||   بسم الله الرحمن الرحيم | اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً | برحمتك يا أرحم الراحمين   ||   اهلا وسهلا بكم في الموقع   ||  


  





 75- أنواع الحجج في أبواب الأصول

 275- (هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) 12 دور (الحكمة) وعلم المستقبل في نهضة الامة

 45- وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس) إستراتيجيات ومجالات سعة الصدر وكظم الغيظ على ضوء حياة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام

 42- (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) إعمار (سامراء والبقيع) من علامات التقوى ومن الواجبات الشرعية

 323- (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (2) التفسير الهرمنيوطيقي للقرآن الكريم

 293- الفوائد الأصولية (الحكومة (3))

 3-فائدة لغوية استدلالية

 225- مباحث الأصول: (القطع) (6)

 212- تجليات الرحمة النبوية في علم الاصول وفي الامتداد المنهجي في عمق الزمن

 111- بحث اصولي قانوني: ضرورة تأصيل المصطلحات



 اقتران العلم بالعمل

 متى تصبح الأخلاق سلاحا اجتماعيا للمرأة؟

 الحريات السياسية في النظام الإسلامي

 فنّ التعامل الناجح مع الآخرين



 موسوعة الفقه للامام الشيرازي على موقع مؤسسة التقى الثقافية

 183- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (1)

 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 قسوة القلب

 استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)

 الأجوبة على مسائل من علم الدراية

 النهضة الحسينية رسالة إصلاح متجددة

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة

 177- أعلى درجات التواتر لاخبار مولد الامام القائم المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه الشريف )



  • الأقسام : 85

  • المواضيع : 4431

  • التصفحات : 23954775

  • التاريخ : 18/04/2024 - 22:26

 
 
  • القسم : الفوائد والبحوث .

        • الموضوع : 143- بحث اصولي قانوني: عن المصالح العامة باعتبارها من مبادئ التشريع .

143- بحث اصولي قانوني: عن المصالح العامة باعتبارها من مبادئ التشريع
14 جمادى الآخرة 1438هـ

بحث اصولي قانوني: عن المصالح العامة باعتبارها من مبادئ التشريع*
 
دعوى تقدم المصالح العامة على الخاصة مطلقاً
ثم إنه قد يدعى أن من مبادئ التشريع (المصلحة العامة) وأنها من الأصول التي يتفرع عليها تشريع الكثير من الأحكام والفروع، والمهيمنة عليها، ولذا تكون مقدمة بنظرهم على المصالح الخاصة مطلقاً.
قال في تفسير الميزان: فإنما تراعى المصالح الخاصة على تقدير انحفاظ المصلحة العامة التي تعود إلى المجتمع وعدم المزاحمة، وأما مع المزاحمة والمفاوتة فالمقدم هو صلاح المجتمع من غير تردد، ويتفرع على هذا الأصل الأصيل في الإسلام فروع كثيرة هامة كأحكام الإنفاق ومعظم أحكام المعاملات وغير ذلك، وقد أيده الله تعالى في موارد من كتابه، كقوله تعالى: (خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) [1].
لكن يرد عليه:
 
لا إطلاقَ لتقدُّم المصلحة العامة، بل بعض أنواعها هو المقدَّم فقط
أولاً: إنه لا إطلاق لتقدم المصلحة العامة على الخاصة، من جهة أنواع المصالح العامة وأنواع المصالح الخاصة، فإن بعض أنواع العامة تُقدَّم على بعض أنواع الخاصة وبالعكس.
ومن ذلك ما لو تزاحمت مصلحة رفاه المجتمع وحريته في الحركة والذهاب والإياب بمصلحة الأمن الشخصي لأفراد معدودة من الناس، كما لو كان هناك خطر اغتيال عدة أشخاص، أو خطر وقوع تفجيرات يقتل فيها ثلاثون شخصاً فقط مثلاً، فإن العقلاء ـ وسيدهم ـ يرون ضرورة تقديم مصلحة الأمن الشخصي على مصلحة حرية حركة الناس، إذ (الناس مسلطون على أنفسهم) ومصلحة رفاههم، ولذا نجدهم يضعون الحواجز الأمنية ويتشددون في التفتيش، ويمنعون دخول بعض المناطق أو الأزقة وغير ذلك مما يُخِلُّ براحة الناس ورفاههم وحريتهم، بل قد يضر بتجارتهم وعملهم وأرزاقهم، ومع ذلك يقدّم العقلاء هذا النوع من المصلحة الشخصية (مصلحة حفظ حياة عدد معدود من الأفراد) على تلك الأنواع من مصالح المجتمع.
 
