• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : دروس في التفسير والتدبر ( النجف الاشرف ) .
              • الموضوع : 189- من حقوق الائمة ( عليهم السلام ) : المعرفة والطاعة وان تؤثر هواهم على هواك .

189- من حقوق الائمة ( عليهم السلام ) : المعرفة والطاعة وان تؤثر هواهم على هواك

بسم الله الرحمن الرحيم 
 
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم 
 
من حقوق الإمام المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) على البشرية 
 
يقوا تعالى: 
 
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: ((الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ))([1]) 
 
سيكون محور الحديث باذن الله تعالى بمناسبة مولد الامام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، حول بعض أهم حقوق الامام ( عليه السلام ) علينا جميعا، فمن حقوقه الواجبة: 
 
1- معرفته 2- طاعته 3- ان نؤثر هواه على هوانا 4- صلته 5- صلة شيعته 
 
والحديث حول هذه الحقوق وغيرها يستدعي بحثا طويلا، إلا أننا سنقتصر على بعض الكلام في هذه العجالة عن الحقوق الثلاثة الأولى بإيجاز. 
 
1-2 حق معرفة الإمام المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) 
 
ان اول حقوقه ( عليه السلام ) هو حق معرفته والعلم بما أمكن من أحواله وصفاته وخصوصياته، ثم ان ثاني حق له ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) هو حق إطاعته؛ فاننا وان لم يمكننا ان نعرف حق الامام حق معرفته، إلا ان الميسور لا يسقط بالمعسور، فما تيسر من المعرفة وما وضع بمتناولنا من ظواهر أو بطون الآيات القرآنية الكريمة والروايات الشريفة، ينبغي ان نحيط به أو بأكثره أو بجملة معتد بها منه؛ ذلك ان هناك الكثير منها بمتناول أيدي الجميع ولكن مع ذلك نجد الجهل بها يخيم على الكثيرين ممن لا يولون اهتماماً للوصول إلى هذه المعرفة النافعة أكبر النفع في الدنيا والآخرة. 
 
ومن تلك الآيات هذه الآية القرآنية الكريمة ((الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)) 
 
وقد ورد في روايات عديدة تلقاها أعاظم علماءنا من الفقهاء والمفسرين والمتكلمين بالقبول وهي مستفيضة او اكثر من ذلك، تفسير (المتقين) بشيعة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وانهم يؤمنون بالغيب وان الغيب هو الايمان بالإمام المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ). وسنستعرض بعض تلك الروايات بعد ذكر روايتين هامتين نتعرف بهما على عظيم حق الإمام علينا وان أول حق له ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) هو معرفته وثاني حق له هو طاعته. 
 
ذروة الأمر معرفة الإمام ثم إطاعته 
 
فقد صرحت الروايات بان رضا الله تعالى وذروة الأمر ومفتاحه هو في معرفة الإمام أولاً ثم في طاعته ثانياً فقد جاء في الكافي الشريف: ((عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ حَرِيزٍ عَنْ زُرَارَةَ([2]) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ( عليه السلام ) قَالَ ذِرْوَةُ الْأَمْرِ([3]) وَسَنَامُهُ([4]) وَمِفْتَاحُهُ([5]) وَبَابُ الْأَشْيَاءِ وَرِضَا الرَّحْمَنِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الطَّاعَةُ لِلْإِمَامِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ))([6]) 
 
فالمعرفة اولا هي التي يُبتدأ بها ثم الطاعة للإمام ( عليه السلام ) فالمعرفة هي المفتاح والباب لكل خير، فهي المفتاح والبوابة نحو الاستقرار والازدهار والعمران والنمو كما انها هي البوابة نحو التقوى والورع والعمل الصالح والاخلاق الفاضلة وغير ذلك. فان الأصل في (اللام)([7]) انها للجنس لا للعهد بأقسامه الثلاثة إضافة إلى ان التعميم هو مقتضى مناسبات الحكم والموضوع. ويؤكده قوله (باب الأشياء) الصريح عرفاً في الأعم. فتدبر 
 
((ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى يَقُولُ ((مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً)) )) 
 
وقد ذكر العلامة المجلسي وجوها خمسة لاستشهاد الامام ( عليه السلام ) بهذه الآية الشريفة، ومن المحبّذ مراجعة ذلك بالتفصيل في بحار الأنوار. 
 
