• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : دروس في التفسير والتدبر ( النجف الاشرف ) .
              • الموضوع : 311- (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فيهَا اسْمُهُ) 5 هدم الشيوعيه والوهابية للمساجد .

311- (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فيهَا اسْمُهُ) 5 هدم الشيوعيه والوهابية للمساجد

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم.

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فيهَا اسْمُهُ)
(5)

مسلسل هدم الحكومة الوهابية والشيوعية العالمية لمساجد الله تعالى
قال الله العظيم في كتابه الكريم: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فيهَا اسْمُهُ وَسَعى‏ في‏ خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظيمٌ)[1]

من جرائم الوهابية: تخريب مساجد الله تعالى
لقد تصدّرت الحكومةُ الوهابية في السعودية الدول الآثمة على امتداد التاريخ، في مسارعتها إلى هدم المساجد التاريخية التي تحمل عبق النبوة المحمدية وتراث الإسلام الأصيل منذ صدارة بزوغ شمسه، فلقد امتدت يد الإجرام السعودية لتدمر كل مسجد يحتضن في ذاكرته ذكرى من ذكريات رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو أحد آل بيته الأطهار (عليهم السلام)، مما لم نشهد له نظيراً في أية دولة مسلمة أو كافرة طوال أربعة عشر قرناً أبداً بل مما لا يمكن ان يشهد له العالم نظيراً أبداً إذ لا يوجد نظير للمساجد التاريخية الموجودة في مكة والمدينة والتي وقفت لمئات السنين شامخة لتشهد على موقف من مواقف رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ذلك الموطن الذي شيّد عليه المسجد أو على حَدَث أو واقعةٍ تشفّ عن أمر مما يتعلق به (صلى الله عليه وآله) أو بأحد أهل بيته الأطهار.

نماذج من المساجد التي هدمتها الحكومة الوهابية
وهذه نماذج من جنايات الحكومة الوهابية واعتداءاتها على مساجد الله تعالى في مكة المكرمة والمدينة المنورة:
- هدم مسجد الإمام علي عليه السلام والذي يقع على بعد تسعين متراً من مسجد الغمامة، وهو من المساجد التي صلى فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله).
- هدم مسجد السُّقيا، وهو المسجد الذي شيّد في نفس الموقع الذي نصبت فيه قبة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) عند خروجه إلى حرب بدر، وكان المسجد يقع إلى غرب المسجد النبوي ويبعد عنه بحوالي كيلو مترين، وقد سمي باسم مسجد السُّقيا لأنه كانت تقع إلى جنوبه بئر السقيا التي كان الرسول (صلى الله عليه وآله) يستطيب ماءها ويستعذبه.
- هدم مسجد المباهلة والمسمى بمسجد الإجابة ويقع على بعد أمتار من شمال البقيع الغرقد، على الجهة الشرقية من المسجد النبوي.
- هدم مسجد ردّ الشمس، وهو المسجد الذي أسس في الموقع الذي ردت فيه الشمس لعلي ابن أبي طالب، بعدما أسند النبي (صلى الله عليه وآله) إلى صدره حين نزول الوحي عليه (صلى الله عليه وآله)، فغابت الشمس ولم يستطع الإمام ان يصلي صلاة العصر فانتبه النبي (صلى الله عليه وآله) ودعا بردّ الشمس فردّت وأضاء النهار وصلاها الإمام علي عليه السلام أداءً[2]، والمسجد يقع قبل مسجد قباء بكيلو متر تقريباً كما رد الله تعالى له الشمس مرة أخرى بعد رجوعه من معركة الخوارج.
- مسجد الثنايا وهو المسجد الذي شيّد في نفس الموقع الذي أصاب بعض المشركين شفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) السفلى فجرحها وأصاب ثنايا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكسرها – على رأي بعض المؤرخين – وقد كان المشركون حفروا في طريق دابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) حفيرةً وغطوها بالسعف والقش، فسقطت فيها دابته وهناك أصاب بعض المشركين وجهه الشريف، فبنى المسلمون مسجداً في ذلك الموضع.
- هدم مسجد بنات النجار، وبنات النجار بنات أخوال النبي (صلى الله عليه وآله) وكنّ قد استقبلنه عند قدومه إلى المدينة وأنشدن:

طــلـعَ الـبــــدرُ عـلـيـنـا              مــــن ثـنـيَّاتِ الوَداعْ

وجـبَ الـشـــكـرُ عـلـيـنـا            مـــا دَعــــى للهِ داعْ

أيـهـا الـمبـعـوث فـيـنـا            جـئـت بـالأمـر الـمطاع

جـئـت شـرفـت الـمـديـنة         مـرحـبـاً يـا خـيـر داع

فبنى المسلمون في ذلك الموضع مسجد تخليداً لهذه الحادثة التاريخية الخالدة.
والغريب ان السعودية تقوم ببناء مساجد كثيرة داخل البلاد وخارجها، لكنها تتقصد هدم كافة المساجد التاريخية التراثية التي تذكّر بنحو ما برسول الله (صلى الله عليه وآله) سواء أكانت تلك التي صلى فيها (صلى الله عليه وآله) أم التي بنيت حيث أقام هناك لساعات أو أيام، أو التي بنيت لتخليد حادثة مما حدثت له في أيام حياته!
ومن المعروف ان بعض الدول، كالاتحاد السوفياتي كما سيأتي آخر هذا المقال، هدمت الكثير جداً من المساجد، إلا انه لا توجد دولة غير السعودية، قامت بهدم المساجد التاريخية النوعية التراثية الخالدة الممتدة في عمق الزمن إلى حيث تخلّد أثراً من آثار رسول الله (صلى الله عليه وآله)!
بعد هذا التمهيد الموجز لا بد من ان نقف عند بعض البصائر القرآنية الكريمة:

الشرك بالله أعظم وأظلم أم تخريب المساجد؟
البصيرة الأولى: ان ظاهر قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فيهَا اسْمُهُ وَسَعى‏ في‏ خَرابِها) هو ان الحصر حقيقي وان هذه الجريمة هي أعظم أنواع الظلم على الإطلاق، وذلك لظاهر إطلاق قوله تعالى (أَظْلَمُ).
ولكن قد يقال بان الحصر إضافي، وانه بالقياس إلى ما عدا الشرك بالله تعالى؛ لأن المرتكز في الأذهان ان أعظم ظلم هو الشرك بالله تعالى إذ يقول جل اسمه (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظيمٌ)[3] ويقول: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ)[4] و(إِنَّ الَّذينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكينَ في‏ نارِ جَهَنَّمَ خالِدينَ فيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ)[5] والمستفاد عرفاً ان الشرك بالله هو أعظم أنواع الظلم فيكون (وَمَنْ أَظْلَمُ...) إضافياً، أي يكون من سعى في خراب المساجد ومنع ذكر اسم الله فيها، أظلم بالنسبة إلى ما عدا الشرك بالله تعالى.
ولكن قد يدّعى: بان الحصر إضافي استناداً إلى قوة ظهور الآية وان تلك الآيات لا ظهور لها في كون الشرك اسوأ أنواع الظلم أو ان ظهورها أضعف من ظهور الآية مورد البحث فهي حاكمة عليها.
وقد يقال: بان الحصر حقيقي وان تخريب المساجد ومنع ذكر الله فيها مع ذلك هو اسوأ من الشرك المعهود، اما بدعوى ان تخريبها ومنع ذكر الله فيها هو شرك عملي وهو اسوأ من الشرك القلبي وحده، أو بدعوى ان هدم المساجد وتخريبها ومنع ذكر الله فيها كاشف بالكشف الإنّي عن شرك أولئك المجرمين فقد جمعوا الشرك العملي إلى الشرك العقدي. فتأمل والبحث بحاجة إلى مزيد من التحقيق والتدبر.

