||   بسم الله الرحمن الرحيم | اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً | برحمتك يا أرحم الراحمين   ||   اهلا وسهلا بكم في الموقع   ||  


  





 199- مباحث الاصول - (الوضع) (6)

 37- (كونوا مع الصادقين)5 العلاقة العلية والمعلولية التبادلية بين (التقوي) و(الكون مع الصادقين) الإمام الجواد عليه السلام والحجج الإلهية والأدلة الربانية

 433- فائدة صحية: تقوية حافظة الإنسان

 468- فائدة فقهية: ما ورد من النهي عن البول في الحمّـام

 343- ان الانسان لفي خسر (1) سيكولوجية الانسان في القران الكريم

 17- فائدة فقهية: الأصل في علل الاحكام الشرعية المذكورة في الايات والروايات

 99- (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) مؤسسات المجتمع المدني في منظومة الفكر الإسلامي-12 جسور التعاون بين مؤسسات المجتمع المدني

 253- مباحث الاصول: (الحجج والأمارات) (11)

 405- فائدة أصولية: الشهرة العملية نوع تبين

 312- (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فيهَا اسْمُهُ) 6 اثار ذكر الله تعالى وبركاته



 اقتران العلم بالعمل

 متى تصبح الأخلاق سلاحا اجتماعيا للمرأة؟

 الحريات السياسية في النظام الإسلامي

 فنّ التعامل الناجح مع الآخرين



 موسوعة الفقه للامام الشيرازي على موقع مؤسسة التقى الثقافية

 183- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (1)

 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 قسوة القلب

 استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)

 الأجوبة على مسائل من علم الدراية

 النهضة الحسينية رسالة إصلاح متجددة

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة

 161- مفردات ومصاديق مبادئ الاستنباط (8): علم الاديان الفقهي والاصولي المقارن



  • الأقسام : 85

  • المواضيع : 4431

  • التصفحات : 23594780

  • التاريخ : 19/03/2024 - 11:42

 
 
  • القسم : الفوائد والبحوث .

        • الموضوع : 161- مفردات ومصاديق مبادئ الاستنباط (8): علم الاديان الفقهي والاصولي المقارن .

161- مفردات ومصاديق مبادئ الاستنباط (8): علم الاديان الفقهي والاصولي المقارن
28 رجب 1438هـ

مفردات ومصاديق مبادئ الاستنباط (8): علم الاديان الفقهي والاصولي المقارن
 
علم الأديان الفقهي والأصولي المقارن
الثاني والعشرون: إن علم المذاهب الكلامية والفقهية المقارن، علم قائم مطروح، وكذلك علم الأديان الكلامية المقارن، أما علم الأديان الفقهي والأصولي المقارن فلم أجد من بحثه.
وعلى أية حال فإن مسائل هذا العلم التي تعد من مبادئ الاستنباط عديدة، ويمكن تصنيفها في دوائر:
 
الدائرة الأولى: موضوعات الأحكام
وهي كافة الموضوعات المأخوذة في لسان الشارع مما كانت مستعملة وكانت ذات حكم حقيقي أو متوهم في الشرائع السابقة أو الأديان المعاصرة للإسلام أو العرف أو لدى المذاهب الأخرى[1]، ومن ذلك الكثير مما وردت عليه لا النافية للجنس، وذلك مثل: (لا رهبانية في الإسلام)، فلابد من معرفة حقيقة الرهبانية في الدين المسيحي والمراد منها، فإنها التي نفيت في الدين الإسلامي، فتأمل[2]!
و(لا مناجشة) فلابد من معرفة معناه العرفي ليُعرف المنفي.
و(لا قياس) فلابد من معرفة معنى القياس لدى العامة، فإنه المنفي[3]، ثم ما هو فرقه عن الإستحسان والمصالح المرسلة وغيرها لديهم؟ وهل يشملها الردع عن القياس أو لابد من أدلة أخرى؟
وكذلك التبني المنفي بقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ)[4].
حيث لابد من ملاحظة معنى الأدعياء والأبناء بالتبني عندهم، والمراد به، والأحكام اللازمة له عندهم، فيثبت نفي الآية له[5] دون ما عداه، فتأمل!
 
