||   بسم الله الرحمن الرحيم | اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً | برحمتك يا أرحم الراحمين   ||   اهلا وسهلا بكم في الموقع   ||  


  





 178- (المتقدمات) على الظهور المبارك و(المقدمات) و (الممهدّات)

 339- فائدة أصولية كلامية: تحقيق في قاعدة الملازمة بين حكمي العقل والشرع

 245- الاستشارية شعاع من اشعة الرحمة الالهية وضوابط وحدود الاستشارة

 334-(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) (9) الأدلة الخمسة على وجوب الإحسان للإنسان

 61- (إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين)4 سر الإصطفاء الإلهي وفلسفة المعدن الأسمى

 292- الفوائد الأصولية (الحكومة (2))

 261- مباحث الاصول: بحث الحجج (حجية الشهرة) (3)

 44- فائدة علمية منهجية: الحفاظ على التراث الاصطلاحي للفقه والاصول والكلام

 428- فائدة أصولية: افتراق الإرادة الجدية عن الإرادة الاستعمالية لوجود حكمة

 Reviewing Hermeneutics: Relativity of Truth, Knowledge & Texts – Part 2



 اقتران العلم بالعمل

 متى تصبح الأخلاق سلاحا اجتماعيا للمرأة؟

 الحريات السياسية في النظام الإسلامي

 فنّ التعامل الناجح مع الآخرين



 موسوعة الفقه للامام الشيرازي على موقع مؤسسة التقى الثقافية

 183- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (1)

 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 قسوة القلب

 استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)

 الأجوبة على مسائل من علم الدراية

 النهضة الحسينية رسالة إصلاح متجددة

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة

 161- مفردات ومصاديق مبادئ الاستنباط (8): علم الاديان الفقهي والاصولي المقارن



  • الأقسام : 85

  • المواضيع : 4431

  • التصفحات : 23592275

  • التاريخ : 19/03/2024 - 06:33

 
 
  • القسم : الفوائد والبحوث .

        • الموضوع : 310- الفوائد الأصولية: القصد (1) .

310- الفوائد الأصولية: القصد (1)
1 ربيع الثاني 1440هـ

الفوائد الأصولية: القصد

جمع و اعداد الشيخ عطاء شاهين *

الفائدة الأولى: أن  بحث (القصد) من المباحث المهمة المترامية الأطراف ؛  وهو وإن  تطرق إليه الأصوليون ولكنه  بحاجة إلى مزيد من البحث والتحليل بشكل أوسع   ليتحقق الغرض الاقصى  منه.

بيان الفائدة:
إن مبحث القصد هذا يحتاج إلى توقف أكثر في الأصول، وقد تتبعنا بعض التتبع فوجدنا بعض البحوث الجيدة في هذا الحقل، ولكنها ليست محققة للغرض الأقصى والغاية المرجوة؛ إذ البحث في القصد هو بحث مترامي الأطرف، ومن أبعاده -وكمصداق له-  الرواية الشريفة: ( إنما الأعمال بالنيات) [1] ونظائرها كحسنة أبي حمزة (لا عمل إلا بنية )[2] فما هو المراد منها؟ فإن هذه الكلمة لها أبعاد ولها عمق، وتستدعي مزيداً من البحث والتحليل، وسنشير إلى بعض ذلك، وإلى المعاني المتعددة والمحتملة بما ينفع المقام فانتظر[3][4].

الفائدة الثانية: من الضروري في الفقه والأصول تحقيق حال العناوين المأخوذة موضوعاً أو شرطاً للحكم هل هي كذلك  بالمعنى المصدري أم الاسم مصدري؛ إذ  بذلك يتم معرفة حال المسألة هل هي مرتهنة بقصد المكلف ونيته أم لا  ؟ بل أن فائدة  ذلك ونفعه لا ينحصر على علمي الفقه والأصول بل يشمل كثير من العلوم الأخرى.

بحث تطبيقي:
لا بد في كل عنوان ورد - موضوعاً أو شرطاً أو غير ذلك-  في لسان الدليل من التأمل في كونه موضوعاً أو شرطاً بمعناه المصدري أو بمعناه الاسم مصدري؛ فإنه بذلك يُعرف أنه مرتهن بالقصد أو لا، وسنذكر ههنا بعض الأمثلة الفقهية الهامة بين ما أحرز كون المدار هو المعنى المصدري ، وما أحرز أنه الاسم مصدري،  وما شك في كونه أيهما مما يحتاج إلى التماس دليل من خارج:

الحيازة
فمنها: الحيازة ؛ فإن الإنسان بالنسبة لما حازه فإنه[5] معنى مصدري على ما ذهب إليه الفقهاء؛ لذا فهو مرتهن بالقصد ؛ فلو حاز الطير أو السمك لا بقصد الحيازة والاستيلاء بل بقصد لمسه وتحسسه –مثلاً- لم يملكه ولم يكن له به حق الاختصاص، فـ(الانحياز)[6] - أي كونه محوزاً وهو المعنى الاسم مصدري – غير كافٍ في دخوله في ملكه أو في ثبوت حق الاختصاص له؛ ف(من حاز ملك)[7] موقوف على القصد للملك، وكذا الحال في قوله عليه السلام : (مَنْ أَحْيَا أَرْضاً مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ) [8].
وذلك على العكس من الحريم ؛ فإن سلطنته عليه وحقه به غير موقوف على القصد[9] ؛ بل هو حاصل له قهراً [10]؛ فلو أحيا الأرض أو النهر أو البئر ملك حريمها ؛ فـ(الانحرام)[11] - أي كونه حريماً- عنوان غير قصدي وهو المعنى الاسم مصدري.

أخذ السمك
ومنها: أخذ السمك؛ فإن ذكاة السمك بأخذه وموته حياً خارج الماء[12]، ولكن هل هو الأخذ المصدري أو الاسم مصدري؟ فإن قلنا إنه الاسم مصدري لم يحتج إلى قصد بل يكفي الانؤِخاذ، أي كونه بيده مأخوذاً ؛ وأما إن قلنا إنه المصدري فلا بدّ من القصد.

الشعيرة
ومنها: الشعيرة ؛ فإن الشعيرة بالمعنى الاسم مصدري تختلف عنها بالمعنى المصدري؛ حيث إنها بالمعنى الاسم مصدري هي – كالاغتسال-  تتوقف على القصد، وأما الشعيرة بالمعنى الاسم مصدري - فهي كالغسل أي الحاصل من ذلك الحدث- فلا تتوقف على القصد؛ وعليه فلو شارك في عزاء كعزاء طويريج مثلاً بقصد آخر[13] لا لأجل المواساة وإحياء أمرهم فإن الشعيرة بالمعنى المصدري غير صادقة عليه؛ وأما بالمعنى الاسم مصدري فصادقة عليه[14].

كفن الميت ودفنه
ومنها: دفن الميت وكفنه؛ فإذا كان المطلوب والمراد للشارع المعنى الاسم مصدري فإن الدفن حاصل بأي نحو حصل سواء بقصد أم لا بقصد ؛ بل حتى لو تحقق بسبب حيوان أو زلزلة مثلاً، وأما إذا كان المطلوب المعنى المصدري فهو بحاجة إلى قصد.

