• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : دروس في التفسير والتدبر ( النجف الاشرف ) .
              • الموضوع : 128- (ليتفقهوا في الدين) الاهداف الثلاثة الرئيسية لرجال الدين والجامعيين .

128- (ليتفقهوا في الدين) الاهداف الثلاثة الرئيسية لرجال الدين والجامعيين

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين,بارئ الخلائق أجمعين,باعث الأنبياء والمرسلين,ثم الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا,واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين,ولاحول ولاقوه الابالله العلي العظيم 
يقول سبحانه وتعالى:)الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)التوبة: 122 
اهداف الطلاب ان الطالب الحوزوي عندما يأتي الى الحوزة العلمية المباركة للدراسة يضع أمام عينيه هدفا محددا وهو ان يصبح من العلماء او الخطباء او المؤلفين او المبلغين (الذين يبلغون رسالات الله) او غير ذلك .كما إن الطالب الجامعي عندما يذهب الى الجامعة أيضا يضع أمامه هدفا محددا وهو أن يصبح طبيبا مثلا او مهندسا او محاميا او ما أشبه . والمفروض أن يكون لكليهما هدف أخر لايقل أهمية عن طلب العلم وهو تهذيب النفس .ولكن هذا الهدف لا نجد له الاهتمام الكافي في الجامعات والمدارس الأكاديمية , وان وجد له نوع اهتمام في الحوزة العلمية المباركة . ولكنه مما ينبغي التركيز عليه أكثر . فنحن لا نأتي الحوزة العلمية لنصبح مجتهدين وحسب , بل لكي نكون قمة في الورع والتقوى والكمالات الروحية العالية باذن الله تعالى أيضا . ولعل مما يلفت النظر ان بعض الطلبة عندما يأتي الى الحوزة العلمية يبدأ بحماس ونشاط للتكامل في كلا الحقلين إلا أن حماسه يأخذ بالتضاؤل بالنسبة الى الهدف الثاني اعني (تهذيب النفس) لذا تجده يتدرج في مراتب العلم والخبروية ولكنه في البعد الأخر يراوح في مكانه اويتقدم ببطء لايتلائم مع ما يؤمل منه ,إن لم يكن يتراجع والعياذ بالله تعالى . 
الشيخ الأنصاري(قده) وتهذيب النفس لاحظوا الشيخ الأنصاري (رحمه الله تعالى) تجدون البركة العجيبة في كتبه وآراءه .ولازالت الحوزة العلمية تنهل من علمه الى هذا اليوم ولا يكمن سر ذلك في دقته العلمية فحسب ,بل السر الأعظم وراء ذلك هو صفاء نفسه وخلوص نيته وتهذيب ذاته . 
روى احد ألاشخاص قال: عندما كنت بخدمة الشيخ الأكبر المرتضى الأنصاري في النجف الاشرف رأيت في احدي الليالي في المنام الشيطان وبيده عدد من الحبال والخيوط الملونة والسلاسل الحديدية ايضاً، وهو يذهب لحاله فقلت له :الى أين تذهب ؟ فقال :أريد أن أضع هذه الأطواق في أعناق أشخاص، ثم اشار الى سلسلة حديدية مقطعة الى سبع قطع وقال: بالامس وضعت هذه السلسلة في عنق الشيخ الأنصاري فسحبته بها إلا انه قطعها ثم فعلت ذلك به الى سبع مرات لكنه قطعها في كل مرة حتى يأست منه، يقول ذلك الشخص: فسالت الشيطان: و بماذا تجرني؟ قال: انت لا تحتاج حتى الى الحبال! بل بمجرد اشارة اسحبك معي سحباً! اعاذنا الله واياكم من ذلك ثم يقول: ولما انتبهت من نومي تشرفت بخدمة الشيخ ونقلت له ما رايته في المنام , فقال: هذا الملعون أراد أن يغريني أمس , اذ لم يكن عندي من المال شي، وكانت زوجتي على وشك الولادة، ولم اجد شيئاً اطعمها به، ففكرت في نفسي أن استقراض ريالا من وديعة كانت لديّ واصرفه في الحاجة وبعد ذلك أؤديه لصاحبه، فأخذت الريال وخرجت من المنزل الى الزقاق ثم ندمت إثناء الطريق، وفكرت: لعلي اموت قبل ان اسدد الدين، ولعل صاحب الوديعة لا يرضى باقتراضي منه، فرجعت الى البيت وأرجعت الريال الى موضعه ، ثم سمعت اهات زوجتي فعدت للاقتراض الى سبع مرات حتى فرج الله عني بان ولدت زوجتي بسلامة. 
