• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : قاعدة الالزام(1432-1433هـ) .
              • الموضوع : 49- هل انسد باب (اهل اللغة) في تحديد المشترك اللفظي من المعنوي و غيرها ؟ بشكل عام و في خصوص لفظة (الدين) .

49- هل انسد باب (اهل اللغة) في تحديد المشترك اللفظي من المعنوي و غيرها ؟ بشكل عام و في خصوص لفظة (الدين)

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ولا حولة ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
 
لا زال البحث حول رواية ( من كان يدين بدين قوم لزمته احكامهم ), وتحدثنا في فقه الحديث عن كلمة (دين ) ومعانيها المتعددة التي وصلت الى (12) معنى وتساءلنا عن هل هذه المعاني هي بنحو الاشتراك المعنوي؟ او بنحو الاشتراك اللفظي؟ او بنحو الحقيقة والمجاز ؟هذا من جهة البحث اللغوي ,ثم تطرقنا بعد ذلك الى ان هذه الكلمة أي ( دين ) هل لها حقيقة شرعية برتبتيها أي في زمن النبي (صلى الله عليه واله) والصادقين (عليه السلام) أم لها حقيقة ما قبل شارعية أم لا شئ من ذلك .
 
وبحثنا الان يدور حول هل هناك أمارة وحجة تحدد ان هذه اللفظة وهي ( دين ) أو غيرها والمستعملة في عدة معان , استعمالها فيها لكونها افراد الكلي الموضوع له اللفظ و مصاديق الجامع الموجود بينها , فتكون مشتركا معنويا ؟ أم انها قد استعملت فيها  لان كل واحد منها هو موضوع له بالاستقلال لتكون مشتركا لفظيا ؟ أم انها استعملت في احدها بنحو الحقيقة والباقي بنحو المجاز للعلاقات المصححة في ذلك التجوز والتي اوصلها البعض الى (33) نوعا و وان كان الظاهر ان هذا الحصر ليس بتام والعلاقات هي اكثر من ذلك .
 
وعلى كل حال لنرجع الى سؤالنا الاول ونجيب : 1) قد يقال ان من الامارات هو تنصيص أهل اللغة على معنى معين وهم على قسمين:
 
 أ) اهل اللغة الذين فطروا على اللغة العربية ولم يخالطوا الاجانب في لغتهم فبقيت لغتهم صافية نقية عن الشوائب اي بقوا على فطرة لغتهم , وكلامهم حجة ,ومثاله اعراب البادية الذين لم يختلطوا مع غيرهم بالاسفار والتجارات وغيرها .
 
ب) أهل اللغة واللغويين من امثال الخليل بن احمد الفراهيدي المتوفى 170 هـ ومن اشبه .
 
وهنا في موطن بحثنا وهو كلمة ( الدين ) بالنسبة لمعانيها المتعددة السابقة ,هل توجد امارة تامة في المقام ؟
 
والجواب : الظاهر ان الباب منسد من حيث هذه الامارة في خصوص كلمة ( دين )(1) أما  القسم الاول من اهل اللغة فالظاهر انهم الان اما لا وجود لهم او لا احراز لنا بانهم على هذه الصفة او انهم ليسوا بمتناول ايدينا  واما القسم الثاني من اهل اللغة وهم علماء اللغة عبر كتبهم اللغوية المتوفرة بين ايدينا , فهنا يطرح تساؤل وهو هل هذه الكتب تصلح كمرجعية لتعيين المعنى المراد ؟ والجواب : لا وذلك لاحد الوجوه التالية :
 
اما الوجه الاول وهو الذي ذهب اليه بعض اعلامنا – وان كنا لا نرتضيه – ان اللغوي ليس اهل خبرة الوضع بل هو اهل خبرة الاستعمال فقط (والاستعمال اعم من الوضع) ولذلك حتى لو قال ان الدين موضوع على نحو الحقيقة لمعنى ما او موضوع لمعاني عديدة على نحو المشترك اللفظي او موضوع للجامع فهو مشترك معنوي فان قوله ليس بحجة وبالتالي فباب الرجوع اليه منسد  على هذا المبنى
 
واما على المبنى الاخر وهو ان اللغوي وان كان من اهل خبرة الوضع – كما نقول به – ولكن المشكلة تبقى في المقام لان اللغويين عادة لم يتصدوا لجانب التمييز بين المشترك المعنوي واللفظي والحقيقة والمجاز, وفي خصوص كلمة الدين فقد تتبعنا فلم نجدهم حددوا ذلك , نعم لو تصدى( اي اللغوي ) لاخذ منه وكان قوله حجة .
 
