• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1444هـ) .
              • الموضوع : 617- مناقشات مع المحقق النائيني في اجتماع سببين: الإكراه والرضا .

617- مناقشات مع المحقق النائيني في اجتماع سببين: الإكراه والرضا

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(617)

النائيني: العلتان تنقلبان بالاجتماع إلى جُزئَي عِلّة

سبق قول المحقق النائيني: (والثاني([1]): أن يكون كل من الإكراه والرضا سبباً مستقلاً بحيث لولا الإكراه لأوقعه، ولولا الرضا لأوقعه أيضاً دفعاً للإكراه. وحيث لا يمكن توارد علّتين مستقلتين على معلول واحد فيصير كل واحدة إذا اجتمعا جزء السبب والفعل يسند إليهما معاً)([2]) ثم انه (قدس سره) ألحق هذه الصورة بالصورة الرابعة الآتية.

مناقشتان

ولكن قد يورد عليه بوجهين:

1- المدار صدق عنوان المكرَه، لا كون العلة تامة أو ناقصة

أولاً: ان الفعل وإن إسند حينئذٍ إليهما جميعاً إلا أن المدار ليس على كون الفعل مسنداً لهذا أو ذاك (للإكراه أو للرضا) إسناداً ناقصاً([3]) أو تاماً حتى يفرّق بين الأول والثاني، بل المدار كل المدار على صدق عنوان (أُكْرِهُوا) عليه فإن صَدَق شمله (رفع ما أكرهوا عليه) وكان الطلاق باطلاً، وإن كان الإكراه جزء السبب الأضعف، وإن لم يصدق عنوان (أُكْرِهُوا) لم يشمله حديث الرفع وكان الطلاق صحيحاً حتى لو فرض كون الإكراه علّة تامة، كما لو كان علّة العلة مثلاً.

والحاصل: انّ نقل البحث من صدق الإكراه وعدمه إلى عالم الأسباب غير صحيح إذ لم تجعل الرواية الحكم منوطاً بالأسباب وان الإكراه إن كان سبباً تاماً كان كذا أو ناقصاً كان كذا، بل إنما جعلت الموضوع([4]) هو (الإكراه) نفسه.

ويوضحه ويبرهنه: صدق عنوان (قتل الطبيبُ المريض) فيما إذا أعطاه دواءً ضاراً، عالماً به، مع كون الدواء قاتلاً بنسبة 30% فقط أي كان لا يقتل إلا من أضرّ به المرض وأجهده وأضعف مناعته بدرجة 70% فانه حينئذٍ إنما يكون جزء العلة التامة، لكنه يصح ان يسند إليه القتل حتماً.

وكذلك لو قرأ نصرانيٌّ كتباً عن الإسلام فاقتنع بنسبة 80% به لكنه لم يسلم إذ بقيت لديه أسئلة وشبهات أو احتاج إلى تشجيع فأجاب عنها عالم وشجّعه فأسلم فانه يصح أن يقال: هداه فلان إلى الإسلام رغم ان الهداية مستندة بنسبة 80% للكتب التي قرأها و20% لذلك العالم، كما لو انه لو طالع خمس كتب مثلاً وكان كل منها مؤثراً في إسلامه بنسبة 20% صح أن يسند الهداية إلى كل واحد منها لا بشرط، إذ الإسناد بشرط لا هو الخطأ، وكذلك لو اضلّه شيطانان إنسيّان وأدخلاه في الشيوعية مثلاً صح أن يقال أضلّه صديقه فلان (الأول) كما صح أن يقال أضله صديقه فلان (الآخر).

وبعبارة أخرى: يصح إسناد الفعل إلى المقتضِي كما يصح إسناده إلى الجزء الأخير من العلة، فتقول: أحرَقَتِ النار زيداً وتقول أحرقته محاذاته للنار. فتأمل

بوجه آخر: إذا كانت العلة تدريجية الوجود والتأثير([5]) صح إسناد المعلول إليها كما صح إسناده إلى جزئها الأخير بل وصح إسناده إلى أي جزء من أجزائها بنحو اللابشرط، وعلى أي فالملاك الصدق العرفي وإن نوقش في الوجه الفلسفي.

2- سلّمنا لكن العرف يفرق بينهما من حيث الآثار

ثانياً: سلّمنا ان العلتين التامتين تنقلبان إلى جزئي علة أو علتين ناقصتين عند الاجتماع (ويصير كل واحد منهما جزء السبب) إلا ان الوجدان يشهد بان الصورة الثالثة وهي (اجتماع علتين تامتين على سبيل البدل على معلول واحد فينقلبان إلى جُزئَي العلة) والصورة الرابعة التي ألحق (قدس سره) الثالثة بها وهي: (ان يكون كل منهما جزء السبب)، مختلفتان من حيث الأثر ولو في الجملة، ونعني بالأثر ما يرتبه العقلاء على كل منهما، حيث انهم يرون، مثلاً، العقوبة أشد على الأول مما على الثاني، كما يرون الأول يستحق المثوبة – مثوبة أكبر من الثاني.

