• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1444هـ) .
              • الموضوع : 618- النائيني: العلتان المتدافعتان لا شيء منهما بمؤثر المناقشات .

618- النائيني: العلتان المتدافعتان لا شيء منهما بمؤثر المناقشات

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(618)

المحتملات الأربع في تدافع العلتين المستقلتين

قال المحقق النائيني (قدس سره): (والثاني: أن يكون كل من الإكراه والرضا سبباً مستقلاً بحيث لولا الإكراه لأوقعه، ولولا الرضا لأوقعه أيضاً دفعاً للإكراه...

وهذه الصورة يحتمل فيها وجهان، ولكن الأقوى فيها الفساد، لأنها وإن لم تكن إكراهياً إلا أنها لا تكون {تِجارَةً عَنْ تَراضٍ}، أو أنها وإن كانت عن رضا إلا أنها عن إكراه أيضاً. وكل علتين مستقلتين إذا وردتا على معلول واحد وكان بينهما تدافع فلا يؤثر كل منهما كاجتماع الرياء، وقصد الأمر في العبادات، بل كاجتماع التبريد وقصد الأمر. نعم)([1]).

أقول: إذا وردت علتان مستقلتان على معلول واحد وكان بينهما تدافع فالمحتملات في صورة تكافؤهما أربع: أن يؤثرا معاً، أن لا يؤثر شيء منهما، أن يؤثر هذا دون الآخر، والعكس (وأما مع عدم التكافؤ فلا شك ان الأقوى هو المقدم).

والأول: مما لا يمكن؛ لفرض التدافع بينهما، وإلا لكانت هذه الصورة عين الصورة السابقة (العلتان اللتان لا تدافع بينهما).

والثاني: هو المتعيّن لفرض التدافع بينهما فيُبطِل كلّ منهما مفعول الآخر، وحينئذٍ يبقى الشيءٌ على حالته السابقة، ويوضحه المثال: فان الشخصين لو دفعا حجراً واحداً وكانت دفعة كل منهما كافيةً، لو انفردت، لدحرجته، فان تدحرجه حينئذٍ يكون معلولاً لهما معاً بالكسر والانكسار، وهذه هي الصورة الأولى حيث لا تدافع، وأما الصورة الثانية، وهي محل الكلام الآن: فكما لو دفعها زيد إلى الإمام ودفعها عمرو إلى الخلف فانه مع التكافؤ لا يؤثر أي منهما فتبقى ساكنة كما كانت.

والثالث والرابع: يلزم منهما الترجيح بلا مرجح، بل الترجّح بلا مرجّح، إذ الفرض تساوي القوتين المتدافعتين من كل الجهات، ولا شك ان الترجح بلا مرجح محال لأنه يعود إلى تحقق المعلول بلا علة إذ ترجّح هذا على ذاك حدوثه فكيف يحدث بلا مرجح وهي العلة؟

وأما الترجيح بلا مرجح فقد قيل: انه محال، ولكن يردّه: الوجدان وان أدلّ دليل على إمكان الشيء وقوعه كما في طريقي الهارب وانائي الشارب فان الهارب من أسد مفترس لو برز أمامه طريقان ولم يجد لأي منهما على الآخر مرجّحاً أبداً فانه على القول باستحالة الترجيح بلا مرجح، يستحيل ان يختار أحدهما لكونه ترجيحاً بلا مرجح وعليه فانه قهراً لا محالة سيقف مكانه متحيراً! مع بداهة انه سيختار أحد الطريقين ويسلكه، فالترجيح بلا مرجح ممكن واقع.

وأجيب: بانه ليس بلا مرجّح إذ المرجّح هو الإرادة والاختيار.

وفيه: ان الترجيح بلا مرجح لو كان محالاً لاستحال ان يرجّح المختار أحدهما على الآخر دون مرجح في أحدهما لتساوي نسبتهما إلى الإرادة. فتدبر تعرف

مناقشات ثلاثة مع المحقق النائيني

إذا اتضح ذلك يتضح ورود إشكالات على قوله (قدس سره): (وكل علتين مستقلتين إذا وردتا على معلول واحد وكان بينهما تدافع فلا يؤثر كل منهما كاجتماع الرياء وقصد الأمر في العبادات، بل كاجتماع التبريد وقصد الأمر).

فان قوله (فلا يؤثر كل منهما) يريد به (فلا يؤثر شيء منهما) لفرض التدافع بينهما، ولا يقصد انه لا يؤثر كل منهما وحده، وانه يكون كل منهما جزء العلة، وإلا لكانت هذه الصورة عين الصورة السابقة التي فرض فيها عدم التدافع.

