• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : قاعدة الالزام(1432-1433هـ) .
              • الموضوع : 97- كلام النائيني في ان ادلة الضرر والحرج توجب تقييد متعلقات الاحكام وجواب العراقي مع توضيحه والاستدلال له .

97- كلام النائيني في ان ادلة الضرر والحرج توجب تقييد متعلقات الاحكام وجواب العراقي مع توضيحه والاستدلال له

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 
لا زال البحث حول مفاد قاعدة الالزام وهل هو الرخصة او العزيمة ؟ وبدأنا بذكر الادلة التي يمكن ان يستدل بها على كونها واردة مورد الرخصة , وذكرنا عدة ادلة على ذلك ,ووصلنا الى الوجه والدليل الرابع والذي يقال فيه: ان مقتضى الجمع بين ادلة الاحكام الاولية وبين ادلة الاحكام الثانوية هو التخيير ,على فرض ان مفاد قاعدة الالزام هو الحكم الواقعي الثانوي ,ثم شرعنا في البحث المبنائي لاثبات هذا المدعى ,وذكرنا بعض اقوال الفقهاء ومبانيهم في ذلك , ووصلنا الى رأي الميرزا النائيني ( قد) , حيث انه يرى الطولية بين ادلة الاحكام الاولية والثانوية , ومع هذه الطولية والحكومة او الورود فلا يبقى معنى للقول بان مقتضى الجمع بين تلك الاحكام هو التخيير إذ لا مجال للعناوين الاولية مع حكومة العناوين الثانوية عليها . وبينا ان دليل الميرزا على مدعاه هو ان ادلة ( الحرج ) و ( الضرر ) موجبة لتقييد متعلقات الاحكام , فالحكم (الذي هو الوجوب) مثلا لم يتعلق بالصلاة الضررية,وانما تعلق بالصلاة غير الضررية ببركة مفاد قاعدة ( لا ضرر ولا ضرار في الاسلام ) , وهذا يعني ان قاعدة ( لا ضرر ) قد اضافت شرطا جديدا لمتعلقات الاحكام كشرطية الطهارة للصلاة , ولكي لا يتوهم ان هذا الكلام اجنبي ن المقام وانه خاص بقاعدتي لاضرر ولا حرج -حيث ان الميرزا قد طبقه على قاعدة( لا ضرر) و ( قاعدة لا حرج )- فاننا نطبق هذا البحث على قاعدة الالزام ؛لان الكلام هو الكلام نظراً لكون قاعدة الالزام حكما ثانويا . 
وذلك بان يقال :انه بحسب روح كلام الميرزا – مع فرض ان مفاد قاعدة الالزام الحكم الواقعي الثانوي – ستكون النتيجة ان بطلان الطلاق الفاقد للشرائط – كتخلل الرجوع- لم يرتبه الشارع على الطلاق بقول مطلق اي: من اي شخص صدر , بل رتبه على الطلاق الصادر من الامامي – وهذا شرط – فان كان بدعيا فهو باطل , ولكن لو صدر هذا الطلاق من غير الامامي فليس بباطل , ومعنى ذلك ان صحة الطلاق التي علقت على كونه في غير طهر المواقعة – مثلا – هذه الصحة لم تكن مطلقة من حيث المتعلق , وانما متعلقها خاص ومقيد بالإمامي وبالشروط المذكورة في محلها من تخلل الرجعة وغيرها . وبتعبير اخر : ان الطلاق الصادر من الامامي ان كان بدعيا ففيه ملاك الفساد دون غيره . 
ونحن نغير عبارة الميرزا ونقول بما يناسب مقامنا في قاعدة الالزام : " لان ادلة الالزام موجبة لتقييد متعلقات الاحكام الاولية من حيث الصحة والبطلان"مثلاً . 
مناقشة كلام الميرزا :وكلام الميرزا ومبناه مناقش فيه حيث قد يجاب عنه بجوابين : 
الجواب الاول / وهو الجواب الذي ذكره المحقق العراقي 1:كلام المحقق مع التوضيح :ان المحقق العراقي يجيب على دعوى الميرزا ,وهي ان ادلة العسر والحرج توجب تقييد متعلقات الاحكام بنفي ذلك فيقول : كلا ,ان ( لا ضرر ) و( لا حرج ) ليسا قيدا للتكاليف , والظاهر ان قصده من كلامه هو انهما ليسا قيدا لمتعلقات التكاليف – حيث ان كلام الميرزا في القيدية لمتعلق التكاليف – وهذا ظاهر من رده على الميرزا2. 
