• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1444هـ) .
              • الموضوع : 590-من فقه حديث الرفع: هل يشمل التأثير المستقبلي والشأني؟ وهل يشمل كون فعل الصبي موضوعاً لأحكام غيره؟ .

590-من فقه حديث الرفع: هل يشمل التأثير المستقبلي والشأني؟ وهل يشمل كون فعل الصبي موضوعاً لأحكام غيره؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(590)

من فقه حديث الرفع

بناء على شمول حديث الرفع للأحكام الوضعية فهنا مسائل:

هل يرفع حديث الرفع السببية الشأنية؟

المسألة الأولى: هل يرفع حديث الرفع فعليةَ سببيةِ العقدِ الصادرِ من الصبي، للنقلِ والانتقال فقط، أم يرفع الشأنية أيضاً؟ أي هل يرفع السببية الفعليةَ أو يرفع السببيةَ التعليقية أيضاً؟ ويمكن ان نعبّر عنها بالسببية المستقبلية، كما عبّر عنها بعض الأعلام بالصحة التأهلية.

دليل الطرفين

فقد يقال: ان مقتضى الإطلاق الشمول.
وقد يجاب: بان الظاهر من ألفاظ الأفعال عند إطلاقها الفعلية فلا تشمل الشأنية فلا يشملها حديث الرفع إذ تكون حينئذٍ من السالبة بانتفاء الموضوع، وبعبارة أخرى: إطلاق العقد على العقد الشأني، أي ما من شأنه أن يكون عقداً، مجاز من باب المجاز بالأَوْل أو المشارفة، بل ان مطلق الكلمات أسماءً كانت أم أفعالاً أم حروفاً هي كذلك؛ ألا ترى ان الجدار يطلق على ما هو جدار حقيقيةً بالفعل، دون ما يصلح ان يكون جداراً أو كان من شأنه أن يكون، كالطين والآجر المطروح على الأرض مثلاً، ولا يطلق على الجدار المستقبلي إلا بعناية أو تكلف، وكذلك الأفعال، والأمر في الماضي منها وفي الأمر أظهر، على انه في المضارع كذلك بلحاظ زمن وقوعه فيه([1])، وكذلك الحال في المشير إلى الحروف وأما فيها فالأمر أظهر إذ لا تكون حرفاً ووجوداً رابطيأ قائماً بالغير إلا إذا كانت كذلك بالفعل.
وعليه: فان قوله ((عليه السلام)): ((أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْقَلَمَ رُفِعَ عَنْ ثَلَاثَةٍ:...))([2]) يراد به رفع قلم الحكم التكليفي والحكم الوضعي الفعلي، أي رفع قلم السببية الفعلية والتأثير الفعلي لعقد الصبي في النقل والانتقال، لا رفع قلم الحكمين الشأنيين، أو رفع قلم التأثير الشأني، أو التعليقي أو الاستقبالي.
والناتج من ذلك: عدم شمول حديث الرفع لتأثير عقد الصبي في السببية المعلقة على بلوغه، أي في تأثيره في النقل المستقبلي المحقق عند البلوغ، أو في ناقليته الشأنية أو في وجوب الوفاء المستقبلي.. وسيأتي مزيد بإذن الله تعالى.

الأنواع الثمانية للسببية

والبحث في ذلك كله يقع في سببية عقده للملكية وسببية عقده لوجوب الوفاء، وكل منهما على أربع أنحاء:
1- سببية عقده فعلاً للملكية الفعلية.
2- سببية عقده فعلاً للملكية المستقبلية.
3- سببية عقده شأناً، أي صحته تأهلاً، للملكية الفعلية.
4- سببية عقده شأناً، للملكية المستقبلية.
ونظير هذه الصور الأربع تجري بالنسبة للحكم التكليفي وهو وجوب الوفاء بالعقد.
وعمدة محل البحث صورتان: سببية عقده فعلاً لوجوب الوفاء المستقبلي أو للملكية المستقبلية، وسببية عقده لوجوب الوفاء المستقبلي أو للملكية المستقبلية، بدون سببية فعلية، أي سببية عقده الشأنية للملكية المستقبلية أو لوجوب الوفاء المستقبلي.
والظاهر ان ما سبق هو الذي قصده المحقق الاصفهاني بقوله: (حاصله: أنّ عقد الصبي ولو لم يكن سبباً فعلاً لوجوب الوفاء به بعد البلوغ، كما هو المفروض في الجواب الثاني، بل سبباً لوجوب الوفاء بعد البلوغ، بلا سببية فعليّة للوجوب التعليقي)([3]) وللبحث تتمة فانتظر.