كما جاء في الكافي الشريف أيضاً: ((سليمان بن خالد قال: سالته ( عليه السلام ) عن قوله تعالى: ((ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ))([8]). ([9]) 
 
فقلت: فاي شيء الظالم لنفسه؟ قال ( عليه السلام ): الجالس في بيته لا يعرف حق الامام !!...." 
 
وقوله ( عليه السلام ): (الجالس في بيته) كناية عن الشخص الذي لا يطلب المعرفة، اذ ليس بالضرورة ان يكون الجاهل جالسا في بيته فقد يكون بقالا او عطارا او طبيبا او رجل اعمال او وزير او رئيس دولة وغير ذلك، بل حتى قد يكون شخصا عالما بالفقه والأصول لكنه لا يعرف حق الامام فقد جلس في مدرسته او مكتبه او معمله وقعد عن التعرف على حق الامام ( عليه السلام ). 
 
تفسير ((هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)) بشيعة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) 
 
وعوداً إلى الآية التي صدّرنا بها البحث نقول: 
 
ان هناك العشرات من الآيات التي فُسِّرت او أُولت بالإمام المهدي ومنها هذه الآية الشريفة، والروايات في هذا الحقل روايات متعددة نذكر إحداها فقط: 
 
فقد اورد الشيخ الصدوق في كمال الدين: يقول الراوي سالت الامام الصادق عن قول الله عز وجل: ((الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)) ([10]) 
 
فقال ( عليه السلام ): المتقون شيعة علي ( عليه السلام ) واما الغيب فهو الحجة الغائب، وشاهد ذلك قوله تعالى: ((وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)) ([11]) 
 
إجابات على الاعتراض على هذا التفسير 
 
ان البعض قد يستغرب من هذا التاويل بل التفسير فانه تفسير بالمصداق وهو تفسير وليس تأويلاً، وقد يقول البعض الاخر ان القرآن كتاب هداية للجميع وليس خاصا بشيعة اهل البيت (عليهم السلام) وليس خاصا بالذي يؤمن بالإمام المهدي ( عليه السلام ) فقط بل هو هدى للمتقين جميعا من أي ملة كانوا؟ فكيف يفسر ((هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ))بالشيعة و((الْغَيْبِ)) بالحجة الغائب؟ 
 
الجواب: هذا التوهم والإشكال غير صحيح، وذلك لوجوه نوجزها بالاتي: 
 
1- النقض: لاشك ان القرآن (هدى) للكل وان كونه (هدى) غير خاص بالمتقين؛ لان القران فيه من الحقائق والدقائق والمعارف ما ينفع غير المتقين ايضا، فَلِم خص الله تعالى كونه هدى بالمتقين؟ ثم لِمَ خصه بكونه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة..؟. 
 
2- الحل: لاشك ان القرآن الكريم كتاب هداية وإرشاد, ولا ريب ان فاعلية الفاعل تامة، إلا ان قابلية القابل قد تكون غير تامة، فمثلا قد يكون الاستاذ (وهو الفاعل) جديرا وقديرا الا ان التلميذ (وهو القابل) يكون شارد الذهن أو بليداً، فلا ينتفع بالاستاذ (الفاعل)، وبالتالي فالكتاب الكريم يهدي مع وجود الشرط وهو قابلية القابل، وهذه القابلية متوفرة فيمن جمع تلك الشروط ومنها كونه موالياً لعلي ( عليه السلام ) ومن جهاته انه باب مدينة علم الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فمن آتاه هُدِي ورشد وإلا ضل وضاع. 
 