وجه أظلمية من يمنع ذكر الله في المساجد ويسعى في خرابها
البصيرة الثانية: انه قد يتساءل عن وجه أظلمية من يمنع مساجد الله ان يذكر فيها اسمه ويسعى في خرابها؟.
وقد يجاب بان لذلك وجوهاً عديدة نقتصر في هذه العجالة على اثنتين منها:

لأن المساجد المظهر الأعظم الدالّ على الله تعالى
الوجه الأول: ان السعي في خراب المساجد ومنع ذكر اسم الله تعالى فيها، يعدّ اعتداء مباشراً على المشير والدالّ الأكبر على الباري جل وعلا فان المساجد هي المظهر الأعظم والمجلى الأظهر الذي يرمز إلى الله تعالى، والذي يحدّد علاقة المخلوق بخالقه عبر هذه البوابة المباركة: المسجد؛ ذلك انك لا ترى شيئاً أعظم من السجود في الدلالة على منتهى الخضوع لله جل اسمه، والمسجد هو الموضع الذي يسجد فيه لله جل وعلا، و(السجود) هو الذي لا يوجد له نظير في تجسيده الأعظم لأصفى وأغلى وأسمى نوع من العلاقة والرابطة بين الخالق والمخلوق، ولذلك كان الأظلم هو من يستهدف مساجد الله بالاعتداء عليها والسعي في خرابها ومنع ذكر اسم الله فيها.

ولأنها تجسد القاسم المشترك بين كافة المسلمين
الوجه الثاني: ان المساجد تجسّد القاسم المشترك الأعظم بين المسلمين كافة، واستهداف القواسم المشتركة التي أقرّها الله تعالى لعباده كجامع مشترك وكملجأ آمن وحصن حصين، جريمة عظيمة بفداحة حجم ذلك القاسم المشترك.
ولكي تتضح لنا هذه الحقيقة أكثر نقول: ان حكمة الله تعالى جرت على ان يجعل للناس جوامع مشتركة متدرّجة من الجامع الأضيق فالأوسع فالأوسع فأكثرها سعة على الإطلاق:

نماذج من الجوامع المشتركة بين البشرية
فمن الجوامع المشتركة: (الأسرة)، حيث جعل الله تعالى الأبوين الجامع بين الأبناء ولذلك ورد (عن الإمام الصادق عليه السلام قال: ((مَا مِنْ شَيْ‏ءٍ مِمَّا أَحَلَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَبْغَضَ إِلَيْهِ مِنَ الطَّلَاقِ))[6] كما جعل الأسرة بالمعنى الأوسع الجامع بين الأرحام من الطبقات الثلاث، وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ((مَا بُنِيَ بِنَاءٌ فِي الْإِسْلَامِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنَ التَّزْوِيجِ))[7] والأسرة تعدّ أصغر جامع مشترك في نسيج المجتمع.
والجامع المشترك الأوسع بعد ذلك هو: (العشيرة) فانها جامع مشترك أكبر؛ فانها عبارة عن امتداد الأسرة الواحدة وتفرعاتها وتشعبها حتى تشمل أفخاذاً وأناسيّ كثيراً، ومن ذلك يظهر ان (العشيرة) لهي جامع فطري فطر اللهُ الناسَ عليه، فهذا الرباط العشائري بحد ذاته حسن ولكن يشترط فيه، ككل جامع آخر كالأسرة وغيرها بل ككل أمر آخر، ان يكون في ضمن إطار أحكام الشرع الأقدس.
ثم بعد ذلك وفي إطار أوسع نجد (النقابة) فانها جامع أوسع من العشيرة، كنقابة الطالبيين مثلاً وتضم بعض نقابات الطالبيين الآن مئات الألوف من السادة الأشراف العلويين أو أكثر[8] وقد كان الإمام الرضا عليه السلام بشخصه نقيب الطالبين في زمانه، حتى وصلت النوبة إلى الشريفين المرتضى والرضي حيث تقلّدا – واحداً بعد آخر – نقابة الشرفاء بعد والدهما العظيم.
ثم بعد ذلك كله فان أوسع جامع مشترك بين المسلمين كافة هو (المساجد) فانه القاسم الأعظم المشترك بينهم جميعاً..
وبيت القصيد: ان من يستهدف أيّ جامع مشترك قرّره الباري تعالى بالتخريب، فانه مجرم معتدٍ أثيم، فكيف بمن يستهدف في اعتداءاته أعظم جامع مشترك وهو المساجد؟ ولذلك كان هو الأظلم من بين الناس كافّة.

