• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : دروس في التفسير والتدبر ( النجف الاشرف ) .
              • الموضوع : 142- رسالة محرم : الصلاح والاصلاح .

142- رسالة محرم : الصلاح والاصلاح

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولاحول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم. 
يقول الله تعالى في كتابه الكريم عن لسان نبيه العظيم شعيب (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) 
ويقول جل اسمه في كتابه الكريم (وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) 
ويقول الباري ايضا (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) 
وقال سيد شباب أهل الجنة (صلوات الله وسلامه عليه):وإنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي.
رسالة شهر محرم: الصلاح والإصلاح 
ان رسالة شهر محرم الحرام هي رسالة (الصلاح والإصلاح)، وان (الإصلاح) هو الرسالة التي أعلن عنها سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي (صلوات الله وسلامه عليهما) واعتبرها الهدف من نهضته المباركة (إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي)وهي – أي رسالة الإصلاح - مسؤوليةكل رجل الدين، بل انها هي مسؤوليةووظيفة كل مؤمن ومؤمنة. 
و(الصلاح)مستبطن في الإصلاح إذا لوحظ متعلَّقهُ النفس، وهو يعني ان يكون صالحا في نفسه، إضافة إلى انيكون مصلحا لمجتمعه, وهذه هي المسؤوليةالأساسية الجوهرية المحورية لكل المؤمنين، خاصة العلماء ورجال الدين والمثقفين. 
عندما يستعرض الإنسان مع نفسه، الهدف المنشود من حياته. فقد يحدِّده، على مستوى آماله وطموحاته، بان يكون أستاذا جامعيا، او أستاذا في الحوزة العلمية او فقيها او محدثا او مرجع تقليد,او طبيبا او مهندسا او محاميا او تاجرا، اوما اشبه ذلك. 
لكن الآياتالكريمة ترشدنا الى ان الهدف الذي يجب ان تتمحور عليه حياة الإنسان، وجوهر أهدافهكلها ليس ذلك كله، بل الجوهر هو الصلاح والإصلاح، فان الذي يدخل الجنة هو (...وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ)وأما ماعدا ذلك فهي مظاهر وقشوران تسلحت بهذا الجوهر واستبطنته فستكون لها عندئذٍ فقط كل القيمة. فالعلم مثلا لايعدو أن يكون في حد ذاته مظهرا,جوهره الصلاح، لكنه لو تجرد من الصلاح والاصلاح لكان وَبالاً وفسادا ولكان طريقا الى جهنم عندئذ والعياذ بالله. 
فعلى الإنسان عندما يخلو مع نفسه، ان يضع هذا الهدف(الصلاح والاصلاح) نصب عينيه ليلاونهارا, وانه ما الذي يريد ان يعرف به في ملكوت السماوات؟ اي ما الذي يريد ان يعرف به عند الملائكة والكروبيين وسائر من يحلّ في عالم الملكوت؟ 
ان ذلك هو أهم شيء على الإنسان ان يسعى لكي يصل اليه، أي ان يكون في جوهره صالحاً مصلحاً، وان يعرفه الله تعالى والأولياء بذلك ,وهذا هو المحور والجوهر. أما ان يكون اعلم العلماء ,او أثرىالأثرياء، او أقوىالأقوياء، او ذا شهرة عريضة واسعة، فانكل ذلك وبال ـ لاسمح الله ـ على الإنسان,لو تجرد من هذا الجوهر ,جوهر الصلاح والإصلاح. 
ولو أنّا استعرضناأجمل ما يشار به الى الإنسان لو دخل الى محفل من المحافلأروع ما يوصف به فإننا سوف لا نجد أجمل وأفضل وأروع من أن يوصف. 
بمجرد ان يرى في مجلس او يذكر فيه بانه: العبد الصالح المصلح,أي ان يذكر بالإصلاح والصلاح، وانه حيثما حل حلت معه بركات (الصلاح) والإصلاح، أما أن يوصف بانه فقيه أو مهندس أو طبيب، فانه أمر لاحقٍ لا قيمة له إلا بصفة الصلاح والإصلاح. 
