• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الظن (1442-1443هـ) .
              • الموضوع : 053-مناقشة مع الشيخ في دعوى عسر تعليم الاحتياط وتعلمه-هل الاحتياط مقدم على الظن أو العكس؟ .

053-مناقشة مع الشيخ في دعوى عسر تعليم الاحتياط وتعلمه-هل الاحتياط مقدم على الظن أو العكس؟

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(53)

جمهرة معاصري الشيخ على حجية ظن المجتهد مطلقاً

تنبيه: أهمية هذا البحث (حجية ظن المجتهد مطلقاً أو في الجملة أي فيما نشأ ظنه من الظنون المنهجية أي الظنون الخاصة) تكمن في شدة الابتلاء به أولاً وفي انه كان من البحوث المطروحة في زمن الشيخ ومن سبقه باعتباره استثناء من اصالة عدم حجية الظن، قال السيد العم: (ويناقش بأمور أحدها: ما بنى عليه جمهرة من معاصري الشيخ وأساتيذه وأساتيذهم: من أصالة حجية ظنّ الفقيه، أو مطلقاً، لبناء العقلاء عليه – لأهل الخبرة، أو مطلقاً – إلا ما خرج، واستظهار ذلك بأمثلة التنجيز والأعذار)([1]).

والحاصل: ان بناء الفقيه أو الأصولي على عدم حجية الظن مطلقاً كأصل عام أو على عدم حجية ظنون المجتهد المطلقة، لا يسوّغ ترك البحث فيه في الأصول واستعراض الأدلة والردود، إذ كتب الأصول تكتب للمجتهدين لا للمقلدين فينبغي بحث أدلة كلا الطرفين وإن كان رأي الأصولي أو مشهورهم على أحدهما.

وقد مضى ان كل إلزام فهو موجب لحرج أو عسر جديد على المكلف، وان الإلزام بالاحتياط في كافة ما دلت عليه امارة لم تثبت حجيتها أو خبر ضعيف، موقِع للعسر والحرج، خلافاً لما بنى عليه الشيخ الحائري والسيد الخوئي، وقد سبق (أولاً: من البديهي ان أي تكليف إيجابي أو تحريمي يوقع بنفس قَدَره وفي دائرته وبما هو هو في العسر والحرج، وإنما وجب الالتزام بالواجبات وترك المحرمات لا لكونها غير موقعة في العسر والحرج؛ بل لكون التكليف بها لمصلحة أو مفسدة أهم، ولذا وردت مورد العسر والحرج إما في أصلها أو في حدها([2])، ولا يمكن نفي كون أيٍّ إلزامٍ (بوجوبٍ أو تحريمٍ) حرجياً عادة.

ثانياً: لا شك ان الاخباري واقع في العسر والحرج من عمله بكافة الأخبار، بل من عمله ببعضها أو أي واحد منها)([3]).

الشيخ: العمل بالاحتياط عَسير، وتعلم مسائله عَسِر

ونضيف: ان الشيخ (قدس سره) ارتأى لزوم العسر والحرج الشديدين من الالتزام بوجوب الاحتياط واستدل على ذلك بوجهين: الأول: لزوم الحرج من العمل بالاحتياط، لزوم الحرج من وجوب تعليمه على المجتهد ومن وجوب تعلمه على العامي، قال الشيخ: (الثاني: لزوم العسر الشديد والحرج الأكيد في التزامه، لكثرة ما يحتمل موهوما وجوبه خصوصا في أبواب الطهارة والصلاة، فمراعاته مما يوجب الحرج، والمثال لا يحتاج إليه، فلو بنى العالم الخبير بموارد الاحتياط فيما لم ينعقد عليه إجماع قطعي أو خبر متواتر على الالتزام بالاحتياط في جميع أموره يوما وليلة، لوجد صدق ما ادعيناه.

