• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الظن (1442-1443هـ) .
              • الموضوع : 123-مناقشات مع الشيخ قدس سره .

123-مناقشات مع الشيخ قدس سره

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(123)

الامتثال بالأخذ بأحد طرفي الاحتمال في أربع صور

وقال الشيخ (قدس سره): (وبالجملة: فمن المحتمل قريبا إحالة الشارع للعباد في طريق امتثال الأحكام إلى ما هو المتعارف بينهم في امتثال أحكامهم العرفية: من الرجوع إلى العلم أو الظن الاطمئناني، فإذا فقدا تعين الرجوع أيضاً بحكم العقلاء إلى الظن غير الاطمئناني، كما أنه لو فقد - والعياذ بالله - تعيَّن الامتثال بأخذ أحد طرفي الاحتمال، فراراً عن المخالفة القطعية والإعراض عن التكاليف الإلهية الواقعية)([1]).

أقول: عند فقد الظن ووجود الاحتمال فان الصور متعددة:

الأولى: الاحتمال البدوي في الشبهة الحكمية الوجوبية أو التحريمية، ومقتضى حكم العقل فيها هو وجوب الاحتياط حسب مسالك خمسة فصّلناها سابقاً احدها المعروف بحق الطاعة ويسبقه رتبةً حق المالكية وحق المملوكية الذاتية والاستحقاق الذاتي وغيرها مما سبق، ولولا آية (وَما كُنَّا مُعَذِّبينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)([2]) وحديث الرفع وغيرهما من أدلة البراءة النقلية لكانت أدلة الاحتياط العقلي ملزِمةً للمكلف، لكنَّ كلام الشيخ (قدس سره) محمولٌ على غير هذه الصورة ولاحقتيها([3])، كما سيظهر.

الثانية: الاحتمال لدى الدوران بين الأقل والأكثر، والأمر في الأكثر كما سبق من أصل الاحتياط العقلي وأصل البراءة النقلية.

الثالثة: الاحتمال لدى الدوران بين المحذورين، كما لو دار الحكم بين النقيضين أو الحرمة والوجوب، كما لو ورد حديث بالحرمة وآخر بالوجوب أو ورد حديث تردد أمره بين قوله: (اشترِ) وقوله: (لا تشترِ) أمراً أو نهياً، وهنا لا معنى لأن يقال بتعيّن الأخذ بأحد طرفي الاحتمال، عكس سابقيه، إذ انه تكويناً مضطرٌّ لأن يفعل أو لا يفعل، أي ان أمره دائر بينهما شاء أو أبى، اللهم إلا لو فرض عبادية الفعل والترك (بمعنى انه لو كان واجباً لكان تعبدياً غير توصلي فوجبت فيه نية القربة والإسناد إلى المولى، ولو كان حراماً لوجب الترك بقصد القربة والإسناد للمولى كما قد يُمثَّل للأمرين بشطري كلمة التوحيد أو بالصوم بناء على أنَّه الترك الذي هو عدمي لا الإمساك الذي هو وجودي. فتأمل)

والحاصل: ان القاعدة في الدوران بين المحذورين عدمُ تعيّن الأخذ بأحد الاحتمالين شرعاً، لقهريته تكويناً ولغوية تعيّن الأخذ شرعاً.

الرابعة: الاحتمال لدى الدوران بين الضدين اللذين يمكن تكويناً تركهما، ولكن لا يمكن الجمع بينهما، ذاتاً أو لدليل خارجي كما في صلاة الظهر والجمعة، فان هذا الاحتمال منجزٌ، فإن صلّى الظهرَ فعليه الإسناد للمولى وإن صلّى الجمعة فكذلك، وذلك بناءً على أنَّ الأصل الأولي كما نرى أو الثانوي كما يراه المشهور في المتعارضين، ذاتاً أو عرضاً، التخييرُ، لا التساقط.

