• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : قاعدة الالزام(1432-1433هـ) .
              • الموضوع : 62- تحقيق الجواب عن دعوى الاشتراك المعنوي لـ(الحكم) في ( المنع) ، والثمرة - تحقيق الحال على القول بالاشتراك اللفظي لــ (الحكم) في المعاني الثلاثة .

62- تحقيق الجواب عن دعوى الاشتراك المعنوي لـ(الحكم) في ( المنع) ، والثمرة - تحقيق الحال على القول بالاشتراك اللفظي لــ (الحكم) في المعاني الثلاثة

 بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان البحث حول الادلة التي يمكن ان يستدل بها على قاعدة الالزام والكلام لا يزال في روايتنا المعهودة ,ووصلنا في فقه حديثها الى كلمة ( احكامهم ), وبحثنا فيها بعض البحث عن معنى ( الحكم ) وذكرنا ان من معانيه الحكم الشرعي وحكم القاضي وحكم السلطان, أي الحكم الولائي والقضائي والشرعي , فهل هذه اللفظة موضوعة بنحو الاشتراك اللفظي ؟ او هي موضوعة لاحدها بنحو الحقيقة ومجاز في الباقي او لا ؟ ام هي موضوعة للجامع ؟
ومبحثنا الان هو: تحقيق دقيق في تشخيص الحال في هذه الكلمة المحورية ,ونناقش  فيه الاحتمال الاول الذي ذهب اليه ابن الفارس وان للحكم اصلا واحدا موضوعاً له هو المنع ,فهو اذن موضوع للجامع و وقد بينا ان انتخاب هذا المعنى له ثمرة كبيرة في توسيع مدلول قاعدة الالزام حيث انها ستشمل الاحكام الشرعية والولائية والقضائية استنادا الى ان الكلي الطبيعي يتحقق بتحقق احد افراده .
 التحقيق في المقام :
الظاهر ان كلام ابن الفارس ليس بتام في المقام وان المنع ليس هو ذلك الجامع الموضوع له اللفظ اذ نقول :المنع اذا كان فانه من لوازم الوجود للحكم لا من لوازم الماهية له, وبتعبير اخر ان المنع يرتبط بمقولة  الحمل الشايع الصناعي لا بمقوله الحمل الذاتي الاولي .وببيان اكثر تفصيلا :
1) انه ليس كل حكم يتضمن منعا وهذا نقض بديهي فان الاباحة حكم من الاحكام ولكنها لا تتضمن المنع قطعا ونحن نجد ان اطلاق الحكم عليها اطلاق حقيقي لا مجازي, وكذا الامر في  الكراهة فانها حكم تنزيهي ولا منع.
2) ان بعض الاحكام تتضمن نقيض المنع كالوجوب وهو حكم من الاحكام فهو يدل على الحث والحظ والدفع لا المنع وان ارجاعه الى المنع فيه تكلف بعيد جدا , وبناءا على المعنى الجامع الذي ذكره من ابن فارس يكون الوجوب معنى مجازيا وهو بعيد بل ليس بصحيح قطعاً، ولو رجعنا الى وجداننا عند قول المولى:(الصلاة واجبة) او ( اقم الصلاة ) فسنجد ان الامر و الوجوب يدل على الدفع والحث  لا المنع . نعم النهي فيه منع ولكن الوجوب لا منع فيه .
3) بل نستطيع ان نقول انه حتى في التحريم لا يوجد منع1 (اي منع مستفاد من الحكم), فلو قال المولى احكم عليك بحرمة كذا فهل هنا منع مستفاد من الحكم ؟
والجواب: كلا؛ لان المنع مستفاد من المتعـلَـق لا المتعـلِـق , وبعبارة اخرى يستفاد المنع من المدخول لا الداخل ومن خلال هذه الالتفاتة الدقيقة فحتى التحريم قد اوضحنا تجرده من معنى المنع .
ان قلت: ان الحكم هو عين الحرمة مصداقا وبالحمل الشائع الصناعي، فحتى لو لم يكن اتحاد بالمفهوم فهو اتحاد با لمصداق
 قلنا: ان الفرق بين الحكم ( الداخل والمتعلِق) والحرمة ( المدخول والمتعلَق ) كالفرق بين الايجاد والوجود ،وذلك؛ لان الايجاد هو عين الوجود - وهذه نقطة دقيقة منقحة في محلها وقد اشرنا اليها سابقا – لان الايجاد وان كان عين الوجود إلا انه يختلف عنه بالنسبة2, فان وجود زيد هو بنفسه ايجاد لله تعالى اي: ان النسبة له تختلف عن النسبة الى الله تعالى, فلو نسب وجود زيد لله كان ايجاداً منه تعالى له، ولو نسب وجود زيد لماهيته كان وجوداً لزيد، وكما ان الايجاد يختلف عن الوجود بلحاظ النسبة، فكذا الاحكام مختلفة عن مدخولها بالنسبة, والمقام من هذا القبيل ففي الحكم بالحرمة الحكم عين الحرمة لكنه غيرها بالنسبة، اي ان الحرمة هي بالنسبة للمحرِّم المنشيء فهي حكم بالتحريم، ولكن لو نسب للمحرَم ( المتعلَق ) فهو حرمة وبناءا على ذلك لا يقال ان الحرمة هي عين الحكم حتى مع لحاظ اختلاف النسبة .