الدائرة الثانية: دائرة الحجج على الأحكام والموضوعات
 فإن معرفة حجية أمرٍ أو عدم حجيّته في الأديان السابقة على الإسلام يصلح أن يعد دليلاً من الأدلة، لا مؤيداً فقط على حجيته أو عدم حجيته في شريعتنا أيضاً، وذلك إما استصحاباً للشرائع السابقة، أحكاماً وحججاً ـ ما لم يثبت ناسخ ـ وإما من باب التمسك بإطلاق أدلة الأحكام والحجج في تلك الشرائع.
أما الأول: فقد ذهب المشهور ـ كما نقله المحقق العراقي ـ إلى استصحاب الشرائع السابقة، والظاهر شموله للحجج أيضاً وإن لم يصرحوا به[6]، وذلك لوحدة الدليل.
ولا ترد شبهة تغيُّر الموضوع وأن موضوع الأحكام[7] هم المكلفون بالشريعة السابقة لا نحن.
إذ يجاب: بأن الأحكام قد أخذت على نحو القضية الحقيقية لا الخارجية، كما ذكره الميرزا النائيني[8] والمحقق العراقي[9]، فموضوع الحكم هو الكلي الطبيعي بما هو هو، لا بما هو مقيد بالأشخاص المحددين، أو فقل إن الحكم جعل بعهدة طبيعة المكلفين بنحو السريان في الأفراد الفعلية المحققة الوجود والفرضية المقدر وجودها، كما ذكره المحقق العراقي.
وهذا الجواب أولى[10] مما أجاب به الشيخ من فرض معاصرة المكلف للديانتين ودركه لها، فيجري في حقه استصحاب عدم النسخ.
وأما الثاني ـ وهو المنصور ـ: فلقيام الأدلة على عموم أحكامهم وحججهم لنا:
منها قوله تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي الله حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ)[11] بناءاً على أن المقدر هو: اتبعوا أو ألزموا، بل حتى بناءاً على أن المقدر هو الكاف[12]، فتأمل[13]!
ومنها قوله تعالى: (وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ)[14] مع تتميم الاستدلال بما ذكره الميرزا النائيني هناك من أن القضايا حقيقية لا خارجية، وبإضافة عدم القول بالفصل بين الأحكام والحجج أو إلغاء الخصوصية أو إحراز الملاك أو شبه ذلك، مما يوكل تفصيله أخذاً ورداً لمحله.
وتترتب على ذلك[15] ثمرات كثيرة:
منها: حجية الشهرة وعدمها، فلو احرز أن الشهرة كانت حجة في الديانات السابقة أو لم تكن، لكان ذلك دليلاً جديداً على الحجية أو عدمها، يضاف لسائر الأدلة أو يعارَض بها[16].
ومنها: حجية مراسيل الثقات وعدمها كذلك.
ومنها: حجية الإقرار بقيد أو قيود، فيما لم يثبت بنصٍ أخذُه أو عدمه.
ومنها: حجية رأي غير الأعلم وحجية رأي الميت، وذلك لوضوح أن باب التقليد كان مُشرَعاً في الأديان السابقة، فإنه فطري جِبِلّي عقلائي ولامتناع رجوع كافة أتباع الأديان في كل الأزمان وفي كل القضايا إلى النبي (صلى الله عليه وآله) أو لكونه حرجياً، وعدم جدوائية الرجوع إلى الراوي الصرف فيما يحتاج للاستنباط.
ومنها: السيرة[17].
 