3- إن الهداية أنواع ومراتب، فبعضها (الأخص) لا يناله إلا الشيعي الأمامي التابع قلبا وقالبا لأمير المؤمنين وأهل بيته (عليهم السلام)، وبعضها (العام) ينالها الموالي وغيره من المسلمين، وبعضها (الأعم) ينالها حتى غير المسلم، كما حصل لكثير من المسيحيين وغيرهم على مر التاريخ. 
 
وكمثال فان علم التأويل والباطن وعلم المعاريض ونظائر ذلك لا يأخذه منهم صلوات الله عليهم إلا الشيعي الموالي في حين ان من لا يؤمن بإمامتهم وريادتهم على المسلمين، لا ياخذ بذلك ولا يلتفت له فيكون قد ضيع بذلك علما كبيرا لايجده عند غيرهم سلام الله عليهم ومعنى ذلك انه لم يؤمن بالغيب كل الغيب اما الشيعي الموالي فقد اخذ حظه من ذلك ونال المرتبة العليا من الهداية فيكون هو المصداق الأجلى للآية الشريفة قطعا. 
 
ومما يدل على ذلك أيضاً تكملة الآية حيث يقول تعالى: ((وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى)) ([12]) 
 
ومعنى ذلك ان الهداية على نوعين: كسبية ومنحية (تمنح) والكسبية يشير إليها تعالى بقوله ((الَّذِينَ اهْتَدَوْا)) والمنحية يشير إليها بقوله ((وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى...)) فمن سار في على طريق الهداية افاض الله عليه تبصرةً وهداية اكثر فأكثر. 
 
ومن هنا نعرف ان الاشكال المذكور اشكال عليل 
 
كما ان اشكال الفخر الرازي والذي تبعه الالوسي أيضا باطل كسابقه، فقد ذكر الرازي: 
 
" ان بعض الشيعة قال المراد بالغيب في الاية الشريفة المهدي المنتظر الذي وعد الله به في القران والخبر. ..واعلم ان تخصيص المطلق من غير دليل باطل. .. وقد اختلف الناس بالمراد به ـ أي الغيب ـ الى اقوال شتى حتى زعمت الشيعة انه الامام المنتظر وقعدوا عن اقامة الحجة على ذلك " 
 
الجواب: اننا لم نقعد عن اقامة الحجة على ذلك لوجود الروايات الشريفة عن اهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهي مستفيضة بل ان أصل وجوده ( عليه السلام ) بظهر الغيب مما دلت عليه المئات من الروايات عند الشيعة([13]) والكثير من الروايات لدى السنة، فقد ثبت بها مصداق الغيب فتشمله الآية وإن لم تصرح الروايات – فرضاً – بوصفه بوصف الغيب أو بذكر ذلك كتفسير مصداقي للآية. 
 
وثانيا ان من مصاديق الإيمان بالغيب الايمان بالمهدي المنتظر كما يقبل بذلك الفخر الرازي نفسه غاية الأمر انه لا يؤمن بالولادة لكنه يؤمن بوجود الإمام ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) ولو مستقبلا، فتفسير الغيب به أي بالإمام المهدي لا مجال للتشكيك به حتى من الرازي باعتباره تفسيراً بالمصداق الاجلى الذي لا يعني النفي للمصاديق الاخرى فكيف يستشكل على تفسيره به تفسيراً غير حاصر؟ خاصة وان القرآن الكريم قد دّل على ذلك حيث يقول: ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)) ([14]) 
 
والحاصل: ان من مصاديق الغيب: القيامة والحساب والجنة والنار والملائكة والإمام المنتظر وغير ذلك، فإذا فسر الامام ( عليه السلام ) الغيب باحد هذه المصاديق فهو تفسير على طريقة الجَرْي والانطباق فان القرآن يجري مجرى الليل والنهار، وبالتالي فهذا التفسير حتى على مباني العامة تفسير بالمصداق ولا اشكال فيه فلا يقال كيف يخصص المطلق بلا دليل!! 
 