لا إطلاق من جهة مراتب المصلحة أيضا
ثانياً: إنه لا إطلاق أيضاً من جهة مراتب المصلحة العامة والخاصة ودرجاتها، إذ ليست كل درجات المصلحة العامة ملزِمة، بل بعضها لا يزيد على اقتضاء الاستحباب، فلا يقدَّم على درجة المصلحة الخاصة البالغة حد الوجوب والإلزام، بل حتى ما يتوهم ملزماً من بعض مراتب المصلحة العامة قد لا يقدم على بعض مراتب المصلحة الخاصة الملزمة.
ومن ذلك:ـ أي تزاحم مرتبة من المصلحة العامة مع مرتبة من المصلحة الخاصة ـ ما لو أريد توزيع (80%) أو (90%) أو أكثر أو أقل من ثروة الأغنياء ـ التي اكتسبوها من حِلِّها على الفرض ـ على كافة أفراد الشعب أو على الطبقة الفقيرة وهي بالملايين، فإنه لا شك في أن مصلحة الفقراء هي في توزيع ثروة الأغنياء عليهم ـ ولعلها بمئات المليارات بل وترليونات الدولارات في بعض الدول ـ لكنها مزاحَمة بمصلحة تملك الأغنياء لما جنوه من حِله، ولا شك أن الشرع الإسلامي، بل وكافة العقلاء والأديان والملل إلا النادر منهم، لا يجوِّزون مصادرة أموال الأغنياء مطلقاً[2] بالأكثر من الخمس والزكاة عندنا والضرائب المعهودة عندهم، والتي تتراوح في بلاد الغرب بين (22%) إلى (40%) كمعدل، هذا إضافة إلى أنها مفروضة على الجميع منهم الأغنياء والطبقة المتوسطة وحتى ذوي الدخل المحدود.
 
التقنين بيد الشارع وإن عَلِمنا المبدأ
ثالثاً: إن الشارع لَمْ يُوكِل تقنين المبادئ ومنها (المصلحة العامة) أي تحويلها إلى قوانين وأحكام[3] إلى الناس، بل إنه هو الذي تصدَّى لتحديد مصاديق المصلحة العامة والخاصة وأصنافها وأنواعها، وقدّم تارة هذه على تلك وأخرى عَكَس، وذلك لجهات:
منها كثرة خطأ الناس في التطبيق، ومنها عدم إحاطة الناس عادة بسائر الجهات المزاحِمة أو الأمور المانعة عن تأثير المبدأ ـ كالمصلحة العامة ـ في حسن فعلية التشريع على طبقه، ويظهر ذلك لنا جلياً في منعه عن القياس لخفاء ملاكات الأحكام علينا، فإنه وإن عرفنا بعضها إلا أننا لا نعرف بعضها الآخر.
ثم لو فرضت الإحاطة بجميعها ـ وليس كذلك ـ فإننا كثيراً ما نجهل الإنطباق.
ومن ذلك: إنه رفض وضع الضريبة على الإرث[4]، مع أن المصلحة العامة      ـ بنظر كثير من العقلاء ـ في وضع الضريبة عليه، بل تصل الضريبة في بعض الدول إلى (70%) في بعض الحالات؛ وكذلك رفضه لمطلق الضريبة والمكوس والجمارك ونظائرها.
وأيضاً: تحديده لـ (حدود) ما يقتطع للصالح العام، مع أنه قد يرى العقلاء الصالح العام في الأقل أو الأكثر، وذلك كتحديد الخمس في (20%) والزكاة في بعض الصور بـ(2.5%)، ولم يسمح الشارع لأحد أن يعدّل نسبة الخمس إلى العشر أو النصف، متذرعاً بأن المصلحة العامة تقتضي ذلك.
والحاصل: أنّ مثل الخمس والزكاة أحكام مجعولة بنحو القضية الحقيقية لا الخارجية، فتدبر!
نعم، غاية الأمر أنّ الشارع أوكل تحديد بعض مصاديق المصلحة العامة ـ كما في التعزيرات أو موارد إعمال الولاية على القصّر والغيّب أو بعض الشؤون العامة ـ إلى الفقيه الجامع للشرائط، أو إلى شورى الفقهاء، أو إلى عدول المؤمنين ـ على المباني ـ لكن ذلك محدّد بالأطر والحدود التي عيّنها وحدّدها الشارع، ثم إن الجزئي لا يكون كاسباً ولا مكتَسباً، فلا يصلح دليلاً على أن المصلحة العامة مطلقاً تشريعاً ـ مما هو من فعل الشارع ـ وتطبيقاً، هي مما نعلمه ومما بأيدينا.
والحاصل: إننا نقول بالتفصيل، لا بالإطلاق الذي ذكره الميزان، وبأنّ عالم التشريع لا سبيل لنا إليه إلا معرفة بعض الحِكَم، وأما عالم التطبيق فقد أُوكِل بعضه إلى من حدده الشارع الأقدس بالحدود التي رسمها، فتدبر جيداً!
 