الجوامع المشتركة منطلق للتحاور والتقارب في نقاط الاختلاف
ثم ان من أهم ما تتميز به الجوامع المشتركة انها تصلح كمنطلق للتحاور في نقاط الاختلاف أيضاً وللتقارب المتدرج وصولاً للاتحاد فالوحدة، وذلك لأن الدخول من القاسم المشترك نحو مناقشة نقاط التخالف، يصلح ضابطاً عاماً ومرشداً قوياً لكي تبقى الحوارات متزنة موضوعية وهادفة؛ فان من أنطلق بصدق من المشتركات في حواره عن الاختلافات، أضاء له ربّ العباد نوراً يضيء له الدرب ليوصله إلى الحقيقة من أقصر الطرق.
ومن هنا نجد ان المرجع الكبير السيد عبد الهادي الميلاني قدس سره عندما سُئل عن رأيه في الوحدة بين الشيعة والسنة، أجاب بالإيجاب بل وبضرورة ذلك! وعندما ابدى السائل دهشته من ذلك الجواب قال له السيد الميلاني: ان الوحدة مطلوبة حقاً، ولكن الوحدة ينبغي ان تنطلق من أسس سليمة قويمة يتفق عليها الفريقان، وأول وأهم ما يتفق عليه الفريقان هو رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو كلامه الذي قال عنه تعالى: (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى‏ * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى)[9] وقد قال (صلى الله عليه وآله) في الحديث المتواتر بين الفريقين ((إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، وَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ))[10][11] فليكن هذا الحديث هو ما يتوحد عليه الفريقان ويعتصمون به!!.
وبكلمة جامعة: فان من انطلق من الجامع المشترك كأساس رصين متين، فانه لا يمكن للخلافات ان تنتهي به إلى التمزق والتدابر والتحارب، لأنه كلما اختلف أحد أفراد الأسرة مع فرد من أفراد أسرته أو اختلف أحد أفراد العشيرة مع فرد من أفراد عشيرته أو اختلف أحد المسلمين مع شخص من المسلمين ممن تجمعهم المساجد تحت راية كلمة التوحيد، عادوا جميعاً إلى السقف المشترك ولاذوا به ولم يسمحوا للخلافات ان تؤدي إلى هتك استار الجامع الإلهي المشترك.
ولذلك كله نجده تعالى يقول: (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى‏ كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ)[12].
ولو ان الناس انطلقوا بأجمعهم، بصدق نية، عن الجوامع الإلهية المشتركة، لكان حرّياً بهم ان يهديهم الله تعالى إلى الحق وإلى صراط مستقيم إذ يقول جل اسمه (وَالَّذينَ جاهَدُوا فينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنينَ)[13] و(وَيَزيدُ اللَّهُ الَّذينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا)[14].

المشتركات الإسلامية والمشتركات الإنسانية
ومن نافلة القول ان نشير إلى: ان المشتركات هي على قسمين: المشتركات الإسلامية، كالمساجد مثلاً، والمشتركات الإنسانية، والمشتركات الإنسانية تضم فيما تضمّ العناوين التالية:
مكافحة الفقر والبطالة، ومحاربة الأمراض والأوبئة، ومناهضة الظلم والاستبداد والعدوان، والدفاع عن حقوق الإنسان، وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام ((فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وَإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ))[15].