علم الإدارة وحديثنا الان ليس حول هذين الهدفين (طلب العلم وتهذيب النفس) بل نريد التحدث عن هدف ثالث مغفول عنه بالمرة , وقد صرحت به الروايات وهو (التدبير في المعيشة) وقد أشار الى ذلك صادق أهل البيت (صلوات الله تعالى عليهم أجمعين): ففي رواية مذكورة في أمالي الشيخ الطوسي (رحمه الله) ((..سمعت رجلا يقول لأبي عبد الله (عليه السلام):بلغني أن الاقتصاد والتدبير في المعيشة نصف الكسب؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام):لا ,بل هو الكسب كله .ثم قال (عليه السلام): ومن الدين التدبير في المعيشة)) في إشارة الى قوله تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) التوبة: 122 وفي رواية أخرى عن الأمام الصادق(عليه السلام) أيضا :المؤمن حســـــــــــــن المعونة , خفيف المؤونة ,جيد التدبير في المعيشة ,لا يلدغ من جحر مرتين . 
وكان عنوان (التدبير) هو المصطلح السابق لعلم )الادارة), فيقال: تدبير المدن او تدبير المنزل او غير ذلك , أما اليوم فيعبر عنه بعنوان (الإدارة) , وعلم و فن الإدارة علم مستقل وله أهميته التي لا تقل عن الهدفين السابقين . فهل نقوم في دروسنا ومباحثنا وحوزاتنا بالتركيز على هذا المصداق الهام من (الدين)؟, بل ان الباحث المتتبع يجد ان عنوان (الإدارة) يتضمن المئات من الواجبات والمستحبات والتي هي بحاجة الى التنقيح والتنظير، او هي بحاجة الى التفعيل والممارسة . و ان نظم الأمر من أهم الواجبات التي تناط بالفرد المسلم من جهة، وبالمجتمع من جهة أخرى؛ فان في الفوضى خسران الدارين وسيطرة الأعداء والمنافقين؛ ولذا قال امير المؤمنين عليه السلام: )اوصيكما وجميع ولدي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم امركم)، فجعل الوصية بنظم الامر بعد الوصية بتقوى الله مباشرة. 
ونحن نجد الكثير من الناس فاشلاً في إدارة عائلته او عشيرته, بل قد تجد افراد عائلته او عشيرته ينفرون منه ويعرضون عنه , وما ذلك إلا لان إدارته لم تكن أدارة أبوية حانية , وهكذا أدارة المدرسة او المؤسسة او الحزب السياسي , وصولا الى ادارة الدولة . 
خاصة اذا لاحظنا ان رجل الدين هو (مدير) في أي موقع كان, فلابد ان يحسن التصرف و يدير الأمور بحكمة وروية ,اذ المفروض انه لاينقصه العلم والتطبيق على ارض الواقع, فإذا أحسن التدبير كما تشير إليه الرواية الشريفة , فسيدخل الناس الى دين الله أفواجا أو تزداد قناعاتهم بالدين الإسلامي الحنيف و نظامه الحكيم .ومن الواجبات والمسؤوليات في علم الإدارة,المعاشرة بالمعروف (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) النساء: 19 
فالمعاشرة بالمعروف واجبة , ومعاشرة الزوجة لها أنحاء مختلفة وابعاد متعددة،فهناك المعاشرة في الكلام , والمعاشرة بالفعل , والمعاشرة عند حدوث المشاكل وغير ذلك ،وكل ما صدق عليه المعاشرة بالمعروف فهو مشمول للآية الكريمة. 
ومن الواجبات والمسؤوليات في (الإدارة),بل من أركان الإدارة :خفض الجناح (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)الشعراء: 215 
وغير ذلك من المصاديق الكثيرة , وأجد أن (فقه الإدارة) بحاجة الى الكثير من البحث والتحقيق , وقد نتطرق إليه مستقبلا بحول الله تعالى وحسن توفيقه . 
لكننا نشير ههنا الى بعض مصاديق الإدارة وموجبات النجاح فيها ,لعل ذلك مما يسهم في الاهتمام الأكبر بهذا العلم الذي هو من مصاديق (الدين) وفيه سعادة الدارين بإذن الله تعالى : 
إدارة الوقت إن أثمن ما نمتلكه في هذه الحياة الدنيا هو الوقت,ولكن من المؤسف أن الوقت يتسرب من أيدينا كما يتسرب الماء من شبكة الصياد , وإدارة الوقت (علم)و(فن) و(خبرة), وهي مع ذلك (توفيق) من الله تعالى , ونحن نشاهد الكثير من الناس وخصوصا العلماء منهم وقتهم مبارك, وينتجون فيه الكثير من الخيرات والأعمال الصالحة , إلى درجة أن المرء أحيانا يتعجب ويستغرب إلى كثرة هذه الأعمال والانجازات , وكيفية القيام بها من قبل شخص واحد , وهي مع ذلك أعمال جليلة تخدم الناس وتخدم الدين إلى مئات أو ألاف السنين. 