ألا ترى ان من قرر إحياء نفس مهما كلفه ولو بذل كل أمواله، يستحق أجراً أعظم ممن قرر إحياءها ببذل نصف أمواله فقط (وكان ممن لا يزيد على النصف وإن قتل ذلك المظلوم)، وان الأول لو دفع نصف المبلغ وأراد بذل نصفه الآخر([6]) إلا ان الثاني سبقه إليه، فانهما وإن تساويا في دفع النصف إلا أن الأول يستحق ثواباً أعظم لدى العقلاء؟

وكذلك لو أطلق رصاصة فقتلته استحق عقوبة كاملة دون ريب، لكنه لو أطلق رصاصة كان لها بعض التأثير في قتله بحيث لو انضمت إليها رصاصة أخرى لقتلته، فان من أطلق رصاصته بانياً على قتله بها (وكان لها لو انفردت كل التأثير) لكن صادف أن أطلق آخر في الوقت نفسه على المظلوم رصاصة أخرى فاستند قتله إليهما معاً، فان الأول يستحق عقوبة أشد ممن عزم على إطلاق رصاصته على أن تكون فقط جزء العلة فصادف ان أطلق آخر رصاصته أيضاً فصار المجموعة العلة التامة؟

ولكن قد يتأمل في هذا الإشكال من جهة ان استحقاق المثوبة الأكبر والعقوبة الأشد، في الأول، إنما هو لسوء نيته أو لحسنها ولعزمه على القتل أو إحياء النفس مهما كلّف، لا لأن فعله يتميز، بالمعنى الاسم مصدري، على فعل من عزم على الإتيان بنصف العلة فقط. فتأمل.

ولكن قد يقال: ان العرف لا يرى وضوحاً في إلحاق الصورة الثالثة بالرابعة([7])، فعلى مدّعي وحدة حكمهما الإثبات.

إما هو لا مكرَه ولا راض أو هو مكرَه وراض

وقال المحقق النائيني: (وهذه الصورة يحتمل فيها وجهان، ولكنّ الأقوى فيها الفساد، لأنها وإن لم تكن إكراهياً إلا أنها لا تكون {تِجارَةً عَنْ تَراضٍ}، أو أنها وإن كانت عن رضا إلا أنها عن إكراه أيضاً)([8]).

وبعبارة أخرى وافية: ردّد المحقق النائيني أمر من اجتمع فيه الرضا والإكراه بين أمرين على سبيل منع الخلو: فاما انه يصدق عليه كلاهما أي يصدق عليه انه مكره وراض واما انه لا يصدق عليه أي منهما أي لا يصدق عليه انه مكره كما لا يصدق عليه انه راض، وفي كلتا الصورتين الحكم الفساد:

فانه إن قلتم: انه مكره وراضٍ، بطل طلاقه، لأن الرضا مقتضٍ لصحة الطلاق([9]) والإكراه علّة تامة لبطلانه لقوله (عليه السلام) (رفع ما أكرهوا عليه) فيتقدم، بعبارة أخرى: الإكراه دليل حاكم والرضا دليل محكوم.

وإن قلتم: انه لا راض ولا مكره، بطلت المعاملة أيضاً، لأنه وإن لم تبطل معاملته من جهة الإكراه (لفرض انه غير مكره) لكنها تبطل من جهة عدم توفرها على الرضا، والمعاملة يشترط فيها الرضا إذ قال تعالى: {إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ} (سورة النساء: الآية 29) و((لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبَةِ نَفْسٍ مِنْهُ))([10]) وللبحث صلة بإذن الله تعالى.

*            *            *

سؤال تمريني: انقلاب العلتين التامتين، على سبيل البدل، لو اجتمعتا إلى علتين ناقصتين، أي جزئي علة، هل يحصل قبل تأثيرهما بآنٍ أو يحصل حين تأثيرهما أو يكون الانقلاب بعد حصول المعلول بآن؟ برهن أي شق تختاره.

- استعن بأمثلة أخرى غير الهداية والقتل لإيضاح مناقشتنا الثانية للمحقق النائيني.

- إذا كان تحقق أي عنوان معلولاً لتوفر علته، فلماذا لا يكون المدار في الصدق (صِدق ذلك العنوان عليه) على حال العلة، خلافاً لما ذكرناه في مناقشتنا الأول للمحقق النائيني؟ بعبارة أخرى: أوضح الفرق بين صدق عنوانٍ ما وبين أرتهان وجوده بعلته، وبيّن وجه التفكيك بين وجود المعلول وبين صدق عنوانٍ ما عليه.

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ((كَفَى بِالرَّجُلِ غَفْلَةً أَنْ يُضَيِّعَ عُمُرَهُ فِيمَا لَا يُنْجِيهِ)) (غرر الحكم: ص160)

---------------------------------

([1]) وهو الثالث من تقريرات الآملي.

([2]) الشيخ موسى النجفي الخوانساري / تقرير بحث الميرزا النائيني، منية الطالب، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم، ج1 ص406.

([3]) كونه جزء السبب.

([4]) وهو المتعلَّق نفسه.

([5]) كما لو هدم الجدار بتتابع عشر ضربات عليه.

([6]) الأدق أن يقال: وبذل نصفه الآخر أيضاً، إلا ان الجائر إنما أطلق المظلوم لنصف مبلغ هذا ونصف مبلغ ذاك (وألقى النصف الثاني من الأول في البحر مثلاً).

([7]) حيث احتاج إلى برهنة وأخذوردّ.

([8]) الشيخ موسى النجفي الخوانساري / تقرير بحث الميرزا النائيني، منية الطالب، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم، ج1 ص406.

([9]) إذ ان صِرف الرضا بالمعاملة، كالطلاق، ليست علة لصحتها إذ لا بد من اجتماع الشروط كالإنشاء وحضور شاهدين.. إلخ

([10]) محمد بن الحسن الحر العاملي، وسائل الشيعة، مؤسسة آل البيت عليه السلام - قم، 1409هـ، ج14 ص572 و نهج الحق وكشف الصدق (للعلامة الحلي): ص435.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4426
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأحد8 جمادى الأخر 1444 هــ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14