• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1444هـ) .
              • الموضوع : 651- دفع إشكال عن المصلحة السلوكية/ المصلحة قد تكون قائمة في المكلف لا المتعلق. .

651- دفع إشكال عن المصلحة السلوكية/ المصلحة قد تكون قائمة في المكلف لا المتعلق.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(651)

توضيح المصلحة السلوكية

سبق أنّ الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد ولكن لا في المتعلقات فقط كما هو المنسوب إلى المشهور وظاهرهم، بل قد تكون في الحكم نفسه كما بنى عليه الآخوند (قدس سره) وأوضحناه وذببنا عنه عدداً من الإشكالات، وقد تكون أيضاً في السلوك، بحسب ما ابتكره الشيخ (قدس سره) من المصلحة السلوكية، حيث علّل بها حكم الشارع بحجية الأمارات ولزوم إتباعها بقول مطلق، رغم أنها قد لا تصيب الواقع، فحيث انها لم تصب الواقع فانه لا مصلحة فيها (في مؤدياتها) فكيف يأمر الشارع بإتباعها؟ فأجاب بأن في سلوك طريق الامارة أي إتباعها مصلحة سلوكية تعوِّض عن الإيقاع في مفسدة المؤدّى وتجبره، كما توجب العمل به أي بالطريق رغم أن المؤدى قد يكون مباحاً (فلا يصح أن يُوجَب بما هو هو لكنه إنما يوجب لمصلحة في العمل بالأمارة نفسها).

المصلحة السلوكية في تقليد العادل

وقد أوضحنا المصلحة السلوكية بمثالٍ من الأحكام الواقعية وهو: أنّ في تقليد المجتهد مصلحة واقعية هي مصلحة إيصال نظره وتقليده فيه إلى الواقع (فيما أوصل إليه) وأما تقليد العادل أي تقييد المقلَّد بكونه عادلاً فليس إلا لمصلحة سلوكية في تقليد العادل كأن يقال أن في نفس الأمر بتقليده دون الفاسق ترويجاً للعدالة وتكريساً لمقام العدول في المجتمع وتشجيعاً على الفضيلة، ولذا فان المجتهد الفاسق حتى لو فرض كونه أعلم من المجتهد العادل لا يجوز تقليده، والحاصل: ان مصلحة المؤدى لو كانت هي الملاك فقط لوجب إيجاب تقليد الأعلم الفاسق، لكنّ تقليد المجتهد العادل هو المتعين الذي حكم به الشارع وإن عارضه المجتهد الأعلم الفاسق، فليس ذلك إلا لمصلحة في السلوك نفسه.

إشكال: السلوك نفس العمل، فلا تتصور مصلحة سلوكية منحازة

لكنّ بعض الأصوليين اعترض على الشيخ بأنه لا يمكن تصور المصلحة السلوكية لأن السلوك هو العمل نفسه وليس غيره، فان إتباع خبر الثقة كزرارة مثلاً، وهو أمارة قد تصيب وقد تخطئ، سلوك وليس هذا السلوك إلا العمل نفسه بما يقوله، فإذا روى عن الإمام (عليه السلام) مثلاً أنّ حكم الشك بين الثلاث والأربع هو البناء على الأربع، فإن البناء على الأربع فعل وهو نفسه سلوك للطريق أي إتباع لقول زرارة.

الجواب: الحيثية تقييدية، والاتحاد وجوداً غير مخلّ

لكنّ هذا الاعتراض غير تام؛ لأن الكلّيّين المختلفين بالعموم من وجه، لو اتحدا في مادة الاجتماع، فإن كلّاً منهما يبقى بما فيه من المصلحة ملاكاً لحكمه؛ ولا يسري حكم أحدهما إلى الآخر، وبعبارة أخرى: الجهتان تقييديتان، فهذا العمل بما هو سلوك لقول زرارة يحمل مصلحة سلوكية، وبما هو هو يحمل مصلحة واقعية، فلو كان زرارة فرضاً مخطئاً في نقل الحكم وكان الحكم الواقعي غيره فإن المصلحة السلوكية تبقى وإن انتفت المصلحة الواقعية التي في المؤدى.