من أسرار القوة الناعمة: رفع راية المشتركات الإنسانية
ولقد كان من عوامل تقدم الغرب علينا، انه رفع راية المشتركات الإنسانية وأسس المؤسسات العملاقة وبذل الأموال الكثيرة لتشييد أركان ذلك، وإن كان ذلك كله لأغراض مبيّتة لا تكاد تخفى، فانشأ المستشفيات في البلاد الفقيرة وأسس الصليب الأحمر (الذي قلده المسلمون فأسسوا الهلال الأحمر) وأسس منظمات حقوق الإنسان وغير ذلك، وكانت تلك هي (القوة الناعمة) التي زادتهم قوة على قوة والتي مكّنتهم ان يخترقوا قلوب وعقول كثير من المسلمين وغيرهم بذلك.
وقد تبرع أحدهم[16] قبل سنوات بمبلغ ثلاثين مليار دولاراً لإنشاء منظمة مهمتها مكافحة الأمراض والأوبئة ومساعدة المرضى من الفقراء واكتشاف أفضل أنواع العلاج للأمراض المستعصية كالإيدز والسرطان وبناء المستشفيات في المناطق الفقيرة وغير ذلك، ثم انه أقنع ثرياً آخر[17] فتبرع بتسعة وعشرين ميار أخرى، وأقنع ثالثاً فتبرع بمليار فصار رأسمال هذه المنظمة العملاقة ستين مليار دولاراً!
ولو اننا انطلقنا من المشتركات الإنسانية نحو العالم، كما ننطلق من المشتركات الإسلامية نحو سائر المسلمين، لكان ذلك أبلغ دعوة للدين الإسلامي الحنيف وللرسول العظيم وأهل بيته الكرام، كيف لا وقد امتلأت صفحات التاريخ بمبادرات المعصومين (عليهم السلام) في هذا الحقل وكان منها ان الإمام علياً عليه السلام عندما رأى نصرانياً يتكفّف غضب وقال ما هذا (ولم يقل من هذا، ولعل ذلك للإشارة إلى غرابة هذه الظاهرة) ثم قال: استعملتموه صغيراً حتى إذا كبر وشاخ تركتموه! ثم أجرى له راتباً من بيت المال.
ونص الرواية عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَائِذٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ رَجُلٍ بَلَغَ بِهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قَالَ: ((مَرَّ شَيْخٌ مَكْفُوفٌ كَبِيرٌ يَسْأَلُ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: نَصْرَانِيٌّ، قَالَ: فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام اسْتَعْمَلْتُمُوهُ حَتَّى إِذَا كَبِرَ وَعَجَزَ مَنَعْتُمُوهُ! أَنْفِقُوا عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ))[18].

الخزي في الدنيا لمن يسعون في تخريب مساجد الله
البصيرة الثالثة: انه قد يتساءل عن قوله تعالى (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) فأي خزي يلحق الذين هدموا المساجد وخربوها أو منعوا ذكر الله تعالى فيها؟
والجواب: ان أنواع الخزي التي لحقت، أو سوف تلحق أولئك الظلمة الآثمين هؤلاء، عديدة ومتنوعة وسنبدأ باحداها اليوم موكلين سائرها إلى البحث القادم بإذن الله تعالى.

النوع الأول: الخزي الكبير في مستقبل الأيام.
ذلك ان الدنيا دُوَل، وهي سريعة الانقضاء، ومهما طغى الطغاة وتجبروا فان الدائرة ستدور عليهم وسرعان ما تتهاوى عروشهم وقد قال تعالى: (قَدْ مَكَرَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ)[19]

