بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مبادئ الاستنباط
22- مبادئ التشريع ومقاصد الشريعة
هل (خَلَقَ لَكُمْ) منشأ لانصراف أدلة الحيازة عن (الحيازة الكلية)؟
سبق انه قد يقال ان اللام في (لكم) للنفع أو الشأنية فلا تُنافِي إطلاق (من حاز) وشمولها للحيازة الكلية إذ مفادها سببية الحيازة لفعلية الملكية، فهما من واديين، فليس المصب واحداً ليقال بحكومة هذا أو لانصراف ذاك.
ولكن قد يجاب: بان العرف يرى التنافي بين (لكم) واطلاق من حاز وشموله لها، وان لم يكن تناف بحسب الدقة العقلية، كما يرى الجمع بالانصراف([1])، والعرف هو الحكم في الظهورات ومنها وجه الجمع فان كان عرفياً كان حجة.
بيان ذلك:
ان ظاهر ( خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) هو ان هذه المجموعة – من الثروات – جعلت لهذه المجموعة – من الناس – سواء أكانت اللام للنفع، كما هو الظاهر، ام للشأنية أم حتى للملك، وذلك يتنافى عرفاً مع تشريع صحة تملك احد الناس لكافة الثروات؛ إذ يرى العرف بالنظر العرفي ان هذا مناقض لذاك أو فقل متهافت مع الغرض أو الغاية من جعل ما في الأرض لنفع الناس – أو لملكيتهم – كافة.
بعبارة أخرى: ان المولى لو قال هذه الثروات كلها للناس كلهم، ثم جعلها كلها لأحدهم معلقاً على شرط – كالحيازة – فان العرف يرون الكلام الأول لغواً مع تشريع الحكم الثاني، وان كان لا تنافي بالدقة لتعدد الموضوع بالشرط وعدمه.
صاحب الميزان: ملكية الفرد في طول ملكية المجتمع
ثم ان السيد الطباطبائي في الميزان ذهب إلى ان (المستفاد من (خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) وقوله: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً)([2]) ان الثروة الحادثة عند حدوثها للمجتمع بأجمعها، ثم اختص سهم منها للفرد الذي نسميه المالك أو العامل، وبقى سهم أعني سهم الزكاة أو سهم الخمس في ملك المجتمع كما كان، فالمالك الفردُ مالكٌ في طول مالكٍ وهو المجتمع)([3])
المناقشة:
أقول: قد يورد عليه
1- لام (لكم) للنفع، لا للملك، والأدلة على ذلك
أولاً: ان الظاهر ان اللام في (لكم) هي للنفع وليست للملك فليس الفرد مالكاً في طول ملك المجتمع، والدليل: مناسبات الحكم والموضوع، وعرفية فهم انها للنفع دون الملك، والإجماع القطعي على ان ما في الأرض من معادن وثروات ومياه وأسماك وغابات وغيرها، ليست بالفعل ملكاً للمجتمع بما هو مجتمع، غاية الأمر انها ملك بالقوة ثم بالفعل لمن حازها لا لغيره من سائر الناس ولا للمجتمع بما هو مجتمع([4])، بل ان صاحب الميزان بنفسه لا يمكنه ان يلتزم بلوازم ظاهر كلامه، إذ هل يلتزم بصحة وقف المجتمع ما في البحار قبل الحيازة، أو بيعها أو إجراء سائر المعاملات عليها؟([5])
2- ظاهر (لكم) انه انحلالي وليس للهيئة المجموعية
ثانياً: ان ظاهر (لكم) انه انحلالي وليس مجموعياً
توضيحه: ان المحتملات في (خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) هي أربعة:
1- ان يكون الجميع للجميع([6])
2- ان يكون المجموع للمجموع
3- ان يكون الجميع للمجموع
4- ان يكون المجموع للجميع
لكن الاحتمالات الثلاثة الأخيرة خلاف الظاهر إذ المجموع بما هو مجموع يراد به الهيئة الاجتماعية، وهي صفة اعتبارية زائدة على أصل وجود الشيء يحتاج اعتبارها بل لحاظها إلى مؤونة زائدة لا دليل عليها، والأصل – أي القاعدة – في استعمالات العرف العام والخاص على خلافها.
والحاصل: ان ظاهر (خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) هو ان جميع ما في الأرض هو لجميع الناس على سبيل البدل، فكل جزء من الثروات وضع بازاء فرد من الناس إجمالاً، لا ان الهيئة الاجتماعية للثروات – وهي علة صورية اعتبارية – هي للهيئة الاعتبارية الاجتماعية لاحاد الناس لا لآحادهم.
واعتبر بقول الواقف مثلاً: ان هذه الغرف العشرون للطلبة، فان ظاهر ذلك ان الغرف بنفسها لاحاد الطلبة على سبيل البدل لا ان الهيئة المجموعية للغرف([7]) هي للهيئة المجموعية للطلبة.
وبكلمة: فان ظاهر مختلف أدوات الجمع (كل، جميع، الجمع المحلى... الخ) هو ذلك فتدبر
3- ملكيتنا في طول ملك الله والمعصومين عليهم السلام، لا المجتمع
ثالثاً: إضافة إلى بداهة ان ملك زيد لما حازه ليس في طول ملك المجتمع له، ولعل ذلك من بديهيات كل الأديان والعقلاء([8])، إذ لا نرى متديناً بدين يرى ان ما اشتراه أو ورثه أو حازه هو بالفعل ملك للمجتمع وهو ملك له أيضاً وان كان طولياً.
والحاصل: ان نظير ما هو ثابت لله والرسول والأئمة عليهم السلام من الملكية الطولية، قد أثبته (الميزان) في ظاهر كلامه للمجتمع فتدبر. وللحديث صلة.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
([1]) فليس التعارض مستقراً.
([2]) سورة النساء: آية 5.
([3]) الميزان: ج9 ص389.
([4]) إلا لو حازته الهيئة الاجتماعية، على القول بذلك.
([5]) فان ذلك هو مقتضى دعواه ملكية المجتمع للثروات عند حدوثها فراجع تمام كلامه.
([6]) أي جميع الثروات لجميع الناس على سبيل البدل.
([7]) كالهيئة المجموعية للغابة، وهي غير آحاد أشجار الغابة.
([8]) إلا على مذهب الاشتراكية المبتدع على إحدى القرائتين له. |