كلمة اسرة الامام الشيرازي في تأبين الذي اقيم في الحوزة العلمية الزينبية في دمشق بمناسبة ذكرى استشهاد آية الله السيد حسن الحسيني الشيرازي رضوان الله عليه ، القاها بالنيابة فضيلة الشيخ حسن عبد الهادي مدير الحوزة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على محمد و آله الطاهرين ، و اللعنة على اعدائهم اجمعين الى يوم الدين
في البداية نتقدم بالشكر الجزيل لكافة العلماء و الطلاب و المؤمنين الذين ساهموا في تأسيس الحوزة العلمية في سوريا منذ اربعين عاماً ، و صمدوا رغم جميع الازمات التي مرت بهم ، صبروا على جميع المشكلات ، فاستقاموا لئلا تبقى السيدة زينب عليها السلام غريبة ، فجزاهم الله خيراً ، و اجرهم على الله سبحانه .
و نخص بالذكر منهم الابطال الأفذاذ الذين دافعوا عن حرم عقيلة الهاشميين عليها السلام ، فلم يدعوا يد الغدر و الارهاب تطال مقامها الشريف ضحوا بانفسهم فاستشهد منهم جمع صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فلئن كانت عليها السلام غريبة بعد يوم الطف ، الا ان هؤلاء الابطال ذادوا عن مقامها ، و لم يسمحوا بتكرار اسرها مرة اخرى ، فعلى الله اجرهم ، و نسأله ان يحفظ سائر المدافعين بعينه التي لا تنام .
تمر علينا الذكرى السنوية لاستشهاد المفكر الاسلامى آية الله السيد حسن الحسيني الشيرازي مؤسس الحوزة العلمية في هذا البلد المبارك ، و في الوقت الذي يعيش فيه العالم الاسلامي في دوامة من الحروب، التي اشعل فتيلها الاستعمار من جهة ، و التخلف و الفكر المتطرف من جهة اخرى ، و استبداد الانظمة الاستعمارية من جهة ثالثة .
انها حروب تهلك الاخضر و اليابس ، و تخرب البلاد ، و تقتل العباد !
لقد ذكر شهيدنا الغالي في كتبه و محاضراته اسباب هذا التخلف ، و ذكر جملة من الحلول ، نشير الى بعضها باختصار:
اولا:
ان الفكر المتطرف و الذي ظهر بشكل نفاق في عهد الرسول صلى الله عليه و آله ، و بشكل بغي و تمرد عسكري في عهد امير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب عليه السلام ، ثم غذّاه الامويون و حكام جور آخرون ، هذا الفكر استولى على بعض البلدان الاسلامية ، و نهب خيراتها ، و تمكن عبر شراء الذمم و الاعلام و التعليم من الانتشار ، و من ثَمّ تأسيس الحركات المتطرفة التي استهوت بعض الشبان و غسلت ادمغتهم !
و لابد من مقابلة الفكر بالفكر ، فقد قال الله تعالى ( ادع الى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي احسن).
و من هذا المنطلق اهتم سيدنا الشهيد بتأسيس الحوزات العلمية في سوريا و لبنان ، و تربية علماء و مبلغين لنشر الدين الحنيف ، الاسلام الذي يدعو الى الرحمة و الفكر و الثقافة ، كان من برامجه تأسيس حوزات و معاهد دينية اخرى ، الا ان يد الغدر سبقته ، فاردته شهيدا في ارض لبنان ، و كذلك اهتم بالكتاب و النشر ، فألّف عشرات الكتب ، و التي تشعّ فيها موسوعة الكلمة ، و قد كتبها حول المعصومين الاربعة عشر و السيدة زينب عليهم الصلاة و السلام.
ثانيا:
الاعلام يشكل ركيزة ثانية و مهمة في مجال تعريف الناس و خاصة الشباب بالاسلام الحنيف ، و يُبعّدهم عن التأثّر بالافكار المنحرفة و المتطرفة .
و قد اهتم سيدنا الشهيد بذلك ، فحينما كان في العراق و حيث كان الاعلام يتمثل في الاذاعات ، و كانت آنذاك خاصة بالحكومات ، تمكن الشهيد من القاء محاضرات توجيهية من اذاعة بغداد و التي جمعت في كتاب ( التوجيهات الدينية ) .
كما انه سعى بعد هجرته خارج العراق الى تأسيس محطة اذاعة ، لكن الامكانات المحدودة حالت دون ذلك ، الا ان فكرة تأسيس المحطات الاعلامية لم تمت باستشهاد الشهيد السعيد.
و انما واصل النهج اخوته ، فحيث بدأ عالم الفضائيات حثّ الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي اعلى الله درجاته على تأسيس الفضائيات التي تُبيّن للناس الاسلام الحق و منهج الرسول و اهل بيته عليه و عليهم الصلاة و السلام.