اللهم إلا ان يقال : بما قاله احد الاعلام عن احد كتب اللغة وهو كتاب معجم مقاييس اللغة لمصنفه احمد بن فارس, حيث ادعى مرجعية ذلك الكتاب من هذه الجهة اي جهة التمييز ( ونحن لا نقبل هذا الكلام ), وهذا الكتاب هو كتاب مهم ينبغي لكل فقيه ولكل من يتعامل مع ظواهر الايات والروايات ان يتفاعل معه فقد بذل مصنفه الجهد الجهيد والتتبع الواسع لكشف جوهر وروح المعنى السيال في مختلف المفردات ذات المعاني المختلفة وفي مقامنا تتبع كلمة ( دين ) ووجد انها مستعملة في معاني عديدة ثم ذكر تلك الروح السارية في هذه المعاني كلها وهي ( الذل والانقياد ) ونحن بدورنا قد قبلنا وجود معنى الانقياد والخضوع في كافة تلك الكلمات واما الذل ففيه تأمل.
 
والحاصل ان ابن الفارس وفي مختلف الكلمات نجده يبحث عن اصولها وتعبيره (ان للغة العرب مقاييس صحيحة واصولا تتفرع منها الفروع ) وهو يبحث عن هذه الاصول وهذه الروح .
 
فهل كلام ابن فارس وكتابه المذكور يصلح كمرجعية لتحديد الموضوع له بالنسبة للالفاظ ككلمة الدين وغيرها فيكون المعنى في كلمتنا هو جامع الانقياد والذل وعندها ستكون الكلمة على نحو المشترك المعنوي ويكون معنى حديثنا ( من كان يخضع او ينقاد لسلطة قوم لزمته احكامهم ) سواء كان منقادا لسلطان او شريعةً او غيرها وقد اشرنا سابقا الى الثمرة الفقهية في ذلك وسيأتي تفصيله باذن الله, وجوابنا في المقام اننا حتى لو قبلنا بكون الشخص المذكور من اهل الخبرة في الوضع فان كلامه لا ينفع في التمييز المذكور.. لماذا ؟
 
لاننا بتتبعنا لكلامه حصل لنا اطمئنان بمراده و ان كلامه لا يدور حول التحديد والتمييز بين المعاني السالفة , بل هو بصدد البحث عن جامع مشترك بين هذه المعاني بغض النظر عن كون ذلك الجامع هو الموضوع له ام هو الداعي للوضع فقط ؟ ام غير ذلك ؟ اننا نجده ساكتا من هذه الجهة والظاهر عدم كون مراده هو التمييز والتحديد  وانما هدفه في كتابه هو اخراج اللغة العربية من الفوضوية – بغض النظر عن من هو الواضع والاراء في حقيقة الوضع وما هو الموضوع له – ونتيجة بحثه هو انه لا فوضوية في الوضع في اللغة العربية بل كان الواضع او الواضعون يتبنون معنى معين يعتبر هو الاصل والذي تتفرع عليه الغصون اي المعاني الاخرى ولكن هذا التفرع نجده بأنحاء ثلاثة فلابد من التدقيق والملاحظة , وهي:
 
 اما في المشترك المعنوي ف (الجامع) هو الموضوع له اللفظ .
 
واما في المشترك اللفظي فهناك جامع ايضا ولكنه الداعي للوضع وليس الموضوع له , فالموضوع له هذا المعنى و ذاك المعنى و المعنى الاخر ولكن بداع واحد وسنذكر شاهدا على ذلك , وامافي الحقيقة والمجاز فالجامع كذلك موجود وهوالعلاقة المصححة اي (وجه التعدي ) كما في الاسد والرجل الشجاع والجامع الشجاعة .
 
