• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : النقاش العلمي .
              • الموضوع : ما معنى (الصمد)؟ .

ما معنى (الصمد)؟

السؤال: ما معنى (الصمد)[1]؟
 
الجواب: للصمد عدة معاني[2]، وقد ذكرنا أكثر من عشرة منها في كتاب (بحوث في العقيدة والسلوك)[3] وقد وردت رواية مفصلة عن الإمام الباقر (عليه السلام) حول تفسيرها نقلناها في الكتاب مع بعض الشرح لها كما وردت رواية أخرى عن الإمام الحسين (عليه السلام). أقربها أنه ما لا جوف له[4]؛ وما لا جوف له تعبير جامع ينفي به كونه ذا جزء أو كونه في مكان أو متحيزاً وشبه ذلك.
لأن ما لا جزء له ولا هو مركب ولا متحيز لا يكون له جوف وبالعكس[5].
ثم أن لا  جوف له هنا هو من باب السالبة بانتفاء إمكان الموضوع لا بانتفائه فقط وقوعاً؛ لا أنه قابل بأن يكون له جوف ولكنه لا جوف له، بل هو بما هو لا جوف له ذاتاً أي مما يمتنع عليه كون الجوف له لامتناع تحيزه وتجزؤه[6].
وعلى أي فانه لا تضاد بين تلك المعاني ولا مانعة جمع بينها إما لوجود الجامع لها ولو الاعتباري أو للالتزام بكون بعضها تفسيراً وبعضها الآخر تأويلاً أو من المعاريض أو الترميز أو شبه ذلك مما فصلناه في كتاب (المعاريض والتورية) أو حتى لو فرض التنزل عن الأولين فان بعضها تفسير باللازم وشبهه، ورابعاً: ومع قطع النظر عن ذلك كله فانه لا مانعة – على المبنى المنصور – من استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد لكن لا على أن يكون كل منها تمام المراد.
-------------------------------------------
 