هذا كله بالنسبة إلى نفس العمل بالاحتياط. وأما تعليم المجتهد موارد الاحتياط لمقلده، وتعلم المقلد موارد الاحتياط الشخصية، وعلاج تعارض الاحتياطات، وترجيح الاحتياط الناشئ عن الاحتمال القوي على الاحتياط الناشئ عن الاحتمال الضعيف، فهو أمر مستغرق لأوقات المجتهد والمقلد، فيقع الناس من جهة تعليم هذه الموارد وتعلمها في حرج يخل بنظام معاشهم ومعادهم)([4]).

ولنوضح كلامه (قدس سره) أولاً ثم نناقش ثاني دليليه:

فإن لزوم العسر في أبواب الطهارة من كثرة ما يحتمل موهوماً نجاسته مثلاً، ووجوب التجنب عنه في الصلاة تبعاً، يظهر من ملاحظة الأقوال أو الروايات التي وردت في نجاسة الحديد، كما سبق، ونجاسة الهرة والفأرة والثعلب بل وعامة السباع حسب مرسلة يونس مع شدة الابتلاء بهما، الهرة والفأرة، في سؤرهما ومماستهما لثياب الإنسان أو فراشه أو غيرها خاصة أيام الشتاء والمطر بعد انقطاعه، ونجاسة الملاقي الثالث للنجس بل الثاني أي ملاقي الملاقي للنجس، لاختلاف الأقوال فيه بين القول بنجاسته والقول بطهارته والقول بالاحتياط([5])، فصاعداً ونجاسة ما لا يدركه الطرف من الدم، ونجاسة المذي والوذي والودي، ولبن الجارية لاستلزامه وجوب غسل صدرها بل وثيابها إذا أرادت الصلاة وذلك كلما قطرت عليها قطرة من الحليب أو لامست ملابسُها صدرَها المبلل به وكذا نجاسة فم الصبي الظاهر وملابسه الموجب لحرج من يلمسه أو يقبله وغير ذلك.

وتعارض الاحتياطات، كما في تعارض الإنفاق على الأم والبنت، أو الابن والأخت، أو الأب والأم لو لم يمكنه الجمع بينهما، أو تعارض الصوم مع أداء الدين، أو الحج بعد الاستطاعة مع أداء الدين الحالّ أو الصلاة بكامل أركانها وأجزائها في المكان المغصوب الذي لا يمكنه الخروج منه، إلى غير ذلك مما هو أكثر من ان يحصى.

وجه العسر في تعلم وتعليم موارد الاحتياط

والشاهد: ان تعليم المجتهد للمقلد كافة موارد الاحتياطات (بناء على وجوبه كما هو المدعى) يستلزم العسر والحرج الشديدين عليه إذ قد يستغرق ذلك كل أوقاته، كما يستلزم العسر والحرج الشديدين على المقلد كذلك، وذلك لأن ما يقال بوجوب الاحتياط فيه لاحتمال وجوبه أو حرمته أو نجاسته ولو موهوماً، الناشئ ذلك الوهم من رواية ضعيفة أو امارة لا يعلم اعتبارها، كثير جداً منتشر في كافة ما يحيط بالمكلف، كما ظهر من بعض الأمثلة السابقة، والعامي غير عالم بها فعليه ان يصرف عمره في تعلمها كي يحتاط منها عندما يبتلى بها، وإلا ارتطم فيها، وعلى المجتهد صرف وقت كثير في تعليم العامي ألوف المسائل التي يجب فيها الاحتياط وفرزها عما لا يجب.

ويوضحه: ان الداخل مثلاً في غابة يجهل كل شيء عنها فانه يحتمل في كل وردة وزهرة وفاكهة وشجرة ونبتة أن تكون سامة أو قاتلة، كما يحتمل في كل حشرة ودويبة وفي كل شبر شبر ان يكون قاتلاً أو يكون فخاً أو مستنقعاً.. الخ فإذا وجب عليه الاحتياط فانه يقع في عسر شديد جداً كما لا يخفى، كما ان تعلم كافة أنواع تلك الفواكه والازهار والبقاع وتمييز الضار منها عن غيره، كذلك يستغرق وقتاً كبيراً جداً، وكذلك من دخل بلدة لا يعلم من قوانينها وما يعاقب عليه أو لا، شيئاً أبداً فانه يحتمل حينئذٍ في كل شيء منعاً أو إيجاباً فيستغرق تعلمها كلها وقتاً طويلاً جداً.