نعم غاية الأمر اننا لو قلنا ان أل في (الغيب) للعهد لا للجنس وان المراد به خصوصه صلوات الله عليه لكان له ان يطالبنا بالدليل، وقد أتينا به في الجواب الأول. 
 
ونكتفي بهذا المقدار حول الحق الاول وهو حق معرفة الامام المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) 
 
اما حق طاعة الامام المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) فانه يستدعي كلام مطولا نكله الى المستقبل ان شاء الله تعالى. 
 
3- حقه ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) في ان نؤثر هواه على هوانا 
 
والهوى هو ما يرغب فيه الانسان ويحبه وهو على قسمين: فقد يكون الهوى محمودا وقد يكون مذموما فمن يرغب ويحب ان يصلي أو يصوم أو ان يدافع عن دين الله تعالى أو ان يرضي والديه أو يصل أرحامه فان هواه هوى محمود في حين ان من يهوى الشهوات المحرمة فهو مذموم ممقوت. 
 
وحيث ان الامام ( عليه السلام ) هو معدن العصمة والطهارة فانه لا يهوى إلا الصالح والخير الذي لا تشوبة شائبة من شر او رجس بل انه لا يهوى إلا الأفضل الأصلح الأنفع، فمن الضروري إذن ان نؤثر دائماً هواه على هوانا وان بدا لنا أمراً حسناً بل رائعاً! 
 
العلة في إكثار الإمام الصادق ( عليه السلام ) من ذكر سلمان 
 
وقد ورد ان الامام الصادق كان يكثر من ذكر سلمان المحمدي وهو شرف عظيم جداً: ان يكون حجة الله على الخلائق كافة هو من يكثر من ذكر شخص، فاي مقام عظيم هذا؟!! 
 
فقد أورد الشيخ الطوسي في آماليه بإسناده عن منصور برزج قال: قلت لابي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) ما أكثر ما اسمع منك يا سيدي ذكر سلمان الفارسي فقال ( عليه السلام ): لا تقل سلمان الفارسي ولكن قل سلمان المحمدي، أتدري ما كثرة ذكري له؟ قلت لا قال ( عليه السلام ): لثلاث خصال احدها إيثاره هوى أمير المؤمنين على هوى نفسه. 
 
فالمقياس إذاً هو امير المؤمنين ( عليه السلام ) إذ علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار كما في النبوي الشريف. 
 
فعلينا ان نتجسد ذلك في حياتنا وأن نترجمه في واقعنا بشكل مستمر، وعلى سبيل المثال فان النزهة تبعث على الانشراح وبها راحة للنفس لكن الكتابة متعبة لها، لكن عليك ان تؤثر هوى امير المؤمنين ( عليه السلام ) على هوى نفسك فتكتب باستمرار – رغم الصعوبات – عن القرآن والعترة بما تعلم انه يرضي أمير المؤمنين ورسول الله والأئمة الميامين عليهم صلوات الله أجمعين، وهكذا الأمر في كل الاعمال الصالحة او الطالحة. 
 
ان بعض الناس قد يؤثر هوى زوجته او والديه او اولاده او العالم الفلاني او الجهة الفلانية على هوى نفسه الامر وهو مما لا مانع منه إذا كان في حدود الشرع المقدس بل قد يكون حسناً جداً اذا كان عن احترام وتقدير للجهة التي تستحق ذلك كما في الوالدين مثلا حيث امر الشارع باحترامهما وتقديرهما، لكن اسمى المراتب من ايثار الهوى هو ان يؤثر الإنسان هوى امير المؤمنين على هوى نفسه وبذلك يمكنه ان يسمو الى مراتب الصالحين والمتقين من خلّص شيعة امير المؤمنين ( عليه السلام ). 
 