 والخلاصة :ان الحكم بالحرمة بلحاظ النسبة للحاكم والمنشيء فهو حكم وبلحاظ النسبة للمحرَم المتعلَق هي حرمة . ومن هنا يتضح ان كلام ابن فارس ليس بتام حتى في الحرمة، وبالتالي حتى لو كان هناك منع فهو من لوازم الوجود لا الماهية ولا جامع بين المعاني الثلاث المذكورة و عليه ستكون دائرة قاعدة الالزام مضيقة ( بحسب الادلة لحد الان ) ومعه ينتفي احتمال الاشتراك المعنوي لكلمة حكم في المنع .
واما الاحتمال الثاني فهو الاشتراك اللفظي ؛بان يقال ان الحكم قد وضع لكل من القضاء والاعتبار الشرعي ولحكم الحاكم وقد يقال ان التبادر يدل على هذا الاحتمال , ونحن لو اطلقت علينا كلمة الحكم فسينسبق معنى الحكم الشرعي الى اذهاننا من حاق اللفظ وكذا الامر في حكم الحاكم وحكم القاضي، نعم هذا الانسباق للمعاني الثلاثة من حاق اللفظ هو بنحو التشكيك، ولكنه لا يضر بكونها باجمعها حقيقة وانها المعنى الموضوع له بنحو الاشتراك اللفظي، والذي يضر بالحقيقة هو الانسباق مع القرينة الدال على المجاز ومع هذا القول اي الوضع بنحو الاشتراك اللفظي ومع القول بان استعمال اللفظ في اكثر من معنى ليس بمحال بوجه اجماعي -على ان يكون كل معنى بعض المراد- وهو يكفينا في المقام ,وبوجه غير اجماعي - على ان يكون كل معنى هو تمام المراد ولكن بنحو اللابشرط لا البشرط لا، وهو المرضي عندنا -ومعه فلا مشكلة في الرواية، فان "لزمته" سيشمل الاحكام القضائية والشرعية والولائية،   طبقا للمعنى المستفاد منها ,وعليه لا استحالة في مقام الثبوت من هذه الناحية، ولكن من ناحية اخرى يقع الكلام في مقام الاثبات، وهل اللفظ ظاهر في تلك المعاني المختلفة كلها ؟
فاننا لم نحرز الظهور فهو مجمل وعليه سنقتصر على القدر المتيقن ومجمع العناويين, ومن خلال سيرنا بهذا البحث والنتائج التي ظهرت فيه تبينت فوارق بحثنا هنا عن البحث في كلمة ( الدين ) حيث اننا استظهرنا في كلمة ( دين ) انها حقيقة في الشريعة ومجاز في الباقي بينما هنا حكمنا على كلمة ( حكم ) بكونها حقيقة بنحو الاشتراك اللفظي , هذا اولا , واما الفارق الثاني ففي كلمة ( دين ) لو قلنا انها بنحو الاشتراك اللفظي فهي مجملة ولا ظهور واما هنا فلدينا ظهور مستفاد .. لكن من اين ؟
نجيب انه في خصوص المقام توجد قرينتان تدلان على ارادة المعاني الثلاث السابقة وهما :
1) قرينة استخدام الجمع  في مقابل اللفظ الدال على الكلي الطبيعي فلو ان الامام عليه السلام قال (( لزمه حكمهم )) فالموجود هنا هو الكلي الطبيعي فقط فيصعب ان يراد منه اكثر من معنى، ولكن حيث قال الامام ((لزمته احكامهم )) اي بنحو الجمع فقد يستظهر ان هناك مزيد عناية لاستعمال الجمع، فلعل الامام عدل الى الجمع لافادة الشمول والعموم للمعاني الثلاثة، بل قد يقال: يفهم منه عرفا الشمول للمعاني الثلاث سوية , ولتوضيحه نذكر مثالا: فلو قال المولى لعبده ( بع عينا ) فلو اريد من العين الجارية والذهب والجاسوس فلعله خلاف المتفاهم عرفاً, ولكنه لو قال له ( بع العيون ) فذلك الامر المشكل سيرتفع؛ اذ نجد فرقا كبيرا لهذا الانشاء عن الاول لمكان الجمع ويمكن ان يستند العبد الى عموم كلام المولى باستعماله الجمع فيبيع العيون الثلاثة المختلفة بالماهية من غير ملامة من العقلاء له لاحتجاجه بذلك3 .
2) قرينة الروايات الاخرى : فحتى لو لم نقل بتمامية القرينة الاولى المذكورة فببركة الروايات الاخرى قد يقال: ان ( لزمته احكامهم ) يراد بها المعاني الثلاث من خلال تعضيدها بالروايات الدالة على قاعدة الالزام ,فلو استفدنا من تلك الروايات الاخرى المعنى الاعم فهو قرينة  على ارادة الاعم هنا ايضا وتفصيلة سيأتي ان شاء الله تعالى ,واجماله ان: ( الزموهم من ذلك ما الزموا به انفسهم ) تصدق حقيقة على المعاني الثلاث المذكورة لمقام الموصول " ما " فلو استظهرنا هناك الاعم فكذلك المقام  وللكلام تتمة ان شاء الله تعالى .وصلى الله على محمد واله الطاهرين ...
   الهوامش ..............................................
1)     وهذا ترقي يحتاج الى تأمل
2)     وهذا من مناشئ خلط من ذهب الى اصالة الموجود
3)     ولكنه قد يقال ان المستفاد هو العموم الافرادي لا الانواعي فتامل.

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=946
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 26 ربيع الاول 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23