ذكر اسم الله
ومنها: ذكر اسم الله تعالى على الذبيحة ؛ ففي قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ﴾ [15] هل المراد من ذكر اسمه تعالى الذكر المصدري أو الاسم مصدري؟ فإن أريد المصدري كان الظاهر اشتراط القصد، وإن أريد الاسم المصدري فلا؛ لصدق أنه مذكور عليه اسم الله حتى لو حصل بلا قصد ؛ أو كان الجهاز- كالمسجل والحاسوب- يبث اسم الله صدفة أثناء ذبحه.
بل نقول: لدى التدبر في كلمات الأعلام نجد أن من استظهر حرمة الذبيحة - إذا لم يَقصُد ذكر اسم الله عليها، وإن ذكر بلا قصد- بنى في ارتكازه على أنه معنى مصدري؛ ومن احتمل الحِلّية- أو رآها صناعةً- بنى في ارتكازه أيضاً على أنه معنى اسم مصدري وإن لم يصرِّح أيَّ منهم بذلك؛ ولكن بعد الالتفات لهذا المبحث الجديد سيظهر بوضوح بناء الاستظهار -حرمةً وحلّيةً - على ذلك الاستظهار الموضوعي[16].
قال في الجواهر: كما أنّ الظاهر اعتبار ذكر التسمية بعنوان كونها على الذبيحة، فلا يجزئ التسمية الاتفاقية التي لم تكن بالعنوان المزبور، ولا أقلّ من الشكّ في حصول التسمية المعتبرة بدون ذلك والأصل عدم التذكية)[17].
والتدبر يقضي بأن ذكر التسمية بعنوانها المصدري هو الذي استظهر صاحب الجواهر قدس سره كونه الموضوع للحلية، في الآية والروايات، وهو الذي بنى عليه.
وقال السيد الوالد قدس سره في الفقه: ثم هل يعتبر ذكر التسمية بعنوان أنها على الذبيحة، فلا يجزي التسمية الاتفاقية التي لم تكن بالعنوان المزبور؟ احتمالان: ذهب الجواهر إلى عدم الكفاية ، أما احتمال الكفاية فهو لأنه ليس مما لم يذكر اسم الله عليه، ولا شك أن الأحوط الأول، وإن كان الأصل عدم اشتراط[18] الإلصاق)[19].
والتدبر يقضي بأنه بنى على أن الذكر بالمعنى الاسم مصدري هو الذي استظهره ؛ ولذا اعتبر : لأنه ليس مما لم يذكر اسم الله عليه؛ ولا شك أنه بالمعنى الاسم مصدري قد ذكر اسم الله عليه دون المصدري حسب فرض المسألة، فتحقيق ان المدار على المعنى المصدري أو اسمه هو الفيصل في الأمر.

عِدّة المطلقة والمتوفَّى عنها زوجها
ومنها: العِدّة للمطلقة؛ فإنه اسم مصدري؛ إذ تبدأ العدة من حين الطلاق وإن لم تقصد الاعتداد بل حتى لو لم تعلم به، فعدة الطلاق ثبوتية، وذلك عكس عدة الوفاة فإنها إثباتية وليست اسم مصدرية ؛ لأنه لو مات ولم تعلم بموته فلا تبدأ عدتها وإنما تبدأ عدتها من حين علمها بذلك ؛  فعدة المتوفى عنها زوجها علمية أي منوطة بالعلم.
نعم؛ هي ليست قصدية، فهو نظير لمبحثنا وليس منه.

الغبطة
ومنها: الغبطة؛ حيث يشترط في تصرفات الولي في زواج البكر عدم المفسدة أو الغبطة[20]؛  لكن هل هي الغبطة الثبوتية أو الإثباتية؟ وهل الغبطة المصدرية أي التي هو بها عالم ولها قاصد؟ أو الاسم مصدرية أي ما كان غبطة بالمآل وثبوتاً وإن لم يقصد مصلحتها أو لم يعلم أن لها به المصلحة؟ وكذا حال الولي على الطفل أو القيم عليه؛ فلو باع سيارة اليتيم أو ابنه القاصر قاصداً مصلحته قاطعاً بها ثم ظهر أن ذلك البيع ليس له فيه المصلحة فهل هو باطل أو لا؟ فذلك منوط بنحوٍ أخذ الغبطة في لسان الدليل ؛ فإنها إن أخذت مصدرية إثباتية فصحيح؛ أو ثبوتية اسم مصدرية فباطل.

الإحسان
ومنها: الإحسان ؛ ففي قوله تعالى: ﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [21] هل المراد منه المعنى المصدري أو الاسم مصدري؟ وذلك في مثل الطبيب والقصاب والخياط [22] أو الحمال إذا عثر بل والصديق المتطوع بحمل متاعك إذا عثر فانكسر المتاع.
توضيحه: أن  ذلك الحال فيه صور أربعة:
الصورة الأولى: إذا كان محسناً إثباتاً وثبوتاً بفعله، أي كان قاصداً الإحسان وكان ثبوتاً إحساناً له؛  فهنا  لا يكون ضامناً  كما هو واضح، كما لو قصّ ثوبه وخاطه بما ينبغي.
الصورة الثانية: إذا كان مسيئاً إثباتاً وثبوتاً ؛ فهنا يكون ضامناً كما لا يخفى ، كما لو قصد إفساد طعامه أو ثوبه فإنه ضامن أو قصد استئصال كليته السليمة وكانت المستأصلة هي السليمة مثلاً فعليه القصاص أو الدية بلا شك.
الصورة الثالثة: إذا كان محسناً إثباتاً لا ثبوتاً ، أي بالمعنى المصدري لا الاسم مصدري ؛كما لو قصد الإحسان إليه بإمساك يده إذ عَثَرَ فخلعها، أو قصد غسل ثوبه في النهر فاخطأ فأتلفه أو أخذه النهر، أو قصد حمل متاعه برضاه فكسره، فهنا يجري البحث هل أن الآية تشمله فلا يكون عليه سبيل وضمان أم لا [23]؟
الصورة الرابعة: إذا كان مسيئاً إثباتاً محسناً ثبوتاً، كما لو قصد إفساد متاعه أو قطع كليته السليمة فأصلحه سهواً [24] أو قطع السقيمة، فهل يكون ضامناً؟ فذلك منوط بأن مدار الضمان هل هو المعنى الاسم مصدري للعدوان والإحسان أو المعنى المصدري؟
ولنشر إشارة عابرة إلى بعض الكلام حول ذلك؛ فقد قال في العناوين: والظاهر أنّ مصادفة الواقع شرط، ومجرد الاعتقاد بأنّه إحسان غير كافٍ، بل لا بد من كونه في الواقع دافعاً للضرر، لأنّه المتبادر من لفظ الإحسان ؛ ولو زعم أنّه ليس دفع ضررٍ واتفق أنّه في الواقع في ذلك الوقت كذلك فهل يسمى ذلك إحساناً أم لا؟ فيه وجهان: والذي يقتضيه النظر اعتبار القصد أيضاً في صدق لفظ الإحسان ، ومجرّد كونه في الواقع دفع ضررٍ لا يكفي صدق اللفظ كما يقضي به العرف [25] .
والحاصل: فظاهره أن (الإحسان) بمعناه الثبوتي والإثباتي والمصدري والاسم مصدري هو المدار؛ كما لو أنفق على دابة صاحبه الغائب بتوهم حاجتها إليه -مع أنها كانت تغتدي على العلف مثلاً)- فاتلف ماله في الإنفاق عليها مع عدم حاجتها إليه.
ولكن قد يقال: إن المدار على الواقع وكونه إحساناً ثبوتاً وعدم التوقف على النية والقصد؛ وذلك استناداً إلى أن الأسماء موضوعة لمسمياتها الثبوتية دون المتوَّهمة.
وقد يقال: إن سياق الآية بل ظاهرها يشهد على أن المدار هو القصد، أو القصد والواقع معاً ؛ فلاحظ تمام الآيات في سورة التوبة: ﴿وَجَاء الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاء رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ [26] وظاهرها أو موردها هو تطابق القصد والواقع دون ما لو اختلفا، وتفصيل تحقيق الحال في ذلك موكول إلى مظانه.

