل قليلا في هذه العبارة، وجدنا انه يمكن الدفاع عن الشيخ الحر واستدلاله حيث نقول: 
ان كلمة (المعتمدة) فيها الكفاية للدلالة على المراد والمطلوب، وهو ثبوت سلسلة السند باجمعها وذلك بوجهين: 
الوجه الاول: ان كلمة ( المعتمدة ) هي كلمة مطلقة وظاهرها ان الشيخ في مقام اخبارنا باعتماد الاصحاب والطائفة على هذه الروايات متنا وسندا، 
وبتعبير اخر: ان قصر وحصر مفاد ( المعتمدة ) في الاعتماد الفتوائي بلا دليل وخلاف القاعدة؛ فان ظاهر هذه الكلمة هي انها معتمدة سندا ومتنا، كما ان الذي ينفع في مقام الفتوى هو ان تكون سلسلة السند للامام ع بكلها معتمدة، اما اذا كان بعض تلك السلسلة معتمداً فهو ليس بنافع، فلو ان احدا اسند خبرا للمرجع الفلاني مثلا وكانت ثلاثة من الوسائط ثقاة، دون الرابع إذ كان كذاباً، فلا يصح القول ان هذا الخبر معتمد، 
والخلاصة: ان ظاهر هذه الكلمة هو الاعتماد على كافة رجال السلسلة السندية وصولا الى الامام المعصوم (عليه السلام) وتوثيقهم، هذا هو الوجه الأول لتصحيح كلام الحر . 
الوجه الثاني: واما الوجه الثاني فهو ان مطلع عبارة الشيخ الطوسي تؤكد المعنى المراد وهذه العبارة هي " " .. كل حديث عملت به .. " والحديث الذي يذكره الشيخ ويعمل به ينبغي ان يعتمد عليه من جهة جميع رجاله لا البعض منهم، 
اذن: كون الشيخ الطوسي قد استند اليها، أي: الرواية في الفتوى والعمل، مع تعبيره بـ(المعتمدة) قرينة على ان كل رجال السند موثقون ومعتمد عليهم. 
إشكال (المعتمد) أي في الجملة ان قلت: بان كلمة ( المعتمد ) لا تدل إلا على الاعتماد في الجملة، أي: هو معتمد عليه على نحو الغالبية لا انه معتمد عليه بأجمعه وكله . 
وجوابه: قد اجبنا عن مثل هذا الاشكال فيما سبق وأوضحنا ان هذا هو خلاف الأصل؛ فان الاصل في مثل هذا التعبير ان يكون الكتاب بكله واجمعه معتمداً عليه، والاستثناء والاعتماد في الجملة هو الذي يحتاج الى دليل، وذلك لان اطلاق اللفظ الظاهر في العموم وارادة الخصوص منه يحتاج الى قرينة ؛لأنه مجاز – على مبنى اصولي –، وان لم يكن مجازا – على المبنى الآخر- فان المستفاد من اللفظ هو المجموع، والقول بالانصراف الى البعض أو تعينه هو الذي يحتاج الى قرينة 
والخلاصة: انه لو تم هذان الوجهان فانه يتم استدلال الشيخ الحر العاملي على تصحيح كافة الروايات الموجودة في التهذيبين 
تصريحات مهمة للشيخ الطوسي: ولا بد ان نذكر بعض التصريحات المهمة للشيخ الطوسي، وبعضها جاء في كتاب التهذيب وبعضها في كتاب الاستبصار وبعضها الآخر ننقله من كتاب عدة الاصول، وهذه العبارات بعضها دلالتها واضحة على المراد، أي: التزامه بحجية كافة ما اورده في كتابيه واعتمد عليه. 
التصريح الاول: قد ذكر الشيخ في كتاب التهذيب وفي مقدمته يقول: " واذكر مسألة مسألة فاستدل عليها، إما من ظاهر القران، او من صريحه، او فحواه، او دليله، او معناه" انتهى . 
والفرق بين هذه المصطلحات على ما جرى عليه الشيخ هو: يريد الشيخ من ظاهر القران العموم والاطلاق وشبهها، واما الصريح فيريد منه ذلك المقصود صراحة، فمثلا قوله تعالى (احل الله البيع) تدل الكلمة الاولى (احل) على الحلية بصورة صريحة وهي نص في ذلك، و اما (البيع) فهو ظاهر في الاطلاق، ويريد من (فحواه ) مفهوم الموافقة والأولوية، مثل قوله تعالى ( ولا تقل لهما اف ) فان حرمة ضرب الوالدين وسبابهم حرام ومنهي عنه من باب اولى، واما مراده من ( دليله ) فهو ما يسمونه بدليل الخطاب، وهو مفهوم المخالفة عندهم، وذلك كمفهوم الشرط . 
