بسم الله الرحمن الرحيم
كان الحديث حول روايات التهذيب والاستبصار,
والوجوه التي يمكن ان تذكر لتصحيحها واعتبارها بما فيها المراسيل او الضعاف - الا لو كان هناك خبر اقوى على خلافها-،
وذكرنا بعض الكلام عن ذلك، وبقيت شبهه- او اكثر من ذلك - في المقام، كما سنذكر طرقاً اخرى لتصحيح رواياتها.
اشكال في المقام: شبهة تناقض اقوال وافعال الشيخ
وهنا إشكال و هو: إن الشيخ الطوسي قد صرح بعدم الاعتماد على أخبار الآحاد وإنها: (هذه أخبار آحاد لا تفيد علما ولا عملا) ومع تصريح الشيخ هذا بعدم صحة الاستناد والاعتماد على أخبار الآحاد فكيف يعتمد هو بنفسه عليها في التهذيبين؟
بل كيف نعتمد عليها نحن بعد ذلك؟
وبتعبير آخر: يكون المقام نظير تعارض الطعن والتوثيق, فمن جهة نجد إن الشيخ الطوسي يعمل بها - أي بأخبار الآحاد- وقد ملا كتابي التهذيب والاستبصار بهما، وعمله هذا دليل تصحيحه لها، ومن جهة أخرى نجد ان الضابطة العامة الكلية التي ذكرها نفس الشيخ تسوق إلى عدم صحة الاعتماد على أخبار الآحاد,
وهنا: تعارض توثيق الشيخ بطعنه وعليه فلا يمكن الاعتماد على توثيقاته المجروحة من قبله .
وجواب الاشكال:
والجواب قد يكون سهلا إذا تذكرنا العبارة التي نقلناها عن الشيخ سابقا,
وإجمال الجواب: ان الشيخ الطوسي لا يرى الاعتماد على أخبار الآحاد الفاقدة لشروط الحجية، ولكنه يرى الاعتماد على الواجد منها لتلك الشروط ,
إذن: ليس هناك نفي مطلق او إثبات مطلق، وإنما هناك شروط، ولا تنافي بين كلامي الشيخ,
والحاصل: انه عندما يذكر الشيخ في الكبرى الكلية عدم إفادة اخبار الاحاد علماً ولا عملاً، فانه يقصد من ذلك الأخبار غير المعضدة بتلك القرائن والشروط,
وقد نقلنا عبارة الشيخ في ذلك ولمزيد التأكيد ننقلها مرة أخرى ولكن بشكل مختصر ,
حيث قال الشيخ: (فأما ما اخترته من المذهب فهو إن خبر الواحد إذا كان وارداً من طريق أصحابنا..... وكان ممن لا يطعن في روايته، ويكون سديدا في نقله... جاز العمل به)
وفي مكان آخر نجد ان الشيخ يضيف شرطا آخر حيث يقول: (فان لم يكن هناك خبر آخر يخالفه، وجب العمل به )
شرط جديد:
كما أضاف الشيخ شروطاً أخرى وهي: ان لا يكون الأصحاب قد اعرضوا عنه، وان لا يكون شاذا، وان لا يكون على خلاف ما استقامت عليه طريقة الأمامية).
إذن: الجواب عن هذه الشبهة واضح إذ لا تناقض بين كلام الشيخ الأصولي وعمله الفقهي .
استغراب الشهيد الثاني من كلام الشيخ الطوسي
وهنا نذكر إن الشهيد الثاني استغرب بشدة من الشيخ الطوسي:
وكيف ان الشيخ اضطربت اقواله وافعاله حيث يقول الشهيد الثاني في كتاب الدراية – ما مضمونه –: ان الشيخ الطوسي يعمل أحيانا بالضعيف رغم علمه بضعفه، وأحيانا يطرح الصحيح رغم علمه بصحته، وأحيانا أخرى يخصص بالضعيف الصحيح من الروايات، واحيانا يصرح بان أخبار الآحاد ليست بحجة
لكن هذا الاشكال مندفع، بعد ملاحظة مجموع كلمات
الشيخ الطوسي: فالضعيف إنما يتمسك به لو اعتضد بقرائن حافة تفيد الوثوق بمضمونه - وقد نقلنا كلام الشيخ الطوسي سابقا عن القرائن الأربعة- فلا استناد على الضعيف بما هو هو، بل ان الاستناد على قطعية مضمونه ولذا يخصص بهذا الضعيف القطعي المضمون، الصحيحَ؛ لان هذا الضعيف قد اعتضد بقرينة موافقة الكتاب او السنة المعتبرة او الإجماع او العقل, هذا من جهة،
صورتان يُطرح فيهما (الصحيح)
ومن جهة اخرى نجد ان الشيخ يطرح الصحيح فيها لو خالف أصول المذهب, أو عارضه صحيح أقوى منه
أي: ان الطرح في صورتين:
اولا: لو عارضه صحيح اقوى منه .
ثانيا: لو خالف الخبر، ما استقامت عليه الطريقة او كان شاذا او اعرض الأصحاب عنه
والمتحصل: ان الشيخ الطوسي لا يطرح الخبر الصحيح الا في حالة المعارضة أو المخالفة، وذلك لما بيناه ومن هنا يظهر ان اشكال الشهيد الثاني ليس تاماً.
طريق اخر للتوثيق:
وهناك طريق اخر للتوثيق ذكره العلامة المجلسي في كتاب الاربعين.