[2] وقد جاءت في روايات :فمن تلك المعاني: ما رواه في التوحيد: ص90 عن الإمام  زين العابدين (عليه السلام): الصمد هو الذي إذا أراد شيئا قال له: كن فيكون، والصمد الذي أبدع الأشياء فخلقها أضدادا وأشكالا وأزواجا، وتفرد بالوحدة بلا ضد ولا شكل ولا مثل ولا ند.ومن تلك المعاني: ما رواه في التوحيد: ص90 أيضاً عن الإمام الباقر (عليه السلام): الصمد السيد المطاع الذي ليس فوقه آمر وناه، قال: وسئل علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام، عن الصمد، فقال: الصمد الذي لا شريك له ولا يؤوده حفظ شيء ولا يعزب عنه شيء .ومنها: في التوحيد: ص 90 أيضاً عن الإمام الصادق عن الإمام الباقر عن أبيه عليهم السلام أن أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن علي عليهما السلام، يسألونه عن الصمد؟ فكتب إليهم: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد فلا تخوضوا في القرآن، ولا تجادلوا فيه، ولا تتكلموا فيه بغير علم، فقد سمعت جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من قال في القرآن بغير علم فليتبوء مقعده من النار، وإن الله سبحانه قد فسر الصمد فقال: (الله أحد، الله الصمد) ثم فسره فقال: )لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد (، (لم يلد) لم يخرج منه شيء كثيف كالولد وسائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين، ولا شيء لطيف كالنفس، ولا يتشعب منه البدوات كالسنة والنوم والخطرة والهم والحزن والبهجة والضحك والبكاء والخوف والرجاء والرغبة والسأمة والجوع والشبع، تعالى أن يخرج منه شيء، وأن يتولد منه شيء كثيف أو لطيف، (ولم يولد) لم يتولد من شيء ولم يخرج من شيء كما يخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها كالشيء من الشيء، والدابة من الدابة، والنبات من الأرض، والماء من الينابيع، والثمار من الأشجار، ولا كما يخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها كالبصر من العين، والسمع من الأذن، والشم من الأنف، والذوق من الفم، والكلام من اللسان، والمعرفة والتميز من القلب، وكالنار من الحجر، لا بل هو الله الصمد الذي لا من شيء ولا في شيء ولا على شيء، مبدع الأشياء وخالقها ومنشئ الأشياء بقدرته، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيته، ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه فذلكم الله الصمد الذي لم يلد ولم يولد، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، ولم يكن له كفوا أحد .
[4] ورد هذا المعنى في عدة روايات :منها: ما رواه في التوحيد: ص90 عن الإمام الباقر (عليه السلام): حدثني أبي زين العابدين، عن أبيه الحسين بن علي عليهم السلام أنه قال: الصمد الذي لا جوف له، والصمد الذي قد انتهى سؤدده، والصمد الذي لا يأكل ولا يشرب، والصمد الذي لا ينام، والصمد الدائم الذي لم يزل ولا يزال .ومنها: ما رواه في معاني الأخبار: ص6: عن الربيع بن مسلم قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) حين سئل عن الصمد، فقال: الصمد الذي لا جوف له .ومنها: ما رواه في تَف العقول: ص 456 عن داود بن القاسم: سألته (الإمام الجواد (عن الصمد؟  فقال (عليه السلام): الذي لا سرة له، قلت: فإنهم يقولون: إنه الذي لا جوف له؟ فقال (عليه السلام): كل ذي جوف له سرة. أقول: لعل السرة كناية عن المنفذ للداخل أو للخارج.ومنها: ما رواه في التوحيد: ص94: عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن اليهود سألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: انسب لنا ربك، فلبث ثلاثاً لا يجيبهم، ثم نزلت هذه السورة إلى آخرها، فقلت له: ما الصمد؟  فقال: الذي ليس بمجوف .
[5] لأن التجزئة والتركيب تكون من خواص الأجسام، وإذا أردت تعلم حقيقة ذلك فتدبر في قوله تعالى: (قُلْ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) وقوله تعالى: (أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) وقوله تعالى: (هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في الخطبة الأولى من نهج البلاغة: (من قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن قال فيم فقد ضمنه، ومن قال علام فقد أخلى منه، كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كل شيء لا بمقارنة، وغير كل شيء لا بمزايلة، وقوله (عليه السلام) في الخطبة: 85: الأول لا شيء قبله، والآخر لا غاية له. لا تقع الأوهام له على صفة ولا تقعد القلوب منه على كيفية ولا تناله التجزئة والتبعيض.
[6] قد أشار سماحته: بأن الامتناع هنا - بأن لا يكون له جوفاً - هو امتناع ذاتي لا أنه امتناع لمانع وعارض، ويمكن أن نمثل للامتناع الأول بما جاء في قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي (، وللثاني ما جاء في قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ( وقوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون(، ويمكن أن يقال للتقريب: إن الامتناع الأول كاجتماع النقيضين، والامتناع الثاني كرفع البلل عن إحراق الورقة، فتدبر تغنم.ويشير إلى بعض ما سبق الحديث الشريف المروي في التوحيد: ص140: عن محمد بن أبي عمير، عن هارون بن عبد الملك ،قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن التوحيد، فقال: هو عز وجل مثبت موجود، لا مبطل ولا معدود، ولا في شيء من صفة المخلوقين، وله عز وجل نعوت وصفات، فالصفات له، وأسماؤها جارية على المخلوقين مثل السميع والبصير والرؤوف والرحيم وأشباه ذلك، والنعوت نعوت الذات لا تليق إلا بالله تبارك وتعالى، والله نور لا ظلام فيه، وحي لا موت له، وعالم لا جهل فيه، وصمد لا مدخل فيه، ربنا نوري الذات، حي الذات، عالم الذات، صمدي الذاتوقال السيد في كتابه: (بحوث في العقيدة والسلوك) ص103 - 104 (المعنى الأول للصمد: قال الإمام الباقر (عليه السلام): حدثني أبي زين العابدين، عن أبيه الحسين بن علي (عليه السلام)، أنه قال: الصمّد الذي لا جوف له..)وهذا هو المعنى الأول الذي يذكره الإمام لـ(الصمد)؛ يعني أنه لا مَدخل له؛ فإنه إذا كانت الصفة غير الذات صار لها جوف، أنا لي جوف، إذ علمي عَرَضَ عليَّ فيوجد جوف هو أنا المعروض، ويوجد ظاهر قد عرض على الجوف.. أي يوجد جوَّاني وبرَّاني..أما الله سبحانه فصفاته عين ذاته؛ هذه الكلمة تشير إلى توحيد الصفات (الذي لا جوف له) ليس له ظاهر، وباطن (هو الأول، والأخر، الظاهر، والباطن) ظاهره باطنه، وباطنه ظاهره، لا أن أحدهما غير الآخر، وأحدهما عارض والآخر معروض.. أما أنا فلي جوف وفي رواية أخرى: لا مدخل له.. أنا لي مدخل لأن داخلي غير ظاهري، أما الله تعالى فالظاهر عين الباطن ليس له مدخل، فإن ما لا جوف له، لا مدخل له..).

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2545
  • تاريخ إضافة الموضوع : 24 جمادى الأولى 1438هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14