• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : دروس في التفسير والتدبر ( النجف الاشرف ) .
              • الموضوع : 238- (الامة الواحدة) على مستوى النشأة والذات والغاية والملة والقيادة .

238- (الامة الواحدة) على مستوى النشأة والذات والغاية والملة والقيادة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم.
(وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا )
(8)
إحياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)
بالتسبيحات وبإحياء منهجه وطريقته: (المحبوبية في الخلائق)
 
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)([1])
وقال جل اسمه: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)([2])
 
من البصائر في الآية الكريمة:
 
في هاتين الآيتين الشريفتين توجد مواطن كثيرة للتدبر والاستنارة، والقران كله بصائر هداية ونور ومعرفة وسوف نتوقف في المستقبل (في البحث القادم) على ضفاف احدى تلك البصائر في مفردة ( بأمرنا) أما الآن فإن الحديث سيدور الان حول إحياء امر الامام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه على ضوء الجعل الإلهي له(عجل الله تعالى فرجه الشريف) ولسائر الأئمة والأنبياء (عليهم السلام) ولياً وإماماً وهادياً بأمر الله.
 
الجعل الالهي للأمة الهداة:
 
 الآية المباركة الاولى صريحة في ان الله تعالى هو الذي جعل الائمة (عليهم السلام) ونصبهم أئمة لا غيره، أي أنه الذي جعلهم علينا أئمة أولاً وهداة ثانياً، فهم يهدون بأمر الله وبوحي منه إذ ورثوا من رسوله المصطفى (صلى الله عليه وآله) العلم وراثةً وعبر عمود النور ونظائره ، فالآية الكريمة تتحدث عن امرين عظيمين جعلهما الله للأنبياء والأوصياء وهما:1- نصبهم أئمة 2- وجعلهم هداة أدلاء الى الله وإلى طرق السعادة الخالدة ؛ إذ قد يكون شخص من الهادين إلى أمرالله إلا أنه لا يكون مجعولاً ومنصوباً من قبله تعالى:
واما الرسل والانبياء فقد جمعت فيهم الخصلتان والميزتان وكذا المعصوم فانه بالإضافة الى نصبه من قبل الله تعالى اماما فإنه يهدي بأمر الله واذنه فلا يقدم على حركة او خطوة إلا بمشيئته فهم كالملائكة الذين قال تعالى عنهم: (بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ([3]))
وعليه: فحيث جعله الله تعالى اماما وهاديا وسراجا منيرا فلابد من اتباعه والإسترشاد به وبالإستعانة بوجوده المبارك والتفاعل مع طيف نوره ومعرفته وذلك من خلال عدة طرق واساليب سيجري البحث عن بعضها في هذه السلسلة من المباحث،ومنها إحياء امره صلوات الله عليه.
 
سبل ووسائل إحياء أمر الإمام المنتظر(عجل الله تعالى فرجه الشريف)  :
 
هنالك  طرق عديدة واساليب وسبل ووسائل لأحياء أمر صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ومن تلك الطرق إحياء الادعية الواردة عنه (عليه السلام) وكذا الاحراز والقنوتات والحُجُب التي كان يحتجب بها وايضا تلك التسبيحات الملكوتية الصادرة من فمه الطاهر وبتوقيعه الشريف ارواحنا لتراب مقدمه الفداء.
 ونعني بإحيائها: حفظها وقرائتها دوماً، والترويج لها على ألسن الخطباء وفي مختلف وسائل الإعلام من قنوات فضائية وإذاعات وجرائد ومجلات وعبر شبكات التواصل الإجتماعي بمختلف أنواعها حتى تتحول إلى واقع يلوّن حياة الأمة كلها وإلى أدعية وتسبيحات وحجب تتلى آناء الليل وأطراف النهار بأذن الله تعالى .
 
إحياء تسبيح الإمام المنتظر(عجل الله تعالى فرجه الشريف)
 
ومن تلك الطرق هي التسبيحات الواردة عن الامام المنتظر(عجل الله تعالى فرجه الشريف) ومنها تسبيح عظيم لابد من حفظه وتلاوته ليل نهار، والتسبيح هو:
(سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله مداد كلماته  سبحان الله زنة عرشه، والحمد لله مثل ذلك)
ان هذه الكلمات والتسبيحات في ظاهرها  مختصرة محدودة الا انها في عالم المعنى والحقيقة تتضمن أهم الحقائق والأمور على الإطلاق وهو جوهر العبودية لله سبحانه وتعالى فان التسبيح وكذا التحميد هما النقطة الأهم في الجوهر الراقي للعبودية الحقة.
إن التسبيح هو التنزيه والتنزيه هو إجلال الله تعالى عن النواقص والعيوب أو فقل أنه طرد النواقص عن ساحة القدس الربوبي, وهذا المعنى هو معنى جوهري سامٍ جداً ويجب على كافة أطياف البشر وآحادهم من رجل دين أو طبيب او محام او مهندس او تاجر او مزارع او عامل أو غير ذلك، ان يذعنوا بذلك بل وأن يستحضروا دوماً تسبيحه وتحميده  وأن يلهجوا أبداً بذلك فان جوهرة الإنسانية الرفيعة والعبودية الرائقة هي في الإذعان حقاً بـ(سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله اكبر)
 