الدائرة الثالثة: دائرة الأحكام والمجعولات الشرعية[18]
ومنها: اتخاذ الأخدان، قال تعالى: (وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ)[19] فهل يشمل ذلك ما لو صادقها مع مراعاة حدود الحشمة وعدم اجتراح حرام من لمس أو نظرة محرمة أو خلوة أو ما أشبه؟
ارتأى السيد الوالد رحمه الله) حرمة اتخاذ الخدن مطلقاً حتى من دون تلك المقارِنات، استناداً لهذه الآية الشريفة[20]، وقد يكون الوجه الصِّدق بالحمل الشائع وعدم وجه للانصراف.
لكن تحقيق معنى الخدن في الأديان السابقة وفيما تعارف لدى العرب في ذلك الزمن قد ينفع في تأكيد الإطلاق أو العكس بالقول بالانصراف[21]، فتدبر!
ومنها: تحديد المعنى المراد بـ(حاكماً) في قوله (عليه السلام): ((فإني قد جعلته عليكم حاكماً))(2) فإن المراد بـ((جعلته حاكماً)) حسب ما استظهره السيد الوالد (رحمه الله) هو أن ما للحاكم من الشؤون في أعرافهم قد جعله الشارع للفقيه الجامع للشرائط، وحينئذٍ ينبغي أن تُلاحَظ الوظائف والمسؤوليات المنوطة في أعرافهم بالحاكم وغير المنوطة به فتثبت تلك ولا تثبت هذه.
فمثلاً: المعاهدات الدولية وسائر الشؤون العامة، مما يراها العرف من شؤون الحاكم، وأما طلاق زوجة الآخرين لا لحكمةٍ بل تشهياً فإنه مما لا يراه العرف من شؤون الحاكم، وإن ذكره بعض كما نقله (الجواهر).
 
الدائرة الرابعة: الإمضائيات[22]
فإن معرفة حال العقود والإيقاعات ونحوها من الإمضائيات في الشرائع السابقة وفي الأعراف السابقة والمعاصرة لنزول الوحي، ينفع في معرفة ما أمضاه الشرع وما لم يمضه، في أصله أو في حدوده وقيوده.
والمسائل التالية توضح ذلك:
أ ـ الوقف المنقطع الآخر، والوقف على من ينقرض غالباً.
فقد أجمعوا على بطلان الأول، واختلفوا في الثاني على أقوال ثلاثة: إنه باطل، إنه ينقلب حبساً، إنه صحيح وقفاً.
كما فصّله في الجواهر[23] والفقه[24]، فراجع!
وموطن الشاهد: إن معرفة حال الوقف في الأديان السابقة وفي الأعراف السابقة والمعاصرة للإسلام، يصلح دليلاً آخر على الصحة لو كانت إحدى الصورتين موجودة، أو يعضد[25] بها إطلاق ((الوقوف على حسب ما يقفها أهلها))[26]، أو على البطلان بدعوى تقوّي انصراف ((الوقوف على حسب... )) عنهما، فتأمل!
وقد نقل صاحب الرياض[27] تردد بعض الأعلام[28] في الصورة الأولى وإن رده الجواهر[29]، كما احتمل صحتها السيد الوالد (رحمه الله) صناعياً[30]، ولعل من وجوهه عرفية ذلك فيشمله إطلاق ((على حسب...)).
ب ـ العقود المستأنفة، فإنه لو ثبت وجود أي عقد من العقود الجديدة في تلك الأزمنة كان دليلاً على صحتها حتى عند من لا يرى صحة العقود المستأنفة، وعدم شمول (أوْفُوا بِالعُقُودِ) لها[31]، وذلك مثل عقد التأمين وغيره.
ج ـ تحقيق المراد عندهم بـ(نكاح الشغار) وإنه جعل البُضع مهراً أو جعل العقد عليها مهراً، مما ناقش فيه الجواهر مفصّلاً، فراجع[32]!
د ـ وحسم الخلاف في أن (الصلح) عقد آخر قسيم لسائر العقود، أو هو مقسم لها؟ كما ذهب إلى الأخير الشيخ الطوسي[33] إلى غير ذلك[34].
 