وبيت القصيد: ان (الفقه) كذلك؛ إذ العامي لا يعلم من عشرات الألوف من التشريعات الصادرة من الشارع شيئاً إلا القليل من الضروريات والمسلمات، فإذا وجب عليه الاحتياط حتى في الموهومات، وجب عليه تعلم كافة المسائل كي يعلم ما يجب عليه الاحتياط فيه أو منه وما لا يجب، فيقع بذلك في العسر والحرج.

المناقشة: لا عسر، كما في تعلم وتعليم الفتاوى

ولكن قد يناقش هذا الإشكال الثاني الذي ذكره الشيخ؛ بالنقض بوجوب تعلمه أي العامي الواجبات والمحرمات وتعليم المجتهد له، فما يقال في تعليمها وتعلمها يقال في تعليم موارد الاحتياط وتعلمه، وذلك لأنه (يجب تعلم المسائل التي يبتلى بها غالباً) وهي منتشرة بين عشرات الألوف من المسائل المتوزعة بين واجب ومستحب ومحرم ومكروه وجائز وبين ما يبتلى به وما لا يبتلى به، ومع ذلك لم يلزم من تعليمها العسر والحرج، أما المجتهد فلأنه يكتب المسائل في رسالته العملية ثم ينتصب للجواب على أسئلة المقلدين شفوياً مباشرة أو عبر وكلائه ولم نجد استلزام ذلك لإيقاعه في العسر والحرج، وأما المقلد فلأن عليه ان يتعلم أوليات المسائل ثم بعد ذلك عليه سؤال العالم بها (من الوكيل أو إمام الجماعة أو غيرهما) فما يقال في تعلم المسائل التي يبتلى بها غالباً يقال في تعلم الاحتياطات التي يبتلى بها غالباً. فتأمل وللبحث تتمة فأنتظر وسنتطرق للتمة ثم نعرج إلى الوجه في حل معضلة التطارد بين الاحتياط وبين إتباع مطلق الظن أو إتباع مطلق ظن المجتهد، فانه لو فرض ان الاحتياط غير مستلزم للعسر والحرج على المقلدين مطلقاً أو على مقلد خاص ولو في بعض أنواعه أو مسائله، فهل الامتثال اليقيني الإجمالي، عبر الاحتياط، هو المقدم والمتعين، أو الامتثال الظني التفصيلي، عبر العمل بظن المجتهد، أو مطلقاً، هو المقدم والذي ينحل به العلم الإجمالي؟ ذلك ما سيأتي بإذن الله تعالى.

وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين

عن علي بن النعمان عن أبيه عن بعض رجاله قال: ((جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي قَدْ حُرِمْتُ الصَّلَاةَ بِاللَّيْلِ؟ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام): أَنْتَ رَجُلٌ قَدْ قَيَّدَتْكَ ذُنُوبُكَ‏‏))(الكافي: ج3 ص450)


----------
([1]) السيد صادق الحسيني الشيرازي، بيان الأصول، دار الأنصار ـ قم: ج1 ص205-206.

([2]) فما ورد مورد الحرج حتى في حده، كالجهاد، لا ترفعه أدلة الحرج، وما ورد مورد الحرج في أصله، ترفع حده أدلة الحرج، كالصوم.

([3]) الدرس (52)

([4]) الشيخ مرتضى الأنصاري، فرائد الأصول، مجمع الفكر الإسلامي ـ قم: ج1 ص404.

([5]) راجع العروة المحشاة بـ41 حاشية ج2 ص186 فصاعداً.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4042
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 6 جمادى الآخرة 1443هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28