• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : قاعدة الالزام(1432-1433هـ) .
              • الموضوع : 55- تتمة الثمرة على الاشتراك المعنوي وإشكال (القدر المتيقن) في الفرد الاكمل .

55- تتمة الثمرة على الاشتراك المعنوي وإشكال (القدر المتيقن) في الفرد الاكمل

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة على اعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
لازال البحث حول رواية ( من كان يدين بدين قوم لزمته احكامهم ) المروية في كتاب من لا يحضره الفقيه ,و وتوقفنا عند كلمة ( دين ) واحتمالاتها المختلفة ,ثم وصلنا الى الثمرة المتوخاة من بحثنا وذكرنا انا لو قلنا بالاشتراك اللفظي فستكون كلمة ( دين ) مجملة فنقتصر فيها على مجمع العناوين أو على الاخص , ثم ذكرنا بعد ذلك اننا لو قلنا بالاشتراك المعنوي فستكون النتيجة واسعة وتكون التطبيقات الفقهية لقاعدة الالزام كثيرة , والان نكمل الكلام في الكلي الطبيعي حيث قلنا انه يتحقق بوجود واحد من افراده , لكنه لا ينتفي إلا بانتفائها جميعاً , ونضيف الى ذلك انه لا فرق في ذلك بين الإخبار وبين الانشاء، فتكون الصور في المقام اربعة : الاخبار ايجابا ونفيا، وكذا الانشاء ومثال الايجاب ( جاء عالم ) , والنفي ( لم يجئ عالم ) فما هو الفرق بينهما ؟ 
الجواب : ان صحة الخبرالاول تتحقق بمجئ ولو عالم واحد، بينما الثاني صحته متوقفة على انتفاء جميع مصاديقه هذا في الاخبار, واما في الانشاء كما في (أكرم عالما ) ايجابا و(لا تهن عالما ) نفيا فالكلام هو الكلام . 
وفي المقام لفتة دقيقة لم نشر لها من قبل وسنحققها لاحقا ان شاء الله تعالى , وهي إن قول الامام الصادق عليه السلام (من كان يدين بدين قوم لزمته احكامهم) هل هو اخبار ام انشاء؟ وهل الامام مخبر او منشئ لذلك؟ 
والجواب : بدواً يحتمل ان يكون الامام مخبرا عن الاحكام الشرعية التي اتى بها النبي ص ,واما الاحتمال الاخر فهو ان يكون منشئا لتلك الاحكام ؛فان التشريع قد فوض اليه والى سائر المعصومين عليهم سلام الله كما هو الحال في الرسول الاعظم صلى الله عليه واله، وفي الدائرة التي حددها الله تعالى لهم ,وهذا بحث كلامي مفصل في محله وهو ان الامام هل ينشئ ويشرع الاحكام كما هو الحال في النبي الاعظم ص او لا ؟ فاذا اعترض المعترض على هذا المبنى( أي مبنى التفويض ) فعليه ان يلجأ لطريقة اخرى لتصوير انشاء الامام عليه السلام للاحكام (1). 
بل الكلام نفسه يجري في الرسول الاكرم صلى الله عليه واله كما في رواية ( لاضرر ولا ضرار ) فهل النبي في مقام الانشاء ام الاخبار ؟ فمن يتبنى تفويض الامر لهم تشريعا فلا مشكلة لديه ,واما من لم يقل بذلك فعليه ان يقوم بتصوير تخريج اخر لانشائه صلوات الله عليه واله، وانشائهم عليهم سلام الله, ولنترك تحقيق الحال في هذا البحث الى محله . 
ولنطبق الان الكبرى على المقام : فرواية (من كان يدين بدين قوم لزمته احكامهم) هي قضية موجبة والكلي الطبيعي فيها (2) يتحقق بتحقق احد مصاديقه وهو ان هذا الشخص قد دان بشريعة قوم فلزمته احكامهم وذاك الشخص قد دان بقضاء قوم فلزمته احكامهم وذلك الاخر قد دان بعادة قوم فلزمته احكامهم ايضا فتحقق احد هذه يكفي لثبوت (لزمته احكامهم) . 
وبعكس الامر ما لو كان مفاد الرواية هو السلب كما لو كانت ( من لم يدن بدين قوم ) فان انتفاء الكلي الطبيعي لا يكون إلا بانتفاء جميع افراده واصنافه , هذه تتمة ضرورية لايضاح الصورة فيما لو قلنا بالاشتراك المعنوي في كلمتنا ( الدين ) . 