أمثلة تمرينية:
وهنا نذكر بعض الأمثلة لأجل التمرين:
منها : هل المأمور به في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ﴾[27] هو المعنى المصدري للمرابطة أو الاسم المصدري وأيهما الحامل للغرض والمحقق له.
ومنها: وهل قوله تعالى: ﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ﴾[28] أمر بإقامته بالمعنى المصدري او الاسم مصدري؟
ومنها: وهل قوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾[29] يراد به المعنى المصدري أو الاسم مصدري؟ فلو لم يقصد وكان إعانة ثبوتاً فهل هو تعاون؟ ولو قصد أصل العمل دون عنوان الإعانة والتعاون فهل هو تعاون؟ ولو قصد بعمله الإعانة والتعاون لكنه ثبوتاً لم يكن كذلك بل كان إفساداً فهل هو تعاون؟
ومنها : في قوله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾[30] الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أي القبيلين؟ وماذا لو أمر بالمعروف ونهى عن المنكر غير قاصد لهما بل متمرّناً أو مجرباً أو مستهزئاً فهل حصل الغرض وسقط الأمر؟.

آيات وروايات من النوعين
ثم إن عناوين الموضوعات في الآيات الكريمة والروايات الشريفة هي أيضاً على ثلاثة أقسام: فبعضها موضوعه هو المعنى المصدري، وبعضها موضوعه المعنى الاسم مصدري، وبعضها مشكوك فيه، فما هو المرجع في الأخير؟ بعد وضوح أن الدليل على الأوّلَين: الإجماع أو رواية أخرى صريحة أو الارتكاز العقلائي أو مناسبات الحكم والموضوع وشبه ذلك.

(أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ) المصدري أو الاسم مصدري؟
فمنها: قوله تعالى: ﴿أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ﴾[31] فقد يقال إن المراد المعنى المصدري أي الإيجاب والقبول، لكن الظاهر أن المراد المعنى الاسم مصدري[32] أي التمليك الخاص - أو النقل الخاص أو مبادلة مال بمالٍ بنحو خاص- وذلك لأن هذا كان هو موضع أنكارهم وكلامهم إذ (قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا) أي أن في كليهما هنالك نقلٌ ومبادلةٌ وانتفاعٌ للبائع والمرابي فلا فرق بينهما، فلِمَ حلّلت يا محمد صلى الله عليه وآله البيع وحرّمتَ الربا؟ فأجاب تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ فمصبّ الإشكال والجواب هو اختلاف المعنى الاسم مصدري لهما أو عدمه وحِلّيته أو عدمها.
 ولا بأس بالإشارة إلى أنه تعالى أجاب بإسناد حرمة هذا وجواز ذلك إلى الفاعل وهو المولى؛ فإن بيده الأمر ؛ وهو ما كانوا يذعنون به وكفى به مائزاً يمكن الاستناد إليه.
 نعم، كان يمكن الاستناد إلى المصلحة في هذا والمفسدة في ذاك ؛ ولكن حيث كان هذا أخفى على فهمهم وأقرب للمجادلة فيه أجاب جل اسمه بالتفريق بينهما بلحاظ المشرِّع المالك الحقيقي الذي كانوا يذعنون به.
لا يقال: لكنهم لم يكونوا يؤمنون بأنه صلى الله عليه وآله رسول الله ليستدل بدعوى أن الله حرم هذا (الربا) وأحل ذاك (البيع)؟.
إذ يقال: يمكن الجواب بأنه كان من الثابت حرمة الربا في كل الأديان السابقة، فكان الرسول صلى الله عليه وآله  منبّهاً لهم على ذلك، فتدبر.

آيات أخرى
ومنها: قوله تعالى:  ﴿الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ﴾ [33] فإن ظاهره المعنى المصدري.
ومنها قوله تعالى : ﴿أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ﴾[34] وهذا وإن احتمل فيه المصدري إلا أن الأظهر إرادة المعنى الاسم مصدري[35] أي ما عقدتموه (بالإيجاب والقبول) أوفوا به أي ما حصل بهما من العقد أوفوا به.
ومنها: ﴿وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم﴾ [36] والمعنى الاسم مصدري مراد ولكن هل المعنى المصدري مراد أيضاً بأن يكون نفس النكاح أي إنشاؤه عليهن حراماً؟ ذهب إلى ذلك السيد الوالد قدس سره في نظير المسألة وهو العقد على الأمهات مستدلاً بشمول الآية وأنه مستنكر في ارتكاز المتشرعة قطعاً وإن لم يرتب عليه الأثر.
ومنها: ﴿وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾[37] وهو ظاهر في المعنى الاسم مصدري.

عناوين وقعت مصدرية تارةً واسم مصدرية تارةً
ثم إنه يمكن التمثيل بعناوين وقعت تارة مصدرية وأخرى اسم مصدرية:
منها: لو ورد: إذا خرجت المرأة من المنزل دون رضا زوجها نشزت ؛ فالمراد من الخروج هنا هو المعنى المصدري؛ إذ النشوز لا يكون إلا بالخروج بالقصد لا إذا خرجت غفلة أو مجبرة أو سارت وهي نائمة فخرجت، وذلك عكس ما لو قال: إذا خرجت من المنزل فليس الزوج محصناً؛ فإن عدم إحصانه معلول الخروج الاسم مصدري إذا كان بحيث لا يمكنه أن يغدو عليها ويروح حتى وإن لم تكن قاصدة أو كانت مجبرة.
ومنها: لو طلبت الوكالة في الطلاق في ضمن العقد؛ فإنه إذا كان بنحو شرط النتيجة المساوي للمعنى الاسم مصدري -وهو أن تكون وكيله- فليس له عزلها، ولو كان بنحو شرط الفعل المساوي للمعنى المصدري -وهو أن يوكّلها- فله أن لا يوكلها ولو وكلها له أن يعزلها، فلو طلبت ذلك وهي غافلة عن هذين المعنيين -المصدري واسم مصدري، وشرط النتيجة أو الفعل- فعلى أيهما يحمل؟ وسياتي مقتضى القاعدة بإذن الله تعالى.

سيّالية البحث عن المعنى المصدري واسمه إلى علم الكلام، وأهميته
ثم إن تحقيق حال العناوين المأخوذة موضوعاً أو شرطاً للحكم-  من حيث كونها بما هي مصادر مأخوذة موضوعاً أو شرطاً أو بما هي أسماء مصادر-  ضروري في غير الفقه والأصول أيضاً؛ فإنه عميم النفع والفائدة في علم الكلام والعقائد ؛ بل وفي سائر العلوم أيضاً كعلم الاجتماع والاقتصاد والسياسة والإدارة وسائر العلوم الاعتبارية،  بل والعلوم الطبيعية أيضاً ؛ إذ يجري في الفيزياء والكيمياء والطب وغيرها، ونكتفي هنا بمثالين من علم الكلام لمناسبته لمباحث الفقه والأصول وعلى الباحث البحث على ضوء ثنائية (المصدري – الاسم مصدري ) في سائر العلوم أيضاً:

الشرك عنوان اسم مصدري
فمنها: عنوان الشرك؛ فإنه عنوان اسم مصدري وليس بمصدري؛ فلو اعتقد بالتثليث فهو مشرك سواء أعلم بأنه مشرك أم جهل وسواء أقصد الشرك بذلك أم لا، بل إذا قطع بأنه عين التوحيد فإنه مشرك؛ إذ الشرك عنوانٌ اسم مصدري وليس مصدرياً ، وثبوتي وليس إثباتياً.
فظهر بذلك أن القائل بوحدة الموجود مشرك وإن توهم -أو قطع- بأنه عين التوحيد؛ كما أن عُباد الأصنام كانوا مشركين بلا شك مع أنهم كانوا يقولون ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾[38]؛ فعبادة الصنم وإن كانت طولية وبقصد القربة لله تعالى شرك وإن توهموه عين التوحيد بإرجاع كل شيء وكل عبادة إليه.

