• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : دروس في التفسير والتدبر ( النجف الاشرف ) .
              • الموضوع : 153- حقائق عن الموت وعالم البرزخ وسلسلة الامتحانات الالهية .

153- حقائق عن الموت وعالم البرزخ وسلسلة الامتحانات الالهية

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الارضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم. 
 
الموت البوابة الكبرى للسعادة أو الشقاء 
 
يقول تعالى في كتابه الكريم: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) 
 
لنتذكر الموت عند كل نظرة وبطشة وحركة وسكون 
 
الموت هو ذلك المصير الاسود المظلم المرعب الذي ينتظر البعض ممن شط عن درب الهداية وممن ركبه الهوى، واطاع الشهوات والشيطان والنفس الامارة بالسوء لا سمح الله. 
 
ولكن الموت هذا هو ذلك المصير المشرق بل هو البوابة الى رياض الله النضرة التي تنتظر البعض الاخر ممن امن واتقى وعمل صالحا، بل هو الامل للمؤمن حقا فانه الرَّوح والراحة وبوابة الرحمة الإلهية الواسعة. 
 
ان الموت هو ذلك المصير الذي ينتظرنا جميعا لكن اغلبنا عنه غافلون في اكثر الاوقات، وطالما مرت على الانسان الساعات بل والايام أحياناً، وهو لا يخطر بباله انه على مبعد خطوات من حفرة مظلمة موحشة ضيقة 
 
ان المؤمن عليه ان يستحضر مصيره في كل ان.. عند كل نظرة.. وعند كل كلمة.. وعند كل بطشة.. وعند كل حركة او سكون.. وعند كل تقلب في قلبه.. وعند حدوث أية درجة من درجات الرياء او السمعة او العجب او الغرور او التكبر. 
 
ان على الانسان ان يستحضر انه لا يبعد الا خطوات عن الموت. . فهل من الجدير، والحال هذه، ان يتكبر على الاخرين، ثم يحشر ـ لاسمح الله ـ بصورة الذر فتطأه اقدام الخلائق؟. 
 
ذكر الموت يومياً خمس مرات على الأقل 
 
وكان السيد الوالد (رحمه الله تعالى) يقول: (لو ان الانسان ذكر الموت في اليوم والليلة خمس مرات فقط لكفاه ذلك سائقا نحو الصلاح والاصلاح) ولتغير الكثير منا تغيّر كبيراً. 
 
فكيف لو كان الانسان يفكر يوميا وعلى مدار الساعة في هذا المصير الذي هو اما بوابة الى السعادة الابدية او بوابة الى الشقاء الابدي ـ لا سمح الله ـ 
 
وان الآيات والروايات عن الموت كثيرة لكننا سنقتصر على بعض الكلام عن هذا المصير الذي ندعوا الله سبحانه وتعالى ونحن في ظل مولى الكائنات امير المؤمنين علي بن ابي طالب (صلوات الله وسلامه عليه) ونتوسل اليه ببركته ان يجعل اول لحظات موتنا هي اول ساعات سعادتنا الابدية ان شاء الله تعالى. 
 
1) الحقيقة الاولى الحياة تشكل سلسلة من الامتحانات 
 
الحقيقة الاولى عن سكرات الموت.. ثم الموت.. ثم عالم البرزخ، هي لحظات الاحتضار تشكل أخر حلقة في سلسلة الامتحانات الإلهية ذلك ان الحياة كلها سلسلة من الامتحانات ففي كل ثانية يمتحن الانسان.. فيُرى كيف يتعامل مع زوجته؟.. وكيف يتعامل مع اولاده؟.. وكيف يتعامل في المدرسة؟.. في الحوزة.. في الجامعة.. في الشارع.. في المصنع.. في الدائرة.. في بيعه.. في شراءه؟ وقد ورد: ان الدين المعاملة، وكيف ينظر؟ كيف يتكلم؟ كيف يتحرك؟.. وهكذا.. فالحياة إذن هي سلسلة من الامتحانات والابتلاءات. 
 
ولعل سقوط الإنسان في امتحانٍ ما، قد يبدو بسيطاً لمعصيةٍ يعتبرها حقيرة، تجرُّه ـ لا سمح الله ـ الى قعر جهنم، او تحتم عليه عذابا إلهياً لا يتحمله بشري. 
 
الرجل الصالح الذي عُذب في البرزخ على معصيتين فقط! 
 
