• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : (1436-1435هـ) .
              • الموضوع : 10- دفاعاً عن الحسيين: بعض الحواس هي المرجع في تصحيح بعض الحواس الاخرى ـ الاجوبة: 1ـ الحواس عديمة الشعور والادراك فكيف تميّز وتصحح وتكون الحكم والمرجع؟ 2ـ ان ههنا احكاماً وادلة عقلية عديدة مستنبطة: منها: الاستقراء المعلل ومنها: ادراك (التعارض) والاصل والمقياس والفرع والحكم بعد ذلك 3ـ سلمنا: لكن لا اطلاق لمصححية الحواس بعضها لبعض .

10- دفاعاً عن الحسيين: بعض الحواس هي المرجع في تصحيح بعض الحواس الاخرى ـ الاجوبة: 1ـ الحواس عديمة الشعور والادراك فكيف تميّز وتصحح وتكون الحكم والمرجع؟ 2ـ ان ههنا احكاماً وادلة عقلية عديدة مستنبطة: منها: الاستقراء المعلل ومنها: ادراك (التعارض) والاصل والمقياس والفرع والحكم بعد ذلك 3ـ سلمنا: لكن لا اطلاق لمصححية الحواس بعضها لبعض

بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم.
 
(مباحث المعرفة)
 
(10)
 
تتميم: نماذج من أخطاء الحواس
 
سبق ان الحواس كثيراً ما تخطئ فهل يعقل ان تكون الحواس هي الحكم في تمييز الخطأ من الصواب في الحواس؟ وهذه نماذج أخرى من أخطاء الحواس:
 
ان الحواس قد ترى المعدوم موجوداً وذلك كالسراب.
 
وقد لا ترى الموجود([1]) فتخاله معدوماً كالذرة والطاقة والماورائيات.
 
وقد ترى المتحرك ساكناً كالظل والأرض، أو الساكن متحركاً كالشمس([2]) كما نرى القمر سائراً باتجاه السحاب مع ان العكس هو الذي يحدث.
 
ونرى البعيد قريباً والبعيد قريباً أو الكبير صغيراً والصغير كبيراً في المرايا المحدَّبة والمقعرة.
 
كما نحس بمذاق التفاح أو البطيخ مراً لو تناولنا قبله العسل وإلا سنجده حلواً.
 
كما نرى العصا منكسرة في الماء وهي ليست بمنكسرة.
 
كما اننا قد نسمع أصواتاً لا وجود لها وقد لا نسمع أصواتاً موجودة إذا زادت ذبذباتها الصوتية أو نقصت عن الحد المعهود([3]). إلى غير ذلك.
 
دفاعاً عن الحسيين: الحواس هي المرجع في تصحيح أخطائها
 
ولكن يمكن لنا ان نتبرع بدفاع عن الحسيين، فنقول: انه يمكن ان يقال ان المرجع في تصحيح أخطاء الحواس هو الحواس بأنفسها إذ ان بعض الحواس مهمين على البعض الآخر وأقوى منها فيكون هو الحكم والمرجع، فالعصا التي نراها وهي في الماء منكسرة عندما نلمسها في الماء وخارجه فلا نلمس فيها انكساراً فاننا بذلك نكتشف ان انكسارها إنما هو من خطأ الباصرة وكذلك السراب عندما نقترب منه فلا نجد شيئاً إلى غير ذلك.
 
ولكن هذا الدفاع لا يصمد أمام الأجوبة التالية:
 
الأجوبة: 1- الحواس ليست شاعرة فكيف تكون حاكمة؟
 
أولاً: ان الحواس ليست شاعرة فكيف تحكم اللامسة بخطأ الباصرة مثلاً؟ ان الحكم هو عملية يقوم بها ذووا الشعور([4]) وإذا كانت الحواس غير شاعرة فكيف ينبؤنا أحد الحواس ان ما أحس به هو الصحيح وان ما ادركته الحاسة الأخرى كان هو الخطأ؟
 
وبكلمة: فان هناك قوة فوق الحواس تحكم بان هذا الحاسة قد اخطأت الواقع وتلك الحاسة هي التي أصابت كبد الحقيقة وان المرجع الصحيح ههنا هو هذا الحاسة دون تلك!
 
ويكفي ان تتصور شخصاً لا عقل له بل يكفي ان تتصور شخصاً أبله، فهل يمكنه ان يحكم بان ما لمسته يده هو الصحيح لا ما رأته عينه بل هل يدرك معنى ما لمسته يده لو كان فاقداً للعقل حقاً؟
 
ان الحواس – مجردةً عن العقل وحكمه – ليست إلا أجهزة تصوير وهل تستطيع (أجهزة التصوير) ان تدرك أولاً ثم ان تحكم بان الصورة التي التقطتها هي صورة صادقة أو كاذبة؟
 
2- الحكومة متوقفة على عدة أحكام عقلية
 
ثانياً: ان الحُكْم بمرجعية بعض الحواس وهيمنتها على البعض الآخر، يتوقف على عدة أحكام عقلية مستبطنة لا يعقل ان تنالها الحواس:
 
فمنها: ان ما ادركته هذه الحاسة (مغاير) لما ادركته الحاسة الأخرى.
 
