مباحث الاصول: التبادر وصحة السلب والانصراف
(التبادر ، وصحة السلب ، والانصراف )
جمع واعداد: الشيخ عطاء شاهين
الفائدة الرابعة : أن لبحث الانصراف أهمية كبيرة في عملية الاستنباط ، لذا كان من المناسب أن يخصص له بحثاً خاصاً في علم الأصول ليتم من خلاله تحديد ضوابطه وبيان حدوده .
رغم استدلال الفقهاء بالانصراف على طول بحوث الفقه وعرضها ، ورغم اختلافهم في دعواه ونفيها ، إلا أنه لم يفرد له الأصوليون بحثاً خاصاً مستوعباً ووافياً لتحديد ضوابطه وبيان حدوده ، لذا كان من المناسب أن يشمر أحد الأعلام عن ساعد الجد والتحقيق لكتابة رسالة حول هذا البحث الكثير النفع والمترامي الأطراف ، ولعل الكتابة حوله تستدعي مجلداً ضخماً من البحث الدقيق والمعمق والأخذ والرد حتى يوفى حقه من البحث الأصولي [1].
الفائدة الخامسة : هناك طولية بين التبادر وصحة السلب من جهة ، وبين الانصراف من جهة أخرى ، فمن التزم بالانصراف أو التبادر لا يمكن له أن يلتزم بصحة السلب وبالعكس.
إن من التزم بالانصراف أو التبادر لا يمكن له أن يلتزم بصحة السلب وبالعكس ؛ لأن التبادر علامة الحقيقة وهو علامة المجاز – بالملازمة – في غيره ، وصحة السلب علامة المجاز عن المسلوب عنه، أما الانصراف فالالتزام به دليل على أن من يراه يرى أن ذلك المعنى حقيقي إلا أن اللفظ قد انصرف عنه لقرينةٍ [2] [3] .
الفائدة السادسة : ينقسم الانصراف إلى بدوي ومستقر.
والأول ما نشأ من كثرة الوجود صِرفاً ، والثاني ما نشأ من كثرة الاستعمال حتى أوجب أنساً ذهنياً للفظ بالمعنى أو أوجد للفظ وجهةً في ذاته ، ولكن والظاهر أن المقياس في ذلك هو وجود الأنس الذهني بحيث يوجد للفظِ وجهةً، وأما كثرة الاستعمال فهو معدّ ، فلو أوجدت كثرة الوجود الأنسَ كانت كذلك ، فتدبر [4].
بحث تطبيقي : يمكن الاستدلال بالتبادر على اختصاص المعوض في البيع بالعين أو على الأعم منها .
استدل جماعة على اختصاص المعوض في البيع بالعين [5] ، أي أن قوام البيع مفهوماً بكون المثمن فيه عيناً وأنه لو نقل المنفعة أو الحق فلا يصدق أنه بيع ؛ لأن المتبادر من لفظ البيع هو نقل العين .
ولكن قد يقال : إن المتبادر منه مطلق نقل ملكية شيء إلى الغير بالعوض، سواء أكان ذلك الشيء عيناً أم منفعة أم حقاً، ولم أجد - في استقراء ناقص- مَن استدل بالتبادر على خلاف المشهور [6] ، ولكنه وجه قابل للبحث والتدبر ، ويؤيده أن غالب أهل اللغة - إن لم يكن شبه المستغرق - لم يقيدوا البيع بالعين ، بل اطلقوا وعبروا عنه بعبارات نظير ما عرفه به المصباح من أنه : مبادلة مالٍ بمال ، وهذا يمكن استبداله بـ(تمليك ماله بعوض) أو شبه ذلك ، دفعاً لكونه غير مانع عن بعض الاغيار المسلمة ؛ ولنا على تبادر الأعم: استعمال العرف البيع في نقل المنافع في موارد كثيرة من دون إعمال عناية ؛ إذ أن الاستعمال وإن كان أعم من الحقيقة لكن الاستعمال بلا عناية دليل الحقيقة [7].
--------------
[1] البيع : الدرس 61.
[2] كمناسبات الحكم والموضوع .
[3] البيع الدرس 61.
[4]البيع الدرس (63) .
[5] وممن استدل على ذلك المحقق اليزدي (قدس سره) في حاشيته على المكاسب : ج1ص54 ، حيث قال تعقيباً على القول : ( الظاهر اختصاص البيع بالعين ) أقول : لأنه المتبادر من لفظه عرفاً ، ولصحة سلب البيع عن تمليك المنفعة بعوض ، وهما علامة كونه كذلك في العرف ، الكاشف عن كونه كذلك لغة أيضاً ، بضميمة أصالة عدم النقل ولا يضر ما في المصباح بعد ما عرفت كونه مبنيا على المسامحة .
[6] أي على أن البيع مطلق نقل ملكية شيء عيناً كان أو لا .
[7] البيع الدرس 64.
|