ومن النافع ان نتدبر في هذه الرواية التي وردت في بحار الانوار ناقلاً لها عن كتاب علل الشرائع حول ذلك الشخص الذي توفي وقد عبر عنه الامام (صلوات الله تعالى عليه) انه من الاخيار ولكنه مع ذلك عذّب بما لا طاقة لبشري به! فإذا كان من الأخيار ثم يعذب، فما بالك بغير الأخيار؟ ولنا ان نسأل انفسنا: هل نحن من الاخيار؟ وهل الانسان الذي ينظر الى اعراض الناس ولو عبر جهاز التلفاز هل هو من الاخيار؟ وهل الذي يغتاب مؤمنا وينهش لحوم المؤمنين من الاخيار؟ وهل الذي يتكبر على عباد الله حتى على خادمه او زوجته. من الاخيار؟ وهل الذي يصاب بالعجب او الغرور هو من الاخيار؟ وهل الذي لا ينصر المظلوم وهو قادر على ان ينصره هل هو من الاخيار سواءاً أكان المظلوم من شعبه أم من عشيرته أم من موظفيه او من أية جماعة أخرى. 
 
ان الامام (صلوات الله تعالى عليه ) في هذه الرواية يعبر عن هذا الميت بانه من الاخيار, لكن مع ذلك ناله ما ناله من العذاب: 
 
يقول الامام الصادق (صلوات الله وسلامه عليه ): Sاقعد رجل من الاخيار في قبره ـ وهذا مصيرنا الذي ينتظرنا جميعا، فاننا الان في راحة نمشي، ونتكلم بما يحلو لنا ونأكل ما لذ وطاب ونشرب ما هنأ واستطاب، لكننا غافلون عما ينتظرنا!! ثم لا نعلم كم سنبقى في عالم البرزخ؟ لعله مليون او ملايين من السنيين، مع ان الانسان لا يتحمل هنا ان يكون لمدة خمسة دقائق في ضيق او في عذاب، اوان تلتهم اصابع ايديه نارٌ خفيفةٌ,فكيف بنار سجّرها جبارها لغضبه كما يقول امير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه ) 
 
فلنتصور انفسنا حقيقة وقد اُقعدنا في قبورنا للحساب ـ فقيل له انا جالدوك مئة جلدة من عذاب الله ـ وهذا مع انه من الاخيار والصالحين ـ فقال : لا اطيقها، فلم يزالوا به حتى انتهوا الى جلدة واحدة ـ إذ خفف الله الرحيم عليه ـ فقالوا ليس منها بد، قال: قال: فبم تجلدونيها؟ ـ فذكروا له معصيتين فقط! وعلينا الان ان نستعرض حياتنا، كم نعصي الله في اليوم والليلة؟ وكم معصية صدرت من بعضنا طوال هذه السنين؟ وهذا الرجل كانت له معصيتان فقط ـ قالوا : نجلدك لأنك صليت يوما بغير وضوء ـ ربما كان الجو باردا او ان ماء البئر بعيدة ويصعب النزح منها في قلب الشتاء او غير ذلك ـ ومررتَ على ضعيف فلم تنصره ـ فكم ضعيف مررنا عليه فلم ننصره من الايتام او المساكين او المستضعفين او الاطفال ـ قال : فجلدوه جلدة من عذاب الله عزوجل فامتلأ قبره ناراR أعاذنا الله تعالى وإياكم من ذلك. 
 
ان هذا الامتحان البسيط الذي يتعرض له كل واحد منا عند اية معصية، هو في حد ذاته خطير وعقابه كبير فكيف لو اننا لاحظنا ان هذه المعصية قد تكون حلقة تجر ورائها حلقة اخرى ثم تكون سلسلة تجر الانسان الى قعر جهنم؟ 
 
الحقيقة الثانية: لحظات الاحتضار هي المعركة الفاصلة والنهائية 
 
الحقيقة الثانية: ان لحظات الاحتضار لعلها أخطر محطات الامتحان الإلهي، وهي المعركة الكبرى والفاصلة والأخيرة بين السعادة الأبدية أو الشقاء الأبدي لا سمح الله. 
 
لحظات الاحتضار يجند إبليس والشياطين كافة طاقاتهم لإغواء هذا العبد المسكين؛ لان ابليس يعرف ان هذه فرصته الأخيرة لينتقم من ادم (عليه السلام)وابناءه، فاذا ما نجح ابليس هنا فانه قد هدم جهود الانسان الصالح ولو امتدت لعشرات السنيين. 
 
