• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1444هـ) .
              • الموضوع : 663- مناقشات أخرى مع المحقق النائيني .

663- مناقشات أخرى مع المحقق النائيني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(663)

الخلط بين: عدم القصد، الإكراه، والعجز

وبعبارة أ خرى: ان ههنا خلطاً بين أمور ثلاثة وخطأً في ثالثها، حسبما نتصور من الإشكال عليه، وهي:

1- القصد وعدمه، 2- الإكراه وعدمه، 3- العجز وعدمه، فانها بأجمعها مشترطة في صحة المعاملة: أما الأول فواضح إذ العقود تتبع القصود وليس العقد إذا كان بلا قصد، بالحمل الشائع دقةً وعرفاً، وأما الثاني فلقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((وُضِعَ عَنْ أُمَّتِي تِسْعُ خِصَالٍ... وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)) وأما الثالث فلأن الـمُلجَأ على المعاملة أي المقسر عليها تكويناً، لا تقع منه ولا تصح، فلو قسره على المعاطاة بحيث سلب قدرته على الترك، لم تقع، وكذا لو قسرها على التلفظ بقولها أنكحتك نفسي مثلاً كما لو ضربها بشدة حتى كادت أن تغيب عن الوعي فنطقت به لا باختيار أو أعطاها دواءً يسلب قدرتها على الرفض وعدم الانقياد فكرّرت ما قاله لها وردّدته.

وبعبارة أخرى: العاجز عن الفعل أو الترك، لو فعل أو ترك من دون قدرة بل بتحريك غيره حتى كان كالآلة له لا تقع منه العقود، كما لا يخاطب بالتكاليف ولا يعاقب على مخالفتها.

فهذه ثلاثة عناوين متدرجة: القدرة، القصد، الاختيار وعدم الإكراه، فإذا فقد أي منها بطلت المعاملة، ولا يصح إرجاع ثالثها إلى أولها([1]) ولا تعليله بثانيها([2])، كما فعل (قدس سره)، كما ظهر مما سبق.

ثم ان المفسد هو العجز الأعم من الفعلي والشأني أي أن الشرط هو القدرة الأعم منهما، فابتكار مصطلح (العجز الفعلي) لا يشفع لكونه هو المفسد أو كون مقابله شرطاً جديداً ولا لإرجاع غيره، الإكراه، إليه، أو العكس.

والحاصل: ما هو مفسد للمعاملة هو (العجز المطلق) وهو مما لا يرجع إليه (المكرَه القادر على التفصّي) وما هو غير مفسد هو: (العجز الفعلي) فرجوع المكره إليه أو إرجاعه له، غير مجدٍ([3]).

4- الإكراه داع على القصد الداعي إلى الفعل

الرابع: كما قد يعترض عليه باندفاع قوله ببطلان معاملة من أكره مع قدرته على التفصّي نظراً لعدم قصد مثل هذا الشخص للمعنى الاسم مصدري، بأن الإكراه قد يكون بنحو الداعي على الداعي، أي بكونه الداعي على القصد الداعي للفعل، فليس قصده مسلوباً مطلقاً ليقال بأن المكره مع قدرته على التفصّي غير قاصد مطلقاً لذا معاملته باطلة.

توضيحه: انّ المستأجَر بمبلغٍ من المال ليصلي عن الميت، يكون إعطاؤه المال (وإجراء عقد الاستئجار معه) داعياً له ليأتي بالصلاة عن قصد القربة أو فقل: يدعوه المال المبذول والاتفاق المبرم على قصد القربة في إتيانه بصلاته، فالمال صار داعياً على قصد القربة التي صارت الداعي على الصلاة، فاجتماعهما الطولي مما لا بأس به ولا ضير فيه.