المصلحة العامة مبدأ قد يزاحمه غيره أو يمنعه
رابعاً: أن المصلحة العامة هي مبدأ من مبادئ التشريع وقد تزاحَم بنفسها ـ أي بأصناف منها ـ كما قد تزاحم بمبدأ آخر، فليست المصلحة العامة علة تامة للتشريع، بل هي إحدى المقتضيات أو هي جزء المقتضي لا غير.
توضيح ذلك أن المصلحة العامة الاقتصادية قد تزاحم بالمصلحة العامة السياسية[5]، وقد يزاحم أحدهما أو كلاهما بالمصلحة العامة الاجتماعية أو الحقوقية أو الأمنية أو الصحية والبيئية وغيرها منفردة أو مجتمعة، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى.
والحاصل: أنّ (المصلحة العامة) كلي انتزاعي لا يصح الاستناد إليه في مرحلة التقنين كعنوانٍ بما هو هو، بل لا بد من تحليله إلى أصنافه ثم نسبة بعضها إلى بعض، ونسبة بعضها أو مجموعها إلى (المصلحة الخاصة) بعد تحليلها إلى أصنافها كذلك، هذا مع قطع النظر عن أن ذلك ليس في حيطة البشر ـ كما سبق في الجواب الثالث ـ فتدبر جيداً!
 
بيان آخر للإشكالين الثالث والرابع
وهنا نعيد صياغة الإشكالين الثالث والرابع، مع إضافات:
المصالح متعددة الأبعاد والجهات ولا يحيط بها إلا الشارع، ولا تفويض إلينا
ثالثاً: نقول:
أ ـ إن المصلحة العامة كالمصلحة الخاصة، متعددة الأبعاد والجهات:
أما الأبعاد فإنه قد تُلاحظ المصلحة الحالية للفرد أو المجتمع، وقد تلاحظ المصلحة المستقبلية لكل منهما، وقد تلاحظ مصلحة الأجيال القادمة، كما أن مصالح الآخرة قد تلاحظ أيضاً.
وأما الجهات فكجهات المصالح من اقتصادية وسياسية وإجتماعية وأمنية وصحية وحقوقية وغيرها، والشارع الأقدس في تشريعه قد لاحظها بأجمعها.
ب ـ إن البشر لا يحيط بكل تلك الجهات: أصلاً أو حدوداً أو وزناً.
ج ـ ولذا لم يفوض الشارع الأقدس أمر التشريع ولا أمر استكشاف علله التامة ولا أمر أكثر أنواع تحديد النوع التشريعي المقدم على النوع الآخر إلى الناس، بل استأثر ذلك لنفسه، ويستثنى من ذلك الرسول (صلى الله عليه وآله) وسائر المعصومين (عليهم السلام) على المنصور، حيث فوّض الله تعالى إليه دينه كما وردت بذلك روايات عديدة[6] ذكرها في الكافي وغيره.
والحاصل: أن الشارع استأثر لنفسه أمر أصل تقنين الأحكام وتشريعها كما استأثر أمر تحديدها كما سبق .
د ـ وبناءاً على ذلك فإنه لا يصح لنا الاستناد إلى مبادئ التشريع ـ ومنها المصلحة العامة ـ في جعل  الأحكام وإنشائها[7]، ولا في تقنين تقدُّم نوع أو صنف أو مصداق من المصلحة العامة على المصلحة الخاصة أو العكس وتشريعه، إذا كان[8] بنحو القضية الحقيقية، بل ولا حتى كشف العلة التامة لتشريع الشارع حكماً من الأحكام.
والحاصل: أنّ الاستناد إلى المبادئ التي منها تقدم المصلحة العامة على فرضه، يبقى بحثاً نظرياً غير مفوّض أمرُ التشريع على طبقها ولا أمر تطبيقها إلينا إلا في ضمن الأطر التشريعية الخاصة وبقيودها المحددة وفي إطار القضية الخارجية، وتنحصر عمدة فائدته في مبحث فلسفة الأديان.
 