وحينئذٍ يرد عليه: أولاً: ان المثال لا يطابق الممثل له إذ لو اجتمع الرياء مع قصد الأمر فان العبادة تبطل دون ريب فان الرياء هو الغالب دون شك فلا تدافع بينهما إذ التدافع تفاعل وهو قائم بالطرفين، وفي المقام دفع لا تدافع فان الرياء يدفع قصد الأمر ويبطله، فلا يصح قوله (فلا يؤثر أي منهما) إذ الرياء هو المؤثر وحده، وإن فرض انه أراد فلا يؤثر أي منهما وحده بل يكون جزء العلة ورد عليه، إضافة إلى رجوعه للصورة السابقة وهو خلف، انّ الرياء هو المؤثر وحده لذا أبطل العبادة.

ثانياً: ان المقام ليس مصداق هذه القاعدة (وكل علتين مستقلتين إذا وردتا على معلول واحد وكان بينهما تدافع) بل مصداق ما لا تدافع بينهما، فتطبيق القاعدة على المقام في قوله: (وكل علتين مستقلتين إذا وردتا على معلول واحد وكان بينهما تدافع فلا يؤثر كل منهما كاجتماع الرياء، وقصد الأمر في العبادات، بل كاجتماع التبريد وقصد الأمر. نعم، لو كان التبريد ضميمة لا داعياً مستقلاً صحت العبادة.

وفي المقام: لو كان الإكراه ضميمة لصحت المعاملة. كما أنه لو كان الرضا ضميمة لفسدت) غير صحيح إذ لو اجتمع الرضا والإكراه فليسا متدافعين بل الإكراه دافع قطعي لحكم الرضا، فان الإكراه عنوان ثانوي حاكم على الأولي، بعبارة أخرى: الرضا مقتضٍ لصحة الطلاق لبداهة انه لا يكفي في تحققه بل لا بد معه من إنشاءٍ وحضورِ شاهدين عادلين وأن تكون في غير طهر المواقعة.. إلخ) وأما الإكراه فانه علّةٌ تامة لبطلان الطلاق، فليسا متدافعين بل الإكراه دافع دون ريب لحكم الرضا.

نعم لو أراد تدافع الرضا والإكراه بذاتهما([2])، لكان له وجه([3])، لكنه بعيد عن مساق كلامه([4]).

ثالثاً: ان الإكراه والرضا لو اجتمعا، فانهما غير متدافعين من حيث الأثر، لأن الفرض انه انبعث عنهما (أي لو كان بحيث لولا الإكراه لأوقع الطلاق لأنه راض به 100% ولولا الرضا لأوقع الطلاق (لأنه مكره عليه) فحيث كان راضياً به 100% ثم شهر الظالم عليه سيفه وأمره به وإلا قتله، فانبعث في عمق نفسه عنهما، كانا متكاسرين أي انه انبعث عن نصفِ رضا وعن نصفِ إكراه، فليسا متدافعين.

والحاصل: ان فرض اجتماعهما (الإكراه والرضا) ينفي تدافعهما، فإن قلنا بتدافعهما وعدم اجتماعهما حدوثاً أبداً، لما صح نقل الكلام إلى الأثر وانه (لا يؤثر كل منهما) كما قال فتدبر وتأمل.

*         *            *

سؤال تمريني: ما هو الفرق بين الترجيح بلا مرجح والترجّح بلا مرجح؟ وما الدليل على استحالة الثاني؟ وما الدليل على إمكان الأول؟ وهل يعود الترجيح بلا مرجح إلى الترجّح بلا مرجح ولذا يكون محالاً أو لا؟ (درجة واحدة).

سؤال آخر: المتدافعان المتكافئان، لا يؤثر شيء منهما؛ لفرض التدافع، أما المتدافعان المتراجحان فان المؤثر هو الراجح، ولكن هل مطلق الرجحان ولو كان ضئيلاً كواحد بالألف مثلاً سبب لأن يكون هو المؤثر 100% أم لا بل يجب أن يكون الرجحان معتنى به؟ برهن ما تختاره (درجة واحدة).

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين


قال الإمام الصادق (عليه السلام): ((إِنَّ اللَّهَ يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَيُبْغِضُ وَلَا يُعْطِي الْإِيمَانَ إِلَّا أَهْلَ صَفْوَتِهِ مِنْ خَلْقِهِ)) (تحف العقول: ص374)

-------------------------------

([1]) الشيخ موسى النجفي الخوانساري / تقرير بحث الميرزا النائيني، منية الطالب، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم، ج1 ص406.

([2]) أي يقصد تدافعهما ذاتاً لا تدافعهما في السببية.

([3]) وقد مضى بحثه.

([4]) خاصة قوله (إلا أن يقال...).

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4428
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأثنين9 جمادى الأخر 1444هــ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14