• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : (1436-1435هـ) .
              • الموضوع : 8- ردود على الحسيين: 6ـ المعقولات الثانية والانتزاعيات 7ـ الاستقراء المعلل .

8- ردود على الحسيين: 6ـ المعقولات الثانية والانتزاعيات 7ـ الاستقراء المعلل

بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم.
 
دروس في أصول العقائد
 
(8)

تتمة مناقشات الحسيين:

سادساً: المعقولات الثانية بقسميها
ومن الأدلة الواضحة التي تتكفل بمفردها بإبطال النظرية الحسية: المعقولات الثانية البسيطة (الفلسفية) والمعقولات الثانية المركبة (المنطقية).
 
توضيح ذلك: إن المعقولات على أقسام ثلاثة:
 
المعقولات الأولى
 
1- المعقولات الأولى: وهي التي لا يعتمد الذهن في معرفتها على معقولات أخرى تسبقها بل إنها مما يتعرف الذهن عليها مباشرة: عن طريق الحواس الظاهرة أو الباطنة بطريقة مباشرة وعن طرق أخرى غير الحواس بطرق مباشرة أيضاً.
 
وبتعبير أدق: إن المعقولات الأولى هي:
 
1- الجواهر التي توجد في الخارج مستقلة كالحجر والشجر والبشر ووجودها في نفسها لنفسها.
 
2- والأعراض التي يكون ظرف عروضها كظرف اتصافها في الخارج ووجودها في نفسها لغيرها، فالإنسان مثلاً معقول أولي لأن له ما بإزاء مستقل في الخارج، وكذلك الألوان والأشكال التي نراها بأعيننا فنتعرف على اللون الأبيض والأحمر والأصفر وعلى أشكال الجبال والغيوم والأشجار مباشرة، وكذلك الطعوم والروائح والأصوات وملمس الخشن والناعم، وهذه كلها من قبيل ما له وجود بنفسه في الخارج لكن لغيره والاتصاف بها في الخارج وكذا العروض.
 
وبتعبير أبسط: المعقولات الأولية هي صور الأعيان الواقعية التي تحضر إلى ذهن الإنسان بواسطة الحواس الظاهرة الخمسة أو بواسطة الحواس الباطنة مثلاً الحب والبغض والعداوة والصداقة، أو فقل هي مفاهيم كلية لها ما بإزاء مستقل في الخارج وقد انعكست جزئياتها إلى الذهن عبر الحواس.
 
المعقولات الثانية البسيطة
 
2- المعقولات الثانية الفلسفية، وهي التي لا توجد مستقلة بل إنها توجد بوجود منشأ انتزاعها، بعبارة أدق: هي التي ظرف اتصافها الخارج وأما ظرف عروضها([1]) فالذهن، وذلك مثل العلية والمعلولية، والوجوب والإمكان والامتناع، ومثل الفردية والزوجية وغيرها.
 
توضيح ذلك: إن العلية مفهوم ينتزع من الشيء من حيث إيجاده شيئاً آخر جوهراً كان الموجَد أو صفة أو فعلاً وحركة فالنار علة الإحراق مثلاً والذي نراه بأعيننا أو نحسه بحواسنا هو النار ـ وهي ذات العلة ـ أما صفة عِلّيتها فإننا لا نراها بل ندركها بالعقل فقط، و(العلية) موجودة في الخارج وغير موجودة فيه: أـ موجودة فيه بوجود منشأ انتزاعها، لأن النار حقيقة عِلّة للإحراق وعلية النار للإحراق هي علية خارجية لا أنها أمر مفترض ذهني فقط.
 
ب ـ غير موجودة فيه، أي بالاستقلال إذ ليست العلية أمراً قائماً بنفسه في الفضاء أو واقفة على مكان بل ان وجودها بوجود منشأ انتزاعها.
 
ولتصور ذلك بشكل أفضل يمكنكم التفكير في الفردية والزوجية فإن الفردية أمر منتزع من الثلاثة والخمسة والسبعة، وهي موجودة في الخارج بوجود منشأ انتزاعها لا بوجود مستقل([2]).
 
المعقولات الثانية المركبة (المنطقية)
3- وهي التي لا موطن لها إلا الذهن فلا وجود لها في الخارج استقلالياً ولا انتزاعياً، وذلك ككل المفاهيم المنطقية مثل الجنس، النوع، الفصل، الكلي، الجزئي، القضية، الموضوع والمحمول، المعرف، الحجة، فإنها جميعاً صفات لمفاهيم موجودة في الذهن لا غير.
 
والمعقولات المنطقية هي التي ظرف اتصافها كظرف عروضها في الذهن فقط.
 
ويتضح ذلك بملاحظة بعض الأمثلة:
 
(الكلي) فإنه ما يقبل الانطباق على كثيرين أو ما لا يمتنع فرض صدقه على الكثيرين، ومن البين أن الموجود في الخارج هو المصاديق فقط، والمصداق هو هو وليس غيره فكيف بانطباقه على كثيرين؟ وهل يعقل أن نقول مثلاً: زيد كلي أو في مثال آخر زيد نوع؟ إنما نقول (الإنسان نوع) والمراد الإنسان بعد دخوله إلى منطقة الذهن وتحوله إلى مفهوم كلي، وهو نوع كما هو كلي.
 
(الجزئي) فإنه المفهوم الذي يمتنع فرض صدقه على كثيرين، ومن البيّن أن الموجود في الخارج ليس إلا المصداق أما المفهوم فلا يوجد إلا في الذهن فإنه (مفهوم).
 
(الجنس) فإنه الكلي المقُول على أنواع مختلفة بالحقيقة([3])، ومن الواضح أن الموجود في الخارج ليس إلا المصداق ذو الحقيقة الواحدة فإنه لا يوجد في الخارج شيء يقبل الانطباق على حقائق مختلفة.
 
(المعرف) فإن المعرِّفية والمعرَّفية موطنها الذهن، ولا يوجد في الخارج إلا ذات المعرَّف.
 
والحاصل: أن صفة المعرفية أمر ذهني بحت، فعندما تقول (الإنسان جسم نامي حساس متحرك بالإرادة عاقل أو ناطق) فإن الموجود في الخارج هو ذات الإنسان وهو نفس النامي والحساس والمتحرك بالإرادة، أما معرفية هذه للإنسان ووصف المعرفية فإنه لا يوجد إلا في الذهن، وكذلك قولك الماء مركب من أوكسيجين وهيدروجين وغيرهما فإن صفة معرفية التركيب من الأوكسيجين والهيدروجين ليست إلا في الذهن.
 
ملاحظة: اسمينها المعقولات الثانية المنطقية بالمركبة لأن الاتصاف فيها في الذهن والعروض في الذهن أيضاً فهي مركبة من اتصاف وعروض ذهنيين، واسمينا المعقولات الثانية الفلسفية بالبسيطة لأن الاتصاف فيها في الخارج إلا أن العروض ذهني، فهي بسيطة على إشكال دقيق في إمكان التفكيك بين موطني الاتصاف والعروض يرتفع بان يراد بكل منهما رتبة معينة منهما.
 
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
==============================
 
 

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=1690
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 9 رجب 1436هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28