• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الفوائد والبحوث .
              • الموضوع : 365- الفوائد الاصولية: الصحيح والأعم (8) .

365- الفوائد الاصولية: الصحيح والأعم (8)

الفوائد الأصولية
(الصحيح والأعم)

 

الفائدة الثامنة:  استدل على وضع الألفاظ للأعم بالتبادر وعدم صحة السلب ؛ وصحة التقسيم للصحيح وغير الصحيح ، وما قيل  بـ(أن الأخير أعم من الحقيقة)  ليس تاماً ؛إذ أن التقسيم إلى المعنى الحقيقي والمجازي قبيح ، بالإضافة إلى عدم جريان ذلك  في العلوم ولدى العرف.

تفصيل الفائدة:
وقد استدل للأعمي بأدلة نشير إلى بعضها فقط:

التبادر وعدم صحة السلب
فمنها: التبادر، ومنها: عدم صحة السلب.
أقول: الظاهر أن (الأعم) في الجملة هو المتبادر، والمراد منه: الواجد لمعظم الأجزاء والشرائط ولمعظم الأثر أو بعضه المعتدّ به، والظاهر أنه لا يصح سلبه عنه، وأما الفاقد لمعظم الأجزاء والشرائط وكل الأثر أو المعتد به منه فإنه يصح سلبه عنه؛ ألا ترى أن الحائط مثلاً لا يصح سلب لفظه عن الجدار الذي به ثقب أو ثلمة أو شِق أو فطر إلا بعناية انه ليس بحائط كامل مثلاً، وأنه يحمل عليه حقيقةً بلا عناية، وأنه إذا أنهار أكثره - بأن لم يتبقَّ منه إلا ثلاثة أعمدة مثلاً-  فإنه يصح سلب الحائط عنه ولا يحمل عليه إلا بلحاظ ما كان أو ما أشبه من العلائق، وكذلك الدواء كالسقمونيا فإنها إذا كانت مسهلة للصفراء ولو في الجملة صح الإطلاق وإذا فقدت الصفة [1] تماماً صح السلب، ولو فقدت السيارة معظم أجزائها صح سلبها عنها ولذا يقال كانت هذه سيارة مثلاً ولا يقال هي الآن سيارة، أما لو فقدت باباً أو غطاءً أو كرسياً أو مِقوداً صح الحمل بلا عناية.
وأما انسباق الصحيح أحياناً فإنما هو للانصراف؛ لمناسبات الحكم والموضوع وشبهها، وذلك وجه ما يتوهم أنه التبادر عند قوله: بعتُ داري، فإن ظاهر حاله حين قوله ذلك أنه أراد الصحيح لأنه هو منشأ الأثر الذي يستحق لأجله أن يُذكر [2] وليس تبادراً من لفظ البيع نفسه.

صحة التقسيم إلى الصحيح والسقيم
ومنها: صحة التقسيم إلى الصحيح والسقيم وقد ردّه الشهيد (قدس سرة) بقوله: (وهو أعم من الحقيقة) [3] ، وقال في الكفاية: (ومنها: صحة التقسيم الى الصحيح والسقيم، وفيه: انه انما يشهد على انها للأعم لو لم تكن هناك دلالة على كونها موضوعة للصحيح، وقد عرفتها، فلا بد أن يكون التقسيم بملاحظة ما يستعمل فيه اللفظ ولو بالعناية) [4].
وظاهر كلامه النفي والإثبات معاً؛ وتوضيحه: أن المستظهر من كلامه أن العلامات على رتبتين: أولى وثانية، فمن الأولى التبادر وصحة الحمل، ومن الثانية صحة التقسيم؛ فهو لم ينفِ علامية صحة التقسيم مطلقاً بل عدّها علامة من الدرجة الثانية ،  أي فيما إذا فقدت العلامات التي هي من الدرجة الأولى؛ ولذا قال: (وفيه: أنه انما يشهد على أنها للأعم لو لم تكن...) فهي شاهدة إذا فقدت العلامات من الدرجة الأولى، وأما مع وجودها [5] فلا تصل النوبة إليها .