من آثار التسبيح وعلائمه:
 
ان كثيرا من الناس لو ابتلي بمصيبة ما فانه قد تجتاحه موجة من التململ (ودع عنك الاكثر) من قضاء الله وقدره وهذا يدل على انه لم يفقه من معنى التسبيح شيئا..بل ويدل على انه ليس منِّزها لله تعالى حق تنزيهه إذ الباري جل وعلا لا يظلم عباده مقدار فتيل او نقير فان الله وجوده الخير وكل الخير منه يبدأ واليه يعود,
ومعه فان الانسان اذا آمن بذلك الرب الكريم الجواد الرؤوف الرحيم في عمق ذاته فان نفسه ستكون راضية بقضاء الله وقدره مهما كان واما لو نفر وزجر واعترض وأنكر فان ذلك دالّ على انه لم يصل الى مقام التسبيح الفعلي والنابع من المعرفة التوحيدية الحقة.
 ولذا نجد أن البعض لو أصيب بضربة على وجهه ففقد عينيه مثلاً بل لو فقد على إثر ضربة على أمّ رأسه كل ما يمتلكه من معلومات ومعرفة فأن ذلك يُحز في نفسه حزازه عظيمة وقد يخطر بباله سخط على ما قدر له خاصة إذا لم يكن بتقصير منه ولكن المسّبح الحقيقي المستغرق في لجج بحار توحيده وتنزيهه لا يجد غضاضة او حرجا من ذلك التقدير، بل إنه يكون في مقام (ويسلموا تسليما)
وفي مثال آخر نجد الانسان أحياناً يفقد بعض ماء وجهه في المجتمع لأجل امر بالمعروف او نهي عن المنكر او لوظيفة عبادية اخرى وحينها قد يعتب على الله قليلاً أو قد يعتب على اهل البيت (عليهم السلام) وأنهم – مثلاً- لِمَ خذلوه – بزعمه -؟، وهذا كاشف عن ان تسبيح الشخص لازال في فضاء الفم و أفق اللفظ ولم ينتقل الى عالم قلبه وشراشر وجوده.
وبذلك يظهر أن المسبّح الحقيقي والحامد الحقيقي ليس هو فقط ذلك الصابر في المصيبة او البلاء والرزية بل هو الراضي بقضاء الله وقدره.
 فمقارعة الطاغوت والظالم، والابتلاء تبعاً لذلك بالسجن والتعذيب ومصادرة الاموال والمؤسسات وذهاب ماء الوجه ولوث السمعة على مستوى العالم ليس بشيء مهم عند هذا المؤمن مادام مسِّبحا لله ومنشغلاً بجماله وجلاله اذ انه يعرف ان الله يرعاه وهو في خدمة مولاه من خلال وظيفته الشرعية التي أداها وقام بها، فكل حركاته وأفعاله بعين الله، وهذا هو الإكسير الأعظم الذي يهون المصائب العظام وهو المرهم الناجع الرافع لكل وضيق وانزعاج وتململ واهتياج.
 
الإلتزام بالوظيفة الشرعية من دون أعذار واعتذار :
 
اذن على الانسان المؤمن حقا والذي قطع مراحل من التسبيح الفعلي فادرك بعض جلال الرب وعرف بعض المعرفة بعض صفاته، ان ينهض بقوة لأداء وظيفته الشرعية من دون أت يختلق الاعذار للتكاسل أو الفرار، وعليه أن لا يفلسف هروبه المقنّع عن أداء وظيفته ، بالحجم الكبير من الضغوط النفسية والاجتماعية.
والغريب: إننا نجد ذلك حتى من بعض المؤمنين فيما لو حاصره التعب والضغط والبلاء فانه قد يخاطب صاحب العزة والكرامة: بانني لست بمستحق لهكذا عقوبة مع امتثالي لأوامرك فلماذا حّلت بساحتي ؟ إن ذلك يكشف عن انه ليس بمسبح حقا.
وعليه: فلابد لكل منا ان يترقى الى عالم التسبيح والتنزيه لفظا ومعنى ويعمل على إيجاد السكينة الباطنه في أعماق ذاته من خلال تنزيه ربه فان من وصل الى مقام التسبيح والتنزيه فإنه سوف يصل إلى مقام التسليم وحينئذٍ لايؤرقه شيء ولا يؤذيه فلو فقد كل شيء في سبيل الله فإنه يبقى ذلك الجبل الأشمّ الشامخ.
إن المصائب الكبرى وعظائم الفدائح من مصيبةِ فقدِ عزيزٍ من أب أو أخ او ولد او غير ذلك أو فقدِ ماءِ وجهٍ او خسارةِ مكانةٍ ومنزلةٍ أو حرمانِ علمٍ او مقام أو عمل،  كل ذلك يعدّ لا شيء في نظر المؤمن إذا أدّى وظيفته وقام بواجبه الشرعي، مادام مهندس([4]) القضاء والتقدير هو الرب العظيم وإن كان ذلك جرى بعلمه وقضائه وقدره.
 