و قد تم بحمد الله و برعاية المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله تأسيس عدة فضائيات و التي كان لها اثر كبير في تعريف الناس بالاسلام و بسيرة الرسول و اهل بيته ، و نسأل الله ان يوفقها لمزيد من خدمة الدين الحنيف ، لتتمكن من مقاومة الاعلام المضاد ، و لتتمكن من حفظ الشباب من الانزلاق في الفكر المتطرف ، و الذي تروج له وسائل اعلامية كثيرة مدعومة بدول اقليمية واستعمارية !
ثالثا:
من اسباب ضعف المسلمين تفرقهم و تشرذمهم ، و قد كان سيدنا الشهيد من الدعاة الى الوحدة الاسلامية بمفهومها الصحيح ، و التي تعني التعايش ، و حفظ السلم الاهلي ، و التعاون في المشتركات بين المسلمين ، من دون التنازل عن المبادئ و الثوابت و اقوال و سيرة اهل البيت عليهم السلام .
و ذلك حين ظهرت افكار اخرى بين افراط و تفريط ...
فقد ظهرت افكار متطرفة تدعو الى تكفير الاخر من المسلمين ، كما ظهرت افكار تدعو الى التماهي و الغاء ثوابت مذهب اهل البيت عليهم السلام !
و كلا الاتجاهين خطأ و لم ينتجا سوى الدمار و التشرذم و التفرقة .
فالدعوة الى انكار الاخر و تكفيره أدّت الى حركات متطرفة تنتهج القتل و التدمير.
و الدعوة الى الغاء الثوابت أدّت الى التفرقة الداخلية و لم تُفلح في الوحدة مع الاخر !!
اما سيدنا الشهيد رحمه الله فكان يدعو الى الوحدة الاسلامية بالطريقة التي امر بها اهل البيت عليهم السلام ، فذلك تعايشٌ مع حفظ الثوابت ، بل و التبليغ لها بالحكمة و الموعظة الحسنة .
و اليوم يلعب الاستعمار على وتر التفرقة و الطائفية ، فعلينا ان نكون حذرين و ان نثقف المسلمين الى لملمة جهودهم، للخروج من الازمة الحالية ، و من ثَمّ التحرك نحو المطالب الهامة للامة الاسلامية!
رابعا :
ان القضية الفلسطينية و قضية القدس الشريف كانت تأخذ حيزا كبيرا من فكر و جهد سيدنا الشهيد ، فكتب حول القدس ، و انشأ قصائد و مقالات ، و عرض حلولا .
و ان من اهم دواعي الاستعمار لايقاد الحروب الداخلية اليوم في بلاد المسلمين هو صرفهم عن القضية الفلسطينية، ليسلم المحتلون ، فعلينا ان نواصل جهودنا الفكرية و الاممية لتحرير القدس ، و رجوع اهل فلسطين اليها، و ان لا تشغلنا الازمات الداخلية عن بذل الجهود لتحرير القدس الشريف.
خامسا:
ان مقدساتنا الاسلامية تُنتهك في الحجاز ، و عبر الفكر المتطرف !
فهذا البقيع الغرقد - و هو مثوى اربعة من ائمة اهل البيت عليهم السلام و قرابات الرسول صلى الله عليه و اله و اصحابه - قد هدموه منذ اكثر من تسعين عاما.
و ان السعى لاعادة اعماره من اهم الامور ، و الهدف من ذلك توقير الرسول صلى الله عليه و آله و اهل بيته عليهم السلام ، و الذي امرنا الله في كتابه بمودتهم ، مضافا الى وأد الفكر المتطرف الذي يقوم على اساس محاربة اهل البيت عليهم السلام ، و لذا فان بناء البقيع هو من اهم خطوات محاصرة المتطرفين ، و هو رمز للحرية الدينية، و عدم ترك الفكر المتطرف وحيدا في الساحة الدينية في بلاد الحجاز يعيث فسادا و يغسل ادمغة الشباب المغرور بهم !
و قد سعى سيدنا الشهيد في هذا المضمار سعيا حثيثا ، و بذل جهدا كبيرا ، و تلك الجهود و إن لم تُكلل بالنجاح في حياته ، الا ان خطواته كانت البداية ، و علينا جميعا مواصلة ذلك الجهد لتثمر الجهود ، و يُبنى البقيع ، و تعاد آثار الرسول صلى الله عليه و اله ، ليكون ذلك إيذانا ببدأ عهد جديد بين المسلمين في التعايش ، و نبذ التطرف ، و التكاتف لاعادة عزة المسلمين.
و ختاما :
فانا نتقدم بالشكر الجزيل لكم جميعا لحضوركم تأبين سيدنا الشهيد ، كما ندعو الله ان يحفظ حماة حرم السيدة زينب عليها السلام ، الذين بذلوا جهدهم ، و قدموا نفوسهم قربانا على اعتاب مقامها الطاهر ، و لم يتركوا للتكفيريين مجالا للوصول الى مبتغاهم ، فرحم الله الشهداء منهم ، و عجل الله في شفاء جرحاهم ، و حفظ الباقين منهم.
و السلام عليكم جميعا و رحمة الله و بركاته
١٦/ جمادى الاخرة/ ١٤٣٦هـ
عن اسرة المرجع الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي
جعفر الشيرازي
|