الإصلاح: إصلاحلكل ما فسد 
ان الإصلاح ليس المقصود منه إصلاح ذات البين فقط,بل يراد به مطلق إصلاح ما فسد، وقوله تعالى على لسان الكليم (عليه السلام): ( وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ)أي أصلح شؤون عقيدتهم وشؤون أعمالهم ـ بحسب بعض المفسرين ـ 
فعلى الإنسان ان يتمثل في ذهنه دوماً ان رسالته في الحياة هي (الإصلاح)بمختلف أشكالهوألوانه، الإصلاح الاجتماعي، الإصلاح الاقتصادي الإصلاحالسياسي الإصلاح العائلي، والإصلاح في شتى مناحي الحياة، فهل كل منا كذلك؟ وهل كل من في المجتمع عندما يلاحظ الدولة او العشائر او الأحزاب او الهيئات الحسينية,او عندما يلاحظ نفسه, فهل يجد ان كل همه وفكره وذكره,ان يكون مصلحا لله ولوجه الله؟ وان هذه هي رسالته في الحياة؟ 
لو كان الإنسان كذلك لأحبه الله تعالى وأحبه رسول الله (صلى الله عليه وآله)وأحبهالأولياء، وأحبه الملائكة الأبرار، ولكان من المقربين. 
الموازنة بين الأنا والإصلاح 
لكن الوصول إلى هذه المرتبة السامية يتوقف على ان يعيش الإنسان دوما حالة الموازنة والمفاضلة والتعادل والترجيح بين مشاقّ (الإصلاح) وبين متطلّبات (الأنا)، وما أصعب ذلك، أي ما أصعب أن يعيش المرء دوماً حالة الموازنة والمفاضلة يوميا بين الإصلاح للنفس وللغير، وبين الرياسة والمال والشهرة ونظائرها، فانه عادة ما يحدث التزاحم، بل (التدافع) بمعنى أدق. 
اذ كثيرا مايقتضي الإصلاح ان يسبح المرء على خلاف التيار، وكثيرا ما يقتضي إصلاح النفس جهاداً شديداً لكي يحفظها عن ان تنجرف مع المغريات ومع الأجواء ومع التيار السائد، وكثيرا ما يتلقى الإنسان على اثر ذلك الضربات والصفعات الموجعة، وقد يهمَّش، وقد يعزل، وقد يتهم، ولكن: عليه أن يضع هذه الكلمة وهذا الهدف. 
((إنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي))نصب عينيه وليكن ما يكون فما دام الهدف هو الإصلاحفليضحي (صلوات الله وسلامه عليه) بخيرة من كانوا على وجه الأرض. . ولتسبى حرم رسول الله(صلى الله عليه وآله)فليكن ذلك. فانه (هوّن مانزل بي انه بعين الله) كل شيء يهون في سبيل الله تعالى وطلبا لمرضاته. 
فان يقتل الإنسان شيء صعب ,لكن ان تسبى حرمه وحرم رسول الله؟! 
إن ذلك مما لايتحمله إنسان ذوغيرة وحمية، الا ان يكون في ذلك رضا الله سبحانه وتعالى (إلهي رضا بقضائك، لا معبود سواك). 
((إنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي, أريد ن أمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي )). 
فالهدف هو الصلاح والإصلاح، والجوهر هو ذلك، فعلينا ان نعيش هذه المفاضلة يوميا بين الـ(انا) وبين (الصلاح والإصلاح), بين حب المال وحب الرياسة وحب الشهرة وحب القوة وحب نفوذ الكلمة وحب الدعة والراحة، وبين طلب الإصلاح والحركة نحو الإصلاح. 
ان الإنسان المصلح كثيرا ما يعيش في قلق واضطراب، فانه كثيرا ما يكون مهددا او محاصرا, لكن الحصيف حقاً هو من لايبالي بذلك، بل عليه ان يمضي قدما . 
فعلى المصلح ان يتجشم العناء في طريق الإصلاح وليقتد بسيد شباب أهل الجنة (صلوات الله وسلامه عليه) في ذلك. 