الأثر التربوي للتسبيح
 
والحاصل: أن المؤمن الحق المسبح للرب حاله يختلف ورضاه عنوان وجوده وذلك كله إضافة إلى ان للتسبيح الفعلي اثراً تربوياً عظيماً في حقيقة الانسان اذ ان التسبيح هو تنزيه لله تعالى عن ان يظلم عبده او يورد عليه مصيبة من دون ان يعوضه بما لا يتناهى شدةً ومدةً وعدةً ولذلك فإن المسبح وبهذا المنظار - بل وبما يسبقه مرتبة([5]) - يصقل ذاته ويهذب نفسه ويسمو بروحه إلى أعلا المراتب وقد ورد في بعض الروايات ما مضمونه (شكا عبد الله بن أبي يعفور إلى الصادق (عليه السلام) ما يلقى من الأوجاع - وكان مِسقاما - فقال له: يا عبد الله !..لو يعلم المؤمن ما له من الجزاء في المصائب ، لَتمنّى أنه قُرّض بالمقاريض)([6]).
نعم يجب ان يكون المؤمن الحق اقوى من الجبال التي قد تزول وتتدكدك بفعل الظروف الكونية، ولكنه أي المؤمن لا يهتزولا يتزلزل حتى كأنّ الجبل من عزيمة المؤمن يستمد ومن شموخه يترقى! .
ان بعض الناس ومنهم العديد من رجال الدين، يعيشون في فقر شديد وعوز اليم ولكننا نجده - رغم ذلك - قانعاً راضياً، وقد نقل لي احدهم ان رجلا من رجال الدين المرابطين في الثغر الذي يلي ابليس، ان هذا الرجل (العالم) كان يعيش مع زوجته وأولاده الستة في بيت مكون من غرفة واحدة مع مساحة صغيرة ربما هي بمساحة الغرفة! وتعيش معهم في نفس الغرفة والدته! وقد ابتلي بأنواع عديدة من البلاء بالإضافة الى ضيق المعيشة والبيت ومع ذلك لا يزال مستمراً في طلب العلم صابراً محتسباً !
والحاصل: إن المؤمن قد يبتلى بجار يؤذيه او سلطة تقض مضجعه او مبغض شانئ أو خبيث حاقد، لكن  كل هذه البلاءات لا تفلّ من عزمه وجده واجتهاده في سبيل الله  ولا تُضعِف إيمانه وتوكله بل لا تعني شيئا بالنسبة له إذ كان مسبّحاً حقيقيا لله تعالى.
 
تسبيح صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف).. معارف الهية كبرى
 
ولنعد لتسبيح الامام (عليه السلام) ونتوقف عند بعض أبعاده ودلالاته: فانه يبدأ بـ:
(سبحان الله عدد خلقه ..) وهنا تتميز الدقة العالية إذ التسبيح ينفتح على عدد المخلوقات كماً ونوعاً من انسان او نبات او حيوان او غير ذلك ويتناغم معها أي أنه يتجلى في آحاد مخلوقاته، ومصاديق مبدَعاته فان كل مخلوق كماله بحسبه والله تعالى منزه عن ان يتطرق النقص والعيب الى أيّ خلق من مخلوقاته من حيث انه مخلوق لله تعالى، فكل مخلوق فإن ما يطلبه بلسان حاله من كمالٍ لائق به قد أعطِيَهُ ، وهو كامل في مرتبته الوجودية فالوردة كمالها جمال وعطر وبهاء واما العقرب فكماله وجوده وسمُّه وكلٌّ بحسبه ، وهكذا السبع والاسد والشاة والجمل، والله تعالى مسبَّح في خلقه وبعدد خلقه.
 
الترقي في التسبيح إلى مقام الرضا الالهي :
 
ثم بعد ذلك يترقى الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في تسبيحه فيقول (سبحان الله رضا نفسه) وهذا المقام من التسبيح اسمى واعظم من المقام الاول فإن المقام الأول معلق على خلق الأشياء وعددها دون المقام الثاني الاخر؛ فلو فرضنا ان الله لم يخلق شيئا ولازالت مخلوقاته في كتم العدم فان المقطع الاول من التسبيح سوف يكون موقوفا ومعلقا, ولكن المقطع الثاني يفيد ان الله منزه في حد ذاته عن النقص كما هو منزه عن صدوره منه.
ومثاله: لو ان مهندسا قديرا بنى - فرضاً - عشرة قصور وكانت هذه القصور جميعها قمة في الكمال حينئذٍ فإننا نقول انها خالية عن العيوب أي اننا نزهنا فعل المهندس عن العيب والشين الفعلي. لكن هذا المهندس نفسه لو لم يبن شيئا فرضاً ولكننا من خلال مستواه العلمي والنظري علمنا برفعته وسمو مستواه بحيث لو أنه بنى القصر فانه سوف يبنيه كاملا من جميع الجهات فان هذه المرتبة من التنزيه هي مرتبة سابقة على الفعل والواقع الحادث، ومنه يتضح المطلوب فان في تسبيح الامام ترقياً إلى مستوى رضا الله تعالى نفسه، ورضا نفسه هي قبل تنزيه فعله وهي فوقها بما لا يعقل لممكن أن يدركه.
 