المصلحة العامة مقيدة بعدم كونها ظلماً:
رابعاً: إن (المصلحة العامة) حكمة وليست علة، ويكفي دليلاً على ذلك أنها مقيدة بعدم كونها ظلماً أو استلزامها له، ولذا لا نرى الفقهاء ـ ولا غالب العقلاء إلا النادر ـ يجوّزون[9] مصادرة كافة أموال ثريٍّ أو مجموعة من الأثرياء ممن اكتسبوا الأموال من حِلها، وإن كان ذلك في صالح المجتمع والفقراء، وذلك لأنه يشكل ظلماً على الغني.
 
المدار على عدم الإضرار بالمجتمع لا على انحفاظ مصالحه
خامساً: الأقرب للصواب ـ لو كان ـ أن يقال: إنما تراعى المصالح الخاصة على تقدير عدم إضرارها بالمصالح العامة لا على تقدير انحفاظ المصالح العامة، فإن انحفاظها يشمل جلب المنفعة وحفظها، وعدم الضرر؛ وهذا الأخير هو القيد لا الثلاثة، فتأمل[10]!
ويوضحه: أنه لا يلتزم الفقهاء بجواز ـ فكيف بوجوب ـ جبر التاجر الذي يتاجر في الكهربائيات ـ مثلاً ـ على التحول إلى تجارة الإلكترونيات ـ مثلاً ـ لمجرد أن هذه الأخيرة أنفع بحال المجتمع، وأن بها تنحفظ مصالحه العامة كالنمو الاقتصادي والإزدهار وحسن سمعة البلد بين الأمم مثلاً، في فرض كون هذه التجارة محققة لكل ذلك دون تلك.
بل نقول: لا إطلاق لانحفاظ المصلحة العامة وتقدّمها في صورة تضررها بحفظ المصلحة الخاصة[11]، ولذا قلنا: إن ما ذكرناه هو الأقرب للصواب وليس الصائب بقول مطلق.
ويدلك على ذلك أنه لا يحكم العقلاء ولا يفتي الفقهاء على نحو القضية الحقيقية بحرمة هجرة الطبيب إلى خارج بلده أو إلى منطقة أخرى إذا تعرضت حياته أو عرضه للخطر، رغم أن هجرته تضر بالصالح العام، نظراً لحرمان الكثير الكثير من الناس من خبرته وعلاجه، خاصة في البلاد التي ليس فيها من فيه الكفاية من الأطباء، مما قد يؤدي إلى موت الكثيرين أو تضررهم ضرراً بالغاً.
وكذلك الحال في هجرة بعض العقول الاقتصادية والعلمية وغيرها إذا تعرضت حياتهم أو أعراضهم للخطر، رغم أن البلد والصالح العام يتضرر دون شك بهجرتهم.
نعم يستثنى ما لو حكم الفقيه ـ بناءاً على القول بولايته ـ على الطبيب أو العقل المفكر بالبقاء، فيقدّم الصالح العام هنا نظراً لحكم الفقيه، لا لصِرف كونه الصالح العام، وعلى أية حال فإن مثل ذلك قضية خارجية وموجبة جزئية لا تضر بدعوانا، إذ مدعانا عدم الموجبة الكلية لا السالبة الكلية لتنقضها الموجبة الجزئية، فتدبر!
------------------------------------------------
 