العلل المبقية للصلاح والإصلاح 
وهذا الصلاح والإصلاح بحاجة الى العلل المبقيةومن العلل المبقية: 
1)الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. 
2) الصلاة(ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر). 
3) (الشعائر الحسينية) والتي امر بها الله تعالى ورسوله وأولياءه سلام الله عليهم، وهي من أهم السبل التي تضمن المحافظة على عملية الصلاح والإصلاح للنفس وللمجتمع، مستمرة متجذرة متوسعة مضطردةمتألقة، وذلك لأسباب كثيرة نقتصر على سببين منها: 
1) لان الشعائر الحسينية جوهرها الصلاح والاصلاح، فحضورها هو حضور للصلاح والإصلاح. 
2)لان الشعائر الحسينية هي دينامو الاصلاح، وهي المولِّد والمحرِّك والمحافظ على استمرارية عملية الصلاح والاصلاح على مر التاريخ، حسب معادلة (المنعكس الشرطي) المعروفة في علم النفس، وستاتي الاشارة اليها ان شاء الله تعالى. 
والان نتناول هذين السببين ببعض التفصيل: 
1)الشعائر الحسينية جوهرها التقوى 
الشعائر الحسينية بمختلف تمثلاتهاوتجسداتها وهيئاتها جوهرها التقوىوالصلاح والاصلاح قال الله تعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) 
إن أهمية الشعائر الحسينية تكمن في انها هي تلك (القيم المتجسدة), فان لبس السواد مثلا قيمة متجسدة، وان يبكي الانسان قيمة اخرى متجسدة، أو أن شئت فقل: ان الشعائر الحسينية عبارة عن (المبادئ المتبلورة في مشاهد مبصرة او محسوسة) فان أية شعيرةًكالتطبير مثلا او المشي على الجمر، ماهي الا مبادئ تبلورت في هذه الهيئة او ذلك الشكل او تلك الصورة، وسيتضح هذا أكثر عندما تلاحظ (البُدْن) باعتبارها بتصريح القرآن الكريم، من شعائر الله: 
لماذا كانت (البُدْن) من شعائر الله؟ 
يقول الله سبحانه وتعالى: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) وقد يبدو هذا الكلام غريبا إذ لِمَ تكون البدن وهي الجِمال، جمع بَدَنَة هي التي (جعلناها لكم من شعائر الله) فلماذا لم يقل الرب تبارك وتعالى: كلمات الرسول ـمثلا ـ جعلناها لكم من شعائر الله، او الصلاة ـ مثلا اخر ـ جعلناها من شعائر الله، او الإخوة الإسلامية؟, او الأمة الواحدة، او العدل او الإحسان, ونظائر هذه القيم المهمة الى ابعد الحدود، لِمَ لم يذكر انها من شعائر الله؟ أي مشعِرة بالله وموصلة الى الله ؟ لماذا؟ والجواب على ذلك يظهر عندما نعرف طبيعة الإنسان وسيكولوجيته، فان الانسان بطبعة انما يقوده الى الخير, المبدأ المتجسد والمتمظهر بالمظهر المادي المحسوس، فهذه الجِمال والبدن التي تساق في طريق الحج، مع استحباب ان تُقلَّد بنعال الإنسان الذي صلى فيه أو الذي لم يصل فيه، على القولين، (وقد يرى البعض كون ذلك مثارا للسخرية، مع ان الله تعالى اعتبر هذا الفعل بالذات شعارا وشعيرة له تعالى) هي بالذات تجسيد لقيمتين عظيمتين جداً بل ثانيتهما هي أعظم القيم على الإطلاق، إذ ان القيمة التي تتضمنها هذه الحركة وهذه العملية هي (الانفاق ) والانفاق قيمة مجردة غير مرئية، ولكن هذه (البدن)التي تساق ترمز الى قيمة الإنفاقفي مظهر يملأالأبصار، هذا أولاً، ثم انها ثانياً بـ(شوقها) وإشعارها. 
بالنعال التي قلدت بها هذه الأبال، ترمز الى الخضوع المطلق لله سبحانه وتعالى. 