حيث ذكر في كتابه وفي ذيل الحديث 35 وهو في مقام تصحيح الكثير من روايات التهذيبين، ما مضمونه وتوضيحه بإضافة وتصرف : ان الشيخ الطوسي قد روى بوسائط، كالشيخ المفيد، كافة الكتب والروايات، التي كانت بحوزة الشيخ الصدوق والتي اعتمد عليها في كتابه من لا يحضره الفقيه وغيره, وذكرها في المشيخة – مشيخة الفقيه – .
هذه الكتب الطريق صحيح اليها حيث ان الشيخ الصدوق نقلها إلى تلامذته، ومنهم الشيخ المفيد اما بالمناولة واما بالاجازة واما بالقراءة واما بالسماع ثم ان الشيخ المفيد بنفس الطريقة أوصلها الى الشيخ الطوسي.
والمتحصل: ان كل الكتب والروايات التي اعتمد عليها الشيخ الصدوق قد وصلت منه بطريق صحيح الى الشيخ الطوسي، هذه هي المقدمة الأولى.
واما المقدمة الثانية: ان طريق الشيخ الصدوق إلى ذلك الكتاب أو الأصل لو كان صحيحا، فان أية رواية ينقلها الشيخ الطوسي في التهذيبهين عن أصل من تلك الاصول الموجودة في مشيخة الفقيه فان هذه الرواية حتى لو نقلها الشيخ في التهذيب بسند ضعيف فإننا نبدل هذا السند الضعيف بسند الصدوق الصحيح فتكون الرواية صحيحة؛ لان سند الصدوق الى ذلك الأصل صحيح على الفرض
والحاصل: ان شرط عملية التبديل هذه ان يكون طريق الصدوق الى الاصل صحيحاً الا ان الشيخ الطوسي قد ذكر إليه طريقا ضعيفا، ولكن ذلك لا يخل بصحة الرواية، وللتقريب للذهن نمثل بذلك الشخص الذي له الى مرجع تقليده طريقان لنقل كلامه، والطريق الاول منهما ضعيف ولكن الآخر صحيح، وقد سمع ذلك الشخص من كليهما خبراً عن المرجع، الا انه في مرحلة النقل، نقل عن الضعيف لعلة من العلل, فصحيح ان هذا السند المنقول ليس بتام, لكن من خلال علمنا الخارجي بانه قد سمعه من طريق صحيح آخر, فان نقله سيكون صحيحاً
المقدمة الثالثة: ان الأصل الذي ينقل منه الشيخ الطوسي تارة يكون مشهورا كأصل الحسن بن محبوب ومعه فلا نقاش فيه ولا نحتاج الى سند من الطوسي اليه، وكما هو الحال في كتاب الكافي الآن اذ اننا ننقل بصورة مباشرة منه دون ذكر سلسلة السند الى كتاب الكافي والعلامة المجلسي لعله يريد في كلامه ان يصحح غير هذه الصورة وهي تلك التي لم يكن الأصل فيها مشهورا لدى الطائفة فههنا مورد التصحيح.. فتأمل
اشكال صاحب كتاب بحوث في علم الرجال:
وقد اشكل صاحب كتاب بحوث في علم الرجال على ذلك بما مضمونه:
من اين نعلم ان هذه النسخة صحيحة أي مطابقة لنسخة (الصدوق)؟ لان النسخ كانت في ذلك الوقت خطية لا مطبوعة، ومن هنا فيمكن ان تكون النسخة من هذا الأصل الموجودة عند الشيخ الصدوق والتي اعتمدها، تختلف بعض الاختلاف عن النسخة التي راجعها الشيخ الطوسي ونقلها عنه وعليه فالتعويض والتزويج لا ينفع -, الا بطريق واحد وهو وجود نص هذه الرواية التي نقلها الشيخ الطوسي عن هذه النسخة في نسخة الشيخ الصدوق كذلك وتوافقها ولكن هذا لا ينفع في المقام لرجوعها الى الاعتماد وعلى النسخة الصدوقية.
جواب الشبهة:
والجواب: ان بناء العقلاء وسيرتهم جارية على الاعتماد على النسخ الخطية لأي كتاب مؤلَّف ، ما لم يقم دليل على الخلاف وهذا الكلام جار في كل الفنون والعلوم.
ونضيف: خاصة وان النسخ الخطية هي ادق من المطبوعة، فمثلا كتاب الرسائل المخطوط أخطاؤه قليلة جداً بالنسبة الى المطبوع فاننا نجد الكثير من الأخطاء في المطبوع دون المخطوط لأن العالم في ذلك الزمان ما كان يستنسخ كتابه إلا عند من هو ثقة وأهل خبرة وكانوا متثبتين عموماً.
هذا من جهة,
ومن جهة أخرى فان النسخة اذا وقعت في يد خبير كالشيخ الطوسي، وهو يعلم باحتمال اختلاف النسخ، ومع ذلك اعتمد عليها رغم ان النسخة الثانية التي عنده هي التي لا شك في صحتها، فان اعتماده عليها يدل على ان الشيخ لم يكن يرى فرقا في الوثاقة بين النسختين، أي كان يرى تطابقهما.
والمتحصل من مجموع ذلك:
ان الشيخ الطوسي رغم وجود نسخة صدوقية مقروءة عليه او مسموعة منه او مناولة له منه إذا اعتمد على النسخة الأخرى فان ذلك يدل على وحدة النسختين في نظر هذا الخبير.
والنتيجة: ان هذا الإشكال ليس بتام. فتأمل
وهناك طريقان آخران لتصحيح ذلك احدهما ذكره السيد بحر العلوم,
وتلخيصه: ان نفس هذا الكلام قد طبقه السيد على الشيخ النجاشي ببيان ان كل ما كان لديه من اصول ووصلت بيد الشيخ فان ذلك طريق لتصحيح السند والإشكال هو الإشكال والجواب هو الجواب. |