ولذا فان حالة الاحتضار هي الأخطر حقاً فانه من جهةٍ نجد ان الشياطين يجنّدون كافة الطاقات لكي يشط هذا الانسان عن الدرب، ومن جهة ثانية فان الانسان يكون في اضعف حالاته. 
 
والسيد الاخ (رحمة الله تعالى عليه) كان يقول: (لا تنظر الى هذه المعصية الواحدة كمعصية واحدة، بل انظر الى ان هذه المعصية باعتبار انها في المحصلة النهائية، عندما توضع في ميزان عملك, فقد تكون كفتا الميزان متساويتين لكن هذه المعصية ترجح كفة المعاصي!!) 
 
ولا يقولنّ أحدنا: ان أعمالي الصالحة كثيرة؛ إذ ما ادرانا؟ اذ لعل كل هذه الأعمال من الصلوات والصدقات وغيرها غير مقبولة؟، ولعل فيها من الرياء والعجب وغيرها ما يفسدها؟، ولعل كل عملٍ عمله الانسان لا يقبل، وعليه: فلعل هذه المعصية التي تبدو بسيطة، هي التي تحسم المصير الابدي للإنسان اما الى جنة واما الى نار – لا سمح الله -. 
 
(العابد) الذي جرّه الشيطان من الصومعة إلى المشنقة! 
 
وقد جاء في الرواية ما فيه أكبر العبرة والعظة عن ذلك العابد في بني اسرائيل الذي وصل الى مقام كونه مستجاب الدعوة او على الاقل هكذا كان ينظر الناس اليه، فاغراه الشيطان ففعل القبيح ثم قتل تلك المرأة، فأعتقل ثم عُلق على حبل المشنقة!! 
 
وان كل انسان معرض لان يسقط في امتحان ما، في امتحان المال، او امتحان الشهرة، او في امتحان الرياسة أعاذنا الله جميعاً من ذلك، وكان هذا الرجل عابداً مشهوراً بالصلاح وإذا به يُعلّق على حبل المشنقة بتهمة الفساد!! ان ذلك شيءٌ مؤلمٌ بدرجة لا تتصور، وفي تلك اللحظات تجلى له ابليس، فقال له: ان الذي اوقعك فيما اوقعك هو انا، فان اردت الخلاص من هذه الورطة فاطعني، قال: بمَ، قال : اسجد لي، فسجد له المسكين، فشنق فذهب الى جهنم!! ـ والعياذ بالله تعالى ـ 
 
الطالب الذي لم ينطق بالشهادتين اثناء الاحتضار 
 
والمعاصي بعضها اخذ بعنق بعض، والسيد الوالد (رحمة الله تعالى عليه وعلى جميع علماءنا وشيعة امير المؤمنين جميعا) كان ينقل هذه القضية: كان هناك طالب هاجر من بلاده الى بلد اخر ليطلب العلم، وقد مضت عليه شهور في الدراسة وهو غريب في احدى المدارس ومعه مجموعة من الطلبة وهم غرباء ايضا، لكنهم تجشموا العناء لكي يدرسوا.. وفي اثناء ذلك طغى الوباء على ذلك البلد، فابتلي ذلك الطالب بمرض الطاعون, ووصل الى مرحلة الاحتضار، فتحلق أصدقاؤه من الطلبة حوله، وقالوا له: يافلان: قل: اشهد ان لا اله الا الله وان محمداً رسول الله، لكنه ـ والعياذ بالله ـ اعرض بوجهه !! كرروا ذلك معه مرة أخرى من الطرف الاخر: يا فلان: الم تكن طوال عمرك موحدا مؤمنا فقل: اشهد ان لا اله الا الله وان محمد رسول الله، فاعرض ايضا!! ثم تكرر ذلك في المرة الثالثة ثم الرابعة فيئسوا منه.. 
 
