• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الفوائد والبحوث .
              • الموضوع : 57- بحث اصولي: انحاء وصور مخالفة النص للعامة .

57- بحث اصولي: انحاء وصور مخالفة النص للعامة

ثم ان قرينة المخالفة او الموافقة للعامة والتي جعلت محوراً من محاور الترجيح في صورة المخالفة او الكف عن الاخذ في صورة الموافقة، لها اربعة صور محتملة:

الصورة الاولى: ان تكون الرواية المنسوبة للمعصوم عليه السلام مخالفة لروايات العامة.
الصورة الثانية:  ان تكون الرواية مخالفة لفتاوى فقهاء العامة.
الصورة الثالثة: ان تكون مخالفة لحكامهم سواء قصدنا القضاة ام السلاطين ام الولاة.
الصورة الرابعة:  ان تكون مخالفة لعوام العامة كما لو كان اعتقادهم او عادتهم وسلوكهم على الاخذ بحكم معين والالتزام به.
 
وهذا البحث هو كثير الفائدة في الاصول والفقه، ويحتاج في كل مورد مورد الى تتبع تاريخي لروايات العامة وفتاوى فقهائ هم واحكامهم في محاكمهم وقانونهم الوضعي وما يحكم به سلاطينهم، وكذا الجو العام لعوام أهل العامة؛ فان الائمة (عليهم السلام) واصحابهم كانوا في تقية من حيث هذه الصور الاربعة ولم تكن التقية خاصة بأحدها، ولذا فان هذا البحث ينفعنا في تنقيح صغريات التقية، وكذا ينفع في تشخيص المرجح الجهوي  كما سيتضح.
 
دلالة الروايات على الأنواع الأربعة مخالفة العامة
اما الصورة الاولى:فهي مرجحة بلا شك، وعليها تدل صحيحة الراوندي بسنده عن الامام الصادق (عليه السلام): "فان لم تجدوه في كتاب الله فاعرضوها على اخبار العامة، فما وافق اخبارهم فذروه وما خالف اخبارهم فخذوه ".
 
اما الصورة الثانية، وهي الترجيح فيما اذا خالف النص فتاوى العامة وآرائهم فقد تطرق لها السيد الصدر قدس سره, ولكن لم يجد رواية لإثباتها، إلا انه جمع من الاعلام استندوا الى طريقة آخر لاثباتها، وهو دعوى وجود ملاك الاخبار في الفتاوى ايضاً، فان صحيحة الراوندي الواردة في اخبارهم يستظهر منها الطريقية دون التعبدية، وذلك للكاشفية النوعية، فان ما وافق اخبار العامة كاشف نوعا عن خلل راجع الى جهة النص وما خالف اخبارهم كاشف عن صحته نوعا كذلك، وحيث ان ملاك الرواية موجود في اراء العامة لذا جرى التعميم.
أقول: اننا في غنى عن الاستناد الى ما ذهبوا اليه من الطريقية والتعميم بالملاك؛ وذلك لوجود روايات عديدة يمكن ان يستدل بها على ذلك ومنها: رواية على بن اسباط في عيون الاخبار عن الامام الرضا(عليه السلام): " قلت للرضا (عليه السلام):  يحدث الامر لا اجد بدا لمعرفته وليس في البلد الذي انا فيه احد استفتيه من مواليك ؟ فقال (عليه السلام):  ائتِ فقيه البلد فاستفته من امرك فاذا افتاك بشيء فخذ بخلافه فان الحق فيه ".[1] والرواية صريحة في معيارية الموافقة والمخالفة لآراء العامة وفتاواهم،
 ان قلت: ان العامي في فتاواه يستند الى الروايات فهي راجعة اليها فلا اثنينية؟
قلنا: لعله استند الى قياس او استحسان او غير ذلك مما لم يكن مستنده نصاً من نصوصهم، وقد يعرض عن الرواية لسبب او آخر.
 
واما الصورة الثالثة، وهي مخالفة حكام العامة وقضاتهم وسلاطينهم, فتدل عليها مقبولة عمر بن حنظلة فقد قال الامام (عليه السلام):  ما خالف العامة ففيه الرشاد، فقلت: جعلت فداك فان وافقهما الخبران جميعا؟ قال (عليه السلام):  ينظر الى ما هم أميل اليه، حكامهم وقضاتهم، فيترك ويؤخذ بالآخر".
 
وجه التشابه بين المقبولة ورواية التقاص النوعي
تشابه البحثين: ان البحث الذي بيناه سابقا يجري – مع نوع اختلاف - في المقام؛ لورود كلمة حكامهم: (حكامهم وقضاتهم)، في هذه المقبولة، وهي مشتركة في المادة مع (احكام) الواردة في الرواية(هل نأخذ في احكام المخالفين...) المستفاد منها على التقاص النوعي في قاعدة الإلزام، فالمادة هي نفسها إلا ان احدهما جمع لمصدرها والآخر جمع لاسم الفاعل منها[2]
ولو قلنا بان (الحكام) المراد به المعنى العرفي[3] وكذا قضاتهم وسيكون المورد من باب عطف المباين على المباين ؛ لان لكل منهما معنى عرفياً مغاير للآخر،
واما لو قلنا – كما استظهره البعض – من ان (الحكام في حكامهم)لكثرة الاستعمال تنصرف الى القضاة، فيكون المعنى واحد والعطف تفسيري، إلا ان الاظهر هو الوجه الاول[4].
 
أنواع كثرة الاستعمال:
وبمناسبة ورود كلمة (حكامهم) في المقبولة و(احكام) في الرواية السابقة في سؤال السائل (هل نأخذ في احكام المخالفين...) ووجود معاني متعددة للكلمتين، ومحاولة تعيين احداها، باللجوء الى (كثرة الاستعمال) لا بد من الإشارة إلى الضابط الكلي،(هذا) سنذكره في فائدة اخرى بإيجاز وبدون ذكر ما قد يورد على ما سنذكره في الحالة الثالثة.
الصورة الرابعة: وأما الصورة الرابعة وهي ان تكون المخالفة مخالفة لعامة العامة أي: عوامهم، فانها تدل عليها روايات ايضا مثل:
ما رواه الشيخ الصدوق في العيون والعلل قال ابو عبد الله (عليه السلام):  أتدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامة؟[5]، فقلت: لا ادري، فقال (عليه السلام): ان عليا(عليه السلام) لم يكن يدين الله بدين إلا خالفت عليه الامة الى غيره ارادةً لإبطال امره، وكانوا يسألون امير المؤمنين (عليه السلام) عن الشيء الذي لا يعلمونه, فاذا افتاهم جعلوا لهم ضدا من عندهم ليلبسوا على الناس"،[6]
وبهذا المضمون او قريب منه روايات اخرى منها، ما جاء في كتاب(صفات الشيعة) عن الامام الرضا (عليه السلام):  "شيعتنا المسلّمون لأمرنا، الآخذون بقولنا, المخالفون لأعدائنا، فمن لم يكن كذلك فليس منا "  ولا بد من التنبيه ههنا على أن هاتين الروايتين تصلحان دليلاً للجواب عن الإشكال السابق في آخر الدرس السابق من أن الترجيح بمخالفة العامة، خاص بباب التعارض.
وفي رواية أخرى: " قلت للعبد الصالح – أي الامام الكاظم (عليه السلام) – يروى عن ابي عبد الله شيء ويروى عنه خلافه فأيهما نأخذ؟
فقال (عليه السلام):  خذ بما خالف القوم وما وافق القوم فاجتنبه "[7]
 ================================
 

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=1813
  • تاريخ إضافة الموضوع : 27 شوال 1436هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28