مداد كلمات الله:
 
ثم يقول الامام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) (سبحان الله مداد كلماته..) وفي تصوري فإن الامام (عليه السلام) في كلامه هنا قد بدأ بداية جديدة وليست هذه الفقرة تتمة في الترقي بل الفقرات الأربع كانت درجتين ثم درجتين.
وعلى أي ، فان وجه الاحتمالين هو أن مداد الكلمات في التسبيح لعلّه اعم من (عدد خلقه) لعله يكون مساويا لعدد الخلق؛ اذ ان الكلمات قد تطلق على الكلمات المقدرة ايضا فتكون أعم, قال تعالى: (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا)([7]) فان الكلمة قد يقال ان المراد منها هو الأعم من الموجود والمقدر ومعه فهي اعم من عدد خلقه والا فهي مساوية، ولكن حتى مع احتمال أنها أعم فالظاهر ان التسلسل هو على شكل درجتين درجتين لوضوح أن (رضا نفسه) أسمى من (مداد كلماته) بل ومن (زنة عرشه) على بعض تفسيراته دون بعض فتدبر وتأمل.
 
ترقّي اخر: وتسبيح بزنة عرش الله:
 
ثم يعرج الامام بتسبيحه الملكوتي فيقول (سبحان الله زنه عرشه..) وهناك اقوال بل روايات متعددة في المراد من (العرش) ومنها ان المقصود منه هو (العلم) فيكون المعنى (سبحان الله زنة علمه) ومادام لاحد لعلمه و لا حدود له فلاحد لتنزيه الله وحمده
اذن: هذه هي الوظيفة الاولى التي يجب علينا ان نتحملها وهي ان نحيي الادعية والاحراز والحجابات والقنوتات والتسبيحات الواردة عن امام العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) فان في ذلك الموضوعية العظمى وكذا الطريقية الكبرى.
 
التسبيح المنقذ ليونس(عليه السلام) من ظلمات بطن الحوت:
 
وقد تجلت اهمية التسبيح وعظمته في قصة نبي الله يونس(عليه السلام)؛ اذ من الواضح ان قومه كانوا قد طغوا وابوا ان يسمعوا النصيحة والهداية منه وكانوا مستحقين للعذاب - بتجبّرهم وعُتوّهم على نبيّ ربّهم بل على ربهم -، فغضب عليهم يونس(عليه السلام) وكانت غضبته حقا لانهم كانوا يستحقون العذاب، ولكن كان الاولى بيونس ان يصير إلى مقام أرقى وأعلى وهو مقام (سبقت رحمته غضبه) ومع تركه للأولى دخل في بلاء الظلمات (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ([8])) ثم تداركته الرحمة الالهية في تجربته المؤلمة بعد أن وصل الى مقام عظيم وهو مقام التسبيح الأعلى مما كان لديه قبل ذلك(فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)([9]).
 
التسبيح الوقائي قبل التسبيح العلاجي:
 
وهنا نشير الى مسألة مهمة جدا وهي ان الانسان قد ينشغل بالتسبيح بعد حلول المصيبة والداهية في ساحة حياته، وقد يتّصف بصفة التسبيح الدائم حتى قبل البلاء وإذا كان كذلك فإن كل بلاء سيكون هيناً لديه ، بل لعل انواعاً من البلاء لا تحل بساحته حينئذٍ اصلا، نعم إن الله تعالى اذا احب عبدا صب عليه البلاء صبا كيما يرتقي ويتكامل اذ الانسان عادة لا يتكامل الا بالبلاء اذ به تتفعّل قدراته الروحية والمعنوية فينطلق بقوة الى الاعلى، ولكن الانسان المسبِّح هو منطلق الى الاعلى فالأعلى من دون بلاء مكمِّل له فلا حاجة من هذه الجهة([10]) الى ابتلائه بأنواع الإبتلائات. 
اذن: البلاء نعمة من الرب على عبده المؤمن حتى يتطهر ويتكامل فلو شمّرعن ساعد الجد والجهاد فطهّر ونزّه ربه فإنه قد لا يبتلى بهكذا مؤنة وشدة، ومعه فالجميع مدعو للوصول الى مقام التسبيح العظيم الذي به تتحصل نتائج وثمار ومخرجات البلاء العظيم فلا يتوقف سموه من هذا الحيث على بلاء فعلي.
 