اشكال في المقام : -وهواشكال دقيق وسيال -,فانه لا ريب ان للدين - لو قلنا بالاشتراك المعنوي – فردا اكمل او عنوانا اكمل , فكلمة ( الدين )- بناءاً عىل الاشتراك المعنوي- قد وضعت لمعنى ( الخضوع ),وتحته عناوين وافراد، والعنوان الاكمل هو معنى (الشريعة) , فان كان الامر كذلك , فان معنى الشريعة هو القدر المتيقن في المقام,و لما كان من شروط انعقاد الاطلاق ان لا يكون هناك قدر متيقن، فالنتيجة هي ضيق الدائرة حتى مع قولنا بالاشتراك المعنوي، لوجود ذلك القدر المتيقن وهو معنى (الشريعة). فصحيح ان لفظة (دين) صالحة للاطلاق ، ولكننا ابتلينا بوجود قدر متيقن في المقام ثالم لذلك الاطلاق, وعليه فيشك في شمول الكلمة لسائر العناوين والافراد الاخرى وهذا اشكال (3) في المقام , فما هو المخرج ؟ 
وجوابه : بايجاز لو قيل بان وجود هذا القدر المتيقن للفرد الاكمل مخل بالاطلاق للزم عدم امكان التمسك بالمطلقات بقول مطلق , إذ لا يوجد مطلق إلا وله فرد او عنوان اكمل, أي اننا لو قلنا بان وجود هذا القدر المتيقن مخل بالاطلاق للزم الغاء المطلقات بالمرة والتالي باطل بالضرورة فالمقدم مثله. 
لكن التعبير الاصطلاحي الذي ينفع في تحقيق المقام ان القدر المتيقن على قسمين(4): تارة يكون القدر المتيقن بلحاظ الخصوصيات الخارجية أي بلحاظ حال المتعلق، ومقامنا من هذا القبيل، وهذا القدر لا يخل بالاطلاق دون ريب، وانما الذي يخل به على رأي، هو ذلك الذي ينشأ من الخطاب نفسه لا من متعلقه , أي ان القدر المتيقن في مقام التخاطب هو الثالم للاطلاق , حيث يلتزم الاخوند بـ: لو نشأ القدر المتيقن من خصوصية في الخطاب فانه يسقط الاطلاق عن الحجية لا اذا ما نشأ عن خصوصية في المتعلق فالحجية باقية، ومقامنا من قبيل الاول دون الثاني , ففي صغرانا (من كان يدين بدين قوم لزمته احكامهم) نجد ان القدر المتيقن والفرد الاكمل وهو معنى ( الشريعة ) قد نشأ من متعلق الخطاب لا من خصوصية موجودة في نفس الخطاب فمقدمات الحكمة تامة اذن. 
واما تصوير كون القدر المتيقن ناشئا من مقام التخاطب فهو: كما لو سُئل الامام عليه السلام عن الاديان التوحيدية او الاديان الثلاثة والاختلاف الواقع معهم فأجاب عليه السلام بروايتنا المعهودة , او في مثال اخر:لو انه عليه السلام سئل عن الاقوام المعاهَدة او الاقوام التي في ذمة المسلمين فان قرينة المقام (القدر المتيقن) الناشئ من مقام التخاطب هذا، ثالمة لذلك الاطلاق على رأي صاحب الكفاية ،واما القول المنصور الذي عليه جمع من الاصوليين فهو: ان الاطلاق متحقق في مثل هذه الحالة الا فيما لو اجد القدر المتيقن في مقام التخاطب وجهةً للفظ عرفاً . والنتيجة ان الشبهة غير جارية في المقام . 
فائدة مهمة في منهجية درس البحث الخارج 
لعل البعض يتساءل ان كلمة ( دين ) واضحة وبسيطة فما الحاجة الى كل هذا التعقيد ؟ فان الرواية بسيطة وظاهرة وهذا يكفي فلا حاجة لاضاعة الوقت في كل ما ذكرناه من تعقيدات اصولية او لغوية او فلسفية او غيرها , فما الداعي الى كل هذا التعميق ؟ 
وجوابه : نجيب ببيانين اجمالي وتفصيلي؛اما الجواب الاجمالي فنقول فيه: نحن نركز على منهج معين ونراه الاقرب لايصال طالب الحوزة الى دقائق الحقائق وبطونها والى التعرف الاكثر على ابعاد الموضوعات واحكامها وتفاصيلها من خلال هذا المنهج، فمثلاً لو رجعنا الى سورة التوحيد، فسنجدها واضحة و قد نتوهم انها لا تحتاج الى تعميق وتوغل , وان سطحها كاف لمن اراد المعرفة، ولكن الحق ليس كذلك إذ ان هذه السورة تستدعي منا كتابة مجلدات عدة، والامام الحسين عليه السلام ذكر عدة تفسيرات لكلمة الصمد بلغت الاثني عشر معنى (5)، ولعلها تحتاج الى مجلد او اكثر لاستقصاء بعض جوانب كلامه صلوات الله عليه ، وكذلك قول النبي الاعظم صلى الله عليه واله: ( لاضرر ولا ضرار في الاسلام)، حيث كتب عدد من الاعلام مجلدا كاملا لاستيعاب بعض جوانبه المختلفة لمعرفة مراد الرسول صلى الله عليه واله، ولاستنباط شتى الاحكام منها،هذا اجمالا. 