وبعبارة اخرى : الجامع لدى ابن الفارس قد يكون الموضوع له وقد يكون الداعي للوضع , هذا في مقام الوضع وقد يكون هو المصصح للاستعمال لان وجه التعدي والتجوز هو في مقام الاستعمال .
 
ولنذكر مثالا من كلامه وهو كلمة (عين )وهي  مشترك لفظي كما هو واضح وقد بحث عن الجامع بين معانيها  فقال (العين اصل واحد صحيح ) ومقصوده الروح السيالة التي اخذت بنحو الداعي للوضع  , ويدل على عضو به يبصر وينظر ثم يشتق , منه اي يشتق من ذلك الاصل بقية الالفاظ وتكون هي الموضوع لها ولكن مع ملاحظه معنى عين الاول  فتصير مشتركا لفظيا ففي العين الجارية يقول انها سميت عينا (تشبيها لها بالعين الناظرة لصفائها ومائها) لاحظوا قوله سميت وليس استعملت وقال ( ومن الباب العين السحاب ماجاء من ناحية القبلة وهذا مشبه بمشبه) وهذا التشبيه هو العلاقة المصححة في المقام (لانه شبهت بعين الماء المشبهة بعين الانسان) ونحن صغرويا لانرتضي هذا الكلام لبعده .
 
والحاصل : ان ابن الفارس ليس بصدد تحديد وتمييز الموضوع له اللفظ وانما هو باحث عن وجود جامع لاخراج اللغة عن فوضويتها .
 
فالنتيجة ان هذا الباب بكلا قسميه منسد  هذا مع وجود اشكال اخر حيث انه صرح في مقدمة كتابه انه يعتمد على خمسة كتب او اكثر والظاهر انه بعد البحث والتامل الحدسي يجتهد في استنباط وجود ذلك الجامع وهذا يعني انه لم يعاشر العرب الاصلين لتكون اخباراته عن حس ولذا فان استنباطاته حجة فقط على من يرى حجية قول اهل الخبرة على اهل خبرة اخر ولكن القليل هو من يتبنى هذا الرأي.
 
واما الامارة الثانية : فهي التبادر وهي من العلامات التي تميز الحقيقة عن المجاز وقد سبق ان الى اشرنا انها لاتنفع للتمييز بين المشترك المعنوي واللفظي فهي علامةخاصة وضيقة فلا تجدي في كلمة (الدين) لتحديد كونها مشتركا لفظيا  او معنويا او حقيقة ومجازا.
 
فائدة :قد يقال ان التبادر ينفع لافي خصوص الحقيقة والمجاز فقط بلحاظ ان المعنى المتبادر هو الحقيقة دون المجاز بل في الاشتراك اللفظي ايضا الامر كذلك لكون بعض المعاني متبادرة الى الذهن ومنسبقة له قبل الاخر فالمنسبق من العين مثلا الباصرة ثم الجارية ثم السحاب وهذا الانسباق حاصل لكثير من الطلبة والفضلاء بالاضافة الى من يتحدثون العربية .
 
لكن الصحيح انه لا يمكن ان نقول بان التبادر علامة نافية للاشتراك اللفظي وذلك  لان كل تلك المعاني في المشترك اللفظي متبادرة وان كان السبق بدرجة مختلفة على نحو التشكيك بينما في الحقيقة والمجاز نجد ان المعنى الحقيقي هو المتبادر فقط من نفس اللفظ دون غيره وهذا فرق  واضح بينهما والذي نريد ان نقوله ان  اختلاف درجة السبق الى الذهن لايدل على مجازية المتاخر في الانسباق ما دام جامع التبادر و الانسباق من حاق اللفظ متحقق.  
 
كلمة اخيرة : ان هذا البحث اي تنقيح معنى الالفاظ اللغوية يعد من اهم البحوث المطروحة في عصرنا الراهن والتي لابد من تطويرها وتعميقها .
 
الهوامش ..................................
 
(1)              وفي الكثيرمن الكلمات الاخرى
 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=933
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 4 ربيع الاول 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23