 
[6] وقد سميت ـ أي بعضها ـ بسنة الرسول (صلى الله عليه وآله)، وقد وردت بذلك روايات عديدة، منها ما رود في (الكافي: ج1 ص266) الرواية المعتبرة التالية: ((عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) يَقُولُ لِبَعْضِ أَصْحَابِ قَيْسٍ الْمَاصِرِ: ((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَدَّبَ نَبِيَّهُ فَأَحْسَنَ أَدَبَهُ، فَلَمَّا أَكْمَلَ لَهُ الْأَدَبَ قَالَ: (إِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ)، ثُمَّ فَوَّضَ إِلَيْهِ أَمْرَ الدِّينِ وَالْأُمَّةِ لِيَسُوسَ عِبَادَهُ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) كَانَ مُسَدَّداً، مُوَفَّقاً، مُؤَيَّداً بِرُوحِ الْقُدُسِ، لَا يَزِلُّ وَلَا يُخْطِئُ فِي شَيْ‏ءٍ مِمَّا يَسُوسُ بِهِ الْخَلْقَ، فَتَأَدَّبَ بِآدَابِ اللَّهِ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ الصَّلَاةَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ عَشْرَ رَكَعَاتٍ، فَأَضَافَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) إِلَى الرَّكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، وَإِلَى الْمَغْرِبِ رَكْعَةً، فَصَارَتْ عَدِيلَ الْفَرِيضَةِ، لَا يَجُوزُ تَرْكُهُنَّ إِلَّا فِي سَفَرٍ، وَأَفْرَدَ الرَّكْعَةَ فِي الْمَغْرِبِ فَتَرَكَهَا قَائِمَةً فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، فَأَجَازَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ ذَلِكَ كُلَّهُ، فَصَارَتِ الْفَرِيضَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) النَّوَافِلَ أَرْبَعاً وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً مِثْلَيِ الْفَرِيضَةِ، فَأَجَازَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ ذَلِكَ. وَالْفَرِيضَةُ وَالنَّافِلَةُ إِحْدَى وَخَمْسُونَ رَكْعَةً، مِنْهَا رَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعَتَمَةِ جَالِساً تُعَدُّ بِرَكْعَةٍ مَكَانَ الْوَتْرِ، وَفَرَضَ اللَّهُ فِي السَّنَةِ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) صَوْمَ شَعْبَانَ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ مِثْلَيِ الْفَرِيضَةِ، فَأَجَازَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ ذَلِكَ. وَحَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْخَمْرَ بِعَيْنِهَا، وَحَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) الْمُسْكِرَ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ، فَأَجَازَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَعَافَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) أَشْيَاءَ وَكَرِهَهَا وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا نَهْيَ حَرَامٍ، إِنَّمَا نَهَى عَنْهَا نَهْيَ إِعَافَةٍ وَكَرَاهَةٍ، ثُمَّ رَخَّصَ فِيهَا، فَصَارَ الْأَخْذُ بِرُخَصِهِ وَاجِباً عَلَى الْعِبَادِ كَوُجُوبِ مَا يَأْخُذُونَ بِنَهْيِهِ وَعَزَائِمِهِ، وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) فِيمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ نَهْيَ حَرَامٍ، وَلَا فِيمَا أَمَرَ بِهِ أَمْرَ فَرْضٍ لَازِمٍ، فَكَثِيرُ الْمُسْكِرِ مِنَ الْأَشْرِبَةِ نَهَاهُمْ عَنْهُ نَهْيَ حَرَامٍ، لَمْ يُرَخِّصْ فِيهِ لِأَحَدٍ، وَلَمْ يُرَخِّصْ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) لِأَحَدٍ تَقْصِيرَ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ضَمَّهُمَا إِلَى مَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، بَلْ أَلْزَمَهُمْ ذَلِكَ إِلْزَاماً وَاجِباً لَمْ يُرَخِّصْ لِأَحَدٍ فِي شَيْ‏ءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا لِلْمُسَافِرِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُرَخِّصَ شَيْئاً مَا لَمْ يُرَخِّصْهُ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) فَوَافَقَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَنَهْيُهُ نَهْيَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَوَجَبَ عَلَى الْعِبَادِ التَّسْلِيمُ لَهُ كَالتَّسْلِيمِ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى)).

 

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : 14 جمادى الآخرة 1438هـ  ||  القرّاء : 10022



 
 

برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net