الدائرة الخامسة: دائرة الأحكام والموضوعات
والمقصود بها: ما في الموضوع من خصوصية توجب ثبوت الحكم له من سببيةٍ تامة أو ناقصة أو غيرها.
ومما يندرج في دائرة الموضوعات ودائرة الأحكام معاً مبحث (الحمى) موضوعاً وحكماً، إذ قد يبحث عن معناه والمراد به فهذا ملحق بالدائرة الأولى، وقد يبحث عن كونه موجباً شرعاً للملك أو لحق الإختصاص أو لا هذا ولا ذاك فهو بحث عن السببية والحكم الوضعي الانتزاعي.
 
دفع شبهة تاريخيّةِ الفقه
ولكن قد يتوهم مما سبق ذكرُه من ضرورة دراسة علم الأديان والمذاهب والأعراف السابقة على الإسلام والمعاصرة له بنحوٍ مقارن، ومن دعوى كون مثل (لا حمى إلا لله وللرسول) قضية خارجية[35] تاريخية الفقه الإسلامي، و(التاريخية) تعني فيما تعني أن الحكم أو القضية قد تكون صحيحة في حد ذاتها، لكنها خطأ بالقياس إلى الوسط التاريخي الذي ظهرت فيه أو العكس، بأن تكون خطأً في نفسها لكنها صحيحة بلحاظ مجمل الظروف الزمانية والمكانية المكتنفة لها[36]، أو كانت صحيحة بأحد اللحاظين في زمن ثم هي في امتداد الأزمنة اللاحقة خطأ بأحدهما كذلك.
لكن الحق:
أولاً: أنّ شرع الله تعالى هو فوق التاريخ، فهو المهيمن عليه والحاكم لا المحكوم به، لأن الله تعالى لا متناه ولا محدود، ومحيط بالزمان والمكان، فهو القادر على إبداع شريعة غير محدودة بالزمان والمكان.
ثانياً: بل إن الكثير من القضايا مما تعصى عن التأثر بالتحولات التاريخية، ومنها كافة المستقلات العقلية كحسن العدل وقبح الظلم، فإن العدل حسن في كل الظروف والأحوال والأوساط؛ وكذلك إنتاج الأشكال الأربعة، فإنه قطعي لو لم يكن خلل في مادة القضية؛ وكذلك استحالة المعلول بلا علة أو الترجح بلا مرجّح إلى غير ذلك.
ثالثاً: إن التاريخ ظرف للكثير من الأحكام العقلية والشرعية والعرفية، وليس موضوعاً ولا قيداً ولا شرطاً.
رابعاً: إن الشرع قد حدد للناس دوائر مساحات تأثير التاريخ وحدود تأثيراته أيضاً، وذلك ضمن ضوابط وأسس، منها: إن الأصل والقاعدة في قضايا الشارع أنها قضايا حقيقية، وأن حلال محمد (صلى الله عليه وآله) حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة، إذ الإسلام هو الدين الخاتم الخالد، أما القضايا الخارجية فهي الاستثناء، وهي التي تحتاج إلى الدليل، ولذا كان لا بد ـ كما فعلنا ـ من الاستدلال على أن (لا حمى إلا لله وللرسول) هي قضية خارجية.
والحاصل: أن كون التاريخ وظروفه ومكتنفاته الزمانية علة تامة أو مقتضياً، أو كونه أحد المقتضيات أو شرطاً هو الأقل ثبوتاً، وهو المحتاج للدليل إثباتاً، فتدبر جيداً[37]!.
 
