• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1444هـ) .
              • الموضوع : 641- المحتملات الست في الموضوع له للبيع .

641- المحتملات الست في الموضوع له للبيع

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(641)

والتحقيق في ضمن أمور:

البيع يطلق على الإنشاء وعلى المبادلة

الأمر الأول: أنّ (البيع) في مثل {أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} يطلق على الإنشاء والصيغة أي المعنى المصدري كما يطلق على المعنى الاسم مصدري ومبادلة مال بمالٍ أي الـمُنشَأ أو فقل: المضمون، بنحو الحقيقة، دليلنا: صحة الحمل على كل منهما وعدم صحة السلب عن أي منهما، والاطراد.

لكنه ينصرف إلى المبادلة؛ لوجوهٍ

الأمر الثاني: انه قد يقال: انّه وإن كان حقيقةً في كل منهما إلا انّه ينصرف إلى المعنى الاسم مصدري والمبادلة، وذلك لوجوه:

الوجه الأول: مجموعة من القرائن في الآية الكريمة: مثل سياق الآية، وقوله تعالى في صدرها {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} (سورة البقرة: الآية 275) فإن ما يؤكل ليس هو الصيغة فتأمل([1]) خاصة مع تعليله بـ{ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} وقرينة المقابلة مع الربا فإن المقارنة ليست بين الصيغتين والإنشائين كما هو واضح بل بين المبادلتين، وإنّ حامل المفسدة هو الربا نفسه، أي المعنى الاسم مصدري لا انشاؤه بما هو هو، وحامل المصلحة هو البيع الواقعي نفسه أي المبادلة لا الإنشاء، وأنّ ذلك كان هو مصبّ نظر المشركين ومحط اهتماهم، إذ لم يكن نقاشهم في صيغة البيع وصيغة الربا عندما {قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} بل واقعهما أي المبادلة فيهما وانه في كليهما مبادلة مال بمال فلم حُرِّم هذا دون ذاك مع ان جوهرهما واحد؟ وأيضاً يشهد له قوله تعالى {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} (سورة البقرة: الآية 276) إذ المفهوم عرفاً منه ليس محق إنشاء الربا بل واقعه أي المعاملة الربوية أو ما يأخذه زائداً مقابل إقراضه له. فتأمل.

وقد يقال: أن هذا حال هذه الآية الكريمة عكس قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} (سورة الجمعة: الآية 9)، ولكن قد يجاب: انّه قد يستظهر فيها أيضاً إرادة المعنى الاسم مصدري، لظهور أن المنهي عنه ليس إجراء الصيغة فانها ممكنة حتى في حال المشي إلى المسجد وفيه، بل المعاملة والمبادلة بنفسها والمتقومة عادة بالتواجد في المحل والمتجر. فتأمل

الوجه الثاني: انّ مدار كلام الناس ومحاوراتهم ونزاعهم وأخذهم وردهم ليس في صيغة البيع والهبة مثلاً، بل في واقعها أي المعنى الاسم مصدري أي في نفس المبادلة، نعم الفقهاء والمقنّنون هم الذين ينصبّ اهتمامهم على الصيغ والإنشاءات، وحيث ان الموضوعات الواردة في لسان الشارع تؤخذ من العرف العام لا العرف الخاص، كالفقهاء والمقنّنين، لذا فانّ فهم العامة الملقى إليهم الكلام يكون هو الحجة إذ يقول تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} (سورة إبراهيم: الآية 4).

المحتملات في الآية الكريمة:

الأمر الثالث: ولكن، وفي مقابل ذلك، يمكن أن يقال: بانه لا مانعة جمع بين المعنيين، كي يقال هذا مراد أو ذاك، أو انه منصرف إلى أي منهما، بل كلاهما مراد.

يحتمل كونهما معاً مرادين، بأنحاء

والمحتمل في كونهما معاً مرادين وجوه، مضى بعض ونضيف بعضاً آخر:

البيع موضوع لهما بنحو المشترك اللفظي

أ- أنّ لفظ البيع موضوع لهما، بنحو الاشتراك اللفظي، بأن يكون واضع لغة العرب قد وضعه مرتين: تارة للصيغة والإنشاء وأخرى للمعنى الاسم مصدري...

ولكن يبعده إنه لم ينقل أحد من اللغويين والمؤرخين وغيرهم مثل ذلك أبداً، بل هو مستبعد جداً في حد نفسه (أن يكون قد وضع مرتين) هذا إن فرض التفات الواضع أصلاً إلى المعنيين بناء على كونه غير الله تعالى الذي قد يقال بانه الواضع استناداً إلى قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} بل ويشهد للعدم أننا نرى الواضعين في مجاميع اللغة العربية في القاهرة ودمشق وبغداد وغيرها، وكذا في سائر اللغات، لا يضعون أسماء البيع والهبة والمزارعة و... مرتين: مرة للإنشاء والصيغة ومرة للمبادلة و...