والظاهر أنَّ مقصود الشيخ هو الصورة الأخيرة لقرينة ما سبق بيانه ولقوله (فراراً عن المخالفة القطعية) فانه لا تتصور في الصور الثلاث الأولى، إلا في تدريجيات الثالثة، ويشهد لإرادته الرابعة قرينةُ المقام العامة، إذ النقاش مع صاحب الفصول في صورة وجود العلم الإجمالي.

الاستدلال على نصب الطريق الخاص، بنفي ضده الخاص

وقال الشيخ (قدس سره): (وربما يُجعل تحقق الإجماع على المنع عن العمل بالقياس وشبهه ولو مع انسداد باب العلم، كاشفاً عن أنّ المرجع إنّما هو طريق خاص)([4]).

أقول توضيحه: انه استدلال من حال النقيض أو الضد على حال النقيض أو ضده الآخر، فانه حيث جرى البحث في أنَّ الشارع أسّس طرقاً وحكم بها مولوياً، وهو قول الفصول، أو انه امضى طرق العقلاء وأرشد إليها لا غير، وهو قول الرسائل، فتبرّع الشيخ (قدس سره) للاستدلال على قول الفصول بالاستشهاد بحكم الضد، وهو القياس، ونقصد بالنقيضين ما اعتبره الشارع حجة كخبر الثقة وما سلب عنه الحجية([5]) كالقياس وبالضدين: القياس وخبر الثقة مثلاً، فإذا لاحظنا القياس وعرفنا أنَّ الشارع نهى عنه مولوياً، خلافاً لطريقة العقلاء وانه أسّس سلب الحجية عنه ولم يرشد إلى عدم حجيته كما لم يُمضِ حجيتَه، عرفنا حال النقيض وهو أنَّ الشارع فيما قَبِلَه من الطرق كان مؤسّساً لا مُمضياً، ومُعمِلاً مولويتَه لا مرشداً.

الأجوبة

وقد أجاب الشيخ عنه بالنقض، وسيأتي([6]).

ولنا أن نجيب عليه بأجوبة ثلاثة أخرى:

1- انه استدلال بالأعم على الأخص

الأول: انه مصادرة، واستدلال بالأعم على الأخص فان نفي الضد، أعمُّ من إثبات الضد الآخر وهو المسمَّى بالضد الخاص ومن عدم الحكم بشيء وهو المسمَّى بالضد العام، فمثلاً ضد السواد الخاص هو البياض وضده العام عدم البياض، وضد ما سلب الشارع حجيته أو فقل جعل الشارع لا حجيته أمران: ضد خاص: وهو ما جعل الشارع حجيته، وضد عام وهو ما لم يجعل الشارع لا حجيته([7]) وهو يتمصدق في إمضائه لحجج العقلاء أيضاً حيث لم يجعل الشارع لا حجيته كما لم يجعل حجيته بل امضاها فقط.

2- نفي الشارع لحجية القياس إرشادي وليس مولوياً

ثانياً: مبنىً بأنَّ القياس ليس مما أعمل الشارع مولويته في نفي حجيته، بل انه مرشد إلى عدم حجيته ومبيّن لحالته الثبوتية فقط وليس مؤسّساً، ويتضح ذلك إذا علمنا ان ملاكات الشارع مجهولةٌ لدينا ولذا لا يصح فيها القياس، نعم ملاكات أحكامنا معلومة لدينا لذا يصح لنا فيها القياس.

والحاصل: ان الشارع مرشد، بمعنى ان العقلاء لو فهموا سرّ نفي الشارع حجيته وانه كان لعدم كونه مصيباً ولا كاشفاً عن تشريعاته وأحكامه لأن ما بأيدينا من ملاكاته لا نحيط بها وبكل عللها وموانعها وتزاحماتها، لحكموا هم بعدم حجية القياس في أحكام الشارع.