ان علينا ان نلاحظ ذلك في كل موقف نتخذه بل في كل كلمة نريد ان نتكلم بها، فكلما اردنا ان نقدم على عمل او قول ما، نتوقف قليلاً لنفكّر هل ان هوى الامام الحجة ( عليه السلام ) مع ذلك ام ان هواه بخلافه؟ 
 
ان على الانسان ان لا يشتري سخط الخالق برضا المخلوق، ومعرفة ذلك لا تكون إلا من خلال معرفة رضا الامام ( عليه السلام ) به من عدمه، ولاشك ان رضا الامام ( عليه السلام ) وهواه في العمل بشرع الله واحكامه الشرعية والفقهية والاخلاقية وتطبيقها في مختلف جوانب الحياة ومراحلها. 
 
قال تعالى: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ))([15]) 
 
مبادرة احد المراجع الكبار بتوزيع الكتب في الطرقات! 
 
وإليكم هذه القصة الرائعة عن أحد مراجع التقليد الكبار (رحمة الله عليه) حيث يقول احد المؤمنين الثقاة كنت في احدى البلاد وكنت اركب السيارة فوصلت الى مفترق الطرق وقد كانت الإشارة حمراء تومي بالتوقف فتوقفت، واذا بي ارى شخصا ملثما يوزع الكتب على السيارات مجانا في ذلك المكان، فاستغربت من ذلك لان مثل هذه الظاهرة قليلة جداً في بلادنا ثم ما هذه الكتب؟ الا ان الذي اثار استغرابي اكثر انه لما اقترب من سيارتي عرفته من خلال عينيه الكريمتين فإذا به احد مراجع التقليد الكبار فقلت له: سيدنا انت تقوم بهذا العمل؟!! فاشار الي بكتمان السر وقال لا تكشف هذا الامر، ويبدو انه اعتبرها معاملة مع الله تعالى باعتبار انها من أنواع صدقة السر وانه لا مجال لاحتمال الرياء فيها مع هذا التكتم وانها نوع جهاد للنفس إذ يصعب على الإنسان جداً القيام بمثل ذلك. 
 
ان هذه القصة قد تكون قصيرة لكنها تختزن بحراً من المعاني السامية من جهادِ نفسٍ وتواضعٍ للعمل الصالح وإخلاصٍ وغيرةٍ على الدين وحميّةٍ وغير ذلك. 
 
والآن: لنتصفح أيام حياتنا الماضية فهل صنعنا مثل ذلك؟ ولماذا لا نذهب بأنفسنا إلى الناس لهدايتهم؟ بل ولماذا لا نذهب الى بيوت الفقراء والايتام ونتحنن عليهم مع انهم لا يضيفون من فقرهم علينا شيئا بل ان بالاهتمام بهم والتواصل معهم والإنفاق عليهم رضا رسول الله وأمير المؤمنين والإمام المهدي صلوات الله عليهم أجمعين وبالتالي رضا الله تعالى الذي هو غاية الغايات؟ إضافة إلى ما لذلك من الآثار الدنيوية والفوائد النفسية والاجتماعية وحتى المادية فان ذلك من بواعث درّ الرزق على الإنسان! 
 
كلمة أخيرة: الدواعش والإرهابيون على خطى التوراة المحرفة! 
 
ان من أبرز ما يرضي إمام زماننا ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) ان نجاهد في سبيل الله تعالى في مواجهة الإرهابيين، كلٌّ حسب موقعه ووظيفته الشرعية من غير توانٍ أو تكاسل أو تخاذل أو تذرع بتبرير، خاصة وقد استفحل خطر الارهاب في العراق والشام وقد عاث الارهابيون في الارض الفساد بل وأكثروا فيها الفساد. 
 
