بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(156)
2- النائيني: لا تقابل سنخياً بين التمليك والتسليط
ثانياً: استدل الميرزا النائيني على عدم صحة كون الحق عوضاً حتى مثل حق التحجير – حسب المنقول عنه ([1]) – بأن المعتبر في البيع التقابل بين العوض والمعوض والثمن والمثمن ولو جعل الحق ثمناً لما تقابل العوض مع المعوض للزوم كونه عيناً مملوكة مع أن الحق سنخ مغاير لسنخ الملك فكيف يقابل به؟
بعبارة أخرى: البيع عقد وقوام العقد بأن يُعقد طرفٌ بطرف آخر أو بالعكس بأن يتبادلا فلو كان الثمن والمثمن كلاهما ملكاً تم العقد والربط أما لو كان أحدهما ملكان والآخر حقاً فانه لا يتم (العقد بينهما) إذ لا يتقابلان فكأن الذاهب من طرف البائع أمر (وهو المثمن وهو ملك) والجائي من طرف المشتري أمر آخر (وهو الثمن وهو حق) ولا يمكن وقوع أحدهما عوضاً للآخر إذ لا سنخية فلا التقاء في نقطة ما ليتم العقد.
بعبارة أخرى: الحق سلطنة مباينة للسلطنة الملكية.
الإشكال بكون الملك والحق من سنخ السلطنة والجواب
لا يقال: سبق – على بعض الأقوال – أن السلطنة حقيقة تشكيكية ذات مراتب فمرتبتها الدنيا الحق إذ هو سلطنة ضعيفة ومرتبتها الوسطى الملك فانه سلطنة أتم وأقوى والمرتبة العليا مالكية الله تعالى للأشياء فانها مالكية حقيقية وأما ملكيتنا للأشياء فمالكية اعتبارية ولذا فإن ملكيتنا تنتهي بانقطاع الاعتبار أما ملكيته تعالى فلا بل لا تنقطع ملكيته عن الشيء إلا بانعدامه فذاتِيُّهُ المملوكية له تعالى فإذا انتهت فرضاً انتهت ذاته.
وعلى أي فالحق والملك مرتبتان من حقيقة واحدة هي السلطنة وهي سنخ واحد فيصح التقابل والحل والربط والشدّ والتبديل.
إذ يقال: أجاب البعض بأن مراده التقابل العرفي لا الدقي؛ فانه وإن صح أن الحق لا يقابل الملك سنخاً، إلا أنهما عرفاً متقابلان، والبيع كسائر المفاهيم العرفية أوكل الشارع أمر تحديده إلى العرف بكافة ما يرتبط به إلا الحكم فانه منه.
الجواب: لا دليل على تقوّم البيع بالسنخية بين العوض والمعوض
ولكن أصل كلام الميراز النائيني محل تأمل إذ بناه على مدعى غير بيّن ولا مبيّن إذ من أين أنه يشترط في العوضين أن يكونا من سنخ واحد وأنه لا يكون التقابل إلا إذا كانا كذلك؟ فأصل كلامه مصادرة لم يُقم عليها دليلاً.
بل نقول: إن العرف المرجع في الموضوعات يرى صحة المقابلة بين الملك والحق بدون كلام هذا.
وستأتي أدلة أخرى على مدعى الشيخ مع مناقشاتها فلنشر الآن لبعض الأقوال الأخرى في المسألة فنقول:
الجواهر: يصح وقوع الحق عوضاً مطلقاً للإطلاقات
يقع في مقابل قول الشيخ المنكِر لصحة وقوع الحق عوضاً مطلقاً، قول صاحب الجواهر وقول صاحب العروة – وقد سبقت الإشارة لقول الأخير – فانهما يريان صحة وقوع الحق عوضاً مطلقاً والمراد بالإطلاق أمران:
الأول: صحة وقوع الحق عوضاً بنقله ما يقبل النقل من الحقوق للبائع بأن ينقل الحق إليه بدل ما ينقله من العين للمشتري، وذلك فيما يقبل النقل كحق التحجير.
الثاني: صحة وقوعه عوضاً بأن يسقطه بدون نقل مقابل ما ينقله البائع من العين، وذلك فيما لا يقبل النقل كحق الخيار وحق الشفعة – على مبناه من صحة إسقاطهما دون نقلهما – قال في الجواهر: (نعم في شرح الأستاد اعتبار عدم كونه ([2]) حقا مع أنه لا يخلو من منع لما عرفته من الإطلاق المزبور المقتضي لكونه كالصلح الذي لا إشكال في وقوعه على الحقوق، فلا يبعد صحة وقوعها ([3]) ثمنا في البيع وغيره، من غير فرق بين اقتضاء ذلك سقوطها كبيع العين بحق الخيار والشفعة على معنى سقوطهما ([4])، وبين اقتضائه نقلها كحق التحجير ونحوه) ([5]).
أقول: مقصوده من الإطلاق إطلاق أدلة البيع كـ( وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) ([6]) لكن مع تتميمه بأنه ([7]) بيع عرفاً، وإلا كان من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.
بعض الفتاوى مطلقة لكن لا إجماع وعلى فرضه فلا يستند إليه
وأيضاً يريد إطلاق الفتاوى كما فيما نقله قبل أسطر عن المصابيح من أنه (مطلق المقابل، فيدخل فيه الشخصي والكلي والعين والمنفعة، فيكون البيع حينئذ بالنسبة إلى ذلك كالإجارة والصلح، يقع لكل منهما ولا فرق بينهما من هذه الجهة وإنما الفرق في المعوض، فيختص البيع بالعين والإجارة بالمنفعة، ويقع الصلح عليهما كما يقع بهما) ([8]).
أقول: عبارة المصابيح لا تتضمن الحق لكنه يساق مساق المنفعة لجامع كلامه من (مطلق التقابل).
ولكن يرد عليه أن إطلاق كلام بعض الفقهاء لا يصلح دليلاً غاية الأمر انه مؤيد ولا معقد للإجماع أصلاً بل كلماتهم مختلفة، بل حتى لو فرض معقد للإجماع كمعقد المصابيح فانه لا يحرز التفاتهم إلى (الحق) بل غاية كلامهم عن (المنفعة) بل دعوى الغفلة عن هذه الجهة قريبة.
نعم لو كان اللفظ لفظ المعصوم لما كان احتمال للغفلة وكان يكفي إحراز أنه في مقام البيان بشكل عام، بل – حسب المنصور – عدم إحراز الخلاف، أما الفقهاء فأولاً: احتمال الغفلة فيهم وارد، وثانياً على فرض الالتفات فلا إحراز لكونهم في مقام البيان من هذه الجهة لو لم يدع إحراز العدم لتصريحهم بحكم المنفعة دون الحق. فتأمل
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
عن أبي عبد الله (صلى الله عليه وآله) قال: "إِنَّ الْعَالِمَ إِذَا لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ زَلَّتْ مَوْعِظَتُهُ عَنِ الْقُلُوبِ كَمَا يَزِلُّ الْمَطَرُ عَنِ الصَّفَا"
الكافي: ج1 ص44.
...........................................
|