(وعلينا ان نسأل الآن أنفسنا: ما هي الضمانة ان لا يكون احدنا ـ والعياذ بالله ـ كهذا الطالب؟) 
 
ثم ان الله تعالى مَنّ على هذا الطالب بان عرق عرقا غزيرا ثم شفي من مرضه، ولعل ذلك لكي يوصل لنا وللملايين من الناس هذه الرسالة رحمة من الله تعالى بنا: 
 
فسئل: يا فلان الم تكن موحدا مؤمنا؟ قال: بلى، كنت كذلك، قالوا اذن كيف رفضت في اخر لحظاتك ان تتشهد بالشهادتين؟ قال: الأمر كما تقولون، لكن عندما كنتم تلقنوني الشهادتين والشهادة الثالثة، اردت ان انطق بها لكن تجلى لي ابليس وبيده كتاب كنت أحبه الى ابعد الحدود، فقال لي وبيده الاخرى علبة ثقاب: اذا ما نطقت بالشهادتين فإنني سوف احرق هذا الكتاب!، وانا لشدة حبي بهذا الكتاب اعرضت فلم اتشهد، فاختفى إبليس ثم جئتموني مرة أخرى فأردت ان انطق بها فتجلى لي ابليس مرة اخرى وهددني كذلك.. وهكذا.. ولو انني مت لكنت من اهل النار، لكن الله عز وجل تفضل علي وارجعني إلى الحياة... 
 
ابليس خطير حقاً لأنه يعرف نقاط ضعف كل إنسان 
 
وهذه القصة ليست قصة خيالية، بل هي القصة المستقبلية لكل واحد واحد منا، لكن الله يمتحن كل شخص في نقطة ضعفه، فقد تكون نقطة ضعف شخص ما، الرياسة، فيتجلى له ابليس ويقول له مثلا : لو لم تطعني وتكفر فانك ستفقد ذلك المنصب وذلك الكرسي الذي طالما حلمت به وتعبت في الوصول اليه وصرفت عمرك على امل نيله وحيازته. 
 
والبعض الاخر قد تكون نقطة ضعفه: المال، إذ قضى سنيين طويلة وهو يجمع ذلك الرصيد الذي اودعه في المصرف، وحينئذٍ قد ياتي الشيطان في لحظات الاحتضار وبيده علبة الثقاب ويهدده بحرقه كله!! والبعض نقطة ضعفهم: الشهرة أو النساء وحب النساء[1] أو غير ذلك، وكلٌ يمتحن بما يكشف جوهره وواقعه. 
 
فليست القضية قضية (كتاب خاص محبوب وأثير)، بل القضية هي ان بليس يجري من الانسان مجرى الدم، وان موطنه صدور بني ادم كما ورد في الرواية فهو يعرف نقطة ضعف الانسان بدقة بالغة. 
 
إن على الانسان لدى كل معصية ان يتذكر ان هذه المعصية ليست هي معصية عادية بل هي طاعون ووباء حقيقي قد يحطم ايمانه كله، واما في لحظات الاحتضار فقد تكون هذه المعصية شرارة نار قد تحرق ايمانه باكمله. 
 
"ومعظم النار من مستصغر الشرر" 
 
فان شرارة واحدة تحرق بلدا باكمله كما لا يخفى, والانسان اذا نظر الى المعصية بهذا المنظار وانها شرارة نار قد تاتي على ايمانه باكمله، لتغير وضعه واستقامت طريقته وتحول الى ولي من الاولياء بإذن الله تعالى. 
 
هذه هي الحقيقة الأولى والثانية بإيجاز، والمعاصي ـ كما في الرواية ـ بعضها آخذ بعنق بعض حتى تورد ذلك البعيد العاصي الى النار ـ أعاذنا الله تعالى واياكم من ذلك ـ 
 
كما ان الحسنات بعضها آخذ بعنق بعض، أي انه يدعو أولها ثانيها فثالثها، حتى تورده الجنة ـ رزقنا الله تعالى واياكم ذلك ـ 
 
2) الحقيقة الثالثة، مصير الانسان في عالم البرزخ 
 
الحقيقة الثالثة هي: ان الانسان بعد الموت وعندما يوضع في حفرته، ما الذي يجري لبدنه؟ وما الذي يجري لروحه؟ ومن الذي يعذب منهما في ذلك العالم البرزخي الرهيب؟ 
 
الاحتمالات متعددة: 
 
هل الروح تتجسد أم توضع في قالب مثالي أم الجسد يعود؟ 
 
1- ان الروح تتجسد، والمثال المقرب للذهن هو نَفس الانسان في الشتاء، اذا ما لفحته زخة من الهواء البارد فانه يُرى بوضوح، فالاحتمال الاول هو ان الروح الشفافة في القبر تتجسد وهذا الاحتمال كما يقول السيد عبد الله شبر في كتابه القيّم (حق اليقين) محتمل في بعض الروايات[2]. 
 