عدد المساجد التي خربها الشيوعيون، والانتقام الإلهي
ويكفي شاهداً على ذلك الشيوعية العالمية والاتحاد السوفياتي الذين أذاقهم الله تعالى أنواع الخزي في الحياة الدنيا وتهاوت امبراطوريتهم العظمى بأعجب من العجب العجاب، ولئن كان الناس يحتملون سقوط أمثال معمر القذافي وصدام، رغم استبعاد الكثيرين؛ مع ذلك، لذلك، فان أحداً لم يكن يتوقع سقوط الاتحاد السوفياتي بذلك الشكل الدراماتيكي العجيب على الرغم من قوته المذهلة حيث ان ترسانته النووية كانت تحتوي من القنابل ما يكفي لإبادة الكرة الأرضية كلها عشرات المرات[20] فمن يقدر على مجابهة مثل هذا الوحش الجبار! ولكن الله تعالى للظالمين لبلمرصاد، وقد أذاقهم الله الخزي بسوء فعالهم والتي كان منها انهم حوّلوا بعض مساجد الله تعالى إلى مراكز لتعذيب المسلمين! كما حوّلوا بعضها الآخر إلى ملاهي ومراقص أو مباغي – والعياذ بالله – ثم شرعوا في هدم المساجد حتى تجاوز ما هدموه من المساجد الستة آلاف وستمائة واثنين وثمانين مسجداً[21] وبذلك ظهر لنا مصداق من أجلى مصاديق الخزي الذي لحق بأولئك حيث تحطمت امبراطوريتهم وإلى الأبد! وكانوا كما قال تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فيهَا اسْمُهُ وَسَعى‏ في‏ خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظيمٌ).

لمحة عن جرائم الحزب الشيوعي
ومن الجدير في الخاتمة ان نشير إشارة عابرة إلى بعض جرائم الشيوعيين بحق المسلمين والتي استدعت غضب ربِّ العزة والجلالة، فرغم ان مجلس فوميسيري البلشفي أصدر عام 1917م مرسوماً موجهاً للمسلمين ينص على ان الثورة توّفر حرية العقيدة للمسلمين وتهتم بحقوقهم (وذلك لكي يحوزوا على دعمهم وتأييدهم في مقابل الحكومة القيصرية التي كان يسندها النصارى) إلا انهم بمجرد وصولهم للحكم، سارعوا إلى التضييق على المسلمين ومطاردتهم وملاحقتهم وذلك عبر طرق كثيرة كان منها: هدمهم للمساجد، كما سبق، وكان منها: انهم عام 1921م قاموا بإبادة أكثر من مائة ألف مسلم في منطقة القرم بطريقة وحشية للغاية، إذ أبادوهم عبر تجويعهم حتى الموت، وهي ميتة من أخطر وأشنع واسوأ الميتات.
كما انهم اعتقلوا في العام 1937م أكثر من خمسمائة ألف مسلم من منطقة تركستان وحدها، واعدموا الكثيرين منهم ونفوا الآخرين إلى مجاهيل سيبيريا.
وكانوا يمارسون اسوأ أنواع التعذيب بحق المسلمين، كسائر الناس، وكان من ذلك دق المسامير الطويلة في جماجمهم حتى تبلغ عمق المخ لينتفض المعذّب بأشد ما يمكن وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة!!.
كما كان منها صبّ النفط على السجين المسلم وإشعال النار فيه حياً حتى يموت وهو يضج بأعظم أنواع الألم والعذاب.
والغريب انهم كانوا يتوهمون، كما يتوهم سائر الطغاة، ان ملكهم سيدوم لهم بذلك، ولكنهم غفلوا عن الإله العلي الكبير الذي يمهل ولا يهمل و((لَيْسَ شَيْ‏ءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللَّهِ وَتَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَةٍ عَلَى ظُلْمٍ، فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ دَعْوَةَ الْمُضْطَهَدِينَ، وَهُوَ لِلظَّالِمِينَ بِالْمِرْصَادِ))[22].
وكما اخزى الله تعالى الشيوعية العالمية وأباد ملكهم فكذلك أخزى وسيخزي أكثر الوهابية العالمية وسيشهد العالم، غير بعيد[23] زوال ملك آل سعود الذي كانوا وراء العديد من أخطر الحركات الإرهابية في العالم والذين تسببوا في قتل ألوف الأبرياء وهدم العشرات من المساجد في مكة والمدينة وغيرها وقد قال الله تعالى (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعيداً * وَنَراهُ قَريباً)[24] والأمر لله من قبل ومن بعد.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين

-----------------
[1] سورة البقرة: آية 114.
[2] ونص الرواية: عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام انه قال: Sصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) الْعَصْرَ، فَجَاءَ عَلِيٌّ عليه السلام وَلَمْ يَكُنْ صَلَّاهَا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى رَسُولِهِ (صلى الله عليه وآله) عِنْدَ ذَلِكَ فَوَضَعَ رَأْسَهُ فِي حَجْرِ عَلِيٍّ عليه السلام، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) عَنْ حَجْرِهِ حِينَ قَامَ وَقَدْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ يَا عَلِيُّ، أَمَا صَلَّيْتَ الْعَصْرَ؟ فَقَالَ: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): اللَّهُمَّ إِنَّ عَلِيّاً كَانَ فِي طَاعَتِكَ، فَرُدَّتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ عِنْدَ ذَلِكَR قرب ‏الإسناد ص82.
وقالت أسماء بن عميس Sأقبل علي بن أبي طالب ذات يوم وهو يريد أن يصلي العصر مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فوافق رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد انصرف ونزل عليه الوحي فأسنده إلى صدره [ فلم يزل مسنده إلى صدره] حتى أفاق رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: أصليت العصر يا علي؟ قال: جئت والوحي ينزل عليك فلم أزل مسندك إلى صدري حتى الساعة، فاستقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) القبلة - وقد غربت الشمس - وقال: اللهم إن عليا كان في طاعتك فارددها عليه، قالت أسماء: فأقبلت الشمس ولها صرير كصرير الرحى حتى كانت في موضعها وقت العصر، فقام علي متمكنا فصلى، فلما فرغ رجعت الشمس ولها صرير كصرير الرحى، فلما غابت اختلط الظلام وبدت النجومR (البداية والنهاية، لابن كثير، دار إحياء التراث العربي: ج6 ص91).

[3] سورة لقمان: آية 13.
[4] سورة النساء: آية 48 وآية 116.
[5] سورة البينة: آية 6.
[6] ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج6 ص54.
[7] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم: ج3 ص383.
[8] وقد يضم بعضها مليونين وأكثر، علماً ان عدد السادة الأشراف في مصر يقارب الستة ملايين حسب تصريح نقيب الأشراف الحالي (السيد أحمد كامل ياسين).
[9] سورة النجم: آية 3-4.
[10] محمد بن الحسن الحر العاملي، وسائل‏ الشيعة، مؤسسة آل البيت – قم: ج27 ص33.
[11] وهذا الحديث مروي بطرق صحيحة عديدة لأهل العامة، بل انه بلغ أعلى درجات التواتر إذ انه – في استقراء ناقص – رُوي في أكثر من 230 طريقاً، فماذا بعد الحق إلا الضلال؟.
[12] سورة آل عمران: آية 64.
[13] سورة العنكبوت: آية 69.
[14] سورة مريم: آية 76.
[15] نهج البلاغة: كتاب 53 من كتاب له عليه السلام كتبه للأشتر النخعي لما ولاه على مصر.
[16] بيل غيتس.
[17] وارن بافيت.
[18] الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، دار الكتب الإسلامية – طهران: ج6 ص293.
[19] سورة النحل: آية 26.
[20] قيل انه كانت تكفي لإفناء الأرض حوالي 280 مرة!.
[21] وربما كان ذلك في بعض المناطق فقط كتركستان.
[22] نهج البلاغة: كتاب 53 من كتاب له عليه السلام كتبه للأشتر النخعي لما ولاه على مصر.
[23] وسيكون زوال ملكهم فيما نتصوّر في أقل من الخمس سنوات القادمة، بإذن الله تعالى.
[24] سورة المعارج: آية 6-7.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3635
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء 18 محرم 1441هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28