وفي المقام: قد يكون الإكراه، (أي مع قدرته على التفصّي كما هو مفروض كلام النائيني تبعاً للشيخ قدس سرهما)، داعياً لأن يقصد المعنى الاسم مصدري والنقل والانتقال فيقع البيع عنه لا من دون قصد، ففي ما مثّل به الشيخ من المستغرق في العبادة والمطالعة الذي شهر أحدهم السيف على رأسه ليبيع ثوباً له وكان بمقدوره أن يهرب من الموضع بأن يغافل من يهدده ببساطة مثلاً فيخرج ويستنجد بالشرطة من دون ضرر ولا عسر ولا حرج عليه، فقد يرجّح الاستمرار في المطالعة على الاحتفاظ بثوبه، فيكون السيف المشهر على رأسه داعياً له لأن يقصد بيعه إن شاء، فيقع إذ لا إكراه، بل هو صورة إكراه كما سبق، وإذ قد قصد، كما وقد يبيعه لا لكراهته للخروج ولا لكونه متضرراً به أو متحرجاً منه، بل لمجرد انه لا حوصلة له في الخروج والتفصّي([4]) فيقصد النقل والانتقال فتقع المعاملة دون ريب، بعبارة أخرى: ليس مكرهاً إذاً، لكنه إنما باع، كي لا يقع فيما لا حوصله له فيه، وحينئذٍ يمكنه أن يقصد ويمكنه أن لا يقصد. بعبارة أخرى: يمكن أن يكون له قصد ثانوي، أو قصد أهم ومهمي.

جواباً على الشيخ: للمكره صورةً طيب نفس ثانوي

وأما الجواب عن الشيخ فبأن يقال: ان هذا الـمُدَّعى كونُه مكرهاً (أي من يمكنه التفصّي) له طيب نفس ثانوي، فالمعاملة صحيحة، وهذا هو ما تبناه المحقق اليزدي في موضعه، وتوضيحه:

1- انّ المضطر وإن لم يكن طيّب النفس بطيب أولي إذ الفرض أنه كاره لبيع داره، لكنّه طيّب النفس به بطيب ثانوي حيث رأى توقف إنقاذ حياة ابنه على بيع داره وصرف ثمنها في علاجه، فقد وقع بيع الدار مقدمة للأهم وهو إنقاذ ابنه لذا تطيب نفسه به طيباً ثانوياً، فالعقد صحيح.

2- أما المكرَه، فانه وإن كان له طيب نفس ثانوي (إذ انه يبيع داره كي لا يقتل بل قد يتوسل بالمكرِه له على بيع داره لكي يشتري داره منه لعلمه بانه لو اشتراها منه لما قتله) لكنّ الشارع حكم بالبطلان ورفع الصحة بقوله: ((وُضِعَ عَنْ أُمَّتِي تِسْعُ خِصَالٍ... وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)).

3- أما المكرَه صورةً أي الذي يمكنه التفصّي، فانه لو لم يتفصّ وباع فله طيب نفس ثانوي (إذ أراد الاستمرار في المطالعة مثلاً ورجح منافعها على الخروج الذي ينقذ به ثوبه أو كتابه من البيع لكنه لا يحصل حينئذٍ على لذة المطالعة أو منفعتها لذا طابت نفسه بالبيع)، من غير أن يرفعه الشارع إذ ليس مكرهاً ليرفع، فالمعاملة صحيحة، والحاصل: ان الإكراه، أي صورته، صارت الداعي على الداعي، أي الداعي لتطيب نفسه بالبيع.

5- المكره إما معتقد بإمكان التفكيك أو لا

الخامس: ان المكره، فكيف بالمكره صورةً، قد يقصد المعنى الاسم مصدري وقد لا يقصد، بوجه آخر غير ما مضى وهو: ان القاصد للمعنى المصدري، الذي ادعى المحقق النائيني انه غير قاصد للمعنى الاسم مصدري، إما أن يكون معتقداً بـ / أو ملتفتاً إلى إمكان التفكيك بينهما (وان له أن لا يقصد المعنى الاسم مصدري، عندما أكره إكراهاً واقعياً أو صورياً) أو لا.