ولكن، يمكن تقريب الاشتراك اللفظي بدعوى: انّ البيع موضوع بالوضع التعييني للمعنى الاسم مصدري (ونقصد به مبادلة مال بمال) ثم انه لكثرة استعماله في الصيغة والإنشاء، صار له وضع ثانٍ تعيّني، لكن صحة هذا المعنى إن تمت([2])، لا تقتضي حمل الآيات والروايات عليها إلا ما ثبت انه صدر بعد استقرار الوضع التعيّني.

أو بنحو المشترك المعنوي

ب- انّ لفظ البيع موضوع للجامع بين المعنى الاسم مصدري والمعنى المصدري، وقد سبق رده بانه إما أن يقال باستحالة وجود جامع حقيقي بينهما؛ لأن البيع المصدري إنشاءٌ من مقولة الفعل والمعنى الاسم مصدري اعتبارٌ خارج عن عالم المقولات فلا جامع حقيقي بينهما، وأما أن يقال على فرض امكانه أو الاكتفاء بالجامع العنواني، بانه بعيد جداً عن الفهم العرفي إذ أي واحد من العرف يفهم جامعاً بين المعنيين ويرى، ولو بارتكازه، أن البيع موضوع له؟ بعبارة أخرى: أي جامع بين السبب والمسبب وبين المبادلة وما تحصل به المبادلة؟.

أو هو حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر

ج- انه حقيقة في المبادلة، مجاز في الصيغة، أو العكس، وهذا باطل لما سبق من صحة الحمل عليهما وعدم صحة السلب عن أيٍّ منهما.

أو لا منافاة إذ الموضوع له هو الإنشاء كمرآة

د- وقد يقال: بانه لا تضاد بينهما وأنّ البيع في {أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} يراد به كلا المعنيين وذلك نظراً للحاظ المعنى المصدري والصيغة والإنشاء مرآة للمعنى الاسم مصدري فبهذا يجمع بينهما، ولكن ومع قطع النظر عن كون هذه دعوى بدون دليل إن أريد بها أن الواضع وضع كذلك، فانه يرد عليها: انه على هذا، يلزم عدم إمكان التمسك بالإطلاق في الآية، على نفي كل ما شك في شرطيته لصحة صيغة البيع أو قيديته، فلا يمكن نفي اشتراط العربية أو الماضوية أو التنجيز (لولا الإجماع في الأخير) استناداً إلى صدق البيع عرفاً وعدم ثبوت هذا القيد أو ذاك فتشمله (أي البيع بالفارسية مثلاً) {أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} وذلك لان المعنى المرآتي غير ملاحظ بذاته بل هو فانٍ في غيره، أي هو معنى حرفي والمعنى الحرفي ليس محلاً قابلاً للإطلاق والتقييد، فانهما من قبيل الملكة وعدمها المشترط فيهما المحل القابل.

احتمالات أخرى

هـ - انهما متحدان، وهذا ما سبق نقله عن المحقق النائيني من اتحادهما دِقّياً بنحو اتحاد الآلة بذيها لا بنحو اتحاد السبب بذيه، وقد سبق رده وذكرنا ان البديل الأقل إشكالاً عنه هو أن يقال باتحادهما عرفاً.

و- وقد يقال بدلالة الآية الكريمة على المعاني الأربعة، لدلالة الملزوم على لوازمه وبالعكس.

ز- وقد يقال بدلالتها عليهما، من باب الظهر والبطون، وسيأتي الكلام عنهما وغيرهما غداً بإذن الله تعالى.

*                   *                   *

- هل هناك فرق بين {أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} و{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} في ظهور إرادة المعنى المصدري أو الاسم مصدري؟

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

قال الإمام موسى الكاظم (عليه السلام): ((يَا هِشَامُ مَنْ سَلَّطَ ثَلَاثاً عَلَى ثَلَاثٍ فَكَأَنَّمَا أَعَانَ عَلَى هَدْمِ عَقْلِهِ، مَنْ أَظْلَمَ نُورَ تَفَكُّرِهِ بِطُولِ أَمَلِهِ، وَمَحَا طَرَائِفَ حِكْمَتِهِ بِفُضُولِ كَلَامِهِ‌، وَأَطْفَأَ نُورَ عِبْرَتِهِ بِشَهَوَاتِ نَفْسِهِ، فَكَأَنَّمَا أَعَانَ هَوَاهُ عَلَى هَدْمِ عَقْلِهِ، وَمَنْ هَدَمَ عَقْلَهُ أَفْسَدَ عَلَيْهِ دِينَهُ وَدُنْيَاهُ)) (الكافي: ج1 ص17).

------------------------

([1]) إذ ليس هو المبادلة أيضاً. فتأمل.

([2]) إذ قد يقال أن كثرة الاستعمال إنما هي في لسان العرف الخاص، للفقهاء والمقنّنين، دون العرف العام. فتأمل.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4483
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 28 رجب 1444هـــ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13