التسبيح مورث للاطمئنان ورافع للكآبة:
 
وهنا ثمرة أخرى من ثمار التسبيح وآثاره, فنحن باستقراء علمي مبرهن نجد ان العالم قد غرق في مستنقع اليأس والبؤس والقلق والتوتر والكآبة, وبعض الإحصائيات تشير الى ان عدد المصابين بالكآبة قد قارب المليار انسان, وقبل عشر سنوات كانت الاحصائية تشير إلى وجود (800 مليون) شخص مٍصاب بمرض الكآبة، ولكن ذلك كله في العالم المادي: العالم البعيد عن معاني التسبيح والحمد ، اما عالم الإيمان والمؤمن فهو عالم الاطمئنان والسكينة والرضا بقضاء الله وقدره.
 ولذا فإننا نجد ان المؤمنين الذين التسبيح والتحميد والتوكل والرضا هم الاقل كآبة ويأسا بل هم عديموا ذلك إذا وصلوا للدرجات العليا من التسبيح والإجتهاد إذ انهم بوصال خالقهم ومعنوياتهم العالية يجدون لمسة الجمال في كل حال.
ولكنّ ذلك كله لا يعني بحال من الاحوال ترك الوظيفة والعمل الصالح والجدّ والإجتهاد والدعاء قبل وعند نزول البلاء، فان الرضا بالقضاء إذا نزل شيء والعمل بالوظيفة شيء اخر.
 
الوظيفة الثانية: إحياء منهج الامام صلوات الله عليه
 
واما الوظيفة الثانية التي يجب علينا ان نقوم بها فهي احياء منهجه وطريقته صلوات الله عليه وسلامه، والبحث عن منهج الامام(عليه السلام)  طويل، ولكننا نشير الى جوهره ببعض الاشارات السريعة، ونعتمد في ذلك على كلمة موجزة للإمام الصادق(عليه السلام)  تتضمن روح المنهج والنهج، فقد قال (عليه السلام) كما جاء في كتاب بشارة المصطفى:
 
(المهدي محبوب في الخلائق)
 
والامام الصادق (عليه السلام) يشيرفي هذه الكلمة العظيمة الى ميّزة مفتاحية كبرى تميز بها مهدي هذه الامة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وهو انه محبوب لدى الخلائق ، والمحبوبية لدى كافة الخلائق بقول مطلق فضيلة اختص بها (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ظاهراً.
 ولاشك إن المحبة والمحبوبية لدى الخلق بما يرضي الله تعالى مطلوب لله جل اسمه في عباده بل قال تعالى: (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ)([11]) وعليه: فإن رجل الدين في المنطقة أو المحافظة او رجل  الدولة او شيخ العشيرة بل وكذلك الاطباء او طلاب الجامعة اوالثانوية عليهم ان يسعوا لكي يزدادوا محبوبية لدى عباد الله، والمهم في المقام ان يكون ميزان المحبوبية هو رضا الله تعالى وبحسب الضوابط الشرعية ومن خلال الطريق الصحيح وليس من اي طريق كان, ولذا نجد الامام الصادق (عليه السلام) في تتمة كلامه يقول: "المهدي محبوب في الخلائق يطفئ الله به كل فتنة صماء"([12]).
وقد جاء في زيارة أمين الله: "...اللَّهُمَّ فَاجْعَلْ نَفْسِي مُطْمَئِنَّةً بِقَدَرِكَ رَاضِيَةً بِقَضَائِكَ مُولَعَةً بِذِكْرِكَ وَدُعَائِكَ مُحِبَّةً لِصَفْوَةِ أَوْلِيَائِكَ مَحْبُوبَةً فِي أَرْضِكَ وَسَمَائِك" ([13]), وهذه قيمة عليا لابد من التفكير فيها ملِيّـاً وهي ان يعمل الانسان على ان يوسِّع باستمرار من دائرة محبوبيته وأن تكون ذات بوصلة متجهة الى الله تعالى وليس لأجل الهوى ومحورية الأنا.
 إن مقام الحب والمحبوبية في الارض والسماء بشكل مطلق لهو المقام الاسمى المختص بولي الله الاعظم(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، واما بعض مراتبه  فانه ممكن لاولياء الله على حسب درجاتهم وعلى كل الناس ان يسعوا له بمختلف طبقاتهم وشرائحهم.
 بل ان هذا الهدف - الطريقي لو اصبح سائداً عاماً ولو اضحى هّماً لكل مؤمن وانسان لتحولت الحياة الدنيا الى جنة الارض فان رئيس الدولة اذا اراد ان يصير محبوباً للناس فان طريق ذلك تطوير وتنويع وتحسين الخدمات التي يقدمها للناس وكذا الحال في رئيس البرلمان ونوابه، وهكذا الزوج والزوجة والام والاخت والاخ وشيخ العشيرة ورجال الدين.
 
كن مسبحاً لله وإسعَ لكي تكون محبوباً !
 