ثم يقول الشيخ: " واما من السنة المقطوع بها، او من الاخبار المتواترة، او الاخبار التي تقترن اليها القرائن التي تدل على صحتها ، او من اجماع المسلمين ان كان فيها او اجتماع الفرقة المحقة، ثم اذكر بعد ذلك ما ورد من احاديث اصحابنا المشهورة في ذلك ", انتهى كلامه . 
وهنا نقطة لابد من التوقف عندها، فان البعض يتوهم ان الشيخ يكرر كلامه حيث ذكر سابقا عبارة ( .. والاخبار التي تقترن اليها القرائن ..)، ولكن الشيخ في كتابه التهذيب يرشدنا الى جواب ذلك . 
توقف مهم: وهنا لا بد من التوقف عند كلمة ( المشهورة في ذلك ) حيث يخبرنا الشيخ بان تلك الأحاديث التي يسوقها كدليل هي احاديث مشهورة، أي ان لها شهرة روائية، هذا اولا وثانيا ان الشيخ قد افتى على طبق مضمونها، 
ولكن السؤال في المقام هل يكفي كل ذلك في حجية هذه الروايات ؟ وجوابه: هناك مسلكان كما هو معلوم، الاول يقول بالحجية للشهرة الروائية وانها جابرة للسند وكاسرة له كذلك، واما المبنى الثاني فانه لا يرى هذه الحجية , لكنها على هذا تصلح كمؤيد، وقد تفيد الاطمئنان بالتعاضد والتراكم. 
ثم يقول الشيخ في كلامه: " وانظر فيما ورد بعد ذلك مما ينافيها ويضادها وابيِّن الوجه فيها اما بتأويلٍ أجمع بينها او اذكر وجه الفساد فيها، اما من ضعف اسنادها او عمل العصابة بخلاف متضمنها " انتهى كلامه . 
منهج الطوسي في الجمع بين الأخبار وهنا اشارة مهمة، فان من راجع كتاب التهذيب سيجد ان الشيخ الطوسي قد قام بجهد كبير – وهو اشبه بالمعجزة بالتعبير العرفي المجازي - في الجمع بين الاخبار، فان الفقيه كثيرا ما يتوقف عند هكذا اخبار ويفكر ويتأمل في كيفية الجمع بينها، فقد قام الشيخ بالجمع العرفي بين الاخبار التي يبدو ان بينها تضادا، واتى بشاهد من الروايات على ذلك الجمع. 
وعليه: فان الأصل عند الشيخ في الاخبار التي يعتمد عليها ان يكون اسنادها صحيحا، وهذه قرينة مهمة في المقام, هذا هو التصريح الاول من الشيخ الطوسي لإثبات المراد . 
التصريح الثاني : وهذا التصريح من الشيخ يعتمد على دلالته، ظاهراً فانه في كتاب العدة يقول: " فأما ما اخترته من المذهب فهو ان خبر الواحد اذا كان واردا من طريق اصحابنا القائلين بالامامة وكان ذلك مرويا عن النبي (صلى الله عليه وآله)، او واحد من الائمة (عليهم السلام) وكان ممن لا يطعن في روايته، ويكون سديدا في نقله، ولم تكن هناك قرينة تدل على صحة ما تضمنه الخبر؛ لانه اذا كانت هناك قرينة تدل على الصحة، كان الاعتبار بالقرينة وكان ذلك موجبا للعلم جاز العمل به .وما نقلناه الان ينفي بشكل قاطع كلاما غير تام اسنده عدد من فحول الرجاليين والأصوليين المتأخرين الى الشيخ الطوسي - بالرغم ان الشيخ قد صرح بخلاف ما نسبوه إليه واوردوه عليه - حيث انهم تصوروا ان الشيخ يعتمد على اصالة العدالة في توثيق الرجال، ومعنى اصالة العدالة ان الشخص إذا حسن ظاهره، ولم يظهر منه فسق فهو عادل، وفي مقابل ذلك هم يقولون ان مبنانا في العدالة هي الملكة، ولذا فانهم يذهبون الى ان توثيق الشيخ لا يفيد وليس بحجة لاختلاف المبنى الاجتهادي معه. 
إلا من لاحظ عبارة العدة بدقة يجد انها ظاهرة في رد هذا التوهم؛ إذ ان الشيخ قد اعتمد في توثيقه على التوثيق بالمعنى الأخص، ويستفاد ذلك من عبارة: ( لا يطعن في روايته ) و(يكون سديداً في نقله) مما يحتاج إلى تتبع واستيثاق ومن كل ذلك يظهر ان الشيخ قد اشترط شروطا دقيقة في الخبر إذا أريد الاعتماد والاستناد عليه ولم يعتمد على أصالة العدالة كما نسب له 
وللكلام تتمة 
وصلى الله على محمد واله الطاهرين 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=818
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 29 محرم الحرام 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23