الدائرة السادسة: قيود موضوعات الأحكام
وذلك كقوله (صلى الله عليه وآله): ((لا يحل مال امرئٍ مسلمٍ إلا بطيبة نفسٍ منه))[38][39]. وطيبة النفس هي قيد الموضوع[40]، ولكن هل المراد من الطيبه الطيب الظاهري والباطني معاً، أو يكفي الباطني (الأولي)؟ وإن كان الإكراه في مرحلة الظاهر (وبعنوان ثانوي) أو العكس بأن كان مكرهاً في الباطن وطيّب النفس في الظاهر.
ومثاله: الإكراه الأجوائي[41]، كما لو اتفق أصحاب الشركات على دفع أجرٍ منخفضٍ للعمال، أو اتفق أصحاب سيارات الأجرة على رفع الأجور، فإن العامل ههنا غير مجبر ولا ملجأ على أن يجري عقد العمل مع الشركة، ولا هو مكره بشخصه، كما أنّ المسافر ليس مجبراً ولا ملجأ على استئجار السيارة، ولا أكرهه أحد بذاته، لكنه يفعل ذلك نظراً لحاجته، والإكراه من أولئك نوعيٌّ بتمهيد أسبابه المقتضية له؛ ولذا فإنه لا طيبة نفس باطنية (أولية) له وإن طابت نفسه ظاهراً (ثانوياً)، لذا أقدم على إجراء العقد بملء اختياره[42]؛ أو نقول: ليست نفسه طيبة بلحاظ الشيء في نفسه وإن طابت في العمق والباطن، نظراً لملاحظته الأهم والمهم وغير ذلك، أي ليست طيبة بالعنوان الأولي وبلحاظ الشيء بما هو هو، ولكنها طيبة بالعنوان الثانوي.
وهنا: قد يقال بأن الرجوع إلى زمن النص وملاحظة نظائر هذه القضايا في الملل والنحل والأعراف المقارنة أو السابقة على الإسلام قد ينفع في استظهار أحد الطرفين أو تقويته من ((لا يحل مال امرئ إلا بطيبة نفسه)) وأشباهه، وذلك لكثرة وقوع الإكراه الأجوائي في العشائر والعوائل للفتاة على الزواج، وللمرأة على أن تهب صداقها[43] مما نهى القرآن الكريم عنه صريحاً بقوله: (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ)[44] كما قد يستأنس له بالروايات الواردة حول تواطؤ التجار المسافرين إلى الأمصار على رفع الأسعار، فراجعها وتأمل فيها[45]!
 
الدائرة السابعة: القواعد الفقهية مع مقارنتها بما سبق زمن النص
ومن مصاديق ذلك قوله تعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ)[46].
وقوله (صلى الله عليه وآله): ((رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي تِسْعَةُ أَشْيَاءَ، الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَمَا لَا يَعْلَمُونَ وَمَا لَا يُطِيقُونَ وَمَا اضْطُرُّوا إِلَيْهِ وَالْحَسَدُ وَالطِّيَرَةُ وَالتَّفَكُّرُ فِي الْوَسْوَسَةِ فِي الخلق مَا لَمْ يَنْطِقُوا بِشَفَةٍ))[47].
فإن هنالك الكثير من المسائل التي يمكن أن يستدل عليها أو تؤيد، بالاستناد إلى هذه الآية الشريفة وقواعدها ونظائرها.
 
ضمان الناسي للخمس وعدمه
الأولى: هل يصح القول بعدم ضمان من لم يدفع الخمس عند رأس سنته حتى تلف، إذا كان ناسياً قصوراً[48] أو قصوراً مشوباً بالتقصير بل تقصيراً، استناداً للآية بناءً على شمول (لا تُؤَاخِذْنَا) للحكم الوضعي وعدم حصره بالعقوبة الأخروية أو الدنيوية؟ واستناداً لحديث الرفع[49]؟ ثم إنه على فرض الضمان هل يضمن انخفاض قيمة البضاعة أو العملة عن قيمتها في زمن وجوب إخراجها؟
 