ومن ذلك كله نستنتج ان على المؤمن ان يهتم اكبر الاهتمام ببعدين حيويين يملأ بهما جوانب حياته ليخترق كل الموانع التي امامه:
1- ان يكون من جهة مسبّحا لله بتسبيح فعلي حقيقي .
2- وان يسعى لكي يحضى بالمحبوبية لدى عباد الله، والمحبوبية لدى عباد الله هي هدف بحد ذاته له الموضوعية كما له الطريقية ايضاً فان المقصد النهائي يقع في طريق الهدف الاكبر وهو الحصول على محبة الله تعالى له، لكن الانسان اذا اراد ان يحصل على ذلك فليسع لكي يحصل على حب عيال الله وخلقه له فان "الْخَلْقُ عِيَالُ اللَّهِ فَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ مَنْ نَفَعَ عِيَالَ اللَّهِ وَأَدْخَلَ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ سُرُوراً"([14]).
وبكلمة: فان لغة المحبة وسيادتها هي كبريت احمر واكسير اعظم ووسيلة جذب هي الانفع لربط قلوب الناس بخالقها، فالمسيحي والبوذي والهندوسي، وحتى اليهودي لو راى الحب والكرم والتواضع من الشيعي الموالي من خلال منظومة الاخلاق التي يتميز بها على الغير فان ذلك يكون من اكبر دواعي هداية الكثير منهم الى الطريق الحق، وقد ورد في وصف الامام الحسين (عليه السلام): ان الله تعالى قد جعل له (المحبة في قلوب المؤمنين) ومعه فكلما ازداد الانسان محبة بين المؤمنين ازداد عند الله قدرا ومحبوبية
 
محبوبية الامام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) بين العوامل الذاتية وغيرها:
 
وهناك عوامل عديدة كانت وراء ان يكون الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) محبوبا بين الخلائق عند ظهوره المبارك بل وقبل ظهوره ايضاً بوجهٍ؛ فانه:
افضل أولاً: خلائق الله سبحانه وتعالى وهو قمة الكمال وكمال القمة في كل شيء، والانسان كل انسان مجذوب بفطرته لحب الكمال فالعالم محبوب لعلمه والمتقي لتقواه ايضاً والورع لورعه وهكذا.
اذن الكمال وحب الكمال أمر قد فطرت النفوس الانسانية على حبه هذا من جهة.
وثانياً: ومن جهة اخرى فان الروايات تفيد بان الامام (عليه السلام) سيوفر للبشرية البائسة المحرومة الخدمات لا نظير لها على وجه كوكبنا بل كل العالم، في مثال مادي نجد ان الدولة لو وفرت لشعبها خدمات الماء والكهرباء والطرق والجادة المرصفة والتشجير وغير ذلك فان الناس ينجذبون لها طبيعياً.
 
التطوير العلمي
 
1- ان التطور العلمي الكبير الغيبي او الطبيعي - ربما كلاهما معاً والله العالم على انه مقتضى القاعدة - هو من الخدمات والمنح التي يوفرها الامام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) للناس فان الناس يحبون المتطور علميا، ومن المشهور أن الغرب هيمن على الحياة لاسباب عديدة منها التطور العلمي المادي والخدمات التي يقدمها للناس ، واتذكر انه قبل 10 سنوات سمعنا انهم سيصنعون (كتابا) من نوع متميز وهو انه يستطيع الانسان في ظلام الليل ان يطالعه فانه -اي الكتاب- يضيء له بنفسه! وتسطيع ايضا ان تتحكم بالحروف تصغيرا او تكبيرا كما يوفر لك الكتاب بنفسه قابلية التهميش او التغيير! كما ويمكن تحويله الى كتاب ثان وثالث وهكذا، ولكننا كان يصعب علينا نتصور ذلك، والان قد انزلوا الى السوق ما يعرف بجهاز الآيباد المتوافر على هذه الخصوصيات،
وقد تفوق الغرب علينا في هذا الجانب اذ خطى الخطوات الكبيرة والسريعة في عصرنا الحالي, وقد كانت لنا الريادة والسيادة سابقا وتأسيسا في الجانب العلمي فهذا العالم العظيم نصير الدين الطوسي مثلاً لم يوفر الخدمات للناس على المستوى الاخروي فحسب بل انه عمل على خدمتهم في جانب الدنيا ايضاً.
وسبّاقية المسلمين في ميدان المعرفة ليست بأمر بجديد ولا غريب، ولكن المشكلة في تلك الحكومات المستبدة الرجعية التي لا تحترم العلم ولا توفر له وللعالم حواضنه ولذا نجد ان المخترع المسلم يضطر الى الهجرة غرباً
والحديث عن التطور العلمي في زمن الامام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يستدعي مقاماً آخر.
 
عدل الامام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) أفق فوق الخيال :
 