ومنها: ان ما ادركته هذه الحاسة (معارض)([5]) لما ادركته الحاسة الأخرى.
 
ومنها: ان ما ادركته هذه الحاسة هو (الحاكم) على ما ادركته الحاسة الأخرى.
 
وهذه المفاهيم المتدرجة (المغايرة، المعارضة، الحكومة) بعضها([6]) من المعقولات الثانية الفلسفية التي الاتصاف فيها في الخارج والعروض في الذهن، وبعضها([7]) من المعقولات الثانية المنطقية. فتأمل وقد سبق ان هذه مما لا يعقل ان تحس بالحواس الخمس أبداً([8]).
 
كما يعتمد ذلك على أحكام عقلية أخرى:
 
ومنها: استحالة التناقض – والتناقض كاستحالته أمران عقليان لا يعقل ان تنالهما الحواس إذ لا وجود لهما – إذ بدون حكم العقل بهذا المبدأ فانه يمكن ان تكون العصا منكسرة ولا منكسرة في الوقت نفسه([9]).
 
ومنها: الاستقراء المعلل إذ اننا لمسنا عصا واحدة أو عدة عِصي فقط فوجدناها غير منكسرة في الماء، وهذا هو ما لمسناه ووصل إلينا عبر الحواس فقط، اما تعميم الحكم إلى سائر العِصي وان كل ما نلمسه ولم نره فانه لو أدخل في الماء فانه – كذلك - لا ينكسر بل هو من خطأ الباصرة (المفترض)، فان هذا التعميم حكم عقلي بامتياز!
 
3- التصحيح بحدس عقلي دون إدراك حسي
 
ثالثاً: سلمنا، لكن ذلك لا إطلاق له، فان الحواس وإن افترضنا ان بعضها هو الذي بنفسه – ودون رجوع للعقل أبداً بل ومن دون وجوده فرضاً – يصحح أخطاء البعض الآخر ويحكم بان الأصل هو ما أدركته والظل والشبح هو ما أدركته الحاسة الأخرى، لكن مما لا ريب فيه اننا نقوم بعملية تصحيح لمدركاتنا الحسية في الكثير من الأحيان، بعمليات عقلية دون ان يكون لأية حاسة أخرى مدخلية في الإدراك والاحساس فكيف بالحكم عليها وتصحيحها؟
 
والمثال الآتي، من بين المئات من الأمثلة، يكفي شاهد صدق على ذلك: فاننا نرى الظل ساكناً لكنه في الواقع متحرك، وهنا نسأل: من أين اكتشفنا ان الظل متحرك؟ ومن الطبيعي ان يكون الجواب: هو اننا رأيناه وقد تغير موقعه بعد دقائق ثم بعد دقائق أخرى وهكذا، لكن الحق: ان هذا استكشاف واستنتاج عقلي ليس إلا إذ اننا لم نر إلا الظل في هذا الموقع وعند هذا الحد ثم رأيناه في موقع آخر وحد آخر وهكذا ولم نر حركته مباشرة أبداً بل اكتشفنا من قياس الحدين (أو الحدود) منسوباً إلى الزمنين (أو الأزمنة) ان الظل قد تحرك (إذاً، حتماً) وهذا استنتاج عقلي لم يُرَ ولم يُلمس أبداً. ويؤكده ان ذلك الاستنتاج مبني على الحكم العقلي باستحالة الطفرة – أو على الأقل استبعادها – إذ لولا هذا الحكم الارتكازي الفطري لأمكن ان نصل إلى نتيجة، ما دمنا لم نر بأعيننا حركة الظل أبداً – ان الظل يقفز بين فترة وأخرى إلى الحد الثاني فالثالث فالرابع!! ولو رفضنا الطفرة فان ذلك بحكم عقلي مع اننا لم نر الطفرة ولا عدمها!
 
وبكلمة: ان ما لم نره يمكن ان يفسر بتفسيرات عديدة والأعم لا يكون دليل الأخص فمن أين ان الظل متحرك ببطئ بحيث لا يرى؟ بل لعله يستخدم استراتيجية القفزات؟ ولعل هذا الموجود هو ظل آخر مماثل للظل الأول الموجود عند الحد الأول؟
 
ان سخافة كل هذه الاحتمالات، مما يحكم بها العقل مباشرة([10]) وليست مما ترى أو تحس أبداً. وللحديث صلة
 
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================================
 
 
 
 
 
 
 
 
 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=1702
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 20 رجب 1436هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19