المنصور: صحة التقسيم هي علامة الحقيقة
ولكنّ المنصور هو: أن صحة التقسيم من علامات الحقيقة، وأنها من علائم الدرجة الأولى وأنها تُعارض بعض علاماتها الأخرى كما تتعارض علامات الدرجة الأولى لو اختلفت بعضها البعض؛ فكما أنه لو فرض أننا وجدنا بدواً صحة الحمل من جهة ولكن وجدنا أيضاً صحة السلب من جهة أخرى -كما لو وجدنا صحة القول: البيع الفاسد بيع، وصحة القول أيضاً: البيع الفاسد ليس ببيع- وشككنا في أن أيهما بعناية والآخر بلا عناية فإنهما يتساقطان، فكذلك لو وجدنا صحة التقسيم من جهة ووجدنا صحة السلب من جهة أخرى فإنهما يتعارضان.

الدليل:
دليلنا: أننا نرى قبح التقسيم إلى المعنى الحقيقي والمجازي أولاً، وعدم وقوعه كلما أحرز أن هذا حقيقة وذاك مجاز في العلوم ولدى العرف ثانياً؛ فهل وجدت أحداً يقسّم الأسد مثلاً إلى قسمين فيقول الأسد نوعان: حيوان مفترس ورجل شجاع؟ وهل وجدت أحداً يقسّم القمر إلى قسمين فيقول: القمر قسمان: الكوكب المعروف والوجه المضيء؟ وهل وجدت أحداً يقسّم البحر إلى قسمين فيقول: البحر قسمان: قسم جماد وهو بحر الماء وقسم هو صفة للإنسان وهو بحر العلم؟ وذلك رغم أن إطلاق البحر على العلم والقمر على الوجه الحسن والأسد على الشجاع مما لا شك فيه إلا أننا لم نر أبداً من يقسّم تلك الألفاظ إليها.
ولعلّ الوهم [6] نشأ من المتشابهات والمختلف فيها والمتردد فيها -كالبيع الفاسد والصحيح- وهو مما لا يستدل به إذ هو مورد الخلاف والنقاش؛ ويكفي دليلاً لردّه أننا لا نجد مورداً ارتأى فيه العقلاء أنه مجاز ثم قسموا اللفظ إليه وإلى معناه الحقيقي، ومنه يستظهر أن قولهم (البيع إما صحيح وإما فاسد) دليل على أنهم يرون كليهما معنى حقيقياً لذا قسموه إلى صنفين ، وليس من تقسيم الشيء إلى نفسه وإلى ضده أو الأجنبي عنه.
والحاصل: أننا نرى أن صحة التقسيم بلا عناية دليلاً على الحقيقة وهي في رتبة علائم الحقيقة الأربع كصحة الحمل بلا عناية، بل أن صحة التقسيم تستبطن صحة الحمل فان كان بعناية فكلاهما ليس دليل الحقيقة أو لم يكن بها فكلاهما دليلها.
نعم، لو أقام قرينة على أن التقسيم هو بلحاظ ما يستعمل فيه اللفظ ولو بعناية خرج عن كونه علامة الحقيقة في هذا المورد، لكنه لأنه أقام قرينة على خلاف ظهور حال التقسيم ، فتدبر [7].


-------
[1] كونها مسهلة.
[2] أي يذكر أنه باعه.
[3] مسالك الأفهام : ج11، ص263،  والمكاسب: ج3 ص19.
[4] كفاية الأصول: ج1 ص30.
[5] علامات الدرجة الأولى.
[6] بصحة التقسيم إلى الحقيقة والمجاز.
[7] الدرس : 239 ، بحث البيع.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3745
  • تاريخ إضافة الموضوع : 3 جمادي الاول 1441هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19