2- ومما يوفره الامام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) للناس كافة (العدل)
وقد جاء في الروايات ان عدله (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يسع البر والفاجر وهو ما لا يوفره العلم الحديث مهما تقدم في تقنياته ولا توفره الحضارة الغربية ابداً, وقد جاء في رواية عن الامام الحسين (عليه السلام) بُعدٌ عظيم اذ يقول :
"مَنْ أَحَبَّنَا لَا يُحِبُّنَا إِلَّا لِلَّهِ جِئْنَا نَحْنُ وَهُوَ كَهَاتَيْنِ وَقَدَّرَ بَيْنَ سَبَّابَتَيْه"([15]) وضم سبابتيه، ذلك ان البعض يحب الامام الحسين(عليه السلام)  من اجل تمشية حوائجه الدنيوية وهذا مستوى منخفض من الحب والمعرفة ولكن المستوى الراقي والمرتفع من الحب هو ان يحب الانسان امامه الحسين(عليه السلام) لأنه ولي الله بقول مطلق.
اذن: يجب علينا ان نتوجه للمستوى الثاني، نعم المستوى الاول مهم لكنه بدرجة لاحقة.
ومن مصاديق عدله (عجل الله تعالى فرجه الشريف) رده للمظالم وقد ورد في رواية اخرى ان الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يرد المظالم كل المظالم الى اصحابها حتى انه لو كانت هناك مظلمة تحت ضرس شخص لانتزعها وارجعها الى صاحبها من خلال تطبيق العدل المطلق
 
إحياء الاراضي في عهدهِ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)
 
3- ومما يوفره الامام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) أحياء الاراضي والعمران بل وأكثر من ذلك ، فقد ورد في رواية اخرى انه في زمنه وببركته "... فَلَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ خَرَابٌ إِلَّا قَدْ عُمِر"([16])  وهذا مما لا يكون الا في عهده صلوات الله عليه، إذ اننا نرى الدول المتطورة التي تمتلك الميزانيات الضخمة والقدرات المالية الكبيرة غير قادرة على ذلك اذ نرى ونجد الخراب في ابعاد متعددة في تلك البلاد.
وبحسب الرواية ايضاً: "... وَتَبْقَى زُرُوعُ الْأَرْضِ قَائِمَةً، كُلَّمَا أُخِذَ مِنْهَا شَيْ‏ءٌ نَبَتَ مِنْ وَقْتِهِ، وَعَادَ كَحَالِه"([17])  اي نبت في موضع ذلك الشيء بنفسه، كما لو اقتطفت وردة من بستان فان بديلها سينبت من جديد وكذا الحال في الثمرات  وغيرها، اي وبكلمة واحدة: ان الارض سوف تتحول الى جنة مزدهرة نضرة متجددة ابداً.
 
تجديد الحياة وإحياء الأموات
 
4- ومما يوفره الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) تجديد حياة كل شئ فقد جاء ايضا في الروايات: "إذا قام القائم استنزل المؤمن الطير من الهواء فيذبحه فيشويه ويأكل لحمه ولا يكسر عظمه، ثم يقول له إحْيَ بإذن الله فيحيا ويطير"([18]) وهل يستطيع العلم بما وصل اليه من تطور ورقي ان يقدم هكذا خدمات وهكذا مستويات من الرقي والكمال والترفيه للبشرية؟؟!
اذن: الامام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) سيكون محبوبا وهو كذلك لان عدله يسع البر والفاجر، وفي وقته يزدهر العلم بما لا نظير له ويرتفع الخراب تماماً من الارض، بل تذكر الروايات ان الثوب يطول ويعرض بحسب حالات الانسان كما ويتلون الانسان كيف يشاء، كل ذلك في عصر المهدي المنتظر عصر الكمال والجمال.
 
المشايعة للمهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) تقتضي التأسي به في العطاء والمحبوبية :
 
ومن هنا فعلى رجالات الحوزة المباركة وعلى جميع المؤمنين والمتدينين ان يعملوا قدر جهدهم على تقديم الخدمات بمختلف اشكالها للناس من مستشفيات ودور ايتام ومبرّات ومدارس اسلامية ومراكز بحث وتطوير وغيرها فان الناس اذا راوا ذلك فسوف يحبون الدين ورجال الدين اكثر فاكثر اذ الانسان مجبول على حب من أحسن إليه.
 
مجالسة الملائكة في عصر الظهور والحكومة بينهم! :
 
5- ومما يوفره الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف): الإنفتاح على عوالم الغيب ، فإن ما ذكرناه من امتيازات وكمالات كانت تتعلق بالبعد العلمي والمادي، يوجد بعد هو الاهم وبه يتميز الانسان ويسمو وذلك البعد هو البعد المعنوي والروحي،
 ومنها: ما اشارت اليه الروايات من ان المؤمن في ذلك العهد يسمو الى درجة انه يجالس الملائكة ! بل ان بعض المؤمنين يطيرون معهم !, بل ورد ايضا ان الملائكة تحتكم الى المؤمنين ! وهذا يقتضي مستوى رفيعاً من المعرفة والعلم والنزاهة وسمو عظيم للروح؛ اذ الملائكة عباد مكرمون معصومون ومع كل ذلك فان المؤمن يصل الى مرتبة عالية يكون هو الحكم بين الملائكة, قد ورد ان الامام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ينصب بعض المؤمنين حكما وحاكما على مئة الف من الملائكة!!
 