واما تفصيلا فنقول :ان عالم الالفاظ والمفاهيم كعالم الاعيان من حيث بطونه المتعددة وكل منا يتلقى منه بحسب قابليته وفهمه، وذلك من عظمة الله تعالى ان جعل لكل ظاهرٍ باطنا ولذلك الباطن باطن اخر وهكذا , فالقران له سبعون بطنا كما جاء في الروايات عنهم عليهم السلام وكذا كلامهم وهم العدل الاخر للقران , فله بطون وبطون , وقد قال الامام عليه السلام ( انتم اعرف الناس اذا عرفتم معاني كلماتنا ) ان عالم الاعيان فيه عمق وسعة، ولابد من التوغل فيه لدراسته ومعرفته , وكمثال على ذلك نجد ان الذرات في الاجسام تتألف من الالكترونات التي تدور بمدارات منتظمة حول النواة المتوافرة على البروتون وان ادنى انواع الالكترونات تصل سرعته في دورانه حول البروتون الى 26 ألف دورة في الثانية الواحدة وان كل مئة ألف ذرة لو اجتمعت لاستقرت على رأس أبرة , هكذا صنع الله في عالم الاعيان والامر نفسه في عالم الالفاظ، وخاصة ان هذه الالفاظ قد صدرت ممن علمهم الله تعالى الاسماء كلها،فالتدبر في كلماتهم موصل لحقائق تلو الحقائق، وهكذا تعمق وتدبر مطلوب للتكامل في العلوم المختلفة. 
بل نقول: ان خاتمية الاسلام بالنسبة لبقية الاديان، تفرض ان يكون هذا الدين هو المهيمن على كل العلوم والمجالات، وان الائمة عليهم اسلام هم الحفاظ لهذا الدين، والامناء عليه والمبرزون له بكلماتهم واحاديثهم التي كلما وقفنا وتأملنا فيها لوجدنا الجديد والجديد , ولذلك روي ان امير المؤمنين عليه السلام شرح لابن عباس معنى نقطة ( باء) بسم الله الرحمن الرحيم , فاستمر من الليل الى الصباح في ذلك، وكان هذا بقدر القابل لا الفاعل . 
والنتيجة: ان منهج التسطيح ليس من شأنية الفقيه او الاصولي او المتكلم الذي يريد فهم معاني كلمات الائمة الاطهار عليهم السلام، والذي يريد ان يقف سدا منيعا امام هجوم الغرب المعرفي الكاسح والذين ( أي الغربيون ) قد بدأوا التعمق في العلوم حتى انهم ادخلوا منهج الفلسفة كمادة اساسية لمن يدرس السياسة والاقتصاد في كلياتهم وذلك لتوفير الحصانة لعلمائهم ولتعميق افكارهم , وللحديث تفصيل نتركه لمجال اخر ان شاء الله تعالى . 
الهوامش ................................................. 
1) ونحن نقبل مبنى تفويض امر التشريع اليهم بإذن الله تعالى، فان (قلوبهم اوعية مشيئة الله تعالى) كما ان ( ارادة الرب في مقادير اموره تهبط اليكم وتصدر عن بيوتكم) و ( ان الله ادب نبيه ففوض اليه دينه) وغيرها. 
2) والكلي الطبيعي هو ( التدين بدين قوم ) فان الكلي الطبيعي اعم من الجواهر والاعراض ومن الحقائق العينية والامور الاعتبارية. 
3) وهي شبهة واشكال يجري في مختلف المطلقات كما في احل الله البيع وغيره والجواب عنها جواب مفتاحي لمختلف البحوث 
4) على حسب ماذكره صاحب الكفاية حيث فصل بينهما، لكن الحق عدم صحة التفصيل الا في الجملة على تفصيل يترك لمظانه. 
5) اشير الى هذه المعاني مع بعض الشرح له في كتاب: ( بحوث في العقيدة والسلوك) ص 101\112 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=939
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 13 ربيع الاول 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23