2- ان الروح لا تتجسد وانما توضع في قالب مثالي، اما نوراني اذا كان من المؤمنين، او ظلماني اذا كان من الاشرار ـ والعياذ بالله ـ ووضع الروح في قالب مثالي في عالم البرزخ ما تدل عليه روايات كثيرة كما صرح بذلك العلامة المجلسي في البحار[3] ولعله ظاهر السيد عبد الله شبر في حق اليقين[4] 
 
ثم ان هذا البدن في الدنيا هو سجن للإنسان، اما ذلك البدن المثالي فيعطي الانسان المؤمن صلاحيات اوسع، ومن الصلاحيات : ما اشارت اليه الروايات الشريفة بان بعض المؤمنين من الاموات يزور اهله كل جمعة، وهذا يعتمد على درجة شفافية ذلك القالب المثالي او النوراني الذي وضع فيه وحسب مساحة الحرية التي اعطيت له، وفي الرواية ان بعض المؤمنين يسمح له بان يزور اهله باليوم مرة. 
 
فمن منا يريد ان يحبس في تلك الحفرة الضيقة؟ ! لا احد يريد ذلك، الا ان الغفلة عن الموت وعن هذا المصير هي التي تنحدر بنا لا سمح الله إلى تلك الحفرة الموحشة الضيقة. 
 
3- ان هذا البدن بنفسه في القبر يعذب أي الجسد المادي المعهود بما هو هو. 
 
والمستظهر لدى العبد الفقير ان الاحتمالات الثلاثة كلها واردة، ولا مانعة جمع بينها، بل انها ترمز الى مراحل زمنية متتالية في القبر: فمرحلة تتجسد فيها الروح ومرحلة توضع فيها الروح في قالب مثالي ومرحلة ثالثة ـ وهي اولى المراحل زمنا ـ يرد فيها العذاب على البدن بنفسه[5] 
 
وهذا التحليل العلمي تحل به الكثير من العقد : مثلا في الرواية ان الامام الصادق (صلوات الله وسلامه عليه) شاهد الامام الباقر (صلوات الله وسلامه عليه) بعد وفاته، وهنا تجري الاحتمالات الثلاثة المتقدمة فقد يكون شاهده ببدنه المادي، وقد تكون روح الامام الباقر (صلوات الله وسلامه عليه) قد تجسدت وتجسمت، والاحتمال الثالث ان تكون روحه قد ظهرت في بدنها المثالي، مع انني احتمل احتمالا رابعا لا مجال لذكره الان. .. 
 
كما ان في الرواية ان امير المؤمنين ( صلوات الله وسلامه عليه) لما انكر ابو بكر خلافته ووثب على الإمارة في قصة مفصلة ـ ذهب به الامام الى موضع وأراه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم). 
 
وفي رواية اخرى ان أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) رأى يوشع بن نون. 
 
وفي روايات الاسراء والمعراج عند الفريقين ان الرسول الاكرم (صلى الله عليه واله ) رأى ابراهيم (عليه السلام) والانبياء. 
 
فهل كانوا بأجسادهم الحقيقية؟ أم أجسادهم المثالية؟ ام تلك الارواح المتجسدة؟ ثلاث احتمالات. 
 
والبحث في هذا المجال طويل نكتفي منه بهذا القدر. .والمهم ان يستحضر الانسان في باله، دائماً مصيره. وان يفكر مليا بين فترة وأخرى أي نوع يختار من انواع المصائر والعواقب؟. 
 
نسال الله تعالى ان يوفقنا واياكم لكي نكون من السعداء في الدنيا ومن السعداء في الاخرة ببركة محمد وال محمد صلى الله عليه واله. 
 
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين. 
 
 
 
 
[1] - يقول تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ)سورة آل عمران: آية 14، وهذه الامور الست (حب النساء، والبنين، والذهب والفضة, والخيل المسومة، والانعام، والحرث ) لعلها هي نقاط ضعف الانسان الرئيسية وكل الشهوات الأخرى تعود إليها وتتفرع منها ـ المقررـ 
 
[2] - لا يخفى انه ذكر روايات ثلاثة معينة واحتمل فيها ذلك فلاحظ وتدبر. 
 
[3] - بحار الأنوار ج6 ص271- 272. 
 
[4] - حق اليقين الفصل الرابع عالم البرزخ. 
 
[5] - كما صرح بذلك العلامة المجلسي أيضاً قال (وإنما السؤال والضغطة في الأجساد الأصلية) البحار ج6 ص270.

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=892
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء 30 ربيع الآخر 1434هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29