وهذه قيمة متجسدة قد لايفهما الكثيرون ـ وهذا شأنهم ـ لكن علينا ان نبين ونوضح هذه القيم المتجسدة، فان اقتنع الآخرون فبها، والا فلكم دينكم ولي دين. 
رسالة السواد والتطبير 
ان كل إنسان واعٍ لو شاهد هذه البلدة الطيبة أو غيرها مجللة بالسواد، فسينتقل فكره وذهنه الى تلك القيم العليا التي من اجلها جُلِّلت هذه البلدة او تلك المدينة واتشحت بهذا السواد المشعر بالحزن والأسى على سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله)وسيد شباب اهل الجنة (صلوات الله وسلامه عليه ). 
والذي يمارس شعيرة (التطبير)، فانه يشير بذلك الى: أنني فداء للحسين (صلوات الله وسلامه عليه) وللدين المبين،وانني جندي تحت الطلب، وهو يعبر عن هذه المعاني المجردة بهذا المظهر المتجسد الذي يملأ الأبصار ويهز الضمائروالوجدان وهذه هي رسالة (التطبير). 
لكننا نقول لهولأنفسنا: يا أيها الجندي الكريم احتَط وحاذر حتى من ان تعصي الله سبحانه وتعالىمرة واحدة، والمطبرونعادة اناس, اولياء، طيبون، طاهرون، وكثير منهم من الناس العاديين ايضا، لكننا نخاطبه تأكيداً: ان ياايها المطّبر كن افضل من الآخرين!، فان هذا الرمز الذي تجسده، وهو رمز التضحية والفداء، يقتضي ان تكون افضل من غيرك، إذ صحيح ان كل انسان مكلف من الله سبحانه وتعالى بان لايعصيه ويطيع اوامره، لكن الذين يُحيون الشعائر الحسينية عليهم ان يكونوا أكثر تميّزاً في بُعد الطهر والتقوى، كذلك من يلبس السواد او يحيي أية شعيرة من الشعائر الحسينية. فان هذا الرمز هو رمز لسيد شباب اهل الجنة (صلوات الله وسلامه عليه)، فاياك ان تنظر، واياك ان تستغيب واياك ان تتكلم بجارح القول، واياك ان ترائي أوان تحسد أوان تحقد أو ان تفسد لا سمح الله. 
ان الشعائر الحسينية هي مبادئ متجسدة بهذه الانحاء والألوان والأشكال لكي تذكرنا وتذكر الجميع بالقيم والمثل العليا التي جسدها سيد شباب أهل الجنة عليه السلام، على طول الخط. واذا كانت (البدن) من الشعائر بمافيها من القلائد، فكيف بسائر المظاهر التي رمزيتهامما لا تخفى على (من ألقى السمع وهو شهيد). 
ان (المطبر) مثلا يريد ان يقول: ان هنالك إماما غائبا انا جندي له،وإذا لم يستطع بعضهم ان يفصح عن ذلك، فعلينا نحن ان نساعده، لا ان نمنعه من ذلك، بل علينا ان نقول له: ان ما تقوم به هو مبدأ وقيمة متجسدة بهذا الشكل وأنت جندي لسيد شباب أهل الجنة، وهذا شعارك وهذه الدماء وسامكفإياك ان تخضع للظلم وإياك ان تقبل بالمنكر، وعليك ان تأمر بالمعروف و ان تنهى عن المنكر,وعليك ان تكون الأفضل من بين الجميع. فاذا فعلنا ذلك فقد أعنّاهوأعنّاأنفسناعلى الصلاح والإصلاح. 
2)الشعائر الحسينية دينامو الإصلاح 
يقول علماء النفس ان هناك نوعين المثيرات: المثير الصناعي والمثير الطبيعي، في عملية المنعكس الشرطي والمنعكس غير الشرطي. 
فلو ان إبرة شُكّت يد انسان فان (المنعكس غير الشرطي) الطبيعي هو انقباض يد الانسان بدون اختياره، وكذلك غلق الانسان عينيه عندما يسلط عليهما ضوء قاهر. والمنعكسات غيرالشرطية الطبيعية في الحياة كثيرة. 