إنكار الضروري مصدري أو اسم مصدري؟
ومنها: عنوان إنكار الضروري ؛ فإنه عنوان مصدري[39] على رأيٍ واسم مصدري على رأي آخر؛ فمن ارتأى موضوعيته فهو لديه اسم مصدري ، ومن ارتأى طريقيته فهو لديه مصدري.
والحاصل: أن البعض رأى أن منكر الضروري [40] إذا عاد إنكاره إلى إنكار الأصول الثلاثة [41]  فهو كافر؛ فعلى هذا فإنكار الضروري قصدي – مصدري،  والبعض رأى انه موجب للكفر بحد ذاته حتى وإن لم يَعُد إلى إنكار الثلاثة إثباتاً كما لو انكرت وجوب الحجاب بزعمها عدم دلالة الآيات والروايات عليه فليست كافرة حسب الرأي الأول لكنها كافرة حسب الرأي الثاني لأن إنكار الضروري موجب للكفر بمعناه الاسم مصدري فكلما تحقق منه أو منها هذا الإنكار كان كافراً وإن لم يقصد إنكار الثلاثة لفرض ان مرجعه ثبوتاً إلى إنكارها.

القضاء بالباطل وهو لا يعلم، اسم مصدري
ومنها: عنوان القضاء من غير علم بالباطل أو الحق؛ فإن من قضى بالباطل وهو يعلم فهو في النار ومن قضى بالحق وهو يعلم فهو في الجنة، ولكن من قضى بالحق وهو لا يعلم فهو في النار كما أن من قضى بالباطل وهو لا يعلم فهو في النار؛ فالقضاء وهو لا يعلم عنوان اسم مصدري موجب للدخول في النار وإن قضى بالحق.
وبعبارة أخرى: لا يشترط كونه ملتفتاً إلى أنه باطل ليدخل النار ؛ بل عدم علمه بأنه حق هو موضوع دخوله للنار، فتأمل.
وعلى أي فالأدلة الدالة على ذلك دليل على الاستثناء من عدم حرمة التجري على القول به[42].
                       
الفائدة الثالثة: إن العلم والقصد يؤثران في الإرادة الجدية  دون الاستعمالية ؛  حيث إن الأسماء موضوعة لمسمياتها الثبوتية بما هي هي  وليست مرتهنة بالقصد سواء  مع علم المستعمل لها أو عدمه؛  فالعلم والقصد ليسا جزء الموضوع له ولا المستعمل فيه؛ لذا فإن مَن كتب كتاب ضلالٍ – مثلاً-  استحق العقاب وإن لم يكن قاصداً الإضلال ؛ إذ أن  الأفعال وإن كان ظاهرها  القصدية إلا أن  الأمر يدور مدار لحاظ القائل وليس لحاظ التفات الفاعل؛ بالإضافة إلى أن ما بالاختيار لا ينافي الاختيار عقاباً وإن نفاه خطاباً.

بحث تطبيقي:
في قوله تعالى : ﴿وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ  لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [43]
وقد ذكر بعض المعاصرين كلاماً حول الآية الشريفة ننقله، ثم نعلق عليه حيث قال ما مضمونه: إنّ اللام في: {ليضل} هي لام التعليل أو الغاية، وكلاهما يعنيان قصد الفاعل وإرادته، وعليه فإذا صنف شخص كتاباً لا بهدف الإضلال، بل بقصد الهداية فإنه لو التبس عليه الأمر في التحديد الميداني للقضية فهو جاهل قاصر وليس مشمولاً لعنوان الآية:  ﴿ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ... ﴾ هذا حاصل كلامه.

بيان كلامه والتعليق عليه:
وهذا المعاصر يقول ببيان منّا :  أولاً: إنه لا فرق بين كون اللام لام العلة أو لام عاقبة[44] فإنها تدل على القصد، وعليه فإن مؤلفاً - في أي علم من العلوم المختلفة، من الفلسفة والعرفان والطب والاجتماع وغيرها - لو كتب كتاباً وترتب عليه الإضلال خارجاً، إلا أن الشخص لم يقصد ذلك، بل قصد الهداية منه فإنه ليس بمصداق لـ ﴿ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾، وعلى هذا فإنه لو كتب كتاباً لإثبات أن الله تعالى ثالث ثلاثة، وهو معتقد بأنه حق، فإن هذا الشخص لا تنطبق عليه الآية؛ لأنّ كلمة (ليضل) قد أخذ فيها القصد، وهذا لم يقصد.   
وقد ظهر الجواب عن ذلك بوضوح مما أسلفناه، إذ يرد عليه:
أولاً: التفريق بين اللامين، فإن اللام لو كانت لام العاقبة فإنه لا يعتبر فيها القصد، وستكون الآية منطبقة على كل من يترتب على عمله الإضلال، وإن لم يكن قاصداً له، ويدل على ذلك العرف والارتكاز العقلائي، فإن من ألّف كتاباً يعلِّم الناس فيه القتل أو السرقة أو شرب الخمر أو الإباحية، أو يهاجم فيه الأخلاق والأديان وينشر الكفر والإلحاد، فإنه يصدق عليه أنه (يضل الناس)[45] وإن كان بزعمه أن ما كتبه هو عين الهداية والصواب، بل نقول[46]: إنه يصدق عليه (يضل الناس) وإن كانت اللام لام التعليل؛ لكون الأسماء موضوعة لمسمياتها الثبوتية، فتأمل.
والحاصل: إنه قد يتوهم أن الذي يكتب كتاباً من سنخ كتب الضلالة، وهو يعتقد أنه يهدي إلى سبيل الله ولا يضل عنه، فلا يكون مصداقاً للآية لأنه لا يرى نفسه ممن يضل (عن سبيل الله).
وجوابه: إنّ الأسماء موضوعة لمسمياتها الثبوتية، وهي غير مرتهنة بالقصد، ولا بتوهم المرء أو قطعه، فهو ضال مضلّ عن سبيل الله الثبوتي[47]، وسيأتي لاحقاً مزيد بيان لذلك.
لا يقال: إنّ الأسماء إن كانت موضوعة لمسمياتها الثبوتية فإن الآية ستشمل القاصر أيضاً، وهو قبيح.
إذ يقال: إنّ الآية غير شاملة لهذا الفرد القاصر بدليل نفس الآية وببركة رأسها ـ ذيلها[48] ـ وهو: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [49] فإن العذاب لا يشمل القاصر؛ لأنه قبيح، وإنما هو للعالم المعاند والجاهل المقصر لا القاصر.
والحاصل: أنّ رأس الآية ـ أي آخرها ـ بمعونة القرينة العقلية القطعية بقبح عقاب القاصر، خَصّصت صدر الآية.
ثانياً: إنّ ما توهمه هذا المعاصر وصرح به من أن مَنْ كتب كتاباً لا يقصد به الإضلال فإنه قاصر، فلا تشمله هذه الآية غير تام على إطلاقه؛ إذ ليس من قبيل (القاصر) كل مَنْ كتب كتاب ضلال لا بقصد الإضلال، بل بقصد الهداية، فإن كثيراً من المنحرفين عن تقصير كَتَبَ (كتب الضلال) معتقدين أنها كتب هداية، فتشملهم الآية وإن كانوا جاهلين، بل من البديهي كون كثير منهم مقصرين، وبعبارة أخرى: لا تلازم بين المقدّم الذي ذكره والتالي[50]، وسيأتي بعد قليل.
ومن الواضح أنّ الجاهل المقصر مستحق للعقاب، إذ (ما بالاختيار لا ينافي الاختيار عقاباً وإن نافاه خطاباً) ومعناه: إنّ الجاهل القاطع بالخلاف إذا كان مقصراً فإنه وإن كان لا يمكن خطابه بسبب قطعه[51]، لكن ذلك لا ينافي كونه مستحقاً للعقاب؛ لأنّ ما وقع فيه فهو بمقدمات اختيارية منه، وذلك لا يسلب صفة الاختيارية عن ذي المقدمة، فيستحق العقاب إذن.
وبعبارة أخرى[52]: إن إدعاء الملازمة بين عدم قصد الإضلال والقصور غير تام؛ إذ لا تلازم بين المقدم والتالي في القضية الشرطية: (كلما كتب شخص كتاب ضلال غير قاصد للإضلال، فإنه قاصر)؛ إذ كثيراً ما يكون هذا الشخص مقصراً في المقدمات، فيكون مشمولاً بالآية حكماً[53]، وذلك لأنّ المقصر قد ثبت عقلاً بأنه كالعامد في استحقاق العقاب، وعليه فإن هذا الشخص الكاتب لكتاب ضلالٍ وإن لم يكن قاصداً الإضلال، بل قصد الهداية حسب زعمه ـ لأنه يرى أنّ ما كتبه هو هداية وفي سبيل الله معتقداً بذلك ـ إلا أنه لو كان مقصراً في المقدمات فإنه يستحق العقاب؛ لما سلف من أن ما بالاختيار لا ينافي الاختيار عقاباً وإن نفاه خطاباً [54].
ثالثاً[55]: ونترقى عن الجواب الأول فنقول: إن هذا الشخص الذي كَتَبَ كُتَبَ الضلال وإن كان قاصراً[56] إلا أنه ليس بخارج موضوعاً عن الآية، بل هو داخل فيها وتحت أفقها؛ وذلك لأنّ الأسماء موضوعة لمسمياتها الثبوتية، ويتضح ذلك أكثر بملاحظة:

انطباق القاعدة على ثلاث مفردات في الآية الشريفة:
إن القاعدة المذكورة تنطبق على ثلاث مفردات موجودة في الآية الشريفة، وهي: (لَهْوَ الْحَدِيثِ، والإضلال، وسَبِيلِ اللَّهِ).
أما المفردة الأولى، وهي (لهو الحديث): فإنها اسم لمسمى ثبوتي، سواء أعلم المشتري أنه لهو للحديث أم لم يعلم، وسواء أقصد شراء اللهو أم لم يقصد، فإنه لو اشترى لهو الحديث ـ ككتب اللهو الباطل وكأشرطة الغناء ـ فإنه يصدق عليه أنه اشترى لهو الحديث.
وأما المفردة الثانية (الإضلال): فهي موضوعة كذلك للإضلال الثبوتي، فإنّ الدعوة إلى التثليث في العقائد هي إضلال ـ ثبوتاً ـ عن سبيل الله، وإن توهم الداعي أنه من الهادين إلى سبيل الله، فإن التوهم لا يغير الواقع.
وأما المفردة الثالثة (سبيل الله): فإن ما يدعيه المسيحي إثباتاً سبيلاً لله، ليس بسبيل الله ثبوتاً، وجهله المركب ـ أي: قطعه بالخلاف ـ لا يغير الواقع أيضاً.
ولتوضيح[57] ذلك أكثر نقول: إن لدينا عالمين: عالم الإثبات وعالم الثبوت، ولابد من أن يكون هناك تطابق بين العالمين؛ فإن عالم الإثبات هو كالمرآة لعالم الثبوت، فالألفاظ في عالم الإثبات توضح وتشير إلى ما هو موجود في نفس الأمر وتحكي حقيقته، من غير مدخلية للقصد أو عدمه، وللعلم أو عدمه في ذلك.
وبتعبير أدق: إن الأسماء موضوعة للماهيات بما هي هي، مع قطع النظر عن علم المستعمل لها، أو جهله وعن قصده وعدم ذلك، إنما العلم والقصد يؤثران في الإرادة الجدية لا الاستعمالية، وكذا لا يؤثران في الوضع[58].
وبعبارة أخرى: إنّ العلم والقصد ليسا جزء الموضوع له، بل ولا المستعمل فيه.
رابعاً[59]: إنّ العرف يرون أن مَنْ كتب كتاباً يدعو فيه للإرهاب والقتل وسفك الدماء والإفساد في الأرض، أو إلى التثليث ونفي وجود الله، ولو كان عن حسن نية فرضاً وكان معتقداً بذلك، يرون أنه يصدق عليه ـ وبلا شك منهم ـ وبالحمل الشايع الصناعي أن ذلك الشخص من الذين يضلون عن سبيل الله، سواء أكان قاصراً أم مقصراً، فإنّ حاله مهما كان، فإن ذلك لا ينفي صحة الحمل.
بعبارة أخرى: يصح الحمل وتصح النسبة حتى لو أنّ شخصاً واقعاً لم يكن مقصراً في المقدمات، وكان بينه وبين الله يرى أن ما يكتبه هو سبيل الله تعالى، إلا أن ذلك لا ينفي حمل صحة الإضلال عليه[60] حقيقة ما دام واقع ما كتبه ضلالاً وانحرافاً.

ظاهر الأفعال هو القصدية:
لقد قلنا في الجواب الثالث: إن الأسماء موضوعة لمسمياتها الثبوتية.
ولكن قد يرد إشكال على ذلك[61] وهو: أنه وإن صح أن الأسماء موضوعة لمسمياتها الثبوتية، إلا أنّ الأفعال مستثناة من ذلك[62]؛ وذلك لوجود قاعدة ثانية، وهي: (إن ظاهر الأفعال هو القصدية) فإنه عندما نقول: ضرب زيد عَمراً، فإنّ ظاهر (ضرب) هو كونه عن قصد ـ إلا مع القرينة ـ وكذلك في كتب زيد كتاباً، فإنّ ظاهر ذلك هو قصده الكتابة من قبل زيد، أي: إن ظاهر نسبة فعل إلى فاعل كونه قاصداً، وهذا هو استثناء من الكبرى الكلية السابقة ـ وإن كان الاستثناء منقطعاً ـ حيث قلنا: إنّ الأسماء موضوعة لمسمياتها الثبوتية، إلا أنه خرج عنها تخصصاً الأفعال بهيئاتها؛ فإنّ هيئة الفعل تدل على القصد[63]، ولو كان الأمر كذلك، فإن (ليضل) حيث إنه فعل مضارع من باب الإفعال، فظاهره القصدية، أي: أن الإضلال قد حصل بقصد منه، وحينئذٍ يكون جزاؤه العذاب والعقاب، وإلا ـ أي مع عدم القصد ـ فإنه ليس مشمولاً لموضوع الآية[64].

الجواب على الإشكال[65]:
ولنا ثلاثة أجوبة في المقام[66] على هذا الإشكال:
الأول: صحة الإسناد بلحاظ علم القائل بالواقع
إن ظاهر الأفعال وإن كان هو القصدية، إلا أنه يصح للقائل أن ينسب للفاعل فعله الصادر منه بلحاظ علمه بحاله.
وبتعبير آخر: إن الأمر يدور مدار لحاظ القائل والمسند، أي: أنّ النسبة هي بلحاظ القائل لا بلحاظ التفات الفاعل أو الحامل للصفة، ولا يدور مدار مَنْ قام بالفعل.
توضيح ذلك: أنه في مثل قوله: ﴿لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾[67]  فإن المتكلم هو المسِند، فلو صدر مني هذا الكلام فرضاً فإنه بلحاظ علمي بواقعه يصح أن أقول: إنّ هذا الشخص يضل عن سبيل الله بغير علم، فكيف به وقد صدر من الله تعالى؟
إن قلت: يحتمل في المدعي لذلك كونه بنفسه مصاباً بجهل مركب، وأن الفاعل هو الذي قد أصاب كبد الواقع؟
قلنا: إنه وبرغم هذا الاحتمال في غير الله والمعصومين، إلا أننا نرى في كل الاستعمالات العرفية أنّ الأمر في صحة الحمل يدور مدار القائل لا الفاعل، فكيف والحال أن القائل هو الله تعالى[68]، ولا يحتمل فيه الجهل المركب ـ والعياذ بالله ـ والله تعالى أطلق (ليضل) بلحاظ علمه المحيط، فذاك الشخص يصدق على ما قام به أنه إضلال وإن لم يقصد هو ذلك[69].