المعتقد بإمكانه، له أن يفكك كما له العدم

فإن كان معتقداً بـ / أو ملتفتاً إلى إمكان التفكيك بينهما، فالأمر بيده فإن قَصَدَ وَقَع البيع وإلا فلا، فلا يصح إطلاق القول بأن المكره (صورةً – فيما نرى) أي المكره مع إمكان التفصي غير قاصد للمعنى الاسم مصدري بالمرة. بل حيث كان أمراً اختيارياً فيمكنه القصد كما يمكنه عدمه، وأما في عالم الإثبات، فحيث انه قادر على التفصّي فان لم يتفصّ وباع كشف ذلك عن قصده المعنى الاسم مصدري. فتأمل.

بل قد لا يمكنه التفكيك

نعم([5])، إن التفت إلى إمكان التفكيك في نفسه، فانه قد لا يفكك إذا توهم عِلّية الإنشاء للمنشأ وأنّ قصده للمعنى المصدري موجب ثبوتاً لتحقق المعنى الاسم مصدري قهراً أو انه موجب له في عالم التنزيل نظراً لما اذعن به مبنىً فرضاً من أن الشارع أو العقلاء اعتبروا قصد المعنى المصدري علّة تامة لوقوع المعنى الاسم مصدري، فقصده له لا ينفك عن قصده له بما اعتقده من التلازم بنظر الشارع.

غير المعتقد، قصده قصده

وإن لم يكن ملتفتاً إلى إمكان التفكيك أو لم يكن معتقداً به فيكون قصده قصده، أي يكون قصده للمعنى المصدري قصداً للمعنى الاسم مصدري قهراً وبالتبع.

وعليه: فالمكره (ومن هو بصورته) لو قصد المعنى المصدري فقد قصد الاسم مصدري لقوله بالتلازم بينهما ثبوتاً إذ رأى عِلّية تحقق المعنى المصدري لتحقق الاسم مصدري وحينئذٍ قصده للأول لا ينفك عن قصده للثاني، أو قد يقصده لعلمه بالتلازم بينهما بنظر الشارع أو بنظر من بيده الاعتبار، نعم يمكن له مع ذلك أن لا يقصد لكنه نادر أو غريب. فتأمل والله العالم.

*              *              *

- اكتب بحثاً موجزاً عن إمكان تفكيك الإنشاء عن المنشأ وعدمه، وعن إمكان قصد العلة دون قصد المعلول مع علمه بالعلية أو مع عدمه.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين


عن الإمام الصادق (عليه السلام) قيل له: ((قَوْمٌ يَعْمَلُونَ بِالْمَعَاصِي وَيَقُولُونَ: نَرْجُو، فَلَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَهُمُ الْمَوْتُ، فَقَالَ: هَؤُلَاءِ قَوْمٌ يَتَرَجَّحُونَ فِي الْأَمَانِيِّ، كَذَبُوا لَيْسُوا بِرَاجِينَ، إِنَّ مَنْ رَجَا شَيْئاً طَلَبَهُ، وَمَنْ خَافَ مِنْ شَيْ‏ءٍ هَرَبَ مِنْهُ)) (الكافي: ج2 ص68)

-----------------------------

([1]) أن المكره مع إمكان التفصّي، غير قادر إذ هو عاجز فعلاً.

([2]) في المكره مع إمكان التفصّي.

([3]) رجوعه إليه بالقول: أن المكره القادر على التفصّي، عاجز فعلاً، فان فيه: انه لا قيمة له في حد نفسه أي انه لا يبطل العقد، وأما دعوى ملازمته لعدم قصد المعنى الاسم مصدري فباطلة كما ظهر مما سبق.

([4]) بالدارج: ماله خُلگ.

([5]) وهذا تطور في رد مبناه (قدس سره) (من عدم قصد المكره للمعنى الاسم مصدري).

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4540
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 24 / شوال /1444هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19