هل يرفع حديث الرفع موضوعية فعل الصبي لأحكام الغير؟

المسألة الثانية: هل يرفع حديث الرفع السببية والتأثير أو الموضوعية أيضاً؟ أي هل يرفع حديث الرفع سببية عقد الصبي للنقل والانتقال فقط، أم انه يرفع موضوعيته أي كونه موضوعاً لأحكام الغير أيضاً؟
وقد عبّر الشيخ ((قدس سره)) في جوابه الثالث بـ(لكن لا مانع من كون فعل غير البالغ- موضوعاً للأحكام المجعولة في حق البالغين)([4]) ولم يعبر بـ(مؤثراً في الأحكام المجعولة في حق البالغين) والفرق بينهما كبير، ولكنه خفي على بعض المشاهير من الأعلام([5]) فأشكل على الشيخ بما لا يرد عليه، كما سيأتي.
فقد يقال: ان حديث رفع القلم (عن الصَّبيِّ حتَّى يَحتَلِمَ) يرفع قلم أفعاله (كالعقد) وتأثيرها في النقل والانتقال وشبههما، ولكنه أجنبي عن وقوع أفعاله أحياناً موضوعات لأحكام الآخرين، فان ذلك([6]) ليس فعل الصبي ليرفعه حديث الرفع بل هو فعل الشارع.

هل للأصيل فسخ العقد مع الفضولي؟

ويوضحه التنظير الذي ذكره المحقق الاصفهاني للمقام بقوله: (لكنه ليس للطرف الآخر نقض العقد ونكثه، لأن العقد موضوع تام لوجوب الوفاء به، وإن لم يؤثر فعلاً في الملكية، كما في العقد بين الفضول والأصيل، فإن الفضول حيث إنه غير مالك لا يجب عليه الوفاء بعقده مع الأصيل، بخلاف الأصيل فإنه يجب عليه الوفاء بعقده، ويحرم عليه نقض العقد إلى أن يردَّ المالك أو يجيز، مع أنّه لا شبهة في أنّ عقد الفضول لا يؤثر في الملكية فعلاً)([7]).
وتوضيح التنظير([8]): أ- أنّه قد يقال: إنّ الأصيل تشمله أدلة ((أَوْفُوا بِالْعُقُودِ))([9]) لصدق العقد على العقد الجاري بين الأصيل والفضول وإن كان تأثيره معلقاً على الإجازة، وعلى هذا القول بنى المحقق الاصفهاني.
ب- وقد يقال: بعدم الشمول لانصراف أمثال ((أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)) عنه، إما لدعوى انصرافه إلى العقد المتعارف (وهو ما كان بين أصيلين) أو بدعوى ان العقد اللازم يجب الوفاء به لا العقد المتزلزل وعقد الفضولي متزلزل، بعبارة أخرى لا شك ان العقد قسمان لازم كالإجارة ومتزلزل كالوكالة، فما كان لازماً في ذاته شمله ((أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)) وما كان متزلزلاً في ذاته، لا تشمله وإلا لكان خُلفاً([10]).وما تردد بينهما لا يصح التمسك فيه بـ((أَوْفُوا)) لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. فتأمل
فتدبر وتأمل حتى إكمال البحث غداً بإذن الله تعالى.


وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال الإمام الحسن ((عليه السلام)): ((الْخَيْرُ الَّذِي لَا شَرَّ فِيهِ: الشُّكْرُ مَعَ النِّعْمَةِ وَالصَّبْرُ عَلَى النَّازِلَةِ‏)) (تحف العقول: ص234)

----------------------------

([1]) وقوع الفعل في المضارع. فـ(يضرب غداً) يعني انه يضرب ضرباً فعلياً في يوم غد، لا انه يضرب ضرباً شأنياً وبالقوة لا الفعل، يوم غد.
([2]) الشيخ الصدوق، الخصال، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم: ج1 ص94، وص175، الإرشاد للشيخ المفيد، ج1 ص203.
([3]) الشيخ محمد حسين الغروي الاصفهاني، حاشية كتاب المكاسب، أنوار الهدى ـ قم، ج2 ص15.
([4]) الشيخ مرتضى الانصاري، المكاسب، دار الذخائر ـ قم، ج1 ص434.
([5]) كالمحقق النائيني والمحقق اليزدي صاحب العروة.
([6]) كونها موضوعات.
([7]) الشيخ محمد حسين الغروي الاصفهاني، حاشية كتاب المكاسب، أنوار الهدى ـ قم، ج2 ص15.
([8]) وسيأتي غداً بيان أصل المطلب.
([9]) سورة المائدة: الآية 1.
([10]) أي خلاف فرض كونه متزلزلاً في ذاته.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4357
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 9 ربيع الأخر 1444هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14