هؤلاء الارهابيون هم الذين يجسدون الانحراف والضلال بكل انواعه وهم يشكلون الامتداد الهمجي للضلالات والانحراف الذي شُحنت به التوراة المحرفة والإنجيل المحرف والمراقب لهم يكتشف انهم يتخذون من الكتب المحرّفة شِرعةً ومنهاجا بدل القران الكريم فكيف يكونون مسلمين على الحقيقة حتى وان رفعوا شعار الإسلام 
 
وقد ورد في التوارات المحرفة([16]): " كل ساكني هذه البلدة اقضوا عليهم بالسيف وخذوا اموالهم جميعا " 
 
وكذلك جاء فيها في موضع اخر([17]): "اهلكهم جميعا ولا ترحم منهم احدا ابدا" 
 
وجاء في انجيل متى([18]) "لا تتصوروا انني جئت وبعثت كي اقر السلام في العالم لم أجئ كي احقق السلام لكم بل بالسيف " 
 
في حين ان القران الكريم يقول: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)) 
 
ولكن كيف يجب ان نتعامل مع الإرهابيين بما نحرز به رضا الله تعالى ثم رضا إمام زماننا صلوات الله عليهم؟ 
 
الجواب: لا بد من مزيج من الجهاد بالكلمة والإعلام والتثقيف المضاد والفكر التوعوي ومن الجهاد بالسيف أيضاً بعد إذن مراجع التقليد العظام وقد قال امير المؤمنين ( عليه السلام ): ((فَإِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَتَحَهُ اللَّهُ لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ وَسَوَّغَهُمْ كَرَامَةً مِنْهُ لَهُمْ وَنِعْمَةٌ ذَخَرَهَا وَالْجِهَادُ هُوَ لِبَاسُ التَّقْوَى وَدِرْعُ اللَّهِ الْحَصِينَةُ وَجُنَّتُهُ الْوَثِيقَةُ فَمَنْ تَرَكَهُ رَغْبَةً عَنْهُ أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ الذُّلِّ وَشَمِلَهُ الْبَلَاءُ وَفَارَقَ الرِّضَا وَدُيِّثَ بِالصَّغَارِ وَالْقَمَاءَةِ وَضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالْأَسْدَادِ وَأُدِيلَ الْحَقُّ مِنْهُ بِتَضْيِيعِ الْجِهَادِ...)) ([19]) 
 
ويقول ( عليه السلام ) ايضا: ((جاهدوا تورثوا ابناءكم عزا)) 
 
وبذلك نكون قد أدّينا حقاً من حقوق الامام علينا وهو ان نؤثر هواه في الذب عن حياض الدين على هوانا، وفي ذلك سعادة الدنيا والاخرة 
 
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين 
 
 
([1]) البقرة 1ـ 3 
 
([2]) والسند صحيح لدينا 
 
([3]) لعل المراد بالأمر امر الدين والدنيا معا 
 
([4]) وهو من الجمل اعلى قمة في بدنه 
 
([5]) فإذا اردت ان تتعرف على مفتاح السعادة وكل خير فاعرف ذروة الامر ومفتاحه 
 
([6]) الكافي الشريف ج1 ص185. 
 
([7]) في (الأمر) 
 
([8]) فاطر 32 
 
([9]) الكافي الشريف ج1 ص214. 
 
([10]) كمال الدين ج1 ص17 وج2 ص340. 
 
([11]) يونس 20 
 
([12]) سورة مريم آية 76. 
 
([13]) راجع كتاب (المرابطة في زمن الغيبة الكبرى) للسيد المحاضر. 
 
([14]) النور 55. 
 
([15]) ال عمران 31 
 
([16]) سفر التثنية الباب 13 جملة 15 
 
([17]) المصدر السابق الباب 7 جملة 3 
 
([18]) انجيل متى الباب 10 جملة 7 
 
([19]) الكافي الشريف ج5 ص4.

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=928
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء 12 شعبان 1435هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28