الجواب الثاني: المادة في بعض الأحيان تتصرف في الظهور
إن المادة في بعض الأحيان تكون قرينة قطعية على صرف الظاهر عن ظهوره، فلو فرض تسليم ظهور الفعل في كونه مقصوداً للفاعل حسب قاعدة قصدية الأفعال ـ كما هو الحال في محل البحث في مثل ضل وأضل ـ  لكن خصوص هذه المادة تصرف الهيئة عن أصلها العام، فإنّ مادة (ضل) ظاهرة في اللاقصدية، حيث يقال: ضل فلان طريق المسجد، أو طريق المدرسة أو المنزل، وكما هو واضح، فإنه لم يقصد أن يضل، فمادة (ضل) هي بخلاف مادة (ضرب) في ضرب زيد عمراً مثلاً.
إذن، خصوص المادة [70] دليل على أن (ليضل) ليس قصدياً، وذلك فيما إذا كان الفعل المصاغ من مادة ضل لازماً ومجرداً واضح كما ذكرناه، ولكن إن أدخلنا هذه المادة في باب الإفعال ـ والتعدي ـ فإنه صالح ومحتمل للوجهين، فإنه يحتمل في أضل فلان فلاناً كونه قاصداً لإضلاله، ويحتمل كونه غير قاصد لذلك.
ويشهد لذلك العرف، فلو أنّ منحرفاً أضل ابناً لشخص آخر فإنه يصح القول (أضل فلان ابني عن سواء السبيل) سواء أكان المضل قاصداً للإضلال أم معتقداً أنه هداية.
ويوضحه: أن العرف يطلق على مبلغي المسيحية أنهم مُضِلِّون مطلقاً، ولا يستثني دعاتهم الذين كانوا معتقدين بصحة التثليث وأشباهه، بل الاستثناء غريب، فإنه استثناء الأكثر، فتدبر.
والمتحصل: إنّ بعض المواد هي لا بشرط من حيث القصد واللاقصد، فهي أعم من ذلك.

الجواب الثالث: تحليل معنى القصدية في الأفعال
وهذا جواب دقيق، وهو: إنه لو قبلنا المبنى القائل: إنّ الأصل في الأفعال هو القصدية، من جهة، ومع عدم تمسكنا بخصوصية المادة ودلالتها من جهة أخرى، إلا أنّ لنا أن نتساءل ونقول: ما هو المراد من عبارة ظاهر الأفعال القصدية؟
وجوابه: إنّ المراد هو قصد ذات الفعل لا قصد صفة الفعل، وفرق واسع بين القصدين، فإننا عندما نقول: قتل فلان فلاناً، فإنه إطلاق صحيح وصادق، ولو كان ذلك الشخص قد قصد ذات الفعل فقط، ولم يقصد صفة القتل، كما لو ضربه بآلة غير قاتلة فقتله اتفاقاً، أو ضربه بآلة قاتلة ولكنه كان غير قاصد للقتل[71].
وبمثال أوضح: إنه يصدق (فلان أخجل فلاناً) رغم أنه لم يقصد الصفة، بل قصد نفس الفعل، كما لو أنه أغدق العطاء عليه وبالغ في إكرامه، فإنه يقال: إنه أخجله وهو إطلاق صحيح، مع أن الأول قد لا يكون قصد إخجاله، أي: لم يقصد إيجاد حالة أو صفة الخجل لديه، بل قصد ذات الفعل فقط، وكذلك في قولك: أغضبني الطفل، فإنه في بعض حالاته ـ وهي كثيرة ـ حيث إن طبعه الإلحاح لتحصيل حاجته، فإنه يلح لتحصيل الحاجة لا لإغضاب الأبوين، ومع ذلك يصح دون تجوّز ورعاية علاقة مصححة إطلاق (أغضب) عليه من باب الإفعال؛ لأنه قصد نفس الفعل، وإن لم يقصد الصفة وهكذا.
وفي مقامنا: فإن (ليضل) ظاهرة في قصد الفعل نفسه[72]، وإن لم يقصد الصفة، أي: وإن لم يقصد تعنون ما كتبه بعنوان الإضلال.
والحاصل: إنّ الكاتب وإن لم يقصد الصفة والإضلال غير أنه قَصَدَ الفعل والجوهر، وهو ملاك صحة الحمل[73][74] .

بحث تطبيقي آخر:
روى في الكافي عن محمد بن عبد الحميد، عن العلاء بن رزين، عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر عليه السلام [75]، قال: ((مَنْ علَّم باب هدى فله أجر مَنْ عمل به، ولا ينقص أولئك من أجورهم شيئاً، ومَنْ علَّم باب ضلال كان عليه مثل أوزار مَنْ عمل به، ولا ينقص أولئك من أوزارهم شيئاً)) [76].
في هذه الرواية خمسة مطالب[77] نذكر واحد منها لمناسبته المقام:

اشتراط القصدية في التحريم [78]
والظاهر أن حرمة التعليم يشترط فيها القصد، فلو لم يكن التعليم بقصد أن يعلِّمه باب ضلال، فإنّ هذه الرواية لا تفيد تحريمه؛ وذلك لأنّ ظاهر الأفعال هو القصدية ـ كما بينا ذلك سابقاً ـ فلا يكون (من علّم..) شاملاً للفعل من دون قصد، ولا إطلاق لـ(علّم) ولذا فلو علمه الفعل ولكن لا بقصد أن يضله، كما لو علّمه بقصد أمر مباح أو راجح، فلا حرمة[79]، كما في مَنْ علم شخصاً باب سرقة قاصداً تفهيمه كيفية احتيال مَنْ يقوم بذلك ليتوقّى منه.
نعم، سبق أن القصدية يراد بها قصد ذات الفعل دون لزوم قصد الصفة، فلو علّمه ما هو ممحّض في جهة الفساد حرم إن أدى إليه، وإن لم يقصد الصفة، فتدبر[80].

الفائدة الرابعة: أن المعاملات اعتبارية قصدية وتختلف باختلاف المعتبرين والقصود؛ وهناك قواعد يرجع إليها فيما لو اختلف القصد مع اللفظ أو غير ذلك ؛ ولكن الشارع  هو الذي يحدد الضابط الثبوتي في كون المصدر – أي القصدي- هو موضوع الحكم ؛ أو اسم المصدر –أي غير القصدي-  هو موضوع الحكم ؛ فإن ذلك  كله تابع لغرض الشارع وما  يراه من قيام المصلحة أو المفسدة بالفعل مطلقاً أو به مع القصد؛ وأما الضابط الاثباتي فإن العرف هو ما يفهم القصدية كلما جعلت العناوين موضوعاً للأحكام إلا لو كان ظهور المادة أقوى.

تفصيل الفائدة:
ثم إن ههنا قواعد كلّية:
الأولى: كل المعاملات قصدية، والمراد بها بالمعنى الأعم الشامل للعقود والإيقاعات لا الأعم منه الشامل للأحكام أيضاً كما ذكره بعض الأعلام.
الثانية: كل المعاملات اعتبارية.
الثالثة: كل المعاملات تختلف باختلاف المعتبرين.
تخالف القصود في أنفسها ومع غيرها
الرابعة: أنه قد يقال بأنها تختلف باختلاف القصود في أنفسها أو منسوبة لغيرها ؛وتحقيقه في صور:
الصورة الأولى: ما لو اختلف القصد مع اللفظ؛ والقاعدة هي بطلان المعاملات إذا تخلّف القصد عن اللفظ بأن أتى باللفظ دون قصد، أو تخلّف اللفظ [81] عن القصد؛ بأن قصد دون لفظ.
نعم، يستثنى من ذلك ما لو تدخل الشارع كما فيما لو بنيا واتفقا على المتعة فنسيا ذكر الأجل؛ فقد أفتى جمع من العلماء - تبعاً لعدد من الروايات-  بانقلابها دائماً مع أنهما لم يقصدا الدائم قطعاً، في قبال من أفتى بالبطلان تبعاً لروايات أخرى تطابق القاعدة العامة.