يوم تبدل الارض غير الارض والسموات
 
ان التبديل الاول للأرض الى حالة وكيفية اخرى بحيث تكون غير الارض هو في زمن ظهوره المبارك (عجل الله تعالى فرجه الشريف) واما التبديل الاخر فهو في يوم القيامة, فان هذه الارض سيتغير وجهها اذ تسمو في زمن الظهور المقدس وتزول فيها المرارات والعداوات والبؤس والشقاء والظلم والعدوان، ويحل السلام والامان والمحبة و الصفاء ويُخيِّم الهدوء والسكينة على ربوع البسيطة.
 فالواجب علينا السعي للتمهيد لدولة العدل الالهي، فمن اراد ان يكون من اهل ذلك العصر وله الريادة والشرف والقيادة فعليه في هذا الزمان وهو زمان الغيبة ان يكون قويا في ذات الله شديدا في مجاهدة نفسه مطيعا لمولاه مخالفا لهواه فلابد ان يخوض حربا مريرة مع نفسه الاّمارة بالسوء حتى يمهد ارض نفسه بطيّب زرع يناسب مرحلة الظهور المقدس وذلك لان الانقلاب الدفعي بدون مقدمات صعب جدا وقد لا يوفق من لا يعدّ نفسه من الان بالصلاح والاصلاح لكي يكون من انصاره (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، والمهم ان السعي في عصر الغيبة بجد واجتهاد محصل لامتياز زمان الحضور وموجب لرضوان الامام (عليه السلام).
 
من مظاهر عصر الظهور: انتفاء الشرّية بصورة مطلقة من الارض
 
6-ومما يوفره الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) - حسب الرواية التي تتحدث عن خواص عصر الظهور اي بعد الظهور المقدس - أنه لا يبقى في الارض شر ولا سوء ولا فساد ولاسم فالكذب والغيبة والنميمة والنظرة المحرمة للأجنبية والرشوة وغيرها وكلها ترتفع ببركة ذلك العصر، اليست هذه هي الجنة الحقيقية؟
بل ورد ان الشيطان الذي يجري من ابن ادم مجرى الدم من العروق يخترق الهيكل البدني لكل شخص وينزِغ له في كل آن و الذي ينصب للإنسان المسكين المصايد والحبائل ويخدعه ويغره وهو يدير ذلك كله من نفس عالم البدن العجيب!
هذا الشيطان في عصر الظهور يُطرد - ولله الحمد - من هذه المملكة - مملكة البدن - اذ يقول الامام (عليه السلام): (ولا يكون لإبليس هيكل يسكن فيه) ومعه تنتهي شرور الوسوسة الشيطانية البغيضة.
 
البلاد والعباد تنار بضوء ونور آخر:
 
وفي تتمة الرواية يشير الامام الصادق (عليه السلام) الى امر آخر رائع وهو "وَيَكُونُ ضَوْءُ الْبِلَادِ نُورَهُ، وَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى شَمْسٍ وَلَا قَمَرٍ"([19])
والمحتمل في مرجع الضمير في ( يكون) هو امران:
 الاول: ان يكون هو الامام  (عليه السلام) وذلك واضح.
الثاني: يحتمل ان يكون المرجع هو المؤمن، فالمؤمن في زمن الظهور المبارك تكون له من النورانية والشفافية والطاقة المنبعثة من جسده المسيطر عليها بإرادته بحيث يكون هذا النور منوراً للمكان فلا يحتاج الى الاضواء والمؤمن ان شاء خفف منه وان شاء زاد!
 ولكن قد يظهر من بعض القرائن وبعض الروايات الأخرى ان الاحتمال الأول هو المراد، على انه لا مانعة جمع بينهما اذ يمكن الجمع بأنه يكون نور الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) كالشمس ونور المؤمن كالقمر أو النجم الذي يستمد منهما والله العالم.
كما ورد في رواية اخرى عن الامام السجاد (عليه السلام):
 انه في ذلك الزمان المبارك "إِذَا قَامَ الْقَائِمُ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْ كُلِّ مُؤْمِنٍ الْعَاهَةَ وَرَدَّ إِلَيْهِ قُوَّتَهُ"([20]) وهل يوجد نظير ذلك في العالم كله؟
 
وخلاصة القول:
 
ان علينا ان نحي امر الامام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وهذه وظيفة مهمة بل هي اهم الوظائف والاحياء يكون اولاً: من خلال الادعية والتسبيحات والقنوتات والاحراز الواردة عنه (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ومن  خلال التوجه الى التوحيد العقدي الخالص بالتسبيح والتنزيه ليل نهار.
وثانيا بإحياء منهجه وطريقته بنشر الحب في الله وبالله ولله والعمل على ان يكون الانسان محبوبا لله تعالى حقاً بإطاعته في كل صغيرة وكبيرة، فان كل ذلك  سيعمل على ان يجعل نهر وجود الانسان صافيا رقراقا ذا سنخية لبحر عظمة الامام الاعظم  (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ومعه سيكون الانسان محبوبا للناس ومحبوبا لله وللإمام وفي رحاب ال محمد الكرام.
وصلى الله على محمد وال محمد وعجل فرج نورهم المدخر الامام المنتظر انه السميع الفعال لما يشاء العفوّ الكريم ذو الفضل العظيم. 
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
========================
 
 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2180
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاربعاء 10 شعبان 1437هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28