وذلك نظير ما بحثه الأعلام في مبحث اجتماع الأمر والنهي، فإن من قال بجواز الاجتماع ارتأى أن تعدد العنوان يكفي في تعدد المعنون، وإن اتحد الوجود، فالتركيب انضمامي لا اتحادي وانه لا يسري الأمر ولا النهي من أحدهما إلى الآخر، ولذا يصح اجتماع الأمر والنهي، إذ ليس في الحقيقة اجتماعاً صغرى، حسب بعض الأصوليين، بعبارة أخرى: متعلَّق الحكم هو الكلي، في القضايا الحقيقية، وإن قيّد بقيود كثيرة جداً، والكلّيّان اللذان بينهما عموم وخصوص من وجه يبقى كل منهما هو الموضوع لحكمه وهو الحامل لمصلحته وإن اتحدا في مادة الاجتماع وجوداً، ومآل ذلك إلى أن موارد اجتماع الأمر والنهي هي من موارد التزاحم حيث لا مانعة جمع في مقام الجعل من جعل الحكمين المتضادين([1]) إذ لكل منهما ملاك ومصلحة وموضوع مختلف عن الآخر، وإنما ضاقت قدرة العبد عن الجمع بينهما في مقام الامتثال لذا يجب أن يرجح الأهم منهما ملاكاً.

والمقام نظير ذلك بل هو أهون إذ هنالك حكمان متضادان أحدهما الوجوب والآخر الحرمة ولهما ملاكان متقابلان أو متعاندان، ومع ذلك تواردا في مادة الاجتماع ولم يسرِ أحدهما إلى الآخر، أما المقام فهناك مصلحة في المؤدى ومصلحة في السلوك، لو طابقت الأمارة الواقع وكان المؤدى واجباً، أو مصلحة في السلوك من دون وجود مصلحة في المؤدى لو كان المؤدى مباحاً واقعاً ولكن الأمارة قامت على وجوبه، نعم هناك مصلحة في السلوك ومفسدة في المؤدى لو قامت أمارة على وجوب ما هو محرم أو اعتبرت العشر رضعات مثلاً غير محرمة([2]) ولكنها كانت في الواقع محرمة.

فهذا كله تقسيم للمصلحة والمفسدة، وانها على خلاف المشهور، تكون في المؤدى تارة وهو في موارد الأحكام الواقعية والأمارات فيما إذا أصابت الواقع، وفي الحكم أخرى كما في موارد الأحكام الظاهرية والأمارات إذا خالفت الواقع، وفي الطريق والسلوك ثالثة كما في الأمارات كلما خالفت الواقع: بل نقول: انها إذا طابقت الواقع كانت فيها مصلحة سلوكية معاضدة لمصلحة الواقع. فتدبر

تقسيم آخر: المصلحة إما في المكلَّف أو في المكلِّف

ويمكننا أيضاً تقسيم المصلحة والمفسدة بوجه آخر وهو أن المصلحة قد تكون قائمة بالمكلَّف وقد تكون قائمة بالمكلِّف: أما المصلحة القائمة بالمكلَّف، من دون أن تكون قائمة بالمؤدّى، خلافاً للمشهور، فأمثلته كثيرة:

المعاملة السَّفَهِيّة، صحيحة، لمصلحة المكلَّف

ومنها: المعاملة السَّفهية، فإن العاقل الرشيد، أي غير السفيه لو اجرى معاملة سَفَهية كما لو باع داره التي تسوى مائة مليون بعشرة ملايين لا لغرض عقلائي (والغرض العقلائي هو ما لو كان المشتري أهلاً لذلك مستحقاً وكان يرفض الهدية له مجاناً... إلخ، فان هذا صحيح دون ريب) أي لو باعه بأدون من قيمته بكثير جداً لا لغرض عقلائي أبداً، فإن الشارع قد حَكَم هنا، بحسب المشهور، بصحة المعاملة، رغم أن فيها المفسدة أي رغم ثبوت المفسدة في المؤدى فكان المفروض، على مسلك المشهور من تبعية الأحكام لمفاسد (أو مصالح) في المؤديات صِرفاً فقط، أن يحكم الشارع ببطلانها، لكنه حكم بالصحة مراعاة لحال المكلَّف أي المالك، أي انه اعتبر مدار حكمه هو حرية المالك في أن يفعل في ماله ما شاء فمصلحة المالك (وهي كونه حراً في التصرف في أمواله) كانت هي الملاك في الحكم بالصحة، لا مفسدة المؤدى وإلا لحكم بالبطلان.

ومعاملة السفيه باطلة، لأن حاله هو المَدار

ومنها: عكس الصورة السابقة: أي معاملة السفيه، فإنه إذا كان محجوراً عليه([3]) وأجرى معاملة عقلائية كانت فيها المصلحة له من دون شك، فإن معاملته باطلة قال تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} (سورة النساء: الآية 5) فقد جعل الشارع المدار حال المكلَّف نفسه فحكم بالبطلان لمجرد أنه سفيه ولو كان مدار حكمه المؤدى لحكم بالصحة لأنها، على الفرض، معاملة مفيدة ذات مصلحة بالغة.

ومعاملة المكرَه باطلة حتى لو كانت فيها المصلحة

ومنها: المكرَه، فإن الشارع اعتبر معاملته باطلة عكس المضطر كما افتى به المشهور، وإن كانت في المعاملة المصلحة، فقد أدار الشارع الحكم مدار حالة المكلَّف نفسه فحيث انه مكرَه حكم ببطلان معاملته، ولم يدرها مدار مصلحة المؤدى وإلا لفصَّل بالقول أن المكرَه إن كانت معاملته لمصلحته فهي صحيحة وإلا فباطلة.

ومعاملة المالك صحيحة حتى لو كانت فيها مفسدة

ومنها: عكس الصورة السابقة، وهي معاملة المالك غير المكرَه فإنها صحيحة شرعاً وإن كانت فيها المفسدة له، فقد أدار الشارع الحكم مدار حال المالك وراعى كونه مالكاً ولم يُدِره مدار المفسدة في المتعلَّق.

وللبحث صلة بإذن الله تعالى.

*              *              *

- اذكر أمثلة للمصلحة السلوكية غير تقليد العادل من المجتهدين.

- المصلحة السلوكية حل وسط ابتكره الشيخ (قدس سره)، يقع بين القول بالطريقية المحضة وعدم ثبوت المصلحة إلا في المؤدى، وبين القول بالتصويب الأشعري بمعنى سببية قيام الأمارة لتغيّر الواقع وإيجاد مصلحة فيه (أو مفسدة) بعد إن لم تكن. أوضح ذلك.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين


قال الإمام الكاظم (عليه السلام): ((مَا بَعَثَ اللَّهُ أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ إِلَى عِبَادِهِ إِلَّا لِيَعْقِلُوا عَنِ اللَّهِ، فَأَحْسَنُهُمُ اسْتِجَابَةً أَحْسَنُهُمْ مَعْرِفَةً، وَأَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ أَحْسَنُهُمْ عَقْلًا، وَأَكْمَلُهُمْ عَقْلًا أَرْفَعُهُمْ دَرَجَةً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة)) (الكافي: ج1 ص15).

--------------------------

([1]) أي في بدو النظر.

([2]) فهناك مصلحة في الزواج منها (ولو استحبابية).

([3]) بمجرد السَّفَه أو الفَلَس أو بحجر الحاكم عليه.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4510
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 19 شعبان 1444هــ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29