• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الفوائد والبحوث .
              • الموضوع : 358- الفوائد الاصولية: الصحيح والأعم (1) .

358- الفوائد الاصولية: الصحيح والأعم (1)

الفوائد الأصولية
(الصحيح والأعم)


الفائدة الأولى : أن معرفة مسألة الصحيح والأعم  أهي أصولية أم  لا ؟ يكون خلال الضابط في المسألة الأصولية والفقهية ؛ وحيث كان مختارنا بأن من ضوابط الأولى  أن تكون مطردة ومنتجةً في كافة أبواب الفقه، والثانية خلافها  ؛ لذا  فمسألة الصحيح والأعم تكون –على مختارنا -  من المبادئ التصديقية للفقه ؛ إلا  إذا وقعت مورد البحث في الحجج والأدلة نفسها فهي أصولية ، بل هي أصولية على بعض المباني.

تفصيل الفائدة:
هل أن مسألة الصحيح واللأعم من القواعد الفقهية أو من المسائل الأصولية أو غير ذلك؟ الأمر مرتهن بالمختار من الضوابط في الفارق بين المسألتين وهي ثمانية حسبما استقرأناه في أول مبحث قاعدة الإلزام على الخلاف فيها، ونكتفي هنا بالإشارة إلى أحدها [1]؛ وهو الفارق بين المسألة الفقهية والأصولية والقواعد الفقهية بحسب نطاقها واطرادها وامتدادها وعمومها لكل أبواب الفقه أو اختصاصها ببعضه؛ وهو أن المسألة الأصولية هي ما كانت مطردة منتجةً في كافة أبواب الفقه فكانت سيّالة عامة النفع بدءً من الطهارة وحتى الديات ، من غير فرق في ذلك بين الدليل كخبر الثقة ، والأصل كالبراءة ؛ فإنها تجري في الفقه كله.
وأما المسألة الفقهية فهي خاصة ببعضِ بابٍ من الأبواب أو إحدى مصاديقه كوجوب جلسة الاستراحة مثلاً والدليل عليها.
وأما القاعدة الفقهية فهي أمر بينهما أي ما كانت نافعة في عدة من الكتب أو الأبواب الفقهية.
وعلى حسب هذا الضابط فإن هذه المسألة تكون من القواعد الفقهية: أي مسألة أصالة الصحة أو الفساد في العقود من حيث الشك في شرطية أمر أو جزئيته وقيديته أو مانعيته لا من حيث الشك في المصداق الخاص من حيث الصحة والفساد بعد الفراغ عن تحديد الشروط وغيرها، أما مبحث أن أسماء المعاملات هل هي موضوعة للصحيح منها أو للأعم، فهي من المبادئ التصديقية لذلك، فلا بد من التفريق بين المسألتين، وقد حققنا ذلك في بعض المباحث فراجع [2].

وتوضيحه: أن أصالة الصحة أو الفساد في العقود تارة يراد بها الأصل في الشبهات الحكمية، وأخرى يراد بها الأصل في الشبهات الموضوعية أو المصداقية:
فالأصل كلما شك في الصحة والفساد من حيث الشبهة الحكمية أي من حيث احتمال اشتراط الشارع شرطاً في صحة المعاملة أو جزءً أو قيداً أو اعتباره مانعاً لها، هو الصحة أي عدم اشتراطه أمراً فوق ما يراه العرف في صحة المعاملة، وذلك استناداً للإطلاق اللفظي أو المقامي أو غير ذلك.
والأصل كلما شك في الصحة والفساد من حيث الشبهة الموضوعية المصداقية أي شك في صحة هذا العقد وعدمه من حيث الشك في استجماعه للقيود والشروط، بعد الفراغ عن تحديدها وتشخيصها، هو الفساد؛ لأصالة عدم تحقق تلك المعاملة، ولعل البعض يختلط عليه الأصلان عندما يطلق القول بان الأصل في المعاملة الصحة أو الفساد فيتوهم العموم لهما أو يتوهم أحدهما مكان الآخر، ولابد من التمييز كلما أطلق أصالة الصحة أو الفساد في العقود، بسياق الكلام أو المتعلق أو غير ذلك [3].
ومزيد التدقيق في ما ذكروه بعنوان المقدمة أو مباحث الألفاظ مع لحاظ ما صرنا إليه، يقتضي التالي:

المبادئ للفقه والمبادئ للأصول
أ- تصنيف المبادئ إلى مبادئ لعلم الفقه ، وأخرى لعلم الأصول.
فمن الأُولى: مباحث (الحقيقة الشرعية) ؛ فإن ثبوتها وعدمه في ألفاظ العبادات والمعاملات مما يرتبط بالفقه؛ فإنها موضوعات الأحكام والفقه شأنه البحث عن الأحكام وموضوعاتها [4] ، أما الأصول فشأنه البحث عن الحجج على الأحكام والوظائف لا الأحكام ولا موضوعاتها.
ومنها: مباحث الصحيح والأعم في ألفاظ العبادات والمعاملات.
ومنها: مباحث المشتق، وغيرها.
وعليه فلا داعي لبحث هذه المذكورات في علم الأصول، اللهم إلا لو وقعت تلك المذكورات مورد البحث في الحجج والأدلة نفسها [5] ،فتأمل.
ومنها: تقسيم الحكم إلى وضعي وتكليفي وأحكامها، فإنه من المبادئ لعلم الفقه لا الأصول.
ومن الثانية: البحث عن معنى (الحجية) وأنه الكاشفية أو الانكشاف أو المنجزية والمعذرية أو لزوم الاتباع [6] أو غير ذلك.

مبادئ العلوم ومبادئ العلم
ب- أن بعض المقدمات -أو المبادئ-  المذكورة كمقدمة لعلم الأصول هي من المبادئ التصورية أو التصديقية للعلوم كلها [7] لا لعلم الأصول، وذلك مثل ما ابتدأ به الكفاية من (تعريف موضوع العلم) فإنه مبدأ تصوري للعلم قول مطلق أي للعلوم كلها ، ومن (تمايز العلوم بتمايز الأغراض) فإنه مبدأ تصديقي للعلم بقول مطلق، نعم (موضوع علم الأصول) و(تعريفه) مبدئان لعلم الأصول.

مسائل فقه اللغة
ج- أن بعض المقدمات (أو المبادئ) المذكورة لا وجه لذكرها حتى كمبادئ لعلم الأصول، بل الأولى ذكرها في علم مستقل كـ(علم فقه اللغة) مثل: أقسام الوضع والمعنى الحرفي، والفرق بين الخبر والإنشاء، ووضع الألفاظ للمعاني الواقعية لا بما هي مراده، ووضع المركبات، والاشتراك اللفظي، واستعمال اللفظ في أكثر من معنى، ونظائرها [8].
ثم إن المحقق الاصفهاني  (قدس سرة) قد عد من المبادئ التصديقية في علم الأصول البحث عن ثبوت الحقيقة الشرعية ، و بحث الصحيح والأعم ،  و جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى [9] .
ولكن الظاهر أن أولاها مسألة أصولية، كما حققناه في مباحث الأصول  من الضابط الكبروي في المسألة الأصولية ، بل وأخرييها كذلك بناءً على ما ذكره السيد الوالد  (قدس سرة)في الأصول من أن البحث فيه عنها إنما هو بلحاظه [10].


----------
[1] وسنذكر غيرها بإذن الله تعالى.
[2] كتاب المبادئ التصورية والتصديقية للفقه والأصول.
[3] بحث البيع : الدرس : 219
[4] المراد بها الموضوعات المخترعة على الحقيقة الشرعية وغيرها على غيرها أيضاً مما جُعِل مدارَ الأحكام واشترَطَ فيه الشارع شرائط أو اعتبر له موانع وشبهها، فتدبر، والمستنبطة، دون الصرفة فإنه ليس شأن الفقه.
[5] كـ: هل للاستصحاب أو الاحتياط في (فَاحْتَطْ لِدِينِك) أو الافتاء في (وَأَفْتِ النَّاس) أو خبر الثقة والنبأ، أو الشهرة في (خُذْ بِمَا اشْتَهَر)، حقيقة شرعية؟ وكما لو انقلبت شهرة المتأخرين عن المعاصرين فهل يشمله (خذ بما اشتهر) حسب بحث (المشتق) وأنه حقيقة في ما انقضى عنه المبدأ أيضاً؟
[6] لاحظ أن بعضها أوصاف للحجة وبعضها للحجية.
[7] أي للعلم مطلقاً.
[8] بحث التعارض : الدرس 11.
[9] بحوث في علم الأصول:ص17.
[10] المبادئ التصورية والتصديقية للفقه والأصول: ص24.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3691
  • تاريخ إضافة الموضوع : 5 ربيع الاخر 1441هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28