والحاصل: ان خروج القياس عن الحجج العقلائية، كطريق إلى الأحكام الشرعية، تخصّصيٌّ([8]) لا تخصيصي والشارع ملفِتٌ لذلك وليس الخروج تخصيصياً مع اعتبار العقلاء له حجة ليكون من موارد إعمال المولوية وتأسيس عدم الحجية.

3- والكلام في منعه في صورة الانسداد

ثالثاً: سلّمنا لكنَّ بعض الأعلام، ولعلَّ منهم صاحب القوانين على ما ببالي، اذعنوا بعدم المنع عن القياس في صورة الانسداد (فلا منع خاصاً فيه ليكشف منه حال نقيضه).

توضيحه: انه جرىالنقاش في أنَّ المنع عن القياس عامٌّ لصورتي الانفتاح والانسداد أو خاص بالانفتاح؟ فقد يقال: بانصرافه إلى صورة الانفتاح وأما صورة الانسداد فان القياس يمكن العمل به حيث أفاد الظنَّ، وإن كان من باب أكل الميتة والاضطرار.

لكنَّ الرأي المنصور والمشهور عدمُ جواز العمل به في صورة الانسداد أيضاً نظراً للإطلاقات اللفظية المتكررة الناهية بشدة عن العمل به والآبية عن التخصيص بصورة الانفتاح.

ومنه ظهر أنَّه كان الأولى بالشيخ (قدس سره) الاستدلال بالروايات المسلّمة على المنع من العمل بالقياس، لا الإجماع الذي هو مقطوعُ المدركية فليس، عندهم، بحجة أو محتمَلُها فليس بحجة كذلك، على أنَّ المدرك لهم لو كان الإجماع لما شمل صورة الانسداد لأنه دليل لُبّي لا إطلاق له، وزمانهم (عليهم السلام) وزمان صدور المنع عنه كان زمن الانفتاح، عكس ظواهر أو نصوص الروايات العامة بإطلاقها وعمومها لكلا الزمنين.

وسيأتي في العام القادم بإذن الله تعالى الكلام عن بعض كلماته الأخرى([9]).

صلى الله على محمد وآله الطاهرين

عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنّه قال له عليه السلام : ((عن أبي جعفر عليه السلام قال: ((يَا عَلِيُّ بَادِرْ بِأَرْبَعٍ قَبْلَ أَرْبَعٍ: شَبَابِكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتِكَ قَبْلَ سُقْمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَحَيَاتِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ))

(من لا يحضره الفقيه: ج4 ص356).

 

-----------------
([1]) الشيخ مرتضى الأنصاري، فرائد الأصول، مجمع الفكر الإسلامي: ج1 ص440-441.

([2]) سورة الإسراء: الآية 15.

([3]) أي غير لاحقتيها.

([4]) الشيخ مرتضى الأنصاري، فرائد الأصول، مجمع الفكر الإسلامي: ج1 ص442.

([5]) أو اعتبره لا حجة.

([6]) في الموسم الدراسي القادم بإذن الله تعالى.

([7]) أو لم يجعل حجيته.

([8]) عن غالب الإصابة وعن مورث الظن، لمن التفت لواقعه.

([9]) قوله: (وربما يستشهد للعلم الاجمالي بنصب الطريق) (فرائد الأصول، مجمع الفكر الإسلامي: ج1 ص441) والوصائل ج5 ص81. وقول (فإن قلت: ثبوت الطريق إجمالاً...) (الوصائل: ج5 ص86) مع تتمة مناقشته لما نحن فيه بقول: (وينتقض أولاً: بأنه مستلزم لكون...) (فرائد الأصول: ج1 ص442) و(الوصائل: ج5 ص85) ثم سائر أجوبته قدس سره على كلام الفصول بدءً من الجواب الثاني (وثانياً: سلّمنا نصب الطريق...) (فرائد الأصول: ج1 ص443) و(الوصائل: ج5 ص89).

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4280
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء 22 شوال 1443هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16