اما (المنعكس الشرطي): فهو ان توجد ترابطا بين ظاهرة معينة وبين مبدأ معين، عن طريق كثرة التكرار,وإنما سمي بـ(المنعكس الشرطي) لاشتراط التكرار إلى ان يجسد هذا المنظر ذلك المخبر ويعكِسه، أو يستدعي تلك القيمة او ذلك المبدأ. 
والمنعكس الشرطي هو ذلك المثير الصناعي، من أمثلته فيما يرتبط بمبحثنا: انك عندما تنظر الى شخص متجلل بالسواد في شهر محرم، فان هذا مثير صناعي يذكرنا بالمبادئ والقيم التي ثار لأجلها سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كذلك المشاة او اللاطمون على الصدور او المطبرون او ما أشبه ذلك فإن كل ذلك هو دينامو الإصلاحلأنهم دائما يتذكرون عبر هذه (المنعكسات) و(المثيرات) كما ويذكّرون الاخرين بسيد الشهداء، الذي خرج لطلب الاصلاح في امة خاتم الانبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الأطهار. 
وبكلمة: فان علينا ان نذكر انفسنا ونذكر الاخرين بهذا الترابط بين هذا المنعكس الشرطي المتجسد في تلك المظاهروبين تلك الشعائر، وما تُشعِر به وما تؤدي اليه وما تدل عليه. 
وكما قال الله تعالى: (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ)و(إِنْ)هنا بمعنى (ما النافية) أي ما أريد الا الإصلاح هذا هو الهدف وهذه هي المسؤولية، وهذا هو الواجب الإلهي علينا جميعاً... 
(الحر الرياحي) والامتحان المتجدد 
لاحظوا في واقعة الطف هناك كلمة مفتاحية، ذكرها الشهيد الحر الرياحي (رضوان الله تعالى عليه):... إنيأخير نفسي بين الجنة والنار. . فوالله لا اختار على الجنة شيئا... 
وهذا موقف مشرف يندر ان يصل انسان الى مثله بكافة خصوصياته، ولكن مع ذلك كنت أفكر مع نفسي: ان الجامع العام لمثل موقف الحر ليس كلياً منحصراً بالفرد، أو مما يمر به الانسان بعد خمسين سنة,بل اننا نمر لمختلف المواقف الامتحانية في اليوم الواحد لعله ما يزيد على خمس مرات بل لعل (الامتحان) يتكرر على مدار الساعة او على مدار الثواني التي تشكل نهر العمر الجاري. 
وذلك لأنه كلما واجه الانسان معصية فانه في الحقيقة يخير نفسه بين الجنة والنار وكلما عصى فقد اختار خطوة وعلة معدة لسقوطه في النار، خاصة وان الانسان لايضمن ان لا تقبض روحه وان لايحل اجله في هذه اللحظة وهو منشغل لاسمح الله بمباشرة واقتراف تلك المعصية من المعاصي، وما أقبح بالإنسان أن يلقى ربه وهو على معصية من معاصيه.. بل نقول لعل هذه المعصية تكون اخر فعل او قول به ترجح كِفّة ميزان سيئاته عند الله تعالى فيخلد في نار جهنم والعياذ بالله تعالى. 
او لعل ذلك الموقف الصالح هو الذي يرجح كِفّة حسناته فيخلد في جنة ورحمة الله الواسعة ولو فكر كل واحد منا عند تعرضه لأية معصية، بهذا النحو، لأنقلع الإنسان عن المعاصي انقلاعاً ولفرّ منها فراره من الوحوش الكاسرة. 
فعلى كل احد منا ان يتجسد انه في موقف الحر (رضوان الله تعالى عليه) كلما عرضت عليه (طاعة) أو (معصية) أو موقف يتطلب أمراً بالمعروف وإصلاحاً أو نهياً عن المنكر وردعاً. 
وأخر دعوانا ان الحمد لله رب العلمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين. 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=881
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاربعاء 29 ذي الحجة 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28