كتاب يهدي ثلاثة ملايين إنسان التقيت بأحد الأفاضل قبل فترة ,وكنت قد علمت أن بعض كتبه قد اهتدى بسببه إلى المذهب الحق ما يقرب من (3) ملايين إنسان ,فسألته عن ذلك ,فقال :ما وصلكم صحيح , بحسب ما علمت من خلال متابعتي لهذا الموضوع . فلا حظوا أن هذا الفاضل لاشك في وجود البركة في وقته الذي صرفه في تأليف هذا الكتاب الذي اخرج عدة ملايين من حيرتهم وضلالتهم إلى المذهب الحق . وللبركة في الوقت أسباب منها : المحافظة على الصلوات في أوائل أوقاتها وترك ما في اليد بمجرد سماع النداء ,وقد ورد ما مضمونه: "إن نداء الله تعالى فوق كل نداء " ومنها :المواظبة على تسبيح الزهراء (صلوات الله تعالى عليها)قبيل النوم , فقد ورد عن أهل البيت (عليهم السلام): أن له عشر فوائد , أحدها قضاء حوائج اليوم التالي بإذن الله تعالى . 
والإنسان إذا ما قام بهذا العمل المبارك قبل أن يخلد إلى النوم ,فسوف تختمر في (لا وعيه) كلمات الذكر المباركة (الله اكبر ,الحمد لله ,سبحان الله) وتظل هذه الكلمات تدور في جنبات نفسه ,وهي من اكبر أسباب التوفيق . 
وإدارة الوقت كما تعتمد على عوامل غيبية كما تقدم ,تعتمد أيضا على عوامل مادية منها : 1:استثمار الدقائق الضائعة , والناجحون الذين يعرفون فن إدارة الوقت لا يفرطون حتى في الثانية الواحدة فضلا عن الأكثر من ذلك . أما المهملون والفاشلون , واللذين يضيّعون خمس دقائق هنا وسبع هناك ,لا يعلمون أن هذه الدقائق تشكل بمجموعها نهر العمر الجاري والذي سينضب عما قليل ولات حين مندم . 
الشهيد الشيرازي وقصاصات الخواطر الشهيد العم السيد حسن الشيرازي (رحمه الله تعالى) كان من اللذين يعرفون قيمة الوقت , فقد كان في إحدى فترات حياته يعيش بين لبنان وسوريا ويسافر في الأسبوع مرة او مرتين بين البلدين, فكان ينتهز الفرصة في الطريق فيكتب على الورق او على الجريدة أو على علبة السكائر , وقد جمعت هذه القصاصات بعد استشهاده ـ استشهد وعمره 46 سنة ـ وقد طبع بعضها فكانت عبارة عن كتاب يعدّ من أفضل كتبه وهو ملئ بالحكم والتدبر والرؤى والأفكار في القران الكريم , وبثلاث مجلدات باسم (خواطري في القران). 
قرأ ثمانية أجزاء فترة توقف السيارة السيد الوالد ينقل عن السيد الجد (قدس سرهما): سافرنا من النجف الاشرف إلى كربلاء المقدسة , وكان ذلك في فصل الشتاء , وفي منتصف الطريق تعطلت السيارة التي كانت تقلنا فنزل الوالد واخذ يتمشى بالجوار . فنزلت اليه فوجدته يقرا القران, وبعد عدة ساعات , تم أصلاح السيارة , فسألته عن ذلك ,فقال لي :إنني أحفظ القران ولله الحمد ,والإنسان اذا لم يداوم على قراءته يوشك ان ينساه1 ,وقد تلوت خلال هذه السويعات ثمانية أجزاء لئلا يمر الوقت بلا فائدة. إذن إدارة الوقت تعتمد فيما تعتمد على استثمار هذه الدقائق والساعات الضائعة . 
2:حســــن التوقيت: وهو من أسباب البركة في الوقت ,ومن اجلى مصاديقه (المبادرة والمسارعة) الى قضاء الحوائج فاذا طلب منكم احد حاجة , فان كان بمقدوركم قضاءها , فاقضوها فورا و بلا مماطلة ولا تسويف ,فان بعض الناس قد يقضي حاجة أخيه المؤمن ولكن بعد أن يريه الأمرين ,وتأجيله مرة بعد أخرى ,وقد لا يكون هناك مبرر إلا التسويف واللاأبالية المقيتة,فان تسويف حوائج الناس او المماطلة في أفعال الخير, يعد من التسويف المذموم والذي يسلب البركة وقد ورد في الرواية إن أكثر أهل المحشر ضجيجا من التسويف اعاذنا الله وإياكم من ذلك . وللحديث صلة إن شاء الله تعالى. 
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين ........ 
 
 
 
الهوامش ....................................... 
1) يقال: ان ينبغي على حافظ القران الكريم كله او بعضه ان يكرر قرائة ما حفظ باشهر مرةً على الاقل كي لا ينساه. 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=867
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء 5 جمادى الاول 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29