بطلان صوم المفطر جاهلاً قاصراً وعدمه
الثانية: ومن ذلك أيضاً إمكان الاستناد إلى الآية في مسألة المفطر عامداً[50] إذا كان جاهلاً بالحكم عن قصور أو تقصير، كما لو جهل مفطرية أكل بقايا الطعام بين الأسنان فأكلها حيث اختلف العلماء على أقوال، فقد ذهب صاحب العروة إلى المفطرية مطلقاً قاصراً كان أم مقصراً، بينما تأمل السيد الوالد (رحمه الله) والسيد الكلبايكاني في بطلان صوم العامد القاصر، كما تأمل السيد حسن القمي في المقصر أيضاً إذا كان معتقداً بالخلاف[51].
وعلى أي، فإنه قد يستدل للرأيين أو الاحتمالين الأخيرين بـ(رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وبحديث الرفع، إضافة لدعوى انصراف أدلة المفطرات عن الجاهل القاصر أو حتى المقصر المعتقد للخلاف، فتأمل!
وموطن الشاهد: أنّ ملاحظة حكم الأمم السابقة في صور النسيان والخطأ، وملاحظة وضع بعض الآصار عليهم ووضع ما يجهدهم مما لا طاقة لهم به، قد تنفع في استظهار التعميم من الآية والرواية كدليل أو مؤيد[52]:
 
مقارنة تاريخية بين أحكامنا وبعض أحكام الأمم السابقة
فقد ورد في الاحتجاج: ((... فقال النبي (صلى الله عليه وآله) لما سمع ذلك: ((أما إذ فعلت ذلك بي وبأمتي فزدني))، قال تعالى: سل، قال: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)، قال الله عزوجل:
أ ـ لست أؤاخذ أمتك بالنسيان والخطأ لكرامتك علي، وكانت الأمم السالفة إذا نسوا ما ذكروا به فتحت عليهم أبواب العذاب، وقد رفعت ذلك عن أمتك.
ب ـ وكانت الأمم السالفة إذا اخطؤوا أخذوا بالخطأ وعوقبوا عليه، وقد رفعت ذلك عن أمتك لكرامتك علي. فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ((اللهم إذ أعطيتني ذلك فزدني))، فقال الله تعالى له: سل، قال: (رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا) يعني بالإصر الشدائد التي كانت على من كان قبلنا، فأجابه الله إلى ذلك، فقال تبارك اسمه: ((قد رفعت عن أمتك الآصار التي كانت على الأمم السالفة:
ج ـ كنت لا أقبل صلاتهم إلا في بقاع من الأرض معلومة اخترتها لهم وإن بعدت، وقد جعلت الأرض كلها لأمتك، مسجداً وطهوراً، فهذه من الآصار التي كانت على الأمم قبلك فرفعتها عن أمتك.
د ـ وكانت الأمم السالفة إذا أصابهم أذى من نجاسة قرضوها من أجسادهم، وقد جعلت الماء لأمتك طهوراً، فهذه من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك.
هـ ـ وكانت الأمم السالفة تحمل قرابينها على أعناقها إلى بيت المقدس، فمن قبلت ذلك منه أرسلت عليه ناراً فأكلته فرجع مسروراً، ومن لم أقبل ذلك منه رجع مثبوراً[53]، وقد جعلت قربان أمتك في بطون فقرائها ومساكينها، فمن قبلت ذلك منه أضعفت ذلك له أضعافا مضاعفة، ومن لم أقبل ذلك منه رفعت عنه عقوبات الدنيا، وقد رفعت ذلك عن أمتك وهي من الآصار التي كانت على من كان قبلك.
و ـ وكانت الأمم السالفة صلاتها مفروضة عليها في ظلم الليل وأنصاف النهار، وهي من الشدائد التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك، وفرضت عليهم صلواتهم في أطراف الليل والنهار، وفي أوقات نشاطهم.
ز ـ وكانت الأمم السالفة قد فرضت عليهم خمسين صلاة في خمسين وقتاً، وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك وجعلتها خمساً في خمسة أوقات وهي إحدى وخمسون ركعة، وجعلت لهم أجر خمسين صلاة.
ح ـ وكانت الأمم السالفة حسنتهم بحسنة وسيئتهم بسيئة، وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك، وجعلت الحسنة بعشرة والسيئة بواحدة.