إذا لم يقصد أمراً
الصورة الثانية: ما لو لم يقصد بالقول أو الفعل أمراً؛ فإن القاعدة هي عدم ثبوت الأحكام التكليفية وثبوت الأحكام الوضعية ؛ كما في النجاسة بلمس النجس والضمان بكسر زجاج الغير وإن لم يقصد اللمس أو الكسر بل حتى لو لم يقصد شيئاً أصلاً، اللهم إلا ما خرج بالدليل كما لو لمس زوجته وهي في العِدّة بشهوة لا بقصد الرجوع فإن ذلك يعد رجوعاً حسبما أفتى به بعض الأعلام وإن لم يقصده[82].

لو تضاد القصدان
الصورة الثالثة: ما لو تضاد القصدان، فإيهما يقع أو لا يقع شيء منهما؟ ولذلك أمثلة:
منها: ما لو قصد بيع المنفعة، كسكنى الدار، فباعها بكذا فقد قصد بما هو إجارةٌ البيعَ مع إلتفاته أو عدمه، فهل يقع بيعاً أو إجارة؟ أو يبطل العقد؟ أو الملاك المصب المحض أو الغالب؟
ومنها: ما لو جمع بين قصدين متضادين شرعاً أو عرفاً أو شرعاً وعرفاً كما لو قال: بعتك وصالحتك هذه الدار بكذا أو قالت المرأة زوجتك وبعتك نفسي وهي ترى اجتماعهما، وذلك أن كثيراً من الناس لا يعلمون الحدود بين الموضوعات ولا كونها متضادة فيتصورون اجتماعهما، فهل يبطل؟ أو يقع الغالب لديه؟ أو لا يقع إلا المحض؟.
ومنها: ما لو قال آجرتك الدار مائة سنة وهو يرى كونه بيعاً لجهله حكم الشرع مثلاً وأُنسه بأحكام البلاد الغربية إذ يرون الإجارة لأكثر من 99 عاماً بيعاً سواء القول بأنها تقع بيعاً أم القول بأنها تنقلب إليه.
ومنها: تعارض قصد الوكيل والموكل والنائب والمنوب عنه، ولعله يأتي بحثه لاحقاً، إلى غير ذلك من الأمثلة، ولا يخفى النقاش في بعض ما سبق منها فتدبر.
إذا عرفت ذلك فلننتقل إلى بحث الضابط الثبوتي ثم الإثباتي لكون الفعل قصدياً أو غير قصدي وكون موضوع الحكم هو المصدر أو اسمه، فنقول:

الضابط الثبوتي لكون القصدي هو الموضوع أو الأعم..
أما الضابط الثبوتي في كون المصدر القصدي هو موضوع الحكم  أو اسم المصدر غير القصدي هو موضوعه ؛ تابعٌ لغرض المشرِّع وهو تابع لما يراه من قيام المصلحة أو المفسدة بالفعل مطلقاً أو به مع القصد، فلو قال: (من قَتَل قُتل) فإن كان الغرض (الردع) كان لا بد من ابتناء الحكم على المعنى المصدري والقصد معه؛ لأنه المتعقل من غائية الردع ؛ إذ لا معنى للقول بأن الحكم أعم مما لو صدر منه القتل خطأً محضاً مثلاً مع عدم التقصير في المقدمات ، وأما إن كان الغرض (التعويض)[83] ابتنى مثل (من قَتَل فعليه الدية) على المعنى الاسم مصدري،  وكذا في القول :من كسر ضمن.

الضابط الإثباتي: الأصل القصدية إلا مع قوة المادة
وما الضابط الإثباتي فقد يقال: ان الأصل هي المعاني المصدرية وان العرف يفهم القصدية كلما جعلت العناوين موضوعاً للأحكام، ويستثنى من ذلك ما لو كان ظهور المادة أقوى، وأما لو تعارض ظهور الهيئة مع ظهور المادة تساقطا ويكون المرجع كلما أريد إثبات حكمٍ لم يكن، العدمُ إلا في صورة القصد فإنه الأقلّ والقدر المتيقن.

أمثلة تطبيقية
ولنمثل ببعض الأمثلة لمزيد جلاء الحال في معقد البحث؛  فإذا ورد: (من حاز ملك) و(مَنْ مَلَكَ اسْتَأْثَرَ)[84] فأريد بـ(حاز) المعنى المصدري -حسبما ذهب إليه المشهور- فلا يملك إذا لم يقصد الحيازة، وأما (ملك) فإنه يراد به المعنى الاسم مصدري ؛ لذا فإنه سواء أقصد التملك فملك أو لم يقصده -كما لو ورث قهراً-  فإنه يستأثر، بنحو الاقتضاء، فمع كون الموضوع فعلاً ماضياً في الجملتين إلا أنه في أحداهما حمل على المصدرية القصدية وفي الأخرى حمل على المعنى الاسم مصدري؛ وهذا وإن صح إلا أنه في المثال الأول للدليل الخاص الذي استظهره الأعلام ولو كان مثل الانصراف أو القدر المتيقن أو شبه ذلك فيما ارتأوا، إلا ان العرف يحمل الأول –كالثاني- على الاسم مصدري؛  ولذا نجدهم يبنون على أن من وقع في يده طير وإن لم يكن قاصداً حيازته فإنه أحق به من غيره ويرون آخذه منه غاصباً.
وعليه: فالقول بأن العرف يفهم المعاني القصدية مطلقاً مردود بما سبق، إلا أن يجاب بأنهم خرجوا عن الأصل لاقوائية المادة من الهيئة في المثالين بنظرهم ومناسبات الحكم والموضوع أو شبه ذلك.
ولو قال (من رد دابتي فله درهم) فردها إليه أحدهم غير قاصد أو قاصداً الخلاف، كما لو عثر عليها فنوى سرقتها فوضعها في بيت صاحبها وهو جاره مخطئاً متوهماً أنها داره، فإذا كان عودتها إليه هو الغرض وهو تمام الملاك شمله الحكم واستحق الأجر، وأما سوء نيته فغير ضار بعد تحقق الغرض[85]، فتأمل.
ولو خاط ثوب الغير متوهماً أنه ثوبه، كما لو وضع ثوبه لدى الخياط على أن يرجع إليه لاحقاً ليتفق معه على العقد ، أو كان قد اتفق معه، ففي الصورة الثانية ظهور المادة أقوى؛ إذ يفيد المعنى الاسم المصدري لأنه المحقق للغرض، وأما في الصورة الأولى فإنه لا يستحق أجرة المسمى؛ إذ لا عقد ولا مسمى، لكن هل يستحق أجرة المثل لقاعدة أن العمل محترم الحاكمة على القصد أو لا؟ إذ لا اتفاق ولا يعد محسناً عرفاً أو إثباتاً إن اعتبرناه هو المدار، فتأمل[86].


-------------

* هذه المباحث الاصولية تجميع لما طرحه سماحة السيد في مختلف كتبه وبحوثه، قام باعدادها وجمعها و ترتيبها مشكوراً فضيلة الشيخ عطاء شاهين وفقه الله تعالى
[1] وسائل الشيعة : ج1ص48.
[2]وسائل الشيعة: ج1ص46.
[3] وهذه الرواية تحتاج إلى بحث معمق وشامل قد يصل إلى (200) صفحة كبحث أصولي وفقهي.
[4] فقه الرشوة : ص 242.
[5] أي أن سبب الملك لما حازه أو ما له الحق فيه، هو المعنى المصدري للحيازة.
[6] وهو تصريف مسامحي.
[7] هذه الجملة عبر عنها بعضهم بالرواية المرسلة وآخر بالقاعدة ؛ فإما التعبيرالأول  فلم نر رواية بكذا لفظ في كتب الخاصة والعامة ؛ وأما التعبير الثاني فهو الأنسب؛ إذ يمكن أن تكون قاعدة متصيدة من بعض الروايات ؛ وهذا ما أشار إليه أيضاً السيد الخوئي قدس سره في كتاب المضاربة ص 253 بقوله: هذه الجملة وإن لم ترد في النصوص ، إلا أن أصل الحكم متسالم عليه بينهم ويدل عليه قولهم عليهم السلام : للعين ما رأت ولليد ما أخذت . ( المحقق)
[8] الكافي: ج5 ص280.
[9] قال في تذكرة الفقهاء: ج12ص62:  لو باع داراً في طريق غير نافذ ، دخل حريمها في البيع وطريقها.
[10] إذ أنه تابع للأصل غير منفك عنه  ؛ لذا قال في جواهر الكلام  : ج38ص 40 : ولو كان النهر في ملك الغير فادعى الحريم قضي له به مع يمينه ؛ في وجه لأنه يدعي ما يشهد به الظاهر من الحريم الذي لا ينفك عن النهر غالباً .( المحقق)
[11] يأتي فيه ما قيل في الانحياز في الهامش ؛ وكذا في غيره مما سيمر عليك.
[12] من غير فرق بين كون آخذه مسلماً أو كافراً.
[13] كاستطلاع وضع الناس أو الرياضة أو شبه ذلك.
[14] في قوله: (قام بالشعيرة) أو (عمله شعيرة).
[15] سورة الأنعام: آية121.
[16] كونه اسماً أو اسم مصدر .
[17]  جواهر الكلام : ج37 ص168.
[18] الظاهر أن الصحيح (عدم الاشتراط).
[19] الفقه :ج75 ص377.
[20] أي ان تكون فيه مصلحة لها.
[21] سورة التوبة: آية 91.
[22] مع قطع النظر عن الروايات الخاصة فيها.
[23] هذا مع قطع النظر عن الدليل الخاص في مثل الطبيب كما تقدم ، وأما مع الدليل فيجري البحث فيما لو طلب براءته فابرأه عند إجراء العملية فقصد الإحسان لكنه أفسد.
[24] بما كان إصلاحه بقطع بعضه مثلاً.
[25] العناوين:  ج2 ص478.
[26] سورة التوبة: الآيات: 90 – 93.
[27] سورة آل عمران: آية 200.
[28] سورة الشورى: آية 13.
[29] سورة المائدة: آية 2.
[30] سورة التوبة: آية 71.
[31] سورة البقرة: آية 275.
[32] إن لم نقل بان إطلاق الآية يشمل المصدري واسمه. فتأمل
[33] سورة البقرة: آية 229.
[34] سورة المائدة: آية 1.
[35] إن لم نقل بإرادتهما جميعاً ،فتأمل.
[36] سورة النساء: آية 22.
[37] سورة الممتحنة: آية 10.
[38] سورة الزمر: آية 3.
[39] أي مقيساً إلى عنوان ضروريته أو إلى إنكار الأصول الثلاثة.
[40] كالصلاة والصوم وأصل الحجاب.
[41] وهي التوحيد و النبوة و المعاد.
[42] مباحث البيع : الدرس 162، 163، 164.
[43] سورة لقمان: 6.
[44] وهو يطلق عليها لام الغاية .
[45] ويصدق عليه أنه يؤلف الكتب ليضل الناس.
[46] وهذا إشارة للجواب الثالث الآتي ذكرناه هنا استطراداً.
[47] هذا من حيث المادة، وأما من حيث الهيئة فقد يتوهم دلالتها على القصد، وفيه ما سيأتي إن شاء الله تعالى.
[48] يعبر البعض عن نهاية الآية بـ (ذيل الآية) لكنه غير مناسب، لذا نعبر أحياناً بـ (رأس الآية) احتراماً، والمقصود آخر الآية ونهايتها.
[49] سورة لقمان: 6.
[50] المقدم: الشخص إذا قصد الهداية بكتابه (الباطل واقعاً لكنه يعتقده حقاً) والتالي: فهو جاهل قاصر.
[51] على رأي المشهور، انظر: فقه التعاون: 367 ـ 386.
[52] مزيد توضيح للبحث السابق.
[53] وسنترقى ونقول بشمول الآية موضوعاً للمقصر، وفي هذا مزيد إضافة وتدقيق لما سبق.
[54] هذا جواب أول.
[55] دخول المقصر في الآية موضوعاً.
[56] فكيف لو كان مقصراً؟
[57] والدليل: هو تطابق عالم الإثبات مع عالم الثبوت.
[58] وهذا الكلام جارٍ على كل مسالك الوضع، فإنه في كلها الوضع هو لما في نفس الأمر والواقع والحقيقة.
[59] الصدق العرفي.
[60] كما في بعض الدول الخليجية والإسلامية إذ تدرِّس في مناهجها الدراسية في مرحلة الثانوية، أن التوسل بأولياء الله تعالى هو شرك أعظم، ويستحق صاحبه القتل، ودمه وعضه حلال.
[61] يعد وجه دفاع عن كلام بعض المعاصرين.
[62] والاستثناء  منقطع لدى الدقة.
[63] والهيئات ليست اسماً، ولذا قلنا إن الاستثناء منقطع.
[64] نقصد بموضوعها: الإضلال، ومحمولها: الحر
[65] المتقدم، والإشكال هو ظاهر الأفعال القصدية.
[66] وبعضها جديد ودقيق.
[67] لقمان: 6.
[68] والاستدلال بالآية بعد الفراغ عن الاعتقاد بالله وعلمه المحيط.
[69] وقد يناقش بأن هذا الجواب في واقعه رفضٌ لصحة القاعدة، فتأمل.
[70] أي: مادة (ض ل ل ).
[71] والمصطلح على ذلك في الفقه بـ(شبه العمد).
[72] أي: قصد أن يجعلك مِثله مُثلّنا ـ قائلاً بالتثليث ـ مثلاً.
[73] وسيأتي ما يوضح ذلك أكثر.
[74] حفظ كتب الضلال: ص 137.
[75] أي: الباقر عليه السلام.
[76]  الكافي : ج1 ص 35، ح4.
[77] وهذه المطالب هي  مسائل في حد ذاتها أيضاً ؛ وقد ذكرها دام ظله في مصدر هذا البحث.
[78] وهذا المطلب الثالث حسب ترتيب مصدر هذا البحث .
[79] وإن أساء المتعلَّم ما تعلمه فاستفاد منه في الحرام.
[80] حفظ كتب الضلال: ص369.
[81] والمراد باللفظ هو مطلق – ليشمل المعاطاة – المبرز؛  أي الموجِد إذ نرى ان الإنشاء هو إيجاد اعتبار في عالمه وليس إبراز ما في النفس.
[82] قال في وسيلة النجاة: ج3ص260:  لا يتوقف حِلّية الوطي وما دونه من التقبيل واللمس على سبق الرجوع لفظاً ولا على قصد الرجوع به؛ لما عرفت سابقاً من أن المطلقة الرجعية زوجة أو بحكم الزوجة، فيستباح منها للزوج ما يستباح منها. وهل يعتبر في كونه رجوعاً أن يقصد به الرجوع؟ قولان أقواهما العدم؛ بل يحتمل قوياً كونه رجوعاً وإن قصد العدم. نعم لا عبرة بفعل الغافل والساهي والنائم ونحوها مما لا قصد فيه للفعل؛ كما لا عبرة بالفعل المقصود به غير المطلقة، كما لو واقعها باعتقاد انها غيرها.
[83] كما هو كذلك في المثالين في المتن.
[84]  تحف العقول: ص6.
[85] والكلام هو فيما لو اطلعوا على نيته، أو  نفسه قد علم نيته فهل يحل له أخذ الجعالة؟
[86] مباحث البيع : الدرس 265، 66 2

 

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : 1 ربيع الثاني 1440هـ  ||  القرّاء : 6553



 
 

برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net