و خلاصة جواب المحقق العراقي هو : ان النسبة بين ادلة الاحكام الاولية و ادلة قاعدة ( لا ضرر ) هي نسبة التزاحم , فالوضوء الضرري هو واجب من جهة تعلق الامر بالوضوء للصلاة , وحرام من جهة اخرى لأنه ضرري – اي الضرر المعتد به كما هو واضح – ,ومن هنا يظهر انه قد اجتمع في الوضوء الضرري ملاكان , ومعه فينبغي ملاحظة هذين الملاكين في المقام فان كان ملاك الضرر هو الاقوى فيتقدم على الآخر , اي انه يطيح بالأحكام الاولية من خلال حكومته عليها , واما اذا كان ملاك العنوان الاولي اقوى فيتقدم عليها – اي على ( لا ضرر ) – , وان تساوى الملاكان فالمورد مورد التخيير العقلي هذا كلام المحقق العراقي بتصرف طفيف في الالفاظ. 
توضيحه :ولمزيد التوضيح نقول : لنرى اولا ما هو الفرق بين كلام المحقق العراقي وكلام الميرزا النائيني: فانه عند ملاحظة كلام الميرزا , فاننا سنجد ان مآله انه لا ملاك في الوضوء الضرري او الحرجي اطلاقا ,اي: ان ملاك الحكم الاولي منتفٍ ومفقود , واما ملاك الحكم الثانوي فهو الحاكم والموجود, وما ذكرناه من توضيح هو المستظهرمن عبارته ؛حيث انها لا تبتني إلا على ما بيناه واوضحناه ؛ فانه لو تعلق الامر بالمتعلق لا مطلقا وانما على نحو التقييد بكونه غير ضرري، فمعنى ذلك انه قد تعلق بذي القيد وانه ذو الملاك، وفاقد القيد لا ملاك له ,وهذا كفاقد الطهور في الصلاة مثلا فان مثل هكذا صلاة هي فاقدة لملاك القربيّة والمحبوبية لله تعالى لفقدها الشرط؛ ولذا لم يتعلق الامر بها. وكذا الحال في الصلاة الفاقدة للركوع فهي ليست بواجدة للملاك ,فان كل صلاة فاقدة للشرط او الجزء هي فاقدة للملاك, والامر نفسه سارٍ في كل تطبيقات قاعدة ( لا ضرر ) و ( قاعدة لا حرج ) ,حيث انهما مقيدتان لمتعلقات الاحكام , والمقيد منتفٍ بانتفاء قيده وفاقد القيد ليس متعلقا للأمر بالمرة ومن هنا فنحن نستكشف – وبالبرهان الاني – من عدم تعلق الامر به ( اي بمنتفي القيدية ) – وعلى مسلك العدلية من ان الاحكام تابعة لملاكات المصالح والمفاسد في المتعلقات – انه لا مصلحة فيه , وكذلك نستكشف من عدم تعلق النهي به انه لا مفسدة فيه .والمحقق العراقي يجيب على الميرزا وعلى مبناه: بان الوضوء الضرري له ملاكان ,والوجوب والحرمة متزاحمتان لذلك.ومن كل ما ذكرناه قد تبين ان كلا من المحقق والميرزا له مدعى في مقابل الآخر والذي ينبغي علينا هو ان نبحث عن ادلة كلا المدعين . 
الادلة على كلام المحقق العراقي :ويمكن ان يستدل على كلام المحقق ا لعراقي بدليلين عام وخاص : 
اما الدليل العام ,فهو اختلاف نوع الضرر المحرم، ونوع الواجب ذي الضرر في مختلف موارد وجود الضرر في الواجبات، من حيث تقديم ادلة(لاضرر ) تارة او من حيث تقديم ذلك الواجب تارة اخرى, هذا الاختلاف هو الدليل على وجود الملاك في المقام. توضيحه : ان الوضوء الضرري لو كان مستلزما مثلا لقطع اصبع الانسان فالوضوء محرم في هذه الحالة ,وهنا نجد ان هذا الملاك (الضرر البالغ) قد تقدم على ملاك وجوب الوضوء و مصلحته.وفي المقابل وعلى العكس من ذلك, نجد صورة اخرى , فلو ان الانسان الواجب عليه الدفاع عن عرضه او نفسه او وطنه قد زوحم بنفس الضرر المذكور– وهو قطع الاصبع- فانه يقدم ملاك الدفاع ووجوبه على ملاك الضرر , ويتبين من هذا ونظائره انه في موارد العناوين الاولية والتي وجد فيها ضرر, فان الملاكات الاولية موجودة ,ولو تزاحمت مع ملاكات الضرر فان الاقوى ملاكا سوف يقدم في المقام . وهذا هو الدليل العام على كلام المحقق العراقي في مقابل مدعى على الميرزا 3 . وهنا يوجد نقاش على ما ذكرناه من رد على الميرزا ,ولكننا لسنا في مقام استيعاب البحث في هذه المسألة وانما ما نذكره هو بمقدار الاشارة بما ينفعنا لتتميم مطلبنا . 
واما الدليل الخاص: فانه يظهر من خلال تتبع موارد الضرر الواردة في مواطن العناوين الاولية ومثاله كما في المسألة(65) من كتاب الحج في العروة الوثقى ,فيما لو كان الحج حرجيا4 فهل يصح من المكلف ؟ 
ونحن نقول : ان هكذا حج لا شك انه واجد للملاك ,وعلى خلاف رأي الميرزا في ذلك؛وذلك لعدة ادلة : ومنها قوله تعالى : " ليشهدوا منافع لهم", فان الحج وان كان حرجيا لتوقفه مثلاً على استجداء المال واراقة ماء وجه المكلف لأجل حجه ,ولكن حجه لا يخلو من الفوائد والمنافع المشار اليها في هذه الآية والمصرح بها في الروايات 5,فملاك المنفعة موجود وهو في قبال الملاك الضرري , فيكون هذا الحج مصداقاً من مصاديق باب التزاحم بين منافع الحج من جهة والحرج والضرر المسبب عنه من جهة اخرى ,ولو تتبعنا مختلف موارد العناوين الاولية ,فإننا سنجد الادلة ظاهرة في وجود ملاكاتها – لا انها منتفية – إلا ان الضرر قد زاحمها , وفي هكذا مقام فان الاقوى ملاكا يقدم على الاخر , ففي مورد الزكاة مثلا وفائدتها -كما هو واضح - هو القيام بالشؤون المالية لمستحقيها ,هذه المنفعة موجودة حتى لو كانت الزكاة حرجية او ضررية على المكلف6, فإنها واجدة لملاك المنفعة على كل حال حتى في صورة وجود المزاحم الضرري . وببيان ودليل اخر7: ان ما يدل على ما ذكرناه هو : ان مما لا شك فيه عند العدلية ان الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد في متعلقاتها ,وهي ثابتة حتى مع وجود الضرر المزاحم لها8 . 
تطبيق الكبرى على قاعدة الالزام :انه مما لا شك فيه ان الطلاق ثلاثا من غير تخلل رجعة بينها ذو مفسدة ؛ولذا قد حرمه الشارع وضعا 9,ولكن في موارد قاعدة الالزام : " الزموهم بما الزموا به انفسهم " , حيث قد فرضنا ان مفادها هو الحكم الواقعي الثانوي , فانه لاشك في وجود المفسدة قطعا نظراً لان تطليق المخالف لزوجته ثلاثا مما يوجب انهدام العائلة وانحلالها وضياع الاولاد , إلا ان الشارع قد لاحظ في هذا المورد مزاحمة هذه المفسدة بمصلحة قاعدة الالزام ,وهي التسهيل او الامتنان او استقرار النظام او ما اشبه ,ومع وجود هذه المصلحة وتلك المفسدة فان تساويا فان مقتضى القاعدة هو كون القاعدة رخصة لا عزيمة، والتخيير بينهما .وللكلام تتمة وصلى الله على محمد واله الطاهرين ... 
 
 
 
 
الهوامش...............................................................................................................
1) شرح التبصرة / كتاب الطهارة / مبحث التيمم 
2) او ان مقصوده هو الاعم منهما فتامل. 
3) واما على كلام الميرزا فيجب ان تقدم ادلة الضرر مطلقا لانها قد اوجبت تقييدا في متعلقات الاحكام الاولية فلا ملاك اصلا في المقام لها 
4) او ضرريا في الجملة. 
5) كالمنافع الاقتصادية والاجتماعية والعبادية وغيرها 
6) والمقصود غير الضرر الناشئ من نفس تشريع حكم الزكاة، فان لاضرر لا ترفع من الاحكام ما وضع موضع الضرر ( كالجهاد والزكاة ونظائرهما) بل المقصود: الضرر الزائد على اصل التشريع،كما لو الزمه الجائر بدفع الضريبة كلما دفع الزكاة، فان ضررية الزكاة عندئذ تزاحم بملاك مصلحتها، فيقدم الاقوى ملاكاً ( كما لو فرض ان الجائر سيصادر كل امواله لو دفع الزكاة مثلاً) فتامل. 
7) ومع ملاحظة ما سبق، فان هذا يعد دليلاً ثالثاً على ما التزمه المحقق العراقي من التزاحم. 
8) فتامل 
9) اي عتبره باطلاً. 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=981
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 7 جمادي الثاني 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23