ط ـ وكانت الأمم السالفة إذا نوى أحدهم حسنة ثم لم يعملها لم تكتب له وإن عملها كتبت له حسنة، وإن أمتك إذا همَّ أحدهم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة، وإن عملها كتبت له عشراً، وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك.
ي ـ وكانت الأمم السالفة إذا همَّ أحدهم بسيئة ثم لم يعملها لم تكتب عليه وإن عملها كتبت عليه سيئة، وإن أمتك إذا هم أحدهم بسيئة ثم لم يعملها كتبت له حسنة، وهذه من الآصار التي كانت عليهم فرفعت ذلك عن أمتك.
ك ـ وكانت الأمم السالفة إذا أذنبوا كتبت ذنوبهم على أبوابهم وجعلت توبتهم من الذنوب أن حرمت عليهم بعد التوبة أحب الطعام إليهم، وقد رفعت ذلك عن أمتك وجعلت ذنوبهم فيما بيني وبينهم، وجعلت عليهم ستوراً كثيفة، وقبلت توبتهم بلا عقوبة، ولا أعاقبهم بأن أحرم عليهم أحب الطعام إليهم.
ل ـ وكانت الأمم السالفة يتوب أحدهم من الذنب الواحد[54] مئة سنة أو ثمانين سنة أو خمسين سنة ثم لا أقبل توبته دون أن أعاقبه في الدنيا بعقوبة، وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك، وإن الرجل من أمتك ليذنب عشرين سنة أو ثلاثين سنة أو أربعين سنة أو مئة سنة ثم يتوب ويندم طرفة العين، فأغفر له ذلك كله.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ((اللهم إذ أعطيتني ذلك كله فزدني))، قال: سل، قال: (وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ) قال تبارك اسمه: قد فعلت ذلك بأمتك، وقد رفعت عنهم عظم بلايا الأمم، وذلك حكمي في جميع الأمم أن لا أكلف خلقاً فوق طاقتهم، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): (وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلاَنَا)، قال الله عزوجل: قد فعلت ذلك بتائبي[55] أمتك))[56].
كما ورد في روايات أخرى في تفسير (وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) التمثيل بتكليف بني إسرائيل قتل أنفسهم، وبالتيه أربعين سنة، إلى غير ذلك كما نقل بعضها في تفسير البيان والبحار وغيرهما.
والحاصل: أنّ هذه الآصار كانت عليهم وقد رفعت عنا، فهل يؤكد ذلك الإطلاق في الآية ليشمل الأحكام الوضعية وليشمل النسيان والخطأ عن قصور أو عن قصور مشوب بالتقصير، وليرفع الآصار الأخرى كالاستدلال بالآية على رفع الضرائب[57]، ورفع القوانين الكابتة للحريات من سفر وحضر وإقامة وتجارة وزراعة وغير ذلك أو لا[58]؟
 ---------------------------
 
 
[5] مثلاً: كانوا يرون ـ كما يرى الغرب الآن ـ التبني موجباً للمحرمية والإرث، والنسب الحقيقي وشبه ذلك، فيتضح أنه المنفي دون مجرد اعتباره إبناً مجرداً عن هذه الاعتبارات، وأما دعوته باسم أبيه الجديد فهي محرمة بناء على ظاهر الآية (ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ) (سورة الأحزاب :5)، وأنه مولوي كما استظهره الشيخ الطوسي في (التبيان: ج8 ص315 ـ 316). والسيد الوالد (رحمه الله) في (الفقه ـ كتاب الواجبات والمحرمات ـ: ج92 ص105 حرف الدال)، وقد يناقش فيه بأن ظاهر (هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ) أن الأمر للإرشاد، فتأمل! وللأخذ والرد مجال آخر.
(2) الوسائل: ج1 ص34 باب 2 من أبواب مقدمة العبادات ح12.

 

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : 28 رجب 1